شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
لماذا سيطول البحث عن المعتقلين في معتقلات نظام الأسد؟

لماذا سيطول البحث عن المعتقلين في معتقلات نظام الأسد؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والمشرّدون

الأحد 22 ديسمبر 202402:33 م

مع توالي الأنباء عن سقوط النظام السوري في حلب وبعدها حماة وحمص وتقدّم قوات المعارضة السورية المسلحة ضمن عملية "ردع العدوان"، كانت سنا مصطفى، وهي ناشطة ومدافعة عن حقوق الإنسان، تهيئ نفسها للسفر من مكان إقامتها في الولايات المتحدة إلى سوريا، لتبحث عن أبيها المغيب في سجون النظام منذ تموز/يوليو عام 2013، دون أي أنباء عنه أو عن مصيره.

صور وبيانات المعتقلين والمخفيين قسرياً.

صور وبيانات المعتقلين والمخفيين قسرياً

سقط نظام بشار الأسد تماماً وخلال الأيام التالية، لم تتزحزح سنا (33 عاماً) من أمام شاشة هاتفها. "كنّا أنا وعائلتي في بحث محموم عن أي دليل يثبت خروج والدي، أو يبيّن مصيره على الأقل. كنت أقضي 24 ساعة وأنا أتصفّح كل ما يُنشر من مقاطع فيديو وصور، وسط فوضى كبيرة في البحث والنشر"، تقول لرصيف22.

بعد "السقوط" بخمسة أيام، وصلت سنا إلى دمشق، كان يوم جمعة، ودخلت في دوامة لم تنتهِ حتى اليوم الذي تحدّثت إلينا فيه.

فوضى "مرعبة"

فور وصولها، كانت محطة سنا الأولى "ساحة الأمويين" في دمشق التي تحوّلت إلى مكانٍ رمزي للاحتفال بشكل شبه يومي. "بكل تأكيد شعرت بالسعادة وتسلّل الفرح إلى داخلي، لكنها سعادة منقوصة"، تضيف من داخل المنزل الذي تقيم فيه حالياً وسط العاصمة السورية.

عقب سقوط نظام الأسد، عادت سنا مصطفى من الولايات المتحدة إلى دمشق للبحث عن والدها المخفي قسرياً في معتقلات النظام منذ 2013، لتصطدم بـ"فوضى" جهود البحث عن المعتقلين الذين لم يظهروا منذ فتح السجون. وهي تقول لرصيف22 إن "هناك سوء تحضير واستعداد وأيضاً فساد" في التعامل مع هذا الملف

في الأيام التالية، قامت سنا بزيارات إلى عدد من الأفرع الأمنية للبحث عن أي مفتاح قد يوصلها إلى مكان أو مصير والدها. كما ذهبت إلى عدد من المشافي حيث يحتمل وجود خارجين من السجون بوضع صحي سيئ، وكذلك جثث تنتظر من يتعرّف عليها. وتشير إلى أنها، رغم مجيئها دون عائلتها إلى سوريا، لم تقضِ أي ساعة وحيدة، فكان حولها أصدقاء ومعارف كُثر رافقوها في بحثها عن والدها.

"كان الأسبوع مليئاً بالغضب. رأيت فوضى عارمة في الأفرع التي زرتها، ملفات مُلقاة على الأرض المبلّلة وكل من يدخل ويخرج يمكن أن يدوسها، أو حتّى أن يأخذ منها ما يريد، دون أي جهد واضح حتّى الآن لجمع هذا الأرشيف المهم للغاية وحمايته"، تقول مردفةً بأنها تشعر بـ"غضب كبير" تجاه النظام السوري، لكنها غاضبة أيضاً من القيادة الجديدة في سوريا والممثّلة في "هيئة تحرير الشام" والتي -وفق رأيها- "تعاملت مع ملف المعتقلين بطريقة إعلامية مع الاهتمام بإبراز 'لحظة النصر'، وهي بكل تأكيد كانت نشوة كبيرة مع خروج الآلاف من السجون، لكن كان ثمنها المعرفة اليقينية والحقيقة التي انتظرتها عائلات المختفين لعقود، إذ كان من المفترض أن تُنظّم عملية الخروج بطريقة أفضل".

وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وهي منظمة حقوقية مستقلة، اعتقال وإخفاء ما لا يقل عن 157 ألف شخص في سوريا، 86% منهم في سجون ومعتقلات النظام السوري أي نحو 136 ألفاً. وحتى الآن، خرج نحو 31 ألف شخص فقط، وفق تقديرات الشبكة، فيما تستمر عمليات البحث عن أية دلائل عن مصير البقية وسط فوضى كبيرة.

أهالي يبحثون عن ذويهم في سجن صيدنايا.

أهالي يبحثون عن ذويهم ضمن صور الخارجين من سجن صيدنايا

تعتقد الناشطة السورية أن لهذه الأزمة أسباباً أخرى إلى جانب "النصر الإعلامي"، ومنها عدم وجود خبرة لدى السلطات الجديدة بإدارة ملف المفقودين، واحتكارهم له ورفضهم التعاون ومشاركة الناس من ذوي الخبرة، إلى جانب الاختلاف الثقافي والديني والاجتماعي بالتعامل مع الموضوع: "يعتقد كثر من أعضاء الهيئة والمسؤولين اليوم أن ما حصل هو قضاء وقدر. وأنا أجرب الدخول إلى فرع ما للبحث عن أي دليل كان الحراس يقولون لي: 'سلمي أمرك لله. الله يرحمه'، وهو جواب لا يمكنني أن أقبله، فأنا أريد الحقيقة". ولا تنفي سنا احتمال أن تكون هذه الفوضى مفتعلة، كجزء من الصفقة مع النظام السوري قبل هروبه، حتى تكون عمليات محاسبة المتورطين في جرائم القتل والتعذيب أقل ما يمكن.

وتستنكر سنا أيضاً غياب العديد من المنظمات التي عملت كل السنوات الماضية على ملف المعتقلين، لكنها اليوم لم تكن جاهزة لهذه اللحظة. "ماذا ينتظرون؟ أين هي على الأقل الآلية التي أنشأتها الأمم المتحدة عام 2016 بخصوص التحقيق والملاحقة لمرتكبي الجرائم في سوريا؟ هناك سوء تحضير واستعداد وأيضاً فساد، ما يذكّرني بما حدث في زلزال عام 2023 حين استمر الناس لأيام ينتظرون من يساعدهم لانتشال أحبتهم من تحت الأنقاض".

كما هو حال سنا، التقت معدة التقرير عشرات الأهالي القادمين من مختلف المحافظات إلى دمشق للبحث عن ذويهم. آباء وأمهات وإخوة وأبناء، منهم من يجلس في ساحة المرجة أو ساحة الشهداء وسط المدينة وقد تحوّلت إلى معلَم رمزي لهذه القضية مع تعليق صور آلاف المفقودين على النصب التذكاري وسطها، ومنهم من يسير ضمن نفس الرحلة، من الأفرع الأمنية إلى المشافي أو سجن صيدنايا الشهير الذي وصف بأنه "مسلخ بشري" لتحوّله على مدار عقود إلى واحد من أسوأ أماكن الاحتجاز والتعذيب، وقد وثّقت منظمة العفو الدولية منذ سنوات تنفيذ آلاف عمليات الإعدام فيه.

جميع من تحدث إليهم رصيف22 كانوا في نفس الحيرة وهم يكرّرون: لا نعرف ماذا نفعل، وإلى أين نتجه. آخر ما يمكننا عمله أن نطبع صور ومعلومات أحبائنا علّ أحداً يتعرف إليهم. نريد الحقيقة، نريد أن نعرف مصير أحبائنا.

في الساحة ذاتها، وأنا أتصفح الأوراق البيضاء المتراصة والتي تحمل صوراً ومناشدات ومعلومات مع "رجاءً الاتصال بـ... لمن يعرف أي طرف خيط"، رأيت صورة مكررة 4 مرات مع معلومات مختلفة، وعرفت أنه شخص ظهر في أحد الفيديوهات المنتشرة مؤخراً وهو خارج من السجن، وهناك أربع عائلات تعتقد بأنه ابنها نظراً لتغيّر الملامح بشكل كبير.

بحث "على السوشال ميديا"

بعد ساعة واحدة من إعلان سقوط النظام السوري صباح الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024، نشر واصل حميدة وهو صحافي سوري فلسطيني، صورة أخيه أيهم على فيسبوك مع تعليق: "ناطر رجعتك". ثم كتب "الاسم: أيهم حميدة. ولد في دمشق 1985. فُقد بتاريخ 24 أيلول 2013 في منطقة الزاهرة، قيل إنه في سجن صيدنايا، دون أن نحصل على أي تأكيد خلال السنوات الماضية، وقيوده لا تزال موجودة في السجلات الرسمية. الرجاء ممّن يعرف أي معلومة عنه أن يتواصل معي".

وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان اعتقال وإخفاء ما لا يقل عن 157 ألف شخص في سوريا، 86% منهم في سجون ومعتقلات النظام السوري أي نحو 136 ألفاً. وحتى الآن، خرج نحو 31 ألف شخص فقط. أين ذهب البقية؟ وما هي الجهود المبذولة للكشف عن مصيرهم؟

يقضي واصل (35 عاماً) جلّ أيامه مؤخراً وهو يبحث عمّا قد يقوده لمعرفة مصير أخيه، سواءً في سجن صيدنايا أم المشافي، حيث حاول البحث بين الجثامين أو المعتقلين فاقدي الذاكرة، لكن دون نتيجة. وهو يشرح لرصيف22: "في صيدنايا رأيت الأمهات وهن يبكين، والأهالي وهم يحفرون بأيديهم على أمل العثور على أي دليل حتى ولو تحت الأرض، وفي المشافي عاينت جثثاً متفحمة ومشوّهة، وآمل أنني لم أخطئ حين قلت إن أياً منها لم يكن لأخي".

واصل حميدة من وقفة تضامنية مع المعتقلين المخفيين قسرياً وذويهم.

واصل حميدة من وقفة تضامنية مع المعتقلين المخفيين قسرياً وذويهم

قبل نحو أسبوع، استلم واصل صورة من الأوراق المنتشرة من سجن صيدنايا، وقد رآها أحد أصدقائه على "تيك توك"، ولاحظ فيها اسماً مطابقاً لاسم أخيه الأول والثاني وللأحرف الثلاثة الأولى من الكنية، ويبدو أنه كان في المهجع 8 الطابق 3 من السجن. "هنا بدأت بنشر الصورة في كل الأماكن المتاحة على أمل أن تصل لأحد ممن كانوا معه في الزنزانة، واليوم أنا أعيش على هذا الأمل، ومستمر في البحث"، يتابع. ويضع الصحافي احتمالاً أن يكون أخاه قد قُتل في مجزرة وقعت عام 2013 في حي التضامن جنوب دمشق وأُعدم فيها نحو 280 مدنياً على يد قوات النظام السوري، لكونه اختفى في حي الزاهرة المجاور، لكن التأكّد من الأمر يحتاج إمكانيات هائلة وتدخّلاً من منظمات دولية لفحص بقايا الجثث التي وجدت هناك.

صورة نشرها واصل عبر حسابه في فيسبوك لما يعتقد أنها بيانات عن أخيه.

صورة نشرها واصل عبر حسابه في فيسبوك لما يعتقد أنها بيانات عن أخيه.

"أبشع ما في الأمر أن يبقى المصير مجهولاً"، يقول واصل بحزن ويضيف: "أناشد أي جهة ذات صلة أن تحمي الوثائق الموجودة في السجون، والمقابر الجماعية. نحن اليوم نعيش على أمل أن نعثر على أخي، أو لا سمح الله أن نشيّعه، لكن الأمل الأكبر هو في أن يكون حيّاً".

هل "الجهود المبعثرة" كافية؟

هذه الفوضى التي انتشرت خلال الأيام الأولى من سقوط النظام السوري، دفعت مجموعة من المتطوعين/ات في دمشق إلى محاولة التصدّي للأمر بزيارة بعض مقار الاحتجاز وعلى رأسها سجن صيدنايا، وجمع ما يمكن جمعه من الوثائق لوضعها في أيدي مختصين. ملك الشنواني وهي مسؤولة التواصل في منظمة "نوفوتوزون" التي تقدم الدعم للمفقودين وعائلاتهم، كانت مع هؤلاء المتطوعين.

وقفة تضامنية مع المعتقلين وذويهم في ساحة الحجاز.

وقفة تضامنية مع المعتقلين وذويهم في ساحة الحجاز.

"على مدار عدة أيام جمعنا كمية كبيرة من الوثائق ورتّبناها، منها ما تركناه في مراكز الاحتجاز، ومنها ما سلّمناه لجهاز الأمن العام التابع للإدارة الجديدة"، تقول ملك لرصيف22، وتشير إلى أهمية كل الوثائق الموجودة في مختلف مراكز النظام السابق، فمنها ما يشير إلى مكان اعتقال الشخص والجهة التي احتجزته، ومنها ما يفيد بمعرفة نهاية حياة المتوفين، وحتّى الحالة التي كان المعتقلون يعيشون فيها. وتضيف: "نحن نطالب الحكومة الحالية بالعمل على كل هذه الوثائق والتعاون مع المنظمات المحلية والدولية ذات الخبرة".

ترى ملك أن أهمية الوثائق لا تقتصر على تقديم معلومات لأهالي المختفين قسرياً عن مصيرهم، بل هي "تاريخنا وذاكرتنا، والمطلوب اليوم الحفاظ على كل تفصيل يتعلّق بتلك المرحلة وممارساتها، حتى نفهمها ونكتب التاريخ بشكل دقيق ونتعلّم منه كي لا نُعيد أخطاء التجربة".

بالتوازي، ومنذ بداية عملية "ردع العدوان"، شكّلت رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا فريقاً للاستجابة الطارئة، بغرض توثيق حالات الناجين من الاعتقال، وتلقي الاتصالات لتوثيق حالات الاختفاء القسري التي لم يعرف مصيرها، وتقديم الدعم للخارجين من السجون، وزيارة مراكز الاحتجاز والمقابر الجماعية بالتعاون مع باحثين من منظمات أخرى مثل "العفو الدولية" و"هيومن رايتس ووتش"، إلى جانب اللقاء مع الحكومة المؤقتة والمبعوث الأممي لسوريا.

"الهدف من هذه الجهود أن تكون خطوة لمعرفة مصير المختفين قسراً، إضافة للمساءلة والمحاسبة"، يقول شادي هارون، وهو مدير برنامج التوثيق وجمع الأدلة في الرابطة لرصيف22، مؤكداً على ضرورة تعاون السلطات مع المنظمات الحقوقية لتمكين الأهالي من معرفة مصير أبنائهم، ولمعالجة المخاوف المتعلّقة بتدمير الوثائق والمواقع مع عدم وجود منهجية واضحة للتعاطي معها وحمايتها، إلى جانب التأكيد على أن دورة الاعتقال والاختفاء القسري يجب أن تنتهي وألا تتكرر، وأن تبدأ سوريا الجديدة مع عملية عدالة انتقالية مؤطرة وفق المعايير الأممية.

صور وبيانات المعتقلين والمخفيين قسرياً.

من الوقفة التضامنية في ساحة الحجاز.

ينوه هارون إلى حساسية التعامل مع الأدلة الموجودة ضمن مراكز الاحتجاز والمقابر، فهي ضرورية لتحديد مصير ومكان عشرات آلاف المفقودين من قبل أجهزة الامن والمخابرات، وللتحقيق مع مرتكبي الجرائم بموجب القانون الدولي، ويقول: "كل دقيقة تأخير بحماية الأدلة تزيد من خطر عدم اكتشاف الأهالي لمصير أبنائهم، ويقينهم بأن المسؤولين عن جرائم ضد الإنسانية لن يقدموا للعدالة، بل سيفلتون من العقاب. نشدد على ضرورة عدم العبث بهذه الأدلة وهو أمر رأيناه مع كل الأسف من وسائل إعلامية وحتى من الأهالي".

ويشير إلى تواصل الرابطة مع الحكومة المؤقتة والإدارة السياسية، لشرح أهمية التعاطي مع حفظ الأدلة، وتوجيه إعلان للناس لمن يمتلك أي دليل لإعادته لوزارة الداخلية، ويطالب السلطات الانتقالية التحرك بشكل حاسم والتعاون مع منظمات المجتمع الدولي لإنشاء آلية وطنية لحفظ هذه الأدلة، وحماية حق الأهالي في معرفة مصير أبنائهم.

وعلى صعيد متصل، تعمل الشبكة السورية لحقوق الإنسان بالتوازي على عدة محاور، فهي إلى جانب إصدارها للتقارير الدورية حول ملف المختفين قسرياً، توثق منذ اللحظة الأولى لسقوط النظام حالات الإفراج عن المعتقلين، وتؤرشف ما يمكن أرشفته من وثائق، كما تصدر توصيات للتعامل مع السجون وضرورة عدم إطلاق سراح المساجين الجنائيين، والتعامل مع المقابر الجماعية التي يتم العثور عليها واحدة تلو الأخرى، وذلك وفق حديث رئيسها فاضل عبد الغني مع رصيف22، وينوه إلى استمرار تسجيلهم لبيانات مفقودين جدد، ما يرجح أن أعداد المختفين قسرياً في سوريا هي أعلى من التقديرات المذكورة.

يرى عبد الغني أن إدارة مراكز الاحتجاز منذ اللحظة الأولى لم تكن أولوية لدى السلطات الجديدة وخلقت حالة من الفوضى، "وهو أمر محزن" وفق تعبيره. ويشجع على الاطلاع على التوصيات التي تصدرها الشبكة، ليس فقط من السلطات المعنية وإنما من الناس، لأن هناك مسؤولية مجتمعية أيضاً في الحفاظ على السجون والمقابر الجماعية

يشير عبد الغني إلى أن أكثر ما سبب الفوضى خاصة خلال الأيام الأولى من سقوط النظام هي الشائعات التي انتشرت بكثافة، مثل وجود سراديب تحت سجن صيدنايا، وغرف بأبواب سميكة، وغيرها، وهي شائعات ساهم بعض من الإعلاميين وحتى المنظمات بنشرها مع تكريسهم لأخبار لا أساس لها من الصحة. ويضيف: "كان لا بد من الحد منها، لذلك أعلنا بعد أيام قليلة بأننا نعتقد بأن كل من لم يخرجوا من السجون هم في عداد المتوفين. نحن لا نريد أن نستمر بنكء جراح العائلات وإعطائهم أملاً لا يمكن أن يتحقق، أملاً غير مبني على وقائع وأدلة ومعلومات".

يرى عبد الغني أن إدارة مراكز الاحتجاز منذ اللحظة الأولى لم تكن أولوية لدى السلطات الجديدة وخلقت حالة من الفوضى، "وهو أمر محزن" وفق تعبيره. ويشجع على الاطلاع على التوصيات التي تصدرها الشبكة، ليس فقط من السلطات المعنية وإنما من الناس، لأن هناك مسؤولية مجتمعية أيضاً في الحفاظ على السجون والمقابر الجماعية.

أسماء المعتقلين المفقود أثرهم في ساحة المرجة.

أسماء المعتقلين المفقود أثرهم في ساحة المرجة.

تختم سنا مصطفى لقاءنا بلهجة يشوبها الغضب: "أنا لن أسامح، ليس النظام السوري فقط، وإنما السلطات الجديدة على طريقة تعاملها مع الملف، فهي وضعت قبول الغرب أولوية بالنسبة لهم على قبول الشعب السوري وحقه بالمعرفة"، مشدّدةً على أنها ما تزال مستمرة دون كلل في رحلة بحثها عن مصير والدها. "الإجابات التي نبحث عنها اليوم هي إما في الأرشيفات أو المقابر الجماعية. نحتاج لأن نعرف تماماً من يقوم اليوم بجرد الوثائق وكيف؟ وما هو الخط الزمني للموضوع؟ ونريد فرقاً خاصة للمقابر الجماعية وآليات لتحليل الحمض النووي. نريد شفافية تامة في التعامل مع هذا الملف"، تقول.

بدوره، يقول شادي هارون: "بعد 14 عاماً من القمع، والإفلات من العقاب، جاء الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024 ليعود بصيص الأمل عند السوريين لتحقيق العدالة. نحن اليوم في لحظة حاسمة، وكل تأخير سيضيع هذا الأمل".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image