شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"كل شيء حولنا يذكرنا بغدر الزمن"... كيف تنظر نساء عربيات لمستقبلهن المالي؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 6 مارس 202011:23 ص

من الطبيعي أن يخطط كل فرد -رجلاً كان أم امرأة- لمستقبله، فإما أن يشتري عقاراً ينتفع منه عندما يكبر، يشترك في برنامج تقاعد حكومي، أو يتعاون مع شركات متخصصة، فيتم اقتطاع جزء من مرتبه الشهري لدفع مستحقات شهرية، وبعد أن يتعدى سناً معيناً، يبدأ بالانتفاع مالياً باستلام مبلغ شهري يقيه العوز.

التخطيط للمستقبل كان سمة المرأة العربية منذ زمن، وشراء الذهب وادخاره لم يكونا سوى وسيلة لنفس الهدف، يحمي المرأة من تقلبات الزمن وغدر الأحبة، أما اليوم فقد اختلفت الظروف ولم يعد شراء الذهب كافياً لارتفاع سعره وغلاء المعيشة.

في طرحي لاستبيان مخصص للنساء فقط عبر صفحتي في تويتر، شاركت فيه مجموعة من النساء، وقد تبيّن أن من اللاتي يعملن كربات البيوت لديهن خطة ما للانتفاع المادي في المستقبل، فكيف تنظر ربة البيت العربية لمستقبلها المالي؟ وهل تحسب حسابه وهي التي لم تعمل لتستفيد من أنظمة التعاقد المتعارف عليها؟ هل أصبحت المرأة العربية تفكر في نفسها بمعزل عن المحيط؟ أم ما زالت تنظر لنفسها كجزء من مسؤولية الزوج، الابن أو الأخ؟

التخطيط للمستقبل كان سمة المرأة العربية منذ زمن، وشراء الذهب وادخاره لم يكونا سوى وسيلة لنفس الهدف، يحمي المرأة من تقلبات الزمن وغدر الأحبة، أما اليوم فقد اختلفت الظروف ولم يعد شراء الذهب كافياً لارتفاع سعره وغلاء المعيشة

تقول فاطمة وهي ربة بيت، لم تعمل سوى سنوات قليلة في التدريس قبل أن تتزوج وتسافر مع زوجها للسعودية: "إن فكرة تأمين المستقبل لم ترد على بالي إلا قبل سنوات، كنت أنظر لنفسي كجزء من مسؤوليات زوجي وأولادي، وأن التفكير في هذا الأمر ليس من اختصاصي، لكن قبل أربع سنوات توفي الزوج، وعدت للعيش في عمان، بينما الأولاد والبنات يتوزعون بين الأردن وكندا والعراق، كل واحد لديه مسؤولياته، لا يقصّرون بحدود إمكاناتهم، ولكنني لا أحب أن أثقل عليهم لمعرفتي بمسؤولياتهم الكبيرة، أتمنى لو حسبت حساباً أكبر لهذا اليوم، خصوصاً وأن أُختي متقاعدة بعد عملها في السلك الصحي، وهي اليوم لا تحتاج لأحد".

أما نادية، وهي شابة متزوجة لا تعمل حالياً بسبب الأولاد، فقد قررت قبل سنوات، أن تشترك في الضمان الاجتماعي الاختياري، الذي يتيح لكل شخص لا يعمل، أو يعمل خارج الأردن، بالاشتراك، وذلك عن طريق دفعات شهرية يدفعها المستفيد، ليتسلم راتباً معلوماً بعد إتمامه عدداً معيناً من سنوات الاشتراك، نادية تقول إنها قرأت عن الأمر في الجرائد الرسمية، ولم يمانع زوجها بدفع المستحقات الشهرية، خصوصاً أنها ركنت شهادتها وخبرتها جانباً من أجل العائلة، "هذا أقل حقوقي": تقول نادية.

أُم محمد كانت "ضحية الجهل"، كما قالت، "لم أحسب حساب غدر الزمن يا بنتي": تقول، وهي التي تفاجأت، بعد عودتها إلى عمان وبعد زواج دام 35 سنة، برغبة زوجها بالزواج بأخرى، لينفق في زواجه الثاني ما تلقاه من عمله كبدل نهاية الخدمة، وتتابع: "كنت أحلم باليوم الذي سأرجع فيه إلى بلدي، بعد أن قضيت عمري في الغربة، عدت لأجد نفسي مهانة أتنقل من بيت لبيت".

أُم محمد لم تكن ربة بيت فقط في العقود المنصرمة كما قالت، بل ساهمت مادياً أيضاً، إذ كانت تبيع مأكولات ومنتجات للجالية العربية في منطقتها، وتضيف: "كنت معروفة في المدينة، وأشهر من نار على علم… انظري لحالي اليوم، لقد اعتقدت أننا واحد في العائلة ولم أدخر لهذا اليوم"، وبجملة "مطرح ما تأمن خاف"، أنهت أم محمد كلامها.

انتشر في الأردن مؤخراً مصطلح العنف الاقتصادي، حيث ترجح المؤسسات الحقوقية أن العنف الاقتصادي الممنهج الممارس على المرأة يعبّد الطريق أمام أشكال العنف الأخرى، ومنها العنف الجسدي الذي يصل للقتل أو العاهات المستديمة

أما ريم، فتقول: "كنت أعمل ولدي سجلّ في الضمان الاجتماعي، لكني توقفت عن الدفع منذ سنوات، زوجي لا يريد أن أعمل، في فترة ما كان زواجنا يواجه مشاكل كبيرة، وكنت أُفكر في الطلاق، وما منعني هو خوفي من المستقبل، فأنا لا معيل لي عندما أكبر، وهذا لا يعني أن المتزوجة في أمان، على العكس تماماً، ما نراه اليوم يثبت أن السند القوي للمرأة هو عملها، وليس الأخ أو الزوج، كل شيء حولنا يذكرنا بغدر الزمن، لدرجة أنني قبل فترة ذهبت لتوقيع أوراق في أحد المؤسسات، فسألني الموظف إن كنت قد عملت سابقاً، وعندما عرف أنني تركت عملي قال لي: أنصحك وأنصح كل فتاة ألا تترك عملها، وهذا ربما نتيجة ما يرى من حالات، ربة البيت تعيش حالة ذعر من المستقبل".

يقول خالد، وهو زوج لامرأة عاملة: "الكثير من الرجال لا يريد أن تكون المرأة مؤمنة مادياً، سواء اليوم أو في المستقبل، يريدها معتمدة عليه دائماً، استقلاليتها تخيفه، وفي هذا قصر رؤية، إذ إن وجود دخلين في البيت اليوم أصبح ضرورة مع غلاء المعيشة. وظيفة الزوجة اليوم وتقاعدها في المستقبل، يؤمّنان للمنزل دخلاً إضافياً، ويجعله أكثر استقراراً ومقاومة للهزات المادية الطارئة. لا أحد يضمن أن يعيش للغد، ووجود امرأة قوية يعني أن الأبناء في أيد أمينة، كما أنني كزوج أرتاح لفكرة ألا تحتاج زوجتي أحداً في كبرها، سواء كنت موجوداً أم لا".

هذا وقد انتشر في الأردن مؤخراً مصطلح العنف الاقتصادي، حيث ترجح المؤسسات الحقوقية أن العنف الاقتصادي الممنهج الممارس على المرأة يعبّد الطريق أمام أشكال العنف الأخرى، ومنها العنف الجسدي الذي يصل للقتل أو العاهات المستديمة، فهو يساهم في إضعاف المرأة وتقبلها للإهانة لعدم وجود سند مالي لها، ومن أشكال العنف الاقتصادي أيضاً، حرمان المرأة من الميراث أو "إعطائها من الجمل أذنه "، كما يقال، بالوصول إلى تسويات تهضم حقوقها بحجة عدم خروج مال العائلة للخارج، كما يعد حرمان المرأة من التعليم والعمل عنفاً اقتصادياً، وهو غالباً ما يبرر بحجة الغيرة أو عدم الاختلاط، أو لفرض التحكم والسيطرة، والنتيجة امرأة فاقدة للأمان، متقبلة للإهانة وخائفة على مستقبلها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image