مهمة اختيار مجموعة محدّدة من الصور والمشاهد التي تلخص العام لم تكن يسيرة هذه السنة، إذ مر سكان المنطقة العربية بالعديد من المحن وفي مناسبات قليلة عاشوا الفرح والنشوة.
ولما كانت أوضاع غزة ولبنان تحت آلة القتل الإسرائيلية، والحرب المستعرة في السودان، هي السائدة، فقد تعدّدت اللقطات المؤلمة. لكننا لم ننسَ التضامن والدعم الملهم. وجاءت التطورات الأخيرة في سوريا بمثابة ناقوس أمل في نهاية العام.
أولاً، الجوع في غزة
لا تكفي صورة واحدة، أو حتى عشرات الصور للتعبير عن عام كامل تحت الإبادة الجماعية عاشه أهل غزّة في 2024. لا يمكن أن تعبر المشاهد واللقطات بشكل وافٍ عن الجوع، والقتل المستمر، والقصف المتواصل، والخوف، والأشلاء المبعثرة والجثث التي لا تجد من يدفنها أو مكاناً مناسباً لدفنها، ولا المصابين بجراح مفتوحة بلا علاج، والأهالي العاجزين عن حماية أطفالهم أو علاجهم، ولا التعذيب والإذلال للسكان وهم يمشون غالباً عراة بين القوات الإسرائيلية المصطفة، ولا الحصار….
هذه الأوضاع المأسوية التي دفعت وكالات أممية عدة إلى وصف غزة بأنها باتت "مقبرة" حيث " كل طريق يمكن أن تسلكه يؤدي إلى الموت" بل واعتبار القطاع موطناً لـ"مليوني جائع"، هم الذين بقوا من السكان بعدما قتلت إسرائيل أكثر من 45 ألف شخصاً، بينهم نحو 15 ألف طفل، وتسببت في فقدان أثر آلاف آخرين وإصابة عشرات الآلاف.
لا تكفي صورة واحدة، أو حتى عشرات الصور للتعبير عن عام كامل تحت الإبادة الجماعية عاشه أهل غزّة في 2024. لكن هذه الصورة تجمع كافة مكونات الحياة في غزة هذه السنة، الظلام، والنار، والعراء، والمقابر، والجوع، وقلة الحيلة…
ثانياً، عودة اللبنانيين لمنازلهم
مواطن لبناني (72 عاماً) يعود إلى منزله الذي دمّرته إسرائيل في الضاحية الجنوبية لبيروت بعد وقف إطلاق النار.
ما إن أُعلن عن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، اعتباراً من فجر 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، حتى سارع آلاف اللبنانيين النازحين إلى العودة إلى قراهم وبلداتهم حتى مع استمرار التحذيرات من العودة لعدم انسحاب الإسرائيليين وعدم اليقين بشأن الالتزام ببنود الاتفاق أو عدم ملائمة المنازل للسكن أو انهيارها تماماً.
شوهدت قوافل سيارات العائدين إلى جنوب لبنان والبقاع شرقاً، حاملين أمتعتهم رفقة ذويهم وأسرهم، والفرح تكسو الملامح ودموع الفرحة تذرف أحياناً، وأعلام لبنان (وبدرجة أقل حزب الله) مرفوعة والكثيرون يشيرون بعلامة النصر. فوق كل هذا، كان الأمل والإصرار على إعادة إعمار بلدانهم وإعادة بناء منازلهم المدمرة إثر العدوان الإسرائيلي الوحشي الذي تصاعد منذ 23 أيلول/ سبتمبر 2024.
ثالثاً، الحياة في غزة
في هذه الصورة للمصور الصحافي محمد سالم الذي يعمل في غزة لصالح شبكة رويترز، تظهر مكونات الحياة في غزة خلال عام 2024، وهي: الظلام. والنار، والدخان، والعراء، والخيام، والمقابر.
الحياة في غزة في صورة.
أرفق سالم الصورة بتعقيب: "نازحون فلسطينيون يشعلون النار بجوار خيمتهم أثناء إقامتهم في مقبرة بخان يونس جنوب قطاع غزة"
في الصورة أيضاً، امرأة يائسة بلا حيلة، تحاول تقليب النار علّها تحمل بعض الدفء في هذا الليل المعتم، وطفل مستيقظ في وقت متأخر ربما جوعاً، وربما بسبب البرد، وربما من شدة صوت القصف الذي تلوح نيرانه في خلفية الصورة.
رابعاً، التضامن مع الفلسطينيين في الغرب
في ظل تخاذل المجتمع الدولي وعجزه عن القيام بأي جهد مؤثر لوقف حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، والمستمرة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 بلا هوادة، كانت مظاهر التضامن "الشعبي" مع الفلسطينيين في أوروبا والغرب لافتة وأحياناً ملهمة، بما في ذلك التظاهرات والوقفات الصامتة والاحتجاج أمام مصالح إسرائيلية وجهات ومؤسسات متواطئة مع إسرائيل أو متحالفة معها.
تضامن طلاب الجامعات الأمريكية مع الفلسطينيين.
لكن اعتصام طلاب الجامعات الأمريكية من أجل وقف الحرب الإسرائيلية على غزة كان الأكثر قوة والأقوى تأثيراً.
اعتصم الطلاب -في أشهر وأهم الجامعات التي تخرّج منها أعتى وأبرز السياسيين- لأيام وأسابيع، طالبوا بسحب الاستثمارات ومقاطعة إسرائيل، لم يهابوا الاعتداءات من الشرطة ولا التهديد بالحرمان من الوظائف عقب التخرج ولا الفصل من الجامعة.
خامساً، "رعب" تفجيرات البيجر
في أيلول/ سبتمبر 2024، نفّذت إسرائيل عملية غير مسبوقة لتفجير مئات أجهزة النداء المحمولة (البيجر) وأجهزة الاتصال اللاسلكي التي يستخدمها عناصر وموالون لحزب الله اللبناني. تسبّبت العملية في حالة من الرعب والفزع في جميع أنحاء لبنان. وأسفر ذلك عن مقتل ما لا يقل عن 42 شخصاً وإصابة أكثر من 3000 آخرين.
في الصورة أدناه، للمصور الوثائقي الفرنسي ويليام دانييلز، يظهر أحد قتلى تفجيرات أجهزة البيجر في لبنان وهو مصاب بجروح خطيرة في يديه. وقعت غالبية الإصابات في العيون أو الأيدي والسيقان. واضطر أطباء العيون والعظام للتعامل مع حالات جديدة وغير متوقّعة وخاضوا عمليات جراحيّة طويلة لسحب معادن "البيجر" من أجسام مئات الجرحى.
سادساً، الحرب في السودان
أدّت الحرب المستمرة لنحو عام ونصف العام في السودان إلى تفاقم الأزمة الإنسانية إلى مستوى مروّع، وأجمعت المؤسسات المعنية بالاستجابة الإغاثية في البلاد على أن الفتيات والنساء هن الأكثر تضرّراً من هذه الحرب إذ يفتقرن إلى المأوى والطعام الكافي والصحي ويتعرّضن إلى أسوأ أشكال العنف والاستغلال الجنسي، بما في ذلك الاستعباد لأيام وشهور، في انتهاكات موثّقة وواسعة الانتشار تورّط فيها محسوبون على طرفيّ الصراع.
في الصورة أعلاه، تظهر فتاة سودانية لاجئة في وهي تحمل أمتعتها ضائعة تبحث عن مأوى من الرياح والأمطار الوشيكة في مخيم أدري للاجئين في تشاد. تظهر حول الفتاة نساء أخريات يبدو عليهن الأسى جرّاء الأوضاع المتفاقمة السوء، بعضهن يسعى للتنقّل على عربة يجرّها حصان هو الآخر هزيل ويبدو عليه البؤس بسبب نقص الطعام، وفي الخلفية، الصحراء المقفرة الواسعة بلا إمكانات ملائمة للعيش أو الحماية، وقمامة منتشرة لتزيد عدم ملائمة البيئة أو مناسبتها للعيش الصحي.
لم تتوقّف وحشية الجنود الإسرائيليين في غزة ولبنان هذا العام عند القتل والقصف وهدم المنازل ونهب الممتلكات بل أمعنوا في استباحة الخصوصية وممارسات وحشية لا سيّما في مشاهد ارتداء الملابس الداخلية للنساء و"شنق" دُمى الأطفال
سابعاً، مشاهد ارتداء جنود إسرائيليين ملابس النساء في غزة ولبنان
لم تتوقّف وحشية الإسرائيليين في غزة ولبنان هذا العام على القتل والقصف وهدم المنازل ونهب الممتلكات بل أمعنوا في استباحة الخصوصية وممارسات وحشية لا سيّما في مشاهد ارتداء الملابس الداخلية للنساء وتعليقها حولهم مع تعليقات جنسية مسيئة تعكس ازدراءهم للنساء.
كل أشكال التوحّش مارسها الجنود الإسرائيليون في غزة ولبنان، عبثوا بممتلكات السكان الذين شرّدوهم، ازدروا متعلقاتهم النفيسة والعاطفية، وقد علّق أحدهم دمية على هيئة دب على دبابته، و"شنق" آخر دمية على هيئة طفلة في غرفة صاحبتها في غزة أيضاً.
ثامناً، مشهد خروج المعتقلين/ات من سجون الأسد
أم سورية من القامشلي تقف داخل أحد معتقلات الأسد في دمشق أملاً في معرفة مصير أبنائها الأربعة.
عكست مشاهد خروج المعتقلين والسجناء المحررين من سجون ومعتقلات نظام بشار الأسد عقب سقوطه وهروبه خارج البلاد قسوة النظام الساقط ووحشيته، والمعاناة التي عاناها المعتقلون في سجونه. مشاهد خروج النساء المحرّرات مع أطفالهن على نحو خاص كانت صادمة ومؤلمة.
حظيت لقطة طفل ربما لا يتجاوز ثلاث سنوات بعدما فتح عناصر من المعارضة السورية المسلحة أبواب الزنزانة وهم يأمرون المعتقلات بالخروج معلنين سقوط النظام، بتفاعل واسع.
وقف الطفل حائراً فهو ربما لم يغادر هذه الزنزانة يوماً ولا يستوعب ما يقوله من فتح الأبواب. هذا المزيج من الخوف والفرحة وعدم الاستيعاب والتساؤلات والتفكير في ما هو قادم عاشها كل من تحرّروا من سجون الأسد. بل يمكن القول إن غالبية السوريين لم يكونوا يستوعبون ما يحدث تماماً كما هذا الولد وكما غالبية المعتقلات اللاتي خفن من مغادرة الزنازين وسألن عمّا قد تفعل بهن "الدولة" إذا غادرن، ليجيب أحد المسلحين: "ما عاد في دولة أختي".
تاسعاً، القصف الإسرائيلي على جنوب لبنان
تعكس هذه الصورة القوية التي التقطها ليو كوريا، من وكالة أسوشيتد برس، ما عاشه اللبنانيون وخاصةً في الجنوب في ظل العدوان الإسرائيلي قبل التوصّل إلى اتفاق وقف إطلاق النار نهاية الشهر الفائت.
كثافة القذائف وتركّزها وتوقيتها -في الليل- جميعها تعكس الحقد الإسرائيلي والرغبة الجامحة في الانتقام والقتل والتدمير.
التُقطت هذه الصورة في 30 أيلول/ سبتمبر 2024، بالتزامن مع عبور قوات إسرائيلية برية إلى جنوب لبنان.
لحظة إسقاط تمثال حافظ الأسد في ساحة عرنوس، وسط العاصمة دمشق، من اللحظات الفارقة في عام 2024. بعد إسقاطه، انهال العشرات من السوريين يدوسونه بأقدامهم، انتقاماً ربما من مشهد التمثال الذي فُرضت عليهم رؤيته ليل نهار، رغم ما عانوه في ظل حكمه
عاشراً، مشهد إسقاط تمثال حافظ الأسد
لحظة إسقاط تمثال الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد في ساحة عرنوس، وسط العاصمة دمشق، من اللحظات الفارقة في عام 2024. بعد إسقاطه، راح العشرات من السوريين يدوسونه بأقدامهم وأحذيتهم، انتقاماً ربما من مشهد التمثال الذي فُرضت عليهم رؤيته ليل نهار، رغم ما عانوه في ظل حكمه.
عن هذه اللحظة، كتبت زميلتنا الصحافية السورية زينة شهلا لرصيف22: "شعرتُ ببعض الغيرة ممن أسقطوا تمثال الرئيس الراحل حافظ الأسد في ساحة عرنوس وسط المدينة مع ساعات الصباح الباكرة والشمس بالكاد تشرق. ودّدت لو تمكنت من المشاركة في هذه "العملية". لديّ ثأر شخصي مع هذا التمثال الكبير، ربما لقباحته المفرطة وهو ينظر إلينا كل الوقت وأينما أدرنا وجهنا؟"، مسترجعةً لحظة اعتقال العشرات من رفاقها بعد وقفة صامتة "أسفل" التمثال عام 2011.
إسقاط هذا التمثال كانت له رمزية أبعد بكثير، إذ دل ذلك على أن النظام بات "ساقطاً" و"للأبد".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ اسبوعينلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...