شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
سقوط نظام الأسد في سوريا مقدمة لسقوط المشروع الإيراني في المركز؟

سقوط نظام الأسد في سوريا مقدمة لسقوط المشروع الإيراني في المركز؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتطرف

الأربعاء 11 ديسمبر 202402:23 م

سيُسال الكثير من الحبر في الكتابة عن سقوط نظام الإجرام السوري، إجرام بدأه بسوريا والسوريين وتوسع لاحقاً ليغطي فضاء المنطقة، من خلال تصديره أدوات الأزمة وعدم الاستقرار إلى دول الجوار قاطبةً، بدلاً من التعاون الإقليمي القائم على تفعيل مسارات الدبلوماسية والتجارة، مع تصدير التكنولوجيا والخدمات أسوة بالدول الطموحة.

قبل أسبوعين من سقوطه، كان نظام الأسد مستمراً بالتلاعب على مؤرقات الدول الإقليمية والدولية، لحصد مكاسب سياسية واقتصادية تعزز بقاءه في السلطة، وفك قيود العزلة الإقليمية والدولية المفروضة على نظامه، نتيجة ممارساته الإجرامية بحق الشعب السوري، مع الإصرار على رفض أي مبادرات أو حلول سياسية تخرج سوريا من عنق الزجاجة الخانق.
وفي تطور دراماتيكي ومفاجئ، ولعلّه غير متوقع لفاعليه، وصلت فصائل المعارضة المسلحة بقيادة "هيئة تحرير الشام" إلى قلب العاصمة السورية دمشق، بعد شنّها بدايةً هجوماً عسكرياً بهدف دفع العدوان عن مناطق إدلب وغرب حلب، وهو ما يمكن قراءته من تسمية العملية بـ"ردع العدوان". لكن ظهور مؤشرات انهيار خطوط دفاع نظام الأسد، وغياب ملحوظ للمساعدة الجوية الروسية لهذا النظام، شجّع الفصائل على متابعة مسيرتها ودخول حلب. 
في تحول لافت، غيّرت إيران من خطابها ووصفها للمعارضة وفصائلها، من اتهام مزمن للأخيرة بالإرهاب والارتباط بالمشروع "الصهيو-أمريكي" حيث تسعى، بعد أن أيقنت من سقوط حليفها، إلى شق طريق وتعبيده مع النظام السوري القادم
ما بعد حلب، ولا سيما بعد معارك عنيفة نوعياً في محيط حماة، تعزّز اقتناع فصائل المعارضة المسلحة بانهيار قوات النظام. فتابعت مسيرتها تجاه حمص، وفيها ظهرت مؤشرات زوال نظام الأسد نهائياً، بعد انتفاضة محافظات الجنوب السوري وفرض سيطرتها على مدنها وبلداتها، وتمددها تجاه العاصمة دمشق. وأهم من ذلك، تقديم قوى المعارضة لخطاب وسلوك طمأنا السوريين، وطمأنت معهم الدول الفاعلة بالشأن السوري. إلى جانب مؤشرات توافق الدول الفاعلة، والداعمة لنظام الأسد تحديداً، على تركه يلقى مصيره المحتوم، نتيجة وضوح عدم إمكانية هذا النظام عن الدفاع عن نفسه بدون دعم خارجي وازن، ونتيجة إزعاجه المتكرر لروسيا بعرقلة وساطتها لتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، مع تعطيل أي مسار سياسي، ولو ضمن المنطق الروسي لحل الحالة السورية. 
وإلى جانب انزعاج موسكو، لم يخف أيضاً انزعاج طهران مؤخراً من تجنّب الأسد مشاركة ما يسمى "محور المقاومة"، في معركته المصيرية المفتوحة مع إسرائيل، وهو الذي يحتل مكانة مرموقة في هذا "المحور". على العكس، نظرت حكومة دمشق إلى الحريق الإقليمي كبوابة لبازار سياسي يمنحها مكاسب سياسية واقتصادية، وإقليمية ودولية.  
وفي تحول لافت، غيّرت إيران من خطابها ووصفها للمعارضة وفصائلها، بعد اتهام مزمن للأخيرة بالإرهاب والارتباط بالمشروع "الصهيو-أمريكي"، وسواهما من الأوصاف. ومع هذا التحول، تسعى طهران، بعد أن أيقنت من سقوط حليفها في دمشق، إذ حاول على مدار العام الماضي عقد تفاهمات أو صفقات على حساب نفوذ طهران في سوريا، إلى شق طريق وتعبيده مع النظام السوري القادم. 
لكن فعلياً، هل يتم تعبيد هذا الطريق مع الحكم السوري الجديد؟ لا مؤشرات تدل على ذلك حالياً، لا سيما مع قناعة قد تكون طالت المقربين لإيران قبل معاديها ومقاومي مشروعها الإقليمي التوسعي، عبر نشر الفكرين الطائفي والميليشياوي، مع التدخل الدائم بصلب القضايا الداخلية لدول الإقليم، من خلال تصّدرها لـ"نصرة المظلومين"، مع تصدير مبدأي "تصدير الثورة" و"ولاية الفقيه". وقد يكون الأهم من ذلك، تخليها عن حلفائها وشركائها على مذابح الصفقات ومتارس حماية النظام الإيراني فقط. 
بجانب ذلك، ما بدا سابقاً، وسيتعزز لاحقاً بالأغلب، هو تلاقي أغلب الفاعلين الإقليميين والدوليين على إخراج إيران من سوريا، أو تحجيم نفوذها ضمن حدود مقبولة. فروسيا التي تلاقت مع إيران بالدفاع عن نظام الأسد، ظلت متباينة معها في عدد من القضايا السياسية والاقتصادية والعسكرية، وحتى الاستراتيجية. وحالياً، إن استمر النفوذ الروسي على وزنه السابق في سوريا، وهو المرجح، فستكون موسكو مرتاحة بعد تقاسم النفوذ في الجغرافية السورية مع أنقرة والعواصم الخليجية والعربية. فعلى الرغم من إبداء طهران لموثوقية الشراكة المحتملة مع موسكو، عبر دعم المجهود الحربي الروسي في الحرب الأوكرانية، تبدو نيران هذه الحرب على مشارف الإخماد، مع قدوم إدارة أمريكية جديدة راغبة في ذلك، مما يخفف من حاجة روسيا لإيران في هذه الساحة، باعتبارها المحرك الأقوى لتسريع تطور علاقة الجانبين.  
علماً أن هناك تباينات روسية إيرانية في أكثر من فضاء جيوسياسي، لا سيما في جنوب القوقاز، مع تشاركهما في نقطة بيع كل منهما للآخر في مفاوضاتهما مع الولايات المتحدة الأمريكية والعالم الغربي عموماً، اللذين تحتاجهما الدولتان لمصالحهما الاستراتيجية والحيوية. وبالنظر لقدراتهما الطاقوية الوازنة عالمياً، تبقى المنافسات علامة مميزة لعلاقاتهما في هذه الساحة، كما تتناقضان في بعض المشاريع، كحال خط إمداد الطاقة الفارسي/الإسلامي عبر سوريا، الذي وقعته طهران مع حكومة دمشق في ربيع عام 2011، ضمن مساعيها للوصول إلى السوق الأوربية المتعطشة للطاقة. وهو ما يحيد سلاح الطاقة التي تستخدمه موسكو تجاه العواصم الأوروبية. وتالياً، غير مقبول لدى موسكو، التي تفضّل دعم جهود أنقرة الهادفة لتحويل تركيا إلى خزان الطاقة الإقليمي ونقطة محورية في طرق إمدادها.  
والأرجح أن تعمل كل من تركيا وإسرائيل على استغلال زوايا انحسار الوجود والنفوذ الإيراني في سوريا على تمدد نفوذ الأولى، ومنع عودة هذا الوجود أو النفوذ الإيراني الوازن في سوريا بالنسبة للثانية. فيما ستعمل دول الجوار العربي على إعادة توجيه اهتمامها إلى سوريا، لمواجهة أي مخاطر محتملة تهدد سوريا أو تنطلق منها، سواء منها إعادة إيران لوجودها ونفوذها السابق، أو تضخم النفوذ التركي لدرجة مقلقة للدول العربية، أو إسهاب إسرائيل في تنفيذ مخططاتها على حساب الجغرافية السورية، أو لدفع ومواجهة انزلاق المشهد السوري إلى أتون الحرب الأهلية، أو اتخاذ سوريا مقر ومنطلق للجماعات الجهادية العابرة للحدود. وهو ما سيؤدي لزعزعة استقرار المنطقة، الهش أصلاً، في ظل استمرار حالة الحرب الإسرائيلية المفتوحة على غزة وعلى كامل الجغرافية السياسية الحاضنة لوكلاء إيران الإقليميين. 
الأرجح أن تعمل كل من تركيا وإسرائيل على استغلال زوايا انحسار الوجود والنفوذ الإيراني في سوريا على تمدد نفوذ الأولى، ومنع عودة هذا الوجود أو النفوذ الإيراني الوازن في سوريا بالنسبة للثانية. فيما ستعمل دول الجوار العربي على إعادة توجيه اهتمامها إلى سوريا، لمواجهة أي مخاطر محتملة تهدد سوريا أو تنطلق منها
وفي ظل هذا المشهد الإقليمي، يبدو السؤال مبرراً عن مآل المشروع الإيراني وأدواته الفاعلة. فبعد سقوط نظام الأسد، خسرت طهران حليفها "الحكومي" الوحيد في المنطقة. ومع فقدان "حزب الله" اللبناني، حليف طهران غير الحكومي الأقوى ودرة تاج مشروعها الإقليمي، للكثير من قدراته القتالية والتسليحية، والقيادية أيضاً، خلال صراعه الساخن والبارد مع إسرائيل على خلفية جبهة الإسناد لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" بعد عملية "طوفان الأقصى" خريف 2023. ومع خسائر "حماس" الفادحة والمدمرة، والتي لا تزال مفتوحة، وهي شريك لطهران فيما يسمى "محور المقاومة"، تكون طهران قد خسرت خلال أربعة عشر شهراً ما عملت على بنائه منذ عقود أربعة، رغم الضبابية التي تحيط بتقييم قدرات حزب الله وحماس السياسية والعسكرية. 
على ذلك، يبقى العراق واليمن الموقعان اللذان لم ينلْهما ما نال باقي حلقات المحور الإيراني. وفيما تختلف جماعة "أنصار الله" اليمينية المعروفة بالحوثيين عن باقي أذرع المشروع الإيراني بمنسوب أقل لنفوذ طهران في بنيتها التنظيمية، أو للحاجة الماسة لأموال إيرانية أو قدرات تسليحية، بجانب تباينها مع أيدولوجيا النظام الإيراني القائم على مبدأ "ولاية الفقيه". وبالمحصلة، تلاقي "الحوثيين" مع طهران نتيجة مصالح متبادلة للطرفين، لم يجعل الجماعة اليمينة المسلحة أسيرة لسياسات إيران، إن لم نقل إنهم استخدموا/يستخدمون الأخيرة لتحقيق مصالحهم المحلية والإقليمية أكثر مما استخدمتهم/تستخدمهم طهران لصالح استراتيجيتها الأوسع. وعليه، لم يعد لدى إيران سوى بعض الفصائل العراقية التي تنهج مواقف مغايرة لمواقف حكومة بغداد، أو لمواقف فصائل الحشد الشعبي الأخرى، والتي باتت تدعم بعض مواقف رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بالانفتاح على المحيط العربي وتجنيب العراق أي استقطاب أو صراع إقليمي لحساب إيران. وقد يكون حسم انفلات هذه الفصائل خارج الشرعية العراقية آخر حلقات تحطيم المشروع الإيراني الإقليمي التوسعي. ولعل سرعة انهيار نظام الأسد، ستغري الفاعلين المحليين أو الإقليميين أو الدوليين للمضي قدما بهذا الاتجاه. 
حينذاك يمكن التساؤل عن مستقبل النظام الإيراني ذاته بعد الانكسارات والهزائم التي تعرض لها وكلاؤها الإقليميون، الذين تم إعدادهم وتقويتهم كحصون متقدمة للدفاع عن النظام الإيراني، ضمن عقيدة "الدفاع الأمامي". وبعد تحطم جدار الخوف والسرية لدى كل من إيران وإسرائيل لتنفيذ ضربات متبادلة من أراضيهما، مع التهديدات الإسرائيلية الجدية لتوجيه ضربة قاسمة تطال البرنامج النووي الإيراني وتوابعه، وعدم تفويت هذه الفرصة ثانيةً في ظل اللهيب الإقليمي وانكسارات شملت وكلاء إيران الإقليميين. بالإضافة لقدوم إدارة أمريكية عنوانها "الكره لإيران والدعم المطلق لإسرائيل".

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

جميعنا عانينا. عانينا كثيراً، ولا نزال نعاني، من انتشار الجماعات المتطرفة والأفكار المتطرفة، ولذلك نحرص في رصيف22 على التصدي لها وتفكيك خطاباتها، ولكن نحرص أيضاً، وبشدّة، على عدم الانجرار إلى "شرعنة" ممارسات الأنظمة التسلطية، لأن الاستبداد أحد أسباب ظاهرة التطرّف، ولا يمكن التصدي لها بمزيد من الاستبداد. لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image