شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
معركة حلب... انقسام سوري وأهداف غير سورية

معركة حلب... انقسام سوري وأهداف غير سورية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

السبت 30 نوفمبر 202402:45 م
انقسم السوريون وهم يشاهدون فيديوهات سيطرة مقاتلي "جبهة تحرير الشام" وفصائل حليفة لها على معظم أحياء مدينة حلب وقبل ذلك مناطق واسعة في الريف، وسط انهيارات دراماتيكية في صفوف جيش النظام السوري والميليشيات الإيرانية المساندة له. خلال ثلاثة أيام وبعد إطلاق عملية عسكرية سمُيت "ردع العدوان"، تزامناً مع بدء تطبيق وقف إطلاق النار في لبنان بين "حزب الله" وإسرائيل، سيطر مقاتلو الجبهة وحلفاؤهم على عشرات البلدات والقرى في الريف، وصولاً إلى قلب حلب، حيث وثقوا بمقاطع مصورة وجودهم قرب قلعتها، وفي ساحة سعد الله الجابري الشهيرة، وفي قصر المحافظ، ومقر قيادة الشرطة.
وتبدّى الانقسام السوري في ثلاثة أطراف. طرف أبدى فرحه لما يحصل من دون تحفظ، معتبراً أن ما حدث امتداد للثورة السورية التي انطلقت ضد النظام في 2011، انطلاقاً من كون استعادة حلب ستحرم نظام الرئيس السوري بشار الأسد ثاني أكبر مدينة في البلاد. أنصار هذا الرأي، ومعظمهم إسلاميون، قدموا حججاً إضافية، من نوع أن المعركة ستساهم بإخراج المليشيات الموالية لإيران من المنطقة، وستعيد أكثر من مليون نازح كان هجرهم النظام وروسيا منها، وستفرض وقائع جديدة في السياسة، أهمها تقديم النظام تنازلات. 
تبدّى الانقسام السوري في ثلاثة أطراف. طرف أبدى فرحه لما يحصل من دون تحفظ، معتبراً أن ما حدث امتداد للثورة السورية التي انطلقت ضد النظام في 2011، وطرف ثان تحفّظ بشدة على ما يجري، معتبراً إياه تكراراً لفشل سبق أن وقعت فيه الفصائل. أما الطرف الثالث، فقد بدى الأقل إقناعاً، إذ عبّر عن فرحه لـ"تحرير" حلب، لكنه تحفظ عن القوى التي نفذت هذا "التحرير"
طرف ثان تحفّظ بشدة على ما يجري، معتبراً إياه تكراراً لفشل سبق أن وقعت فيه الفصائل عبر السيطرة على المدن وجعلها هدفاً سهلاً للطيران، ما يعني، سيناريو خراب وتدمير يفاقم معاناة سكان المدينة الذين يعيشون أصلاً، كبقية سكان سوريا، أوضاعاً اقتصادية كارثية. أنصار هذا الرأي، ومعظمهم علمانيون يتحدرون من أصول أقلوية، أبدوا حذرهم كذلك، من طبيعة القوى التي تنفذ العملية، باعتبار أن رأس حربة هذه القوى هي جبهة "النصرة" المصنفة "تنظيما إرهابياً"، ما قد يثير مخاوف أهالي المدينة الذين تحدثت تقارير عن نزوحهم من منازلهم مع ورود أنباء عن تقدم المهاجمين ووصولهم إلى مشارف حلب.
أما الطرف الثالث، فقد بدى الأقل إقناعاً، إذ عبّر عن فرحه لـ"تحرير" حلب، لكنه تحفظ عن القوى التي نفذت هذا "التحرير"، بمعنى، الموافقة على النتيجة، لكن رفض الفاعل الذي أتى بها. أصحاب هذا المنطق وجدوا في السيطرة على المدينة مكسباً يتمثل بخروج النظام والقوات الموالية لإيران منها، مع التمسك بعدم تحوّل حلب إلى إمارة إسلامية على غرار إدلب، وكأن القوى الإسلامية "ستحرر" حلب بعملية عسكرية ضخمة وتتكبد خسائر ثم تسلّمها لقوى مدنية تحكمها.
الانقسام هذا بخريطته المعتادة، بدا تكراراً مملاً لأي انقسام حول كل حدث يقع في سوريا. إسلاميون يناصرون الثورة دون تحفظات أو نقد، في جهة، وعلمانيون مطعّمون بمخاوف أقلوّية في جهة مقابلة، يشككون ويحذرون، فيما طرف ثالث يتمثل بيسار "الصواب السياسي" الساعي إلى مناصرة كل القضايا معاً، يتموضع في الوسط، وسط حيرة عقيمة لا تنتج شيئاً.
والأهم أن الأطراف الثلاثة يأخذون المواقف عن بعد من دون أن يكون لهم أي فاعلية، ومثلهم الإسلاميون المؤيديون لمعركة حلب بلا تحفظ، علماً أن معظمهم في الدول الغربية (على مل يلاحظ من حساباتهم الفيسبوكية) ويرفضون، بطبيعة الحال، العودة إلى أي مدينة "تحررها" الفصائل المتطرفة. 
بوضوح أكثر، المواقف منفصلة عن الواقع والقوى المتحكمة به، مصدرها إيديولوجيات وأمزجة ومخاوف وأوهام حول استعادة اللحظة الأولى من الثورة. السوريون ما زالوا يفكرون بقضيتهم، فيما الفاعلون على الأرض غادروا هذه القضية منذ زمن، ودخلوا طور الاستثمار فيها. وبين القضية والاستثمار مسافة شاسعة، في الأولى تحقق أهدافك، وفي الثاني يحقق الغير أهدافه.
والأرجح أن ما حصل في حلب وريفها هو الاستثمار بالقضية السورية وليس تحقيق فوائد لها. فالضعف الذي أصاب ميليشيات إيران، نتيجة الحرب الإسرائيلية عليها في لبنان وسوريا، دفع بتركيا إلى المسارعة إلى ملء الفراغ، وتحريك فصائل إسلامية ومتطرفة لتوسيع منطقة النفوذ التي تستحوذ عليها أنقرة داخل الأراضي السورية، وذلك على وقع مرحلة انتقالية في أمريكا، بين إدارتين ديمقراطية وجمهورية. ويصعب تقدير أهداف الخطوة التركية، ما إذا كانت محدودة لدفع النظام السوري للتطبيع مع أنقرة وفق شروطها، أي عدم الانسحاب من سوريا، وإعادة اللاجئين السوريين، أو ثمة أهداف أخرى تستلزم توسيع العملية لما بعد حلب وفرض وقائع في الميدان تسمح لتركيا أن ترث الدور الإيراني المقبل، على ما يبدو، على الاضمحلال في سوريا. 
غير أن تحقيق الاستراتيجية التركية، مهما كانت حدودها، يتطلب تفاهماً مع الروس الذين طُرح أسئلة كثيرة حول تراخيهم في الدفاع عن حليفهم النظام السوري، وعدم التدخل جدياً بسلاح الطيران لتعديل موازين القوى العسكرية. فهل هناك تفاهم بين أنقرة وموسكو على ما حصل؟ أم أن روسيا فعلاً منشغلة بحرب أوكرانيا؟
وإذا كان هناك تفاهم، فما حدوده؟ هل الضغط على النظام للانتقال لدور جديد انطلاقاً من تراجع النفوذ الإيراني في البلاد؟ أي الانتقال للتطبيع مع تركيا، وفي الوقت نفسه، التخلي عن التحالف مع الإيرانيين لصالح تقارب أكثر مع دول عربية تربطها بروسيا علاقة وثيقة. والسؤال الأبرز هل ستتخلى إيران بسهولة عن دورها في سوريا بعد بناء كل هذا النفوذ عبر عقود طويلة بدأ مع الرئيس حافظ الأسد واستمر بقوة مع نجله بشار ليترسخ مع الثورة وما تلاها من حرب أهلية طاحنة؟ وهل سيتمكن النظام بدوره من الانتقال من دور إلى دور، بعد كل هذا الترابط مع إيران وتقاطع المصالح والاستراتيجيات، من دون أن يتضرر أو يتعرض للخطر؟ 
الأرجح أن ما حصل في حلب وريفها هو الاستثمار بالقضية السورية وليس تحقيق فوائد لها. فالضعف الذي أصاب ميليشيات إيران، نتيجة الحرب الإسرائيلية عليها، دفع بتركيا إلى محاولة ملء الفراغ، وتحريك فصائل إسلامية ومتطرفة لتوسيع منطقة النفوذ التي تستحوذ عليها أنقرة داخل الأراضي السورية، وذلك على وقع مرحلة انتقالية في أمريكا
وإذا صحت الأنباء عن أن النظام سلّم مطار حلب لقوات "قسد" ذات الغالبية الكردية، فإن ذلك يعزز فرضية التراخي الروسي في الدفاع عنه، ولجوء دمشق إلى خصوم تركيا لمساعدتها، خصوصاً أن الولايات المتحدة الداعمة الأبرز للأكراد، لن تكون راضية عن تمدد جبهة "النصرة" التي تصنفها "إرهابية". فضلاً عن أن تدخل "قسد" في المعركة سيزيد الاحتقان بين العرب والأكراد.
مشهد معقد تتضارب فيه مصالح الدول وأجنداتها، فيما السوريون خارجه، يكتفون بإطلاق المواقف التي لا تؤثر في مجرى التطورات التي تسير انطلاقاً من الاستثمار بالقضية السورية، وليس لتحقيق مكاسب لهذه القضية. عدا أن السوريين منقسمون على فهم قضيتهم وتوصيفها، وهذا ما كررت معركة حلب تأكيده.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image