استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، وتفاقم الأوضاع الإنسانية في السودان في ظل الحرب الأهلية الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، مروراً بالعدوان الإسرائيلي على لبنان، واغتيالات قادة الصفوف الأولى في "محور المقاومة"، انتهاءً بـ"سقوط الأبد للأبد" في سوريا، رسمت هذه الأحداث جميعها ملامح المنطقة العربية في 2024.
وفي ظل فوز دونالد ترامب بفترة رئاسة جديدة للولايات المتحدة الأمريكية، يبدو أنه ينتظرنا الكثير في العام الوشيك، 2025. هذه هي قائمة أبرز الأحداث التي شهدتها المنطقة وأثّرت فيها سلباً وإيجاباً في العام الذي شارف الانتهاء.
1- استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة
لم تتوقف الحرب الإسرائيلية على غزة في 2024 كما كان مأمولاً بل زادت وحشية وعنفاً، وتمادت إسرائيل في القتل والتشريد والتدمير حتّى لم يعد هناك موطىء قدم آمن في القطاع، وفق الأمم المتحدة.
ساهم في استشراس إسرائيل عجزُ المجتمع الدولي عن إصدار أي إدانة ولو شكلية لجرائمها بحق سكان غزة، وأيضاً نجاحها في تنفيذ عمليات اغتيال نوعية وغير مسبوقة لقادة الصفوف الأولى في حركة حماس داخل القطاع وخارجه.
من أبرز القادة الذين اغتالتهم إسرائيل في الحركة خلال 2024 إسماعيل هنية في طهران، وخلفه يحيى السنوار في عملية "لم يكن مرتباً لها" في غزة، وصالح العاروري في بيروت، بالتزامن مع نجاحها في اغتيال قادة الصف الأول في حزب الله الذي شكّل جبهة إسناد لغزة منذ العام الماضي، وفي مقدمتهم حسن نصر الله وفؤاد شكر وهاشم صفي الدين.
جعلت الحرب الإسرائيلية على غزة -حتّى الآن- القطاع "مقبرة، حيث كل الطرق تؤدي إلى الموت، وهناك "مليونا شخص يواجهون جوعاً حاداً" وفق لبرنامج الأغذية العالمي، علاوة على قتلها أكثر من 50 ألف شخص وجرح نحو 100 ألف وتشريد قرابة 1.8 مليون شخص من سكان القطاع، غالبيتهم نزحوا عدة مرات.
استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، وتفاقم الأوضاع الإنسانية في السودان في ظل الحرب الأهلية الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، مروراً بالعدوان الإسرائيلي على لبنان، انتهاءً بـ"سقوط الأبد للأبد" في سوريا… أحداث رسمت ملامح المنطقة العربية في 2024
2- جلسات مقاضاة جنوب أفريقيا لإسرائيل في محكمة العدل الدولية
في حين أن قرارات محكمة العدل الدولية تكون ملزمة للدول الأطراف في النزاع، ولكن قضاتها ليست لديهم سلطة لفرض الأحكام التي يصدرونها، كانت جلسات محاكمة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، مطلع عام 2024، في الدعوى التي رفعها جنوب أفريقيا ضدها وتتعلّق باتهام إسرائيل بارتكاب الإبادة الجماعية في غزة، مبعث أمل على نطاق واسع في فلسطين والدول العربية وفي الشتات العربي.
انتهت المرحلة الأولى من المحاكمة، واتخذت المحكمة بعض "التدابير" التي رأتها ضرورية لمنع تفاقم النزاع. وما تزال المرحلة الثانية قائمة وتتمثّل في نظر النزاع و"معقولية" الاتهامات، وهي مرحلة يقول خبراء إنها " قد تستغرق سنوات".
لاحقاً، أصدرت المحكمة مذكرتي ضبط بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، بتهم التسبب في الإبادة، وفي المجاعة كوسيلة من وسائل الحرب، بما في ذلك منع المساعدات الإنسانية، واستهداف المدنيين عمداً.
علاوة على مذكرات اعتقال بحق كل يحيى السنوار، والقائد العسكري في حماس محمد ضيف، ورئيس حركة حماس إسماعيل هنية بتهم الإبادة (قبل أن تغتال إسرائيل الأول والأخير وتزعم اغتيال الثاني)، والقتل، واحتجاز رهائن، والاغتصاب، والاعتداء الجنسي أثناء الاحتجاز.
ما تزال أمام المحكمة الكثير، لكن احتمال إدانة إسرائيل أخيراً على جرائمها، وخاصةً أن الدعوى رفعتها دولة عانت ويلات التمييز العرقي، منح الكثير من المواطنين الفلسطينيين والعرب آمالاً عريضة هذه السنة وشعوراً بالدعم الفعّال الذي افتقده الفلسطينيون طويلاً بما في ذلك من أنظمة عربية قوية.
3- العدوان الإسرائيلي على لبنان
كان عام 2024 صاخباً ومتعدد التقلّبات في لبنان، وإن كانت غالبيتها هبوطاً أو في سياق مأسوي. تصاعد العدوان الإسرائيلي المتكرر على لبنان منذ 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 هذا العام ليتحوّل إلى عدوان مستمر منذ 23 أيلول/ سبتمبر 2024، ثم إلى حرب مستعرة انتهت بقرار وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ اعتباراً من فجر 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024. وإن لم تتوقف "الخروقات" والاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية منذ ذلك الحين.
تفجيرات البيجر وأجهزة اللاسلكي، واغتيالات الصفّ الأول من قيادات حزب الله وفي مقدمتهم الأمين العام نحو ثلاثة عقود حسن نصر الله وخلفه هاشم صفي الدين والقائد العسكري البارز فؤاد شكر وغيرهم، وموجات النزوح الكبيرة داخل لبنان ومنه إلى سوريا والعراق جميعها عناوين عريضة تعكس معاناة متعددة الأصعدة عاشها اللبنانيون وتفاعل معها العرب خلال السنة المنقضية.
وفي حين أن الدمار الذي خلفته الحرب الإسرائيلية هائل بما في ذلك تفجير قرى بأكملها، لا تزال خطّة "إعادة الإعمار" غير واضحة المعالم إلى الآن، يبقى اتفاق وقف إطلاق النار -وما تبعه من عودة النازحين إلى بلداتهم- النقطة الوحيدة المضيئة في عام اللبنانيين.
4- استمرار الحرب في السودان
للعام الثاني على التوالي، تواصلت الحرب الأهلية في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع وبلغت مستوى غير مسبوق منذ بدايتها منتصف نيسان/ أبريل 2023 من حيث انتهاك حقوق الإنسان والعنف ضد النساء والفتيات، واستهداف وتعذيب المدنيين/ات وتفاقم تبعات الحرب المتصلة بالنزوح والجوع وغيرهما.
وقبل أيام، دقّت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ناقوس الخطر بشأن الارتفاع الأخير في عدد الأشخاص الفارين من الحرب في السودان بعدما نزح نحو 12 مليون شخص في السودان، بما في ذلك أكثر من 3 ملايين لجأوا إلى البلدان المجاورة، منذ بداية الحرب. وهو ما جعل الأمم المتحدة تصنّف الوضع في البلاد بأنه "واحدة من أكبر أزمات النزوح وأكثرها إلحاحاً في العالم".
وأخيراً، حذّرت مديرة قسم العمليات والمناصرة في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، إديم وسورنو، من أن "الملايين يطاردهم خطر المجاعة، في أكبر أزمة جوع في العالم، فيما العنف الجنسي منتشر، والمنشآت التعليمية والصحية في حالة خراب، بينما تنتشر الكوليرا وأمراض أخرى". وبحسب الأمين العام أنطونيو غوتيريش، فإن "عام 2024 هو العام الأكثر دموية على الإطلاق بالنسبة لعمال الإغاثة في السودان"، ما يعرقل الاستجابة الإنسانية في البلاد ويفاقم الأوضاع سوءاً.
5- القمة العربية في البحرين
في 16 أيار/ مايو 2024، عُقدت في العاصمة البحرينية المنامة، أعمال القمة العربية في دورتها الثالثة والثلاثين، في وقت شديد الأهمية بسبب الملفات الساخنة التي كان على القادة العرب التعامل معها، وفي مقدمتها استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، واستمرار الحرب في السودان وتفاقم الأزمة الإنسانية هناك، علاوة على الأوضاع المأزومة في كل من سوريا واليمن ولبنان والصومال وغير ذلك مما يواجه المنطقة من تحديات إقليمية.
على الرغم من إشادة الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، بأهمية الدورة التي "اتسمت بالسلاسة والهدوء" و"البعد كل البعد عن الخلافات" و"الحضور الذي تجاوز الدورات السابقة"، لم تكن نتائج القمة العربية على مستوى التطورات في المنطقة بل لم تقم بأي إجراء فعال لأجل تحسين الوضع في أي من الدول العربية المنكوبة بالحروب والنزاعات.
في الختام، "أوصت" القمة بنشر "قوات حماية وحفظ سلام" دولية في الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى حين تنفيذ حل الدولتين، داعيةً جميع الفصائل الفلسطينية إلى الانضواء تحت مظلّة منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها "الممثّل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني". ووافقت على الدعوة إلى "عقد مؤتمر دولي تحت رعاية الأمم المتحدة، لحل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين" علاوة على تنسيق إيصال المساعدات الإنسانية لأهل غزة.
وفي ما يخصّ الشأن السوري -قبل سقوط النظام في نهاية العام- حثّ البيان الختامي على ضرورة إنهاء الأزمة السورية بما يتوائم مع قرار مجلس الأمن رقم 2254. علاوة على دعوة عامة إلى تحسين الوضع الصحي والوضع التعليمي في الدول العربية. ولم تظهر أية خطوات جادة لتنفيذ هذه "التوصيات" حتى نشر هذه السطور.
6- عودة ترامب لرئاسة أمريكا
أربكت عودة دونالد ترامب إلى الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية بعد فوزه في الانتخابات التي أُجريت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، الحسابات ومن المؤكد أن لها تبعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وقد أثارت التساؤلات حول شكل المنطقة في 4 سنوات جديدة من حكمه، وحول ما قد يترتب على مواصلته تنفيذ مشاريعه البراغماتية مستنزفاً موارد المنطقة وثرواتها.
في تقارير مفصّلة، ناقشنا انعكاسات عودة ترامب للحكم على عدة ملفات مهمّة، في مقدمتها ملف الصحراء الغربية، ومنظمة أوبك وتحالفات الدول فيها، وأكراد سوريا وعلاقتهم بالولايات المتحدة الأمريكية، وعلاقة موسكو بطهران ومصالحهما في المنطقة، وعلى الأنظمة في دول منها مصر والعراق.
كما ناقش رصيف22 إمكانية عمل ترامب وفق نظرية "الفطيرة الطازجة" وفرضها على دول المنطقة، وشكل مستقبل العالم في ظل تصدّر أشخاص مثل ترامب وإيلون ماسك المشهد.
أربكت عودة ترامب إلى الحكم الحسابات ومن المؤكد أن لها تبعات في المنطقة وقد أثارت التساؤلات حول شكل المنطقة في 4 سنوات جديدة من حكمه، وحول ما قد يترتّب على مواصلته تنفيذ مشاريعه البراغماتية مستنزفاً موارد المنطقة وثرواتها
7- إسقاط نظام بشار الأسد في سوريا
في 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، شنّت فصائل المعارضة السورية المسلحة، بقيادة "هيئة تحرير الشام" عملية أطلقت عليها اسم "ردع العدوان" ضد النظام السوري والميليشيات الإيرانية المتحالفة معه في ريف دمشق الغربي.
لم يكن أكثر المتفائلين من السوريين وغيرهم يتوقّعون أن تنتهي العملية بإسقاط نظام بشار الأسد الذي هرب في الساعات الأولى من صباح الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024 إلى العاصمة الروسية موسكو.
وفي حين بقيت العديد من الملفات غير محسومة أو حتى غير واضحة، مثل قضية آلاف المعتقلين والمخفين قسرياً في سجون الأسد ومستقبل نظام الحكم والقيادة في البلاد ومساءلة رموز النظام الساقط، فإنّ انتهاء حكم عائلة الأسد بعد أكثر من 50 عاماً من القمع كان وسيظل علامة فارقة في تاريخ سوريا والمنطقة.
كما أن للأمر تبعات متعددة على الكثير من دول المنطقة وعلى التدخلات الخارجية لا سيّما إيران وروسيا وتركيا وأجنداتها. وقد أدى تسارع الأحداث غير المتوقع إلى تدخلات تركية عسكرية وسياسية خصوصاً في الشمال السوري، وإلى ضربات جوية إسرائيلية على المواقع العسكرية التابعة للجيش السوري، واحتلال مناطق إستراتيجية من جبل الشيخ وهضبة الجولان.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ اسبوعينلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...