لا تزال إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، تُثير جدلاً واسعاً، مع ترقّب لمعالجته العديد من الملفات الدوليّة والإقليميّة لا سيّما وأنه سبق أن قدّم رؤى ووعوداً بشأن عدّة ملفات حسّاسة خاصّة بالمنطقة العربية، من بينها قضية "الصحراء الغربية" وانعكاساتها على العلاقات بين المغرب والجزائر.
وبينما يتصاعد التوتّر الدبلوماسي والسياسي بين الجزائر والمغرب بشأن هذه القضيّة على نحوٍ خاص، يعود ترامب مجدّداً للرئاسة الأمريكية حيث عُرف خلال فترته الأولى بانحيازه للمغرب خاصّة بعد اعترافه بمغربية الصحراء في نهاية عام 2020، وهو ما اعتُبر آنذاك منعطفاً تاريخياً في الصراع السياسي بين الرباط وجبهة البوليساريو، في المقابل اتّسمت فترة ترامب الأولى بفتور العلاقة مع الجزائر.
ويرى محلّلون أن فترة ترامب القادمة سيكون لها أثر عميق في العلاقات الثنائية بين الدولتين المغاربيتين في ظلّ عدّة متغيّرات عصفت بالهدوء النسبي في العلاقة بينهما، خاصّةً منذ صعود عبد المجيد تبون للحكم في الجزائر في كانون الأوّل/ ديسمبر 2019 واتخاذه قراراً بقطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب في 24 آب/ أغسطس 2021.
يرى محلّلون أن فترة ترامب المقبلة سيكون لها أثر عميق في العلاقات الثنائية بين المغرب والجزائر في ظلّ عدّة متغيّرات عصفت بالهدوء النسبي في العلاقة بينهما خاصّة منذ صعود عبد المجيد تبون إلى الحكم في الجزائر عام 2019 واتخاذه قراراً بقطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب. كيف؟
انتظارات متباينة
بعد انتخاب ترامب، سارع البلدان إلى تهنئته، متطلّعين إلى توطيد العلاقات خلال الفترة القادمة، حيث هنّأ ملك المغرب محمد السادس ترامب في اليوم الأول لإعلان نتائج الانتخابات، معبّراً له عن امتنانه لاعترافه في ولايته الأولى بسيادة المملكة على الصحراء الغربية.
وفي رسالة نشرتها وكالة الأنباء الرسمية، قال ملك المغرب: "إنني لأستحضر فترة ولايتكم السابقة التي بلغت علاقاتنا خلالها مستويات غير مسبوقة تميّزت باعتراف الولايات المتحدة بالسيادة الكاملة للمملكة المغربية على كامل ترابها في الصحراء... هذا الموقف التاريخي، الذي سيظلّ الشعب المغربي ممتناً لكم به، يمثّل حدثاً هاماً ولحظة حاسمة".
في المقابل، ذكَّر الرئيس الجزائري، تبون، في رسالة تهنئة نشرتها وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية بـ"عمق علاقات الصداقة التاريخية التي تجمع الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية"، مشيداً في الوقت ذاته بـ"الديناميكيّة الإيجابية التي تشهدها الشراكة الثنائية في شتّى المجالات" ومؤكّداً عزمه "العمل من أجل ترقيتها إلى آفاق أرحب بما يخدم المصالح المشتركة".
وفي هذا السياق، يقول المحلّل السياسي المغربي رشيد لزرق، لرصيف 22، إنّ الجمهوريين في الولايات المتحدة الأمريكية لديهم علاقة أوطد مع المغرب مقارنة بالديمقراطيين، مشيراً إلى أنّ "إعادة انتخاب ترامب قد يساهم في جرأة أمريكية أكثر في حسم ملف 'الوحدة الترابية للمغرب' خاصّة بعد الاعتراف الرئاسي في الوقت الأخير من عهد ترامب".
يضيف لزرق أن ترامب خلال فترته الأولى اتخذ مجموعة من الإجراءات لفائدة المغرب والمنطقة من بينها إنشاء قنصلية أمريكية في مدينة الداخلة الصحراوية، ودعم استثمار بقيمة خمسة مليارات دولارات في منطقة غرب أفريقيا، بالإضافة إلى تقديم الدعم في مكافحة الإرهاب والتنمية الاقتصادية.
"ما ينتظره المغرب من ترامب هو طيّ هذا الخلاف الذي عمّر طويلاً، والانتقال من مرحلة تدبير قضية الوحدة الترابية إلى مرحلة حسمها عبر التوجّه إلى سحب القضية من اللجنة الرابعة في الأمم المتحدة"، والجزائر تتوقّع "أن يجمّد قرار الاعتراف". هل يحسم ترامب ملف الصحراء الغربية في عهدته الثانية؟
على الجانب الآخر، يرى المحلّل السياسي والأمني الجزائري أحمد ميزاب أنّ الجزائر تتطلّع إلى علاقات متينة مع الولايات المتحدة الأمريكية في الفترة الجديدة لترامب، تكون مبنيّة على الشراكة والتعاون والتنسيق، مشيراً إلى أنّ البلدين يشتغلان على عدّة ملفات خاصّة منذ 11 أيلول/ سبتمبر 2001 في قضايا تتعلّق بمحاربة الإرهاب والمسائل المرتبطة بتبادل الخبرات في مجال مكافحة الهجرة غير النظامية.
ويقول لرصيف22: "الجزائر منفتحة على علاقات مثمرة مع الولايات المتحدة خاصّة في إطار الإدارة الجديدة لترامب، حيث تتطلّع الجزائر إلى أن تكون هذه الإدارة أكثر انفتاحاً وأكثر سعياً للتهدئة داخل المنطقة في ظلّ مواجهة مختلف التحدّيات والتغيّرات العالميّة خاصّة أنّ الجزائر عضو غير دائم في مجلس الأمن ويمكنها العمل مع الولايات المتحدة على تفكيك عديد الألغام المحيطة بالملفات المطروحة في الساحة العالميّة والإقليميّة".
ويلفت ميزاب في الوقت نفسه إلى أنّ العلاقات الأمريكية الجزائرية لم تكن في أحسن أحوالها خلال العهدة الأولى لترامب للعديد من الاعتبارات، منها المنهج الذي كان يعتمده ترامب في عدة الملفات، ما جعل الجزائر تحافظ على مسافة معيّنة مع واشنطن.
وفي السياق عينه، يعتقد ميزاب أنّ هذه الولاية الجديدة ستكون مغايرة للسابق ليس بالشكل العميق وإنّما ستحدث نوع من التغيّرات في سياسة ترامب وطريقة تعاطيه مع العديد من الملفات باعتبار انّ ترامب كانت لديه فرصة لإعادة النظر في عديد الخطوات التي كان يتبناها أو ينتهجها خلال سنوات حكم بايدن، ووجوده خارج البيت الأبيض.
كذلك يرى ميزاب أنّ المتغيّرات الدوليّة والإقليمية الحالية ليست على حالها خلال ولاية ترامب الأولى حيث كانت الجزائر آنذاك تعيش ظروفاً أخرى ثم حصل تغيير في رئاسة الجمهورية بتولّي الرئيس تبون الحكم، مشيراً إلى وجود مجموعة من التحوّلات تؤطّر العلاقات الثنائية بشكل أساسي بالإضافة إلى وجود ملفات عرفت مسارات مختلفة يمكن أن تكون أرضية لتقارب وجهات النظر، لذلك فإنّ فترة ترامب الأولى كان لها سياقها ومحدداتها، على حد قوله.
تفاؤل مغربي وترقّب جزائري
نتائج الانتخابات الأمريكية الأخيرة قوبلت باستبشار وتفاؤل مغربيين بالنظر إلى فرص حلحلة ملف الصحراء الغربية والاعتقاد بسير الرئيس الأمريكي المنتخب على نهجه الذي اعتمده خلال فترة حكمه الأولى حين اعترف بـ"مغربية الصحراء" ووعد بفتح قنصلية أمريكية داخل الصحراء الغربية، لتأكيد اعترافه بالسيادة المغربية على الإقليم.
وفي المقابل، كان الترقّب من الجزائر لموقف ترامب خلال عهدته الثانية بشأن ملف الصحراء الغربية، وانتظار أنّ المتغيّرات السياسية والإقليمية قد تساهم في تعديل موقفه السابق وتجعله يتراجع عن الاعتراف بـ"مغربية الصحراء الغربية" أو تجميد قراره.
وفي تعليقه على مسألة اعتراف ترامب بـ"مغربية الصحراء"، يقول ميزاب إنّ اعتراف ترامب الذي جاء في آخر عهدته الأولى سيقع تجميده وسيترك الملف مفتوحاً على مستوى هيئات الأمم المتحدة، وندرك جيداً الوضعية القانونية للملف على مستوى الأمم المتحدة وانطلاقاً كذلك من شرعية القانون الدوليّ.
ويجزم ميزاب بأنّ ترامب لن يسير في ما يحاول المغرب أنّ يسوّق له خلال "اتفاقات أبراهام" المتعلقة بالتطبيع مع إسرائيل مقابل "افتكاك اعترافات وهمية"، معتبراً أنّ ترامب حقّق المراد وهو تجسيد اتفاقية إبراهام والدفع بالمغرب إلى التطبيع و"الارتماء في حضن إسرائيل" وعقد اتفاقات أمنية ودفاعية معها، على حدّ قوله.
كما يعتبر ميزاب أنّ "ترامب لا يسير في فلك الطرح المغربي خاصّة وأنّه يريد تهدئة الأوضاع، وبالتالي سوف يشتغل عن بعد في ما يتعلّق بهذا الملف ولن يكون ضمن أولويات إدارته لأن هناك العديد من الملفات الأخرى الإستراتيجية بالنسبة لإدارة ترامب"، مرجّحاً أن يترك ترامب الملف جانباً بما يمثّل "صفعة للمغرب الذي تنازل عن الكثير مقابل افتكاك تصريح على ورق لا أثر له على مستوى الأمم المتحدة".
وفي المقابل، يعتقد لزرق أنّ مقياس السلطات المغربية التي تقيس به الأمور هو تفعيل الاتفاقيات الموقّعة في ظلّ التحولات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة، وما يشهده المحيط الدوليّ من متغيّرات عديدة. يضيف لزرق أنّ ما ينتظره المغرب من ترامب هو طيّ هذا الخلاف الذي عمّر طويلاً، والانتقال من مرحلة تدبير قضية الوحدة الترابية إلى مرحلة حسمها عبر التوجّه إلى سحب القضية من اللجنة الرابعة في الأمم المتحدة، مبيّناً أنّ هذه الخطوة تحتاج إلى جهود دبلوماسية وتقديم حجج قانونيّة وواقعيّة.
تأزّم العلاقات
بعد سنوات طويلة من الفتور في العلاقة بين المغرب والجزائر، بلغت العلاقة بين البلدين في السنوات الأخيرة أوج التوتّر خاصّة بعد قطع الجزائر للعلاقات الدبلوماسية مع المغرب في آب/ أغسطس 2021 ثم فرضها تأشيرة دخول على المغاربة في أيلول/ سبتمبر 2024 ما جعل العلاقة بين البلدين في أدنى مستوياتها.
ويبدو أنّ عقد المغرب عدّة اتفاقيات أمنيّة ودفاعية مع إسرائيل عمّق التوتّر بين الجزائر والرباط ودفعهما أكثر إلى التباعد لا سيّما في ظلّ التنافس السياسي والاقتصادي الإقليمي الذي أملته المتغيّرات التي يشهدها العالم ومنطقتيّ شمال أفريقيا وغربها، خاصّة مع عودة ترامب مجدّداً للرئاسة وهو الذي عُرف بانحيازه للمغرب على حساب الجزائر خلال عهدته الأولى.
وفي هذا الإطار، يشرح المحلّل السياسي التّونسي إسكندر العلواني، لرصيف22، أنّ ترامب لديه عقلية ليبرالية مجحفة تحكمها المصالح وشعاره "من يدفع أكثر يفوز"، مشيراً إلى أنّه خلال العهدة الأولى لترامب كان هناك تقارب مغربي أمريكي وبذلك ينتظر أن يدعم ترامب توجّهات السلطة المغربية.
ويتابع العلواني بأنّ هناك فتور واضح في العلاقات الجزائرية الأمريكية وهذا الفتور سيتعمّق مع صعود ترامب لسدّة الحكم، على حد تقديره، لافتاً إلى أنّ الجزائر تُدرك جيّداً ما ينتظرها بعد عودة ترامب. ويميل العلواني إلى أنّ "ترامب سيدعم خلال الفترة القادمة أحقّية المغرب في الصحراء الغربية وهو ما سيزيد الصراع بين الجزائر والمغرب، وهو ما يؤثّر على المنطقة المغاربية ككل". بوجه عام، يعتقد المحلل التونسي أنّ "الوضع جدّ معقّد ومفتوح على كل الاحتمالات بما في ذلك أن يمضي ترامب في افتتاح قنصلية أمريكيّة في الصحراء الغربية".
أي مستقبل لملف الصحراء؟
يسعى المغرب خلال الفترة المقبلة إلى حسم ملف الصحراء الغربية بعد اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية، لكنه يدرك جيّداً التحرّكات الدبلوماسية التي تقوم بها جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر لحشد المواقف الدوليّة للاعتراف بها كممثل شرعي لأهالي إقليم الصحراء الغربية.
"سياسة ترامب في قضية الصحراء الغربية قد تزعزع استقرار المنطقة باعتبار دعمه لفكرة "مغربية الصحراء الغربية"... قضية الصحراء الغربية وملف العلاقات المغربية الجزائرية بين تفاؤل وترقّب وحذر خلال العهدة الثانية لترامب، فأي مسار يتّخذ؟
لذا، يحتاج المغرب إلى خطوة أكثر جرأة من الرئيس ترامب بفتح قنصلية في الإقليم الصحراوي ودفع حلفاء واشنطن إلى الاعتراف بالسيادة المغربية على الإقليم.
وفي هذا السياق، يقول العلواني إنّ "سياسة ترامب في قضية الصحراء الغربية قد تزعزع استقرار المنطقة باعتبار دعمه لفكرة "مغربية الصحراء الغربية"، وهو ما من شأنه أن يقوّض فرص السلام بين المغرب والجزائر.
من جانبه، يؤكد المغربي لزرق ضرورة أن تدعم الولايات المتحدة تقديم مطالبة رسمية إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة للاعتراف بـ"مغربية الصحراء" حيث يعمل المغرب ضمن هذا التوجّه على حشد الدعم الدبلوماسي من الدول الأعضاء في الجمعية العامة للحصول على أغلبية أصوات الدول الأعضاء في الجمعية العامّة، أي ثلثي الدول الأعضاء الحاضرة والتي يحق لها التصويت. ويُردف لزرق بأنّ "الطلب المغربي يستند إلى حجج تاريخية وقانونية تؤكد أنّ القضية هي قضية وحدة ترابية".
إلى ذلك، يعتقد لزرق أن طيّ ملف الصحراء الغربية سيعيد العلاقات المغربية الجزائرية ويقوي تكتّل "المغرب العربي" ممّا يساهم في محاربة الارهاب ورفع كل التحدّيات المطروحة بشكل أكثر فاعلية.
وبشأن وعود ترامب بفتح قنصلية في الصحراء، يعتقد الجزائري ميزاب أنّه "لا أثر لفتح قنصلية وهمية أو قنصلية لا صفة قانونية لها على الأراضي الصحراوية المحتلّة"، لافتاً إلى أنّ العلاقات الدوليّة مبنيّة على مبدأ المصلحة، واليوم الولايات المتحدة الأمريكية لا تنظر إلى أنّ المغرب يحقّق رقماً في معادلة المصلحة حتى يسير بشكل سريع في تجسيد هذه الأفكار لأنّ هناك أولويات تفرض نفسها وملف الصحراء لن يكون في صدارة الترتيبات.
ويختم ميزاب بأنّ توقيع ترامب على وثيقة الاعتراف بـ"مغربيّة الصحراء" في الفترة الأخيرة لنهاية عهدته الأولى في ذاته دليل على عدم أهمية هذا الملف في أجندة إدارته لذلك لا يجب إعطاء الموضوع أكثر من حجمه، لكن بالأساس لغة المصالح هي التي سوف تفرض نفسها بالإضافة إلى منطق القانون الدوليّ والشرعيّة الدوليّة والأمم المتحدة التي تشكل المفصل في هكذا ملف.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 5 ساعاتالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت