شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"لم يقبل بالوظيفة في مصر"... عندما يتحول الزوج المغترب إلى عاطل عن العمل

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 30 أغسطس 202103:03 م

أصبح السفر للعمل في الخارج، واجهةً اجتماعية لدى الرجال، في العديد من المناطق في مصر، لذا يتباهى الرجل بأنه كان مسافراً، وجمع الكثير من الأموال. وبعد أن ينتهي سفره، يصبح عاطلاً عن العمل، ولكنه يظل يفاخر بأنه "كان مسافراً"، ولا يقبل بأي وظيفة، حتى لو بقي فترة طويلة من دون عمل.

بذلك، تزداد الأعباء على المرأة، عندما تجد أن من تزوجته غدا بلا مصدر دخل، أو مشروع، يكسب منه، وفي الوقت ذاته تكون فرصها هي في العمل قليلة للغاية، إما لأنها لم تكمل تعليمها، أو لأن الوسط الذي تعيش فيه يرفض عمل المرأة، ويرى أن الأمر مسؤولية الرجل وحده.


"زوجي لا يقبل بأي وظيفة"

تعاني لمياء محمود (24 عاماً)، هي وأسرتها، بسبب زوجها. تروي السيدة وهي من محافظة البحيرة، لرصيف22 قائلةً: "عندما تقدم زوجي لطلب يدي، اعتقدنا أنه مقتدر مادياً، خاصةً وأنه يملك بيتاً كبيراً، وأرضاً، وكان حينها يعمل محاسباً خارج مصر. لكن بعد الزواج، انتهى عقد عمله، وعاد إلى مصر".

لمياء، الحاصلة على مؤهل متوسط، وتعمل ربة منزل، أضافت: "بدأت المشكلات بعد ذلك بشهور، عندما نفدت نقوده، ورفض البدء في أي مشروع، وظل ينتظر عقد عمل جديد، كما رفض أكثر من وظيفة عُرضت عليه، قائلاً إنها لا تليق بمكانته".

يعود رجال مصريون من الغربة، ويصبحون عاطلين عن العمل، ولكنه يفاخرون بأنهم "كانوا مسافرين"، ولا يقبلون بأي وظيفة.

وفي المنطقة التي تعيش فيها لمياء، لا يُعد عمل المرأة شائعاً، بل هو أشبه "بالرفاهية"، كما أن معظم النساء لا يملكن مؤهلات علمية، تتيح لهن العثور على فرص ملائمة. بذلك، تبقى مهمة إعالة الأسرة منوطة بالرجال، والمجتمع ينظر إلى الرجل الذي لا يعمل على أنه غير جدير بتحمل مسؤولياته، ويوصف بأنه "ليس رجلاً كفاية".

بذلك، لم يكن غريباً أن تزداد وتيرة المشكلات بين لمياء وزوجها، فمنذ سنوات يعطيها شقيقها المال، وكذلك والد زوجها، وحتى الطعام تحضره والدتها في المناسبات. "عندما نطلب من زوجي أن يبدأ في أي مشروع، يصرخ فينا، وأنا أضطر إلى تحمله، بسبب ابنتنا التي أنجبتها بعد عام من الزواج".

لكن، بالنسبة إلى ابنة الحاج عبد الحميد عليوة، من محافظة كفر الشيخ، فالانفصال هو الحل، بعد سنوات من الزواج. "الغرور والتفاخر جعل زوج ابنتي السابق يقبل المساعدة من أصدقائه، ويأخذ أموال زوجته لينفقها، ويرفض التوظّف كعامل نظافة، لأنه كان يعمل قبل الزواج في وظيفة محترمة خارج مصر، ولكن بعد جائحة كورونا توقف عمله، ولم يسافر ثانيةً، وانقلبت الدنيا على رأس ابنتي"، يقول الرجل لرصيف22.

يتابع الرجل الستيني حديثه: "على الرغم من وجود ولدين، صممتْ على الانفصال، لأنها رأت أنه غير جدير بتحمل مسؤولية العائلة. كنت أرسل لها كل يوم الأكل والنقود، وهو استسهل الأمر، فلم يبذل جهداً للبحث عن عمل، واكتفى بانتظار فرصة سفر جديدة، كما عرضت عليه العمل معي في مجال البناء، فرفض".

المشكلة لم تتوقف عند ذلك، فعصبية الزوج ازدادت، وبدأ بضرب زوجته، التي تركت البيت، وطلبت الانفصال عنه. "لم يتغير الوضع، فما زلت أصرف عليها، وعلى أولادها. طلبت مني أن تبحث عن عمل، لكني رفضت، فهنا، الرجل هو الذي يجب أن يصرف على بيته"، يضيف الحاج عبد الحميد.


معايير اختيار خطأ

الخبيرة الاجتماعية ومستشارة العلاقات الأسرية الدكتورة زينب نجيب، تحدثت عن هذه الظاهرة لرصيف22، وقالت: "الكثير من المشكلات الأسرية ناتجة عن وجود معايير اختيار غير صحيحة عند الزواج. فالأهل كثيراً ما يهتمون بما يملكه الزوج المستقبلي من أموال، وما يستطيع تقديمه من مهر، ومؤخر، ولا يلقون بالاً لمدى استقرار وضعه المادي، أو قدرته على تكوين أسرة، ومدى التوافق بينه وبين ابنتهم، وبين العائلتين".

"على الرغم من وجود ولدين، صممتْ ابنتي على الانفصال، لأنها رأت أنه غير جدير بتحمل مسؤولية العائلة. كنت أرسل لها كل يوم الأكل والنقود، وهو استسهل الأمر، فلم يبذل جهداً للبحث عن عمل، واكتفى بانتظار فرصة سفر جديدة، كما عرضت عليه العمل معي في مجال البناء، فرفض"

تتابع نجيب: "أسس الزواج كلها أصبحت واهية، لذلك تقع المشكلات بين الطرفين، فلا يوجد توافق فكري، ولا نفسي، ولا ثقافي، ولا عقلي. ما بُني على خطأ، يظل خطأً، فتكثر حالات الطلاق، والجرائم أيضاً. وفي الحالات التي يتعنت فيها الزوج، ويرفض القبول بأي وظيفة، يصبح الطلاق حلاً للفتاة، وأسرتها، التي ترفض الإنفاق عليها، وترى أن الأمر هو مسؤولية الزوج وحده".

وترى الخبيرة أن الرجال الذين اعتادوا العمل في الخارج، ويعودون إلى مصر، ويرفضون العمل في أي وظيفة، لا يعيشون على أرض الواقع، ويتصورون أن مكانتهم الاجتماعية أهم من أي شيء، حتى لو كان ذلك على حساب عائلاتهم.


دروس خصوصية وملابس "كروشيه"

تزوجت دعاء السعيد (32 عاماً) منذ خمس عشرة سنة، وكانت حياتها جيدة جداً، فزوجها يعمل خارج مصر في مجال التدريس، وكانت حالتهما المادية ميسورة، وأنجبا ثلاثة أولاد. "لكن منذ ثلاثة أعوام، لم يتجدد عقد عمله، ومن وقتها تغيرت حياتنا"، تقول السيدة لرصيف22، وقد استخدمت في حديثها اسماً مستعاراً.

"بدأت بإعطاء دروس خصوصية في المنزل، على الرغم من رفض زوجي للأمر في البداية، إذ إن عليّ، وفق رأيه، الاهتمام بالأولاد فحسب، لكنه وافق بعد أن أصبحنا في أزمة مادية. حاول بدوره البحث عن عقد عمل جديد في الخارج، ولم يجد، وعندما أشرت عليه بأن يحاول إيجاد وظيفة في مصر رفض، قائلاً إنه لن يقبل بذلك بعد هذه السنوات كلها"، تشرح دعاء، وهي من محافظة الجيزة، حكايتها.

وكما في العديد من العائلات في مصر، تسبب الأمر بمشكلات كبيرة مع أسرة دعاء، التي لم تقبل عدم عمل الزوج، بينما تعمل هي، وفي الوقت ذاته أصبح زوجها عصبياً جداً، ولا يطيق الحديث معها، "وأنا لم أملك سوى الصبر، حتى لا أكون قليلة الأصل، بعد هذا العمر كله"، تضيف بحسرة.

منذ ثلاثة أعوام، لم يتجدد عقد عمله، ومن وقتها تغيرت حياتنا.

"ابنتي تركت بيتها منذ ستة أشهر، وتعيش معي، هي وأولادها"، تقول انتصار علم الدين (55 عاماً) من محافظة الغربية لرصيف22، وتضيف: "كانت تريد الزواج من شاب يعمل في الخارج كي تسافر معه، وبالفعل تزوجت، وسافرا خمسة أعوام، وأنجبا بنتين، لكن منذ عامين توقف عمل زوجها، وعاد إلى مصر".

مع مرور الوقت، أنفقت العائلة أموالها كلها، ولم يقبل الزوج بالتوظف في مصر، وازدادت الخلافات بينهما، وتحولت إلى عنف وضرب، وبذلك، لم تجد الابنة حلاً سوى ترك المنزل، والعيش مع والدتها. "هي الآن تريد الطلاق، وأنا أطلب منها أن تصبر. نصرف من معاش زوجي المتوفى، ومع عدم حصول ابنتي سوى على الشهادة الإعدادية، بدأت منذ شهرين بصناعة ملابس أطفال بإبرة الكروشيه، وبيعها، كحل لتنفق على أولادها".


وضع اقتصادي صعب

الخبير الاجتماعي الدكتور سعيد صادق قال لرصيف22 إن الأوضاع الاقتصادية الصعبة لها دور كبير في انتشار هذه المشكلة، خاصةً أن فرص العمل لم تعد متاحة بشكل كبير، فقد يطمح الزوج إلى أن يتجدد عقد عمله دون جدوى، وتأبى عليه كرامته عندها أن يقبل بأي عمل لا يتناسب ووضعه الاجتماعي السابق، وهذا تفكير خطأ.

أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأمريكية، أشار إلى أن الوضع الاجتماعي، والضغط الذي تعاني منه الفتيات في المجتمع، يجعلانهن يوافقن على الارتباط بسبب تأخر سن الزواج، والاختيارات المتاحة أمامهن تكون قليلة، وتالياً تجد الفتاة نفسها تقبل بالزواج من رجل، ربما ستواجه معه مشكلات، لكنه بالنسبة إليها أفضل من البقاء من دون ارتباط.

ويضيف صادق أن هذه الضغوط الاقتصادية التي يعيشها الرجل، والضغوط الاجتماعية التي تعيش المرأة تحت وطأتها، هي السبب الرئيسي لكثير من المشكلات الزوجية، لافتاً إلى أن المرأة تتجه أحياناً إلى العمل، كحل لهذه القضية، حتى تسد احتياجات عائلتها، ولا تواجه الجوع، أو تمد يدها للأغيار.

"يجب أن نقوم بتوعية النساء والرجال، بأن الحياة مشاركة، وأن نربي الأطفال على حب العمل، خاصةً الفتيات، فكثيرات منهن لم يعتدن العمل، حتى لو تلقين تعليماً كافياً، بل اعتدن الحصول على المال من الأب ثم الزوج، ولم يعرفن طعم المكسب الذي يمكن أن يحققنه بأنفسهن"


التشجيع على العمل

الناشطة الحقوقية وعضو المكتب التنفيذي لجبهة نساء مصر إيفون مسعد، قالت في تصريح لرصيف22: "هناك نساء ورجال لم يعتادوا على الاستقلالية، فنرى الرجل يعتمد على المرأة، لأنه لم يعتد على العمل، وتحمل المسؤولية منذ صغره، والمرأة كذلك".

وتشير مسعد إلى دور التربية في تنشئة الفتيات على العمل، وتحمل المسؤولية، والاستقلال المادي منذ الصغر، حتى لا يكبرن، ويتحولن إلى نساء معتمدات على الغير، وينتظرن الرجل الغني ليحقق لهن أحلامهن. "يجب أن تسعى كل فتاة، منذ البداية، إلى تحقيق أحلامها بنفسها، وأن يكون البيت مكاناً مشتركاً لذلك، ويتقاسم فيه الرجل والمرأة المسؤوليات".

هذا الدور يمتد، وفق رأي الناشطة، إلى حالات كتلك التي يرفض فيها الزوج العمل بعد عودته من الغربة، فهنا، ترى أن على الأهل، بدلاً من مساعدة بناتهم مادياً، تشجيعهن على البحث عن عمل، وليس على الاعتمادية والكسل، فعليهن بناء حياة اقتصادية لهن، من دون انتظار زوج، أو أب، أو أم.

وأكدت مسعد أن للمجتمع دوراً كبيراً جداً للتخلص من هذه الظاهرة: "يجب أن نقوم بتوعية النساء، والرجال أيضاً، بأن الحياة مشاركة، وأن نربي الأطفال على حب العمل، خاصةً الفتيات، ففي كثير من الأماكن لم يعتدن العمل، حتى لو تلقين تعليماً كافياً، بل اعتدن الحصول على المال من الأب، ثم من الزوج، ولم يعرفن طعم المكسب الذي يمكن أن يحققنه بأنفسهن".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image