شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
هل ينفرط عقد منظمة

هل ينفرط عقد منظمة "أوبك" في عهد ترامب؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

اقتصاد نحن والحقيقة

الجمعة 6 ديسمبر 202402:35 م

في لحظة عاصفة يمر بها الشرق الأوسط، وسط صراعات سياسية وأزمات اقتصادية تواجه أغنى الدول قبل أفقرها، اجتمع وزراء البترول، الممثلون لأعضاء "منظمة أوبك بلس" للإجابة على السؤال الأهم اليوم: هل تستمر المنظمة في تخفيض حجم إنتاجها من البترول الذي تم في أواخر 2022، أم ترفع إنتاجها حتى تعود لمعدلاتها الطبيعية؟ 

القرار صعب والنتائج تخضع لحسابات عدة تفوق مغارمها مغانمها، وتتجاوز تداعياتها متخذيها.

ماذا يحدث في عالم النفط اليوم، وما تداعيات قرار "أوبك" على الجميع؟

من واشنطن الى بغداد

في الأول من مايو 1951، أصدر رئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق قراراً تاريخياً بتأميم البترول، معلناً أن سعر البرميل ستحدّده بلاده، وأن أموال نفط إيران لشعب إيران. أدى هذا القرار إلى غضب الولايات المتحدة وانجلترا، الرعاة غير الرسميين لـ "الأخوات السبع"، وهم أكبر 7 كيانات تتحكم بأسعار النفط العالمي و تحتكره، ذلك الغضب الذي أسفر عن انقلاب عسكري أطاح بمصدق من منصبه.

لم يكن مصدق هو الضحية الوحيدة لتحكم الكيانات الغربية في سوق النفط، بل تم فرض عقوبات خانقة على دول أخرى حاولت الشبّ عن طوق احتكار "الأخوات السبع" للنفط عالمياً.

ومن هنا بدأت بذور التذمّر تنبت في خمس من الدول المصدرة للبترول (إيران والعراق والكويت والسعودية وفنزويلا) ليقرّروا إنشاء منظمة جديدة تواجه هيمنة "الأخوات السبع" على سوق النفط. سميت منظمة الدول المصدرة للنفطOrganization of the Petroleum Exporting Countries أوبك، التي توسّعت لاحقاً ليصل عدد الأعضاء إلى 13 دولة.

السؤال الأهم اليوم: هل تستمر المنظمة في تخفيض حجم إنتاجها من البترول الذي تم في أواخر 2022، أم ترفع إنتاجها حتى تعود لمعدلاتها الطبيعية؟

 وفي الثالث من نوفمبر 2016 انضم للمنظمة 10 دول أخرى أبرزها روسيا، ليصبح اسم المنظمة "أوبك بلس" والتي ظل هدفها واحداً ومعلناً بوضوح: التحكم في كمية البترول في السوق للسيطرة على سعر النفط عالمياً.

إشكالية تخفيض الإنتاج

في نهاية 2022، اجتمع وزراء بترول دول "أوبك بلس" ليبحثوا أزمة تدنّي سعر البترول في أعقاب أزمة كورونا، حين قل الطلب عليه متأثراً ببطء حركة الشحن والسفر.

فقرّرت المنظمة تخفيض إنتاجها بمقدار حوالي 5.8 مليون برميل يومياً، (5.7% من الطلب العالمي) في محاولة من المنظمة لتقليل المعروض في السوق للحفاظ على الأسعار.

ورغم أن التصرّف منطقي بحكم قانون العرض والطلب، إلا أن آثاره الجانبية المحتومة كانت خسارة تلك الدول لجزء ليس بالهين من دخلها القومي.

وفي يونيو 2023، وتحت وطأة الأزمات الاقتصادية التي طالبت الدول المصدرة واحتياجها لمزيد من الأموال، اجتمع أعضاء منظمة "أوبك بلس" لبحث كيفية مواجهة تلك الأزمة، واتفق الحضور في نهاية الجلسات على وضع خطة للعودة تدريجياً إلى المعدلات الطبيعية للإنتاج على شكل مراحل، آملين أنه في أكتوبر 2025 يكون الإنتاج قد عاد إلى معدل 2.2 مليون برميل يومياً.

كانت التوقعات حينها يغلب عليها التفاؤل فيما يخصّ معدل الطلب العالمي، وعليه فخطة زيادة الإنتاج كانت واعدة.

 لكن الرياح أتت بما لا تشتهي سفن دول "الأوبك بلس"، فحدث تراجع مطرد في معدلات الطلب العالمي التي انخفضت بحدة، خصوصاً بعد أن قلّلت الصين (المستورد الأكبر للبترول في العالم) من حصة مشترياتها من البترول جرّاء الأزمة الاقتصادية التي واجهتها، فضلاً عن تزايد الطلب على السيارات الكهربائية، وهو ما انعكس سلباً بطبيعة الحال على الطلب على البترول، الذي انخفض سعره بما يقرب من 17%.

ولأن المصائب لا تأتي فرادى، جاء ظهور ترامب في الصورة مرة أخرى ليضيف مخاوف أكبر وأحمالاً أثقل على كاهل دول "أوبك بلس"

من يربح من الخسارة؟

في ظل الأزمة الاقتصادية التي تطول بلدان المصدرة للنفط واحتياجها لمزيد من الأموال، بات اجتماع الخامس من ديسمبر حاسماً للإجابة على السؤال الصعب: هل نزيد ضخّ إنتاج النفط في ظل احتياجنا لمزيد من الأموال، أم إن خطوة كتلك قد تقود لانهيار الأسعار وهو ما ينعكس سلباً علينا جميعاً؟

هذه المخاوف مدفوعة بمؤشرات لا يمكن تجاهلها حول مستقبل قاتم لأسعار برميل النفط، حيث صدرت تقارير من جهات عدة في "وول ستريت" تحذّر من أنه حال قررت منظمة "أوبك بلس" إعادة الإنتاج لمعدلاته الطبيعية، فإن سعر البرميل قد ينخفض نظراً لكثرة المعروض إلى أقل من 60 دولاراً للبرميل (السعر الحالي 73 دولاراً للبرميل).

توقعات "وول ستريت" بانخفاض سعر البترول تتناغم مع تقرير وكالة الطاقة الدولية الذي كشف أنه من المتوقع أن يزيد المعروض في سوق النفط العام القادم عن المطلوب ما يقرب من مليون برميل يومياً، وهو رقم له تداعياته السلبية الحادة على سعر برميل البترول.

ولأن المصائب لا تأتي فرادى، جاء ظهور ترامب في الصورة مرة أخرى ليضيف مخاوف أكبر وأحمالاً أثقل على كاهل دول "أوبك بلس".

 فمع عودة ترامب، والذي أعلنها صراحة وبوضوح أنه مع زيادة إنتاج بلاده من الوقود الأحفوري، يتوقع أن يزيد معدل إنتاج الولايات المتحدة - الذي هو مرتفع أصلاً - ليصل إلى حوالي 13.5 مليون برميل يومياً. وهو الرقم الأضخم في تاريخها.

لم يتوقف استغلال تقليل الإنتاج من قبل "أوبك بلس"، واقتناص الفرصة في أخذ حصص أكبر من السوق عبر زيادة إنتاجها على الولايات المتحدة فحسب، بل امتد الأمر ليشمل دولاً أخرى قرّرت استغلال الفراغ الذي تركته لهم "أوبك" وعلى رأسهم (بجانب أمريكا) كندا والبرازيل، اللتين وجدتاها فرصة مناسبة للتمدّد في المساحة التي تركتها لهم "أوبك بلس" في السوق جراء تخفيض انتاجها.

دول كثيرة من أعضاء المنظمة تقع تحت ضغط الاحتياج المالي لسد عجز الموازنة لديها، فدولة مثل السعودية، والتي تعتبر العضو الأبرز والأهم في المنظمة، لديها عجز في الموازنة العامة، ولذلك، فطوق نجاتها الوحيد أن يصل سعر برميل البترول إلى 100 دولار

هل ينفرط عقد أوبك؟

الاجتماع الذي تم أمس (الخامس من ديسمبر 2024) والذي تم الاتفاق فيه على عدم زيادة الإنتاج والحفاظ على معدلاته المنخفضة لعدة أشهر، أثار تساؤلات عدة حول مستقبل المنظمة وقدرتها على البقاء. التخوّف الأساسي هنا هو أنه إذا استمر فائض المعروض في الأسواق لفترة أطول، فقد يشكل ذلك تهديداً لبقاء "أوبك بلس" كمنظمة متماسكة.

المفارقة أننا، رغم كوننا نتحدث عن دول غنية، إلا أن كثيراً منها واقع تحت ضغط الاحتياج المالي لسد عجز الموازنة لديها، فدولة مثل السعودية، والتي تعتبر العضو الأبرز والأهم في المنظمة، لديها عجز في الموازنة العامة وتعثّر في تنفيذ خطتها الطموحة لتغيير شكل المملكة اقتصادياً، ولذلك، فطوق نجاتها الوحيد أن يصل سعر برميل البترول إلى 100 دولار (هو الآن 73 دولار).

و للوصول لذلك السعر، يجب تقليل المعروض من البترول في السوق عالمياً حتى يرتفع السعر، أي أن المملكة وباقي الدول المصدرة يجب أن يخفّضوا إنتاجهم، لكن هنا معضلتين.

 الأولى: أن تخفيض الإنتاج يعني انخفاضاً في الدخل القومي، وأغلب الدول الآن في حاجة لزيادة الدخل لمواجهة أزماتها، لا تخفيضه.

الثانية: أن الدول خارج المنظمة (أمريكا وكندا بالأساس) تزيد من الإنتاج بشكل غير مسبوق، وعليه فدور المنظمة يتضاءل نسبياً في السوق ويترك فراغاً يملأه المنتجون خارجها.

ومن هنا، فالخوف الأكبر أن يتكرّر ما حدث في 2014، عندما بدأت كل دولة تنتج بطاقتها القصوى، ما ترتب عليه انهيار في أسعار النفط. والخوف الأكبر أن تبدأ الدولة تلو الأخرى بمغادرة المنظمة والعمل منفردة، مثلما فعلت قطر، (التسريبات الآن تقول إن الإمارات قد تغادر) وإن حدث هذا، فستكون نهاية التحالف الذي أقيم بالأساس لمواجهة سيطرة الغرب على النفط عبر السيطرة على الأسعار، وبداية لحقبة جديدة يعمل فيها الجميع بصورة منفردة دون ضابط للأسعار أو تنسيق جمعي، وهو ما سيصب في مصلحة ترامب الداعي للتوسع في الإنتاج الأمريكي، لكنه لن يكون حتماً في مصلحة الخليج الذي يعتمد اقتصاده على سعر النفط، فإن تهاوى السعر تهاوت معه الآمال والأحلام التي يحلم بها البعض لمستقبل بلادهم في الخليج.

فهل تشهد حقبة ترامب نهاية لمنظمة "الأوبك"، أم أن الخليج وروسيا لا يزال لديهما القدرة على التماسك، حفاظاً على مصالحها وحفاظا على المنظمة الأهم في عالم النفط؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ألم يحن الوقت لتأديب الخدائع الكبرى؟

لا مكان للكلل أو الملل في رصيف22، إذ لا نتوانى البتّة في إسقاط القناع عن الأقاويل التّي يروّج لها أهل السّلطة وأنصارهم. معاً، يمكننا دحض الأكاذيب من دون خشية وخلق مجتمعٍ يتطلّع إلى الشفافيّة والوضوح كركيزةٍ لمبادئه وأفكاره. 

Website by WhiteBeard
Popup Image