خلال عامٍ زاخر بالمآسي والانكسارات على جميع الأصعدة، لا نبالغ حين نقول إن المنطقة العربية فيه لم تتنفس الصعداء، إذ وقفت العديد من النساء العربيات شامخات في وجه المحتل والأفكار النمطية والأرقام القياسية.
تنوّعت قائمة رصيف22 للنساء الملهمات هذا العام بين الصحافيات، والبطلات الرياضيات، والناشطات الاجتماعيات، والأمهات المناضلات، والمبدعات.
أولاً، إيمان خليف
خلال عام 2024، أعطت الملاكمة الجزائرية الشابة إيمان خليف دروساً مجانية لكل النساء والرجال في كيفية قتال المرأة من أجل هويتها الجنسية، واستحقاقاتها المهنية أيضاً.
تعرّضت خليف إلى التشكيك في أنوثتها، وتم وصمها بـ"الرجل المتحوّل"، في إشارة إلى احتمال عبورها جنسياً وامتلاكها "قوة مفرطة" تساعدها في الانتصار على منافساتها من "النساء المعياريّات".
فازت إيمان بذهبية الملاكمة في أولمبياد باريس 2024 عن وزن 66 كغ، وقرّرت أخيراً أن ترفع دعوى قضائية ضد الأفراد الذين شكّكوا في هويتها الجنسية، إصراراً منها على الانتصار للنهاية وإعطاء خير مثال لـ"المرأة القوية".
ثانياً، فيروز
مع دقات الثانية عشرة فجر 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، بلغت جارة القمر عامها التسعين، لتنشر "سفيرتنا الى النجوم" مزيداً من البهجة والأمل في نفوس كل عشاقها دون تخطيط مسبق.
جارة القمر فيروز والمصرية ليلى سويف والسعودية مناهل العتيبي والغزّية نور السويركي… نساء عربيات ألهمننا القوة والصمود في وجه الاستبداد والاحتلال. هذه أبرز الدروس التي تعلمناها منهن في 2024
نهاد حداد، المولودة في منطقة زقاق البلاط الشعبية في بيروت عام 1934، والتي أصبحت "أسطورة العرب" و"ياسمينة الشام" و"عصفورة الشرق"، تزامن عيد ميلادها هذا العام مع أوضاع صعبة يعاني منها لبنان والمنطقة العربية، فكان "عيدها" بمثابة هُدنة لمدة يوم واحد تنفس خلالها ملايين المواطنين اللبنانيين والعرب نسيم السعادة والبهجة لأجل "ملكة الغناء العربي" و"صوت الأوطان"، وكأنما تبدّلت أوضاعهم وانتهت مآسي بلادهم.
مع بلوغها التسعين هذا العام، وبكل محطات حياتها الصعبة والناجحة، تمدنا "سيدة الصباح" في كل يوم بطاقة أكبر للصمود والأمل.
ثالثاً، نور السويركي
على الرغم من صعوبة الحياة، وانتفاء مقوّماتها الأساسية، وخطورة التطورات المتلاحقة في غزة، تواصل الصحافية نور السويركي (36 عاماً) التغطية من القطاع وكشف الجرائم الإسرائيلية بحق سكانه منذ بداية حرب الإبادة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
بعد بضعة أشهر من بداية الحرب، أقدمت نور وزوجها الصحافي سالم الريس (38 عاماً) على إرسال طفليهما خارج القطاع حفاظاً على سلامتهما وأيضاً للتفرغ لعملهما المهني والإنساني في ظل تعمّد إسرائيل استهداف الصحافيين/ات وقتل العشرات منهم/ن، غالباً مع أسرهم/ن.
في ظل انعدام كامل للحماية من آلة القتل الإسرائيلية، وانهيار البنى التحتية بشكل كامل في غزة، والإجبار على النزوح المتكرر إلى مناطق جميعها غير آمنة، بعيداً عن أسرتها بما في ذلك البعد عن زوجها الذي سكن خيمةً للصحافيين بينما سكنت هي خيمةً للصحافيات لشهور طويلة قبل أن يجتمعا في خيمة واحدة أخيراً، تواصل نور عملها الصحافي بشجاعة منقطعة النظير مؤمنةً برفع صوت أبناء شعبها ونقل الحقيقة عبر الشاشات وعبر حساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي.
رابعاً، ليلى سويف
اعتباراً من 30 أيلول/ سبتمبر 2024، دخلت الأكاديمية والمناضلة المصرية ليلى سويف (68 عاماً) في إضراب كلي عن الطعام دون الشراب احتجاجاً على ما تعتبره "جريمة السلطات المصرية" في حق نجلها الناشط السياسي علاء عبد الفتاح الذي كان ينبغي الإفراج عنه وتصر السلطات على اعتقاله حتى مطلع عام 2027، وهو ما ترى والدته أنه "اختطاف واحتجاز خارج نطاق القانون".
وفي خطوة تصعيدية، رداً على ما تعتبره تجاهلاً و"تواطؤاً من الحكومة البريطانية مع حليفها النظام المصري في احتجازه"، أعلنت ليلى عزمها الاعتصام أمام مبنى وزارة الخارجية البريطانية، كل صباح عمل حتى الإفراج عن ابنها، أو حتى انهيار جسدها وإدخالها المستشفى حيث فقدت أكثر من 20 كيلوغراماً منذ بدء إضراب الجوع.
تضرب ليلى مثالاً لما قد تذهب إليه المرأة لأجل ما تؤمن به، وما قد تفعله الأم لأجل حماية أبنائها بغض النظر عن التبعات على سلامتها بل وحياتها.
خامساً، كريستينا عاصي
تغيّرت حياة كريستينا عاصي (29 عاماً)، المصوّرة الصحافية في وكالة الصحافة الفرنسية اعتباراً من 13 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 بعدما تعرّضت لإصابات بالغة إثر استهداف إسرائيل مجموعة من الصحافيين/ات أثناء عملهم في جنوب لبنان.
إيمان خليف وندى حافظ وهنا جودة… بطلات رياضيات عربيات اختلفت مجالات تفوقهن واجتمعن على تخطّى التوقعات وتحقيق الإنجازات وأثبتن أن الفتيات والنساء لا يقف أمام إرادتهن أي شيء لا الحمل ولا السن ولا فارق الخبرة ولا حملات التشويه والتخويف
أُصيبت كريستينا، التي اختيرت ضمن قائمة بي بي سي للنساء الأكثر تأثيراً في 2024، بإصاباتٍ خطيرة أدت إلى بتر ساقها اليمنى.
حملت كريستينا شعلة أولمبياد باريس 2024، في تكريم ليس لها وحدها أو لشجاعتها هي فقط بل هو تقدير لجميع الصحافيات والصحافيين الذين فقدوا حياتهم أو أُصيبوا خلال قيامهم بنقل الحقيقة.
سادساً، ندى حافظ
صُدم كثيرون لمشاهدة لاعبة المبارزة/ الشيش المصرية ندى حافظ (26 عاماً) وهي تتنافس في أولمبياد باريس 2024 ببطن منتفح، في الشهور الأخيرة لحملها على ما يبدو.
اعتبر البعض أن السماح بمشاركة ندى هدر للمال العام المصري لأنها حامل ومن المؤكد لن تفوز، واعتبر آخرون أن ما فعلته إعجازي في حين أن فكرتهم عن الحمل أنه مرض أو إعاقة تمنع قيام المرأة بأبسط الأشياء.
لكن ندى التي فازت بأولى مبارياتها في منافسات فردي السيدات بسلاح السيف، وخرجت بعد ذلك من المنافسات في دور الـ16، كانت تشارك للمرة الثالثة في الألعاب الأولمبية، بالأحرى هي وجنينها الذي أكمل سبعة أشهر في بطنها آنذاك.
علاوة على مسيرتها الرياضية المشرفة التي بدأتها في عمر 11 عاماً، تعمل ندى طبيبة تخرجت من كلية الطب بجامعة القاهرة عام 2022 وتعمل راهناً أخصائية في الأمراض السريرية.
ما فعلته الطبيبة والبطلة الرياضية المصرية الشابة هو تذكير بأن الحمل ليس عاهةً ولا مرضاً وبأنه لا يعوق النساء على التقدم في حياتهن الشخصية والعملية وعلى جميع الأصعدة.
سابعاً، مناهل العتيبي
تصفها منظمة العفو الدولية مدربة اللياقة البدنية السعودية مناهل العتيبي (29 عاماً) بأنها "المدافعة الباسلة عن حقوق المرأة". في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، ألقي القبض عليها بتهم الإرهاب، وفي كانون الثاني/ يناير 2024، حُكم عليها بالسجن 11 عاماً لا لشيء إلا لأنها أيّدت "الإصلاحات" الاجتماعية والاقتصادية التي أقرها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان منذ صعوده إلى الحكم في 2017.
صدّقت مناهل أن المرأة السعودية باتت حرة في ما تلبس وتتصرّف ما دامت في إطار "الحشمة" وأنها غير ملزمة بـ"العباءة"، كما صرح الأمير محمد، فخرجت إلى الأسواق بدونها والتقطت الصور ونشرتها عبر الإنترنت معبرةً عن شعورها بالحرية في بلادها بعد عقود من القمع الديني، فاتهمت بـ"انتهاك نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية في السعودية".
تقول منظمة العفو الدولية إن العقوبة القاسية تركت مناهل محطّمة، في وقتٍ أخبرت عائلتها بأنها تعرضت للضرب على يد سجينة أخرى قبل أن توضع في الحبس الانفرادي وتمنع لشهور من التواصل مع أسرتها، وتُركت مصابة بكسر في ساقها بدون علاج، ما فاقم بؤسها.
مناهل هي مثال حي على أن النساء في السعودية ما زلن يواجهن القمع والسلطة الأبوية، وعلى زيف الادعاءات الرسمية بالتوقّف عن ملاحقة النساء بسبب ملابسهن أو تصرفاتهن الشخصية.
ثامناً، هندا عبدي محمود
هندا عبدي محمود هي صحافية ومدافعة عن حقوق النساء من الصومال. اختيرت أيضاً ضمن قائمة بي بي سي للنساء الأكثر إلهاماً في العالم عام 2024.
هندا التي تنحدر من هرجيسا في الصومال، تترأس تحرير صحيفة "بيلان ميديا" التي تضم أول فريق إعلامي في البلاد من النساء، وهو مستقل، ويعمل على تحدّي وكسر الصور النمطية في المجتمع لا سيّما ما يتعلق منها بالنساء.
تعمل هندا في واحدة من أخطر البلدان على عمل الصحافيين/ات، وفي واحدة من أشد البيئات تحفّظاً وأحياناً عدائية تجاه النساء ومع ذلك تواصل القيام بعملها الشجاع من دون خوف.
تاسعاً، نعمة حسن
منذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، لم تتوقّف الشاعرة الغزاوية والكاتبة والناشطة المجتمعية، نعمة حسن، عن رفع الصوت عمّا يعانيه مواطنوها مسخّرةً حساباتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وعلاقاتها ووقتها ومستغلةً كل محفل تظهر فيه لأجل هذا الهدف.
ابنة مدينة رفح جنوب القطاع، وعضوة "أسرة تآخي" للعمل التطوعي، تعمل منذ نحو خمس سنوات مع العديد من الجهات العربية والدولية الداعمة للشعب الفلسطيني، للقيام بكل ما هو ممكن من أجل دعم الأطفال المُتضررين في مختلف مناطق غزّة. علاوة على ذلك، توثّق نعمة يوميات الحرب عبر حسابها على فيسبوك.
بينهن من أعلت رسالة الأمومة السامية، ومن لم يخفن بطش الاحتلال، ومن كسرن القوالب النمطية التي تُقزّم قدرات النساء، تنوّعت خيارات رصيف22 للنساء الملهمات في 2024. تعرّفوا عليهن وعلى قصصهن
عاشراً، هنا جودة
بشكل غير مسبوق، تمكّنت ابنة الـ17 عاماً، لاعبة تنس الطاولة المصرية الناشئة هنا جودة، من أن تصبح أول مصرية وعربية وأفريقية تفوز بميدالية في بطولات العالم للناشئين في اللعبة التي طالما كانت حكراً على لاعبات وبطلات الصين ودول شرق آسيا.
حصدت هنا برونزية بطولة العالم دون 19 عاماً في السويد بعدما حصدت الميدالية الذهبية في دورة الألعاب الأفريقية التي أقيمت في غانا في آذار/ مارس من العام نفسه. لكن هذا الإنجاز تحقّق أيضاً بعد خروج هنا من دور الـ64 في أولمبياد باريس 2024، ما يعكس إرادة صلبة للنجاح.
في عام 2020، قال الاتحاد الدولي للعبة إن هنا "صنعت معايير غير مسبوقة" في اللعبة وتعيد كتابة تاريخ تنس الطاولة في أفريقيا بعدما باتت أول لاعبة أفريقية تتصدر التصنيف العالم للفتيات تحت 15 عاماً حين كانت بعمر 12 عاماً فقط.
هنا هي مثال رائع ودليل على قدرة الفتيات والنساء على تخطّى كل الحواجز والأفكار الراسخة وتحقيق الإنجازات غير المتوقعة بغض النظر عن السن وعوامل الخبرة وغيرها ما دامت الإرادة متوثبة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 20 ساعةكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 4 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...