يقف ابن البقاع اللبناني عمر الأطرش (33 عاماً) شاهداً على الظلم المستمر منذ اعتقاله مطلع العام 2014، إذ لم تُسدل العدالة ستارها على قضيته، ليبقى عالقاً في دهاليز المحاكمة من دون صدور حكم، خلف أسوار السجن المركزي في بيروت المعروف باسم "رومية"، على خلفية مناصرته للثورة السورية.
حكاية عمر ليست مجرد سرد لمعاناة فردية، بل هي انعكاس لجراح المعتقلين بتهم "الإرهاب" أو ما يعرف بـ "الإسلاميين" المرتبطة بالثورة السورية، وتُقدّر أعدادهم حسب مصادر رصيف22 بنحو 400 معتقل في سجن "رومية"، مناصفةً ما بين لبنانيين وسوريين إضافة إلى عشرات من الفلسطينيين.
يقاسي هؤلاء من وضع صعب داخل السجن يدفع بعضهم إلى التهديد مراراً بالانتحار بسبب الجوع والعطش والمياه الملوثة ونقص الرعاية الصحية، أو اعتراضاً على تسليمهم لنظام الأسد، كما أضربوا عن الطعام من قبل في حملة "الأمعاء الخاوية".
تراوح محكومياتهم ما بين المؤبد والإعدام والسجن من 10 إلى 20 سنة، بينما هناك سجناء غير محكومين جرمهم الوحيد معارضتهم لنظام الأسد أو الانشقاق عن جيشه.
مع خروج المعتقلين من سجون النظام السوري بعد إسقاطه، في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر الحالي، من جنسيات مختلفة عرب وأجانب بمن فيهم لبنانيون، فُتحت أبواب الأمل لدى أولئك المغيبين في سجن رومية بأن تكون معاناة اليوم بذرةً لحرية الغد، فكما انعكست الثورة السورية سلباً على مناصريها عندما ساهمت الحكومة اللبنانية بمساندة بشار الأسد باعتقالهم، يجب أن تنعكس الثورة بنصرها إيجاباً وتعاد محاكماتهم العادلة، كما يقول الأطرش لرصيف 22.
تحركات لبنانية عاجلة
تشهد الساحة اللبنانية تحركات عاجلة بهدف إطلاق سراح المعتقلين في سجن رومية بسبب مناصرتهم للثورة السورية، وخلال صلاة الجمعة 13 الشهر الحالي في مسجد محمد الأمين وسط بيروت، وجّه الشيخ أمين الكردي أمين الفتوى في الجمهورية اللبنانية، تحذيراً إلى أركان السلطة اللبنانية لحل قضية المعتقلين في سجن رومية، قال: "لن نرضى بالظلم بعد اليوم، ولن نقبل بأن يتحكم البعثيون بالمسلمين المعتقلين".
تتراوح محكوميات المتهمين بالإرهاب على خلفية الثورة السورية ما بين المؤبد والإعدام والسجن من 10 إلى 20 سنة، بينما هناك سجناء غير محكومين جرمهم الوحيد معارضتهم لنظام الأسد أو الانشقاق عن جيشه، وتقدر أعدداهم بـ400 معتقل مناصفة بين سوريين ولبنانيين وبعض الفلسطينيين
في هذا السياق، قال الشيخ نبيل رحيم عضو لجنة متابعة المعتقلين بتهم "إرهاب" لرصيف22 إن الحكومة اللبنانية تبنّت السردية الإيرانية في تصنيف فصائل الجيش السوري الحر على أنّهم "إرهابيون"، إذ استخدم نظام الأسد منهجية تخويف المكونات المجتمعية من بعضها البعض لينصب نفسه حامياً للأقليات، عبر فبركة الأفلام عن المسلمين السنّة، واليوم بعد سقوطه نشاهد الثورة السورية دحضت كل الأكاذيب السابقة.
أضاف رحيم: "نطالب اليوم بإصدار قرار عفو عام عن جميع المعتقلين بتهم الإرهاب، مع تعويضهم لأنّهم سجنوا ظلماً وخسروا أعمالهم وأسرهم، وعلى رأسهم المشايخ اللبنانيون: أحمد الأسير، مصطفى الحجيري، عمر الأطرش".
وأوضح أنّ المحاكم اللبنانية خاضعة لأطراف سياسية كانت تعرقل قانون العفو، وتحديداً "كتلة التيار الوطني الحر" بقيادة جبران باسيل، وبعض الكتل الأخرى، مؤكداً: "سنتحرّك بكل ما نستطيع من إجراءات من بينها لقاءات مع المسؤولين، واعتصامات بدأنا بها أمام سجن رومية يوم 10 الشهر الجاري وندعو لاعتصام يوم الأحد المقبل".
كما دعا مفتي راشيا د. وفيق حجازي، في لقاء مع العلماء، يوم الجمعة الماضي، إلى متابعة ملف المعتقلين اللبنانيين في سوريا من خلال التواصل مع السلطة السورية الجديدة والمنظمات الدولية لمعرفة مصيرهم، وحذّر من مغبّة المماطلة في إطلاق سراح المتهمين بالإرهاب من السجون اللبنانية لأنّهم سجنوا لوقوفهم مع المظلوم ضد الظالم.
وفي خطوة رسمية، أعلن "تكتل الاعتدال الوطني"، بعد اجتماعه الدوري، في حضور أعضائه النواب أنه سيتقدم باقتراح قانون للعفو العام إلى مجلس النواب، وسيعقد مؤتمراً صحافياً في المجلس للإعلان عما يتضمنه القانون. حسب وكالة الأنباء اللبنانية.
بدوره، رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وجّه بالإسراع في تكليف لجنة للكشف على السجون اللبنانية ومتابعة الأوضاع إلى حين حسم مجلس النواب موضوع العفو العام، وذلك خلال اجتماع مع وزيري الداخلية بسام مولوي والعدل هنري الخوري، 16 الشهر الحالي، بعدما ناقشوا أوضاع الموقوفين والسجون في لبنان، والمعتقلين في سوريا، مع تأكيد متابعة ملف السجناء غير المحكومين. وفقاً لصحيفة الأخبار اللبنانية.
جهود قانونية لإنقاذ المعتقلين
يقول مدير "مركز سيدار للدراسات القانونية" المحامي اللبناني محمد صبلوح لرصيف22: "قوى الثورة السورية انتصرت وباتت هي نظام الحكم الجديد في دمشق، لذلك على الحكومة اللبنانية إعادة النظر في ملفات المعتقلين بسبب الثورة"، مضيفاً: "نعمل على مشروع قانوني بالتعاون مع مجلس النواب اللبناني لتحقيق العدالة والاعتراف بالخطأ على مدى السنوات الماضية ورفع الضرر والظلم عن المعتقلين".
مع خروج المعتقلين من سجون النظام السوري بعد إسقاطه، فُتحت أبواب الأمل لدى المغيبين في سجن "رومية"، فما المانع من تحريرهم بعد سقوط النظام السوري؟
ولفت إلى زوال كلّ المبررات التي كانت ذريعة لاعتقالهم، وتقرير منظمة العفو الدولية بعنوان "لبنان: كم تمنيت أن أموت: لاجئون سوريون احتجزوا تعسفياً بتهم تتعلق بالإرهاب وتعرضوا للتعذيب في لبنان"، يثبت كيف تم فبركة ملفات المتهمين بالإرهاب.
الخطوات القادمة، التي يعمل عليها صبلوح، ستكون رفع شكاوى قضائية ضد المسؤولين في سوريا ولبنان بتهم الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبوها بحق المعتقلين، كما يعمل على دراسات لاتخاذ إجراءات قانونية بحق المسؤولين السوريين الذين فرُّوا إلى لبنان. وفيما يخصّ المعتقلين اللبنانيين في سجون نظام الأسد، وضعت وزارة العدل اللبنانية يدها على ملفهم في مسعى لتحديد مصيرهم. يقول صبلوح: "نعمل على جمع بيانات المفقودين اللبنانيين بالتعاون مع حقوقيين سوريين لمعرفة مصيرهم، لدينا حالياً أكثر من 622 مفقوداً لبنانياً كانوا في السجون السورية، ومن أفرج عنهم خلال الأيام الأخيرة لا يتجاوز عددهم العشرة، من بينهم سهيل حموي، الذي وصل إلى بلاده بعد 33 عاماً سجنًا، وعلي حسن العلي بعد 40 عاماً في السجون السورية".
عن الحلول المقترحة، يقول المحامي اللبناني طارق شندب، لرصيف22: "أفضل حلّ للمعتقلين السوريين هو تفعيل الاتفاق القضائي المعقود بين سوريا ولبنان والموقّع في دمشق بتاريخ 25 شباط/فبراير 1951، وهو يحدّد أسس التعاون القضائي بين البلدين وتسليم المطلوبين لكلتا الدولتين، علماً أن اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لعام 1963 تضمن حقوق الرعايا الأجانب في السجون وتؤكد حقهم في الحصول على معاملة إنسانية.
ولفت شندب إلى أنّ صدور قرار العفو العام يأخذ وقتاً طويلاً ويتطلب النظر بالأحكام القضائية الثانية بحق المعتقلين مثل المخدرات. مشدداً على ضرورة إعادة المحاكمات للمعتقلين اللبنانيين الذين حوكموا بمحاكمات عسكرية غير عادلية على خلفية مناصرتهم للثورة السورية أو إصدار قانون يخفض المدة السجنية.
وأوضح شندب أنّ التحقيقات الأولية بقضايا الإرهاب المزعوم تنتهك حقوق المتهمين، إمّا بالمعاملة الشديدة والتعذيب، وهذه مخالفة صارخة لـ اتفاقية مناهضة التعذيب التي وقّع عليها لبنان منذ عام 2000، أو بمنع التواصل مع محامٍ للدفاع عنهم، وهو مخالف للمادة 47 التي تفرض حضور محامي إلى جانب الموقوف في التحقيقات الأولية.
ومن أبرز هذه القصص محاكمة اللاجئ السوري حسن محمد جميل حربا (44 عاماً) الحكم عليه بالمؤبد، من قبل النيابة العامة العسكرية التابعة لوزارة الدفاع اللبنانية في 17 أيار/مايو 2021، رغم تقديم المحامية ديالا شحادة والشهود الأدلة القاطعة لبراءته، أبرزها اختلاف اسم الوالدَين عن اسم والدَيّ المتهم الحقيقي الذي قُتل في معارك مدينة تدمر بريف حمص عام 2015.
ومن أبرز القصص للمتواجدين في سجن "رومية" محاكمة اللاجئ السوري حسن محمد جميل حربا بالمؤبد، رغم تقديم محاميته والشهود الأدلة القاطعة لبراءته، أبرزها اختلاف اسم الوالدَين عن اسم والدَيّ المتهم الحقيقي الذي قُتل في معارك مدينة تدمر بريف حمص عام 2015
وقالت شقيقة المعتقل منذ 27 شباط/ فبراير 2015 آمنة حربا لرصيف22: "أخي كان يعمل في مدينته القصير بائع حليب واستمر بعمله في مخيمات عرسال ولم يسبق له القيام بأي عمل عسكري، وصلة القرابة بعيدة بين الاثنين"، موضحة أنّ والدتها اسمها فاطمة، بينما والدة المشتبه به حسن يونس حربا الملقب بـ"أبي علي الوادي" تدعى عزيزة، والتهمة مشاركة القيادي في معارك وقعت بين فصائل مسلحة سورية والجيش اللبناني في بلدة عرسال وجرودها في 02 آب/ أغسطس 2014، حيث اتهمت قاضية التحقيق نجاة أبو شقرا في 17 أيار/ مايو 2016 أكثر من 152 شخصاً في الضلوع بهذه الواقعة.
تأثير الضغط الإعلامي لدعم المعتقلين في لبنان
دعا القائمون على حملة "أنقذوا المعتقلين السوريين في لبنان"، المعنية بالدفاع عن حقوق المعتقلين السوريين، إلى الإفراج عن المعتقلين الذين تم توقيفهم على خلفية مواقفهم المؤيدة للثورة السورية، وطالبوا في بيان صادر عنهم في 9 الشهر الحالي، القيادة السورية الجديدة باتخاذ خطوات عاجلة لمعالجة هذا الملف، والعمل على تعزيز التعاون مع الدولة اللبنانية، لضمان الإفراج عن المعتقلين، مؤكدين على أهمية احترام القوانين الدولية.
أكد أحد القائمين على حملة "أنقذوا المعتقلين السياسيين في لبنان" أنّهم يتواصلون مع الإدارة السياسية في القيادة السورية الجديدة، بهدف زيادة الضغط على الحكومة اللبنانية.
عن الإجراءات الهادفة إلى دعم المعتقلين السياسيين السوريين واللبنانيين بعد سقوط نظام الأسد، أوضح أحد القائمين على الحملة الإعلامية، الناشط الحقوقي السوري محمد بشير سنّو، لرصيف22، أنّ الإجراءات الحالية تتمثل بالتواصل مع الإدارة السياسية في القيادة السورية الجديدة، بهدف زيادة الضغط على الحكومة اللبنانية لتحقيق العدالة وإنهاء معاناة المعتقلين.
"كما نعمل على الضغط على الحكومة اللبنانية من أجل تنظيم محاكمات عادلة لكل المعتقلين السوريين بشكل عام، وذلك لضمان حقوقهم ومحاسبة المتورطين في الانتهاكات، بالإضافة إلى حرصنا في نهاية المطاف على تسليم المعتقلين لسوريا الجديدة"، يقول سنّو.
ويرى أنّ القضية يجب أن تأخذ مداها عبر وسائل الإعلام، إذ إنّ ما قام به نظام الأسد هو بمثابة "هولوكوست حقيقي"، مضيفاً: "جهودنا مستمرة في دعم المعتقلين السياسيين، ونسعى لتحقيق العدالة من خلال الضغط على السلطات المعنية ومتابعة القضايا عبر وسائل الإعلام، ويجب أن يكون هناك ضغط إعلامي مستمر لملاحقة الأسد وكلّ المتورطين في هذه الجرائم".
يختم صبلوح: "الإعلام يلعب دوراً مهماً في إيضاح الحقيقة للناس ونشر مظلومية هؤلاء المعتقلين الذين اتهموا بالإرهاب، والرأي العام الدولي مصدوم من مشاهد التعذيب في سجون النظام السوري خاصة سجن صيدنايا، وهذا ما كنا نحذّر منه على مدى السنوات الماضية من خطورة تسليم الموقوفين السوريين في لبنان لنظام الأسد".
لا يمكن وصف مشاهد فتح السجون السورية لا سيما سجن صيدنايا، يقول عمر الأطرش، فما بين التحرّر وظهور مدى الإجرام الأسدي بحق المعتقلين، تتصارع مشاعر الأمل واليأس، بين توقٍ إلى الحرية وغصة الألم على ما فُقد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 20 ساعةكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 4 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...