لطالما قيل إنّ اللغات مرآة الشعوب، لكن هذا الوصف في الواقع يظلم الموسيقى، النسيج المنظّم للأصوات الذي تطوّر بشكل طبيعي مع الإنسان حتى صار جزءاً لا يتجزأ من هوية الثقافات.
أصوات وإيقاعات بدائية، استخدمها البشر الأوائل للتواصل والتعبير، مثل التصفيق والضرب على الأشياء، تطوّرت مع مرور الوقت، لتصبح تآلفاً بين الأدوات والأساليب المعقّدة، يعبّر عن المعتقدات والأفكار والمشاعر.
ومع كامل التقدير للّغات، فإنّ الموسيقى اليوم هي المرآة الحقيقية التي تعكس حال المجتمعات وتعبّر عن آلامها وآمالها. لغة يفهمها الجميع، وتواصل لا يعيقه منطق، بل تغذّيه الغريزة.
على مرّ العصور، وفي أماكن النزاع، لعبت الموسيقى دوراً محورياً بحيث أصبحت وسيلةً للتعبير عن الألم، المقاومة، والحفاظ على الهوية.
الموسيقى في لبنان… صوت الحرب والسلام
عايش لبنان سلسلةً من الحروب والنزاعات، أبرزها الحرب الأهلية (1975-1990)، التي خلّفت آثاراً اجتماعيةً وثقافيةً عميقةً. خلال هذه الفترة، استُخدمت الموسيقى لترجمة مشاعر الفقد ومظهرة الانقسام، وأيضاً كدعوة للسلام والوحدة.
فيروز مثلاً، صوت الصباح، كما يحبّ شعبها أن يناديها، استطاعت بصوتها أن تحافظ على الانتماء الوطني اللبناني، وتمنح الناس شعوراً بالأمل في أحلك الظروف.
ففي لبنان، الجميع يغنّي "بحبّك يا لبنان"، برغم الانقسامات الطائفية والسياسية العامودية، لأنّ أغاني فيروز رمز للوحدة اللبنانية التي تكاد أن تنعدم خارج إطار الموسيقى.
في عام 1994، أقيم حفل فيروز الأوّل في بيروت بعد الحرب الأهلية اللبنانية. الحفل لم يكن عادياً، وانطبع في الأذهان لرمزيته: في وسط بيروت المدمّر، تغنّي فيروز السلام والوحدة الوطنية.
أما أغاني المقاومة اللبنانية، فلها قصة أخرى. بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، برزت أغنيات لفنانين مثل أحمد قعبور، بأغنيته الشهيرة "أناديكم"، والتي أصبحت نشيداً للتضامن العربي مع القضية اللبنانية، و"منتصب القامة أمشي" لمرسيل خليفة، أصبحت كذلك أيقونةً للمقاومة والحرية، وأغانٍ كثيرة مثل "يا علي"، "أجمل الأمّهات"، "قاوم" وغيرها… هذه لم تكن مجرد موسيقى، بل شكلت جزءاً من الذاكرة الجماعية، وساهمت في رفع المعنويات خلال الأوقات الصعبة.
في لبنان، كان صوت فيروز أشبه بجسر فوق الانقسامات الطائفية والسياسية، يجمع الناس على أغنيات الوحدة رغم تمزّقهم. فيما شكلت أعمال أحمد قعبور ومرسيل خليفة وجوليا بطرس وغيرهم ذاكرة جماعية للمقاومة، موسيقى تتجاوز النغمة لتصبح جزءاً من السيرة الوطنية
لجوليا بطرس، أيضاً -قبل أن تثير الجدل بشخصها وأغنياتها- نصيب كبير من دعم المقاومة في الجنوب. ما زلنا حتى اليوم نسمع: "وين الملايين؟"، ونردّد: "منرفض نحن نموت!".
ثمة أغنيات تتخطى نفسها، كـ"راجع راجع يتعمّر" للموسيقار زكي ناصيف، وتطبع في النفوس أثراً لا يقلّ عمّا تطبعه الأغنيات سابقة الذكر، والتي لها وقع النشيد الوطني نفسه في الذاكرة الجمعية اللبنانية.
في سياق هذا البحث، كان لرصيف22، حديث مع الموسيقار أحمد قعبور، الذي ذكر أنّ أقرب أغانيه إلى قلبه، هي "يا نبض الضفّة"، التي استوحاها من قصة شخصية حقيقية لصبيّة فلسطينية تُدعى لينا، استشهدت عشيّة "يومٍ فلسطينيّ عاديّ".
لينا التي كانت خبراً عابراً على الورق، تحولت إلى نموذج مؤثر يتجاوز الحدود. ومن خلال أغنية واحدة، صارت رمزاً للانتفاضة في ما بعد. تمكّن أحمد قعبور، من الوصول إلى قلوب أهل لينا، وأصدقائها، والطبطبة عليهم. هكذا هي الموسيقى؛ تضامن عابر للمسافات، تحمله بضع نوتات.
ومن الأغاني الوطنية التي يحبّها أحمد قعبور، بشدّة كما يقول، أغنية "المقاومة الوطنية اللبنانية"، للراحل مؤخراً عن عالمنا زياد الرحباني، التي تتميز ببساطتها العميقة، وتأثيرها القويّ.
تقول الأغنية التي صدرت عام 1985: "وإذا واقف جنوب واقف بولادو"... جملة ما زلنا نرددها حتى اليوم، وتبكّينا جميعاً. فكيف يمكن لأغنية أن تنجو من القصف الدموي على مدى عشرات السنين، وتجدد نفسها عند كل ألمٍ يطال شعبها؟
يؤمن قعبور، بأنّ "الفنان يجب أن يكون صادقاً مع نفسه، ومع جمهوره، وأن يواصل التطور والتجديد بدلاً من التكرار"، ويرى أنّ "الموسيقى تملك قوة التأثير والتغيير إذا ما قُدّمت بعناصر فنّية متقنة". ما يبقيها حيّةً: الإتقان الفني والتقني، والبساطة التي تلامس القلب.
الموسيقى في فلسطين… صوت الانتفاضة والهوية
في فلسطين، لطالما كانت الموسيقى إحدى الأدوات الأساسية لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي، ووسيلةً لتعزيز الهوية وتوثيق النضال.
يمكن الجزم بأنّ القضية الفلسطينية هي من أكثر القضايا الوطنية والإنسانية التي تناولتها الأعمال الموسيقية، ولعلّها تحتاج إلى بحث منفصل لضخامة إنتاجها في هذا الحقل، ولمكانتها ودورها.
ولا بدّ من التطرق إلى الموروث الشعبي الفلسطيني بمختلف أنواعه؛ الدلعونا والميجانا والترويدة والمولالاة وغيرها. هي تعابير صوتية مرتجَلة توثّق حدثاً وحالةً معيّنةً، وتنتقل عبر الأجيال، وقد استُثمرت لاحقاً لرفع الحمل الوطني من خلال ألحانها المألوفة.
الأغاني الشعبية الفلسطينية سجلّ جماعي حافل يملؤه التوق إلى الحرية. من أبرز الترويدات وأقربها إلى القلب: "يا طالعين الجبل"، التي اشتهرت في ثورة 1936، الرافضة للمشروع البريطاني الصهيوني، وكانت الترويدة بمثابة تواصل بين الأسرى والثوار آنذاك.
الموروث الموسيقي الفلسطيني من الدلعونا إلى الترويدات، تحوّل من غناء شعبي إلى أداة مقاومة تحمل الرسائل المشفّرة للأسرى والثوار. أصوات مثل أبو عرب قديماً، ومن ثم ريم البنا ودلال أبو آمنة جعلت الفن امتداداً للهوية والانتفاضة، لتبقى الأغنية الفلسطينية حافظة لذاكرة وطن يبحث عن الحرية
الموسيقى كانت للفلسطينيين وما زالت، لغةَ تواصل، وما زالت لغة الحرب الناعمة. وبالاعتماد على إيقاع الصوت فقط، جاءت المولالاة، كرسائل مشفّرة تحمل تطمينات وخططاً وأخباراً. من أشهر ترويدات المقاومة التي حملت رسائل الأمّهات إلى أبنائهنّ الأسرى: "شمالي"، ومنها "شمالي لالي يا هوالي، لديرة شمالي لالي يا رويللوو".
كثرٌ الذين غنّوا فلسطين وقضيتها. فرقة "أغاني العاشقين" التي تأسست في سبعينيات القرن الماضي، وكرّست أغانيها لدعم القضية الفلسطينية، قدّمت أعمالاً مثل: "من سجن عكا"، وتحوّلت أعمالها إلى شعارات سياسية وهتافات في المظاهرات.
من الأصوات التي كرّست أعمالها لفلسطين، الفنانة دلال أبو آمنة، والفنانة الراحلة ريم البنا، التي اختارتها وزارة الثقافة الفلسطينية عام 2016، شخصية العام الثقافية، وتم اختيارها سفيرةً للسلام في إيطاليا عام 1994، وشخصية العام من وزارة الثقافة التونسية عام 1997. استطاعت من خلال أغانيها العميقة والمليئة بالرمزية أن تجمع بين الفنّ والمقاومة، وتكون مصدر إلهام لكلّ الأجيال في فلسطين والعالم العربي، قبل أن ترحل إثر إصابتها بمرض السرطان.
في سوريا… الأصوات قُمعت فكانت الموسيقى قارب النجاة
خلال الثورة السورية، استُخدمت الموسيقى كأداة للتعبير عن الألم، ولإيصال صوت الثوّار إلى العالم. برز مثلاً المغنّي السوري إبراهيم القاشوش، ولُقّب بـ"صوت الثورة"، وكان أحد رموز الحراك الشعبي. وقد اشتهر بأغنيته "يلا ارحل يا بشار"، التي انتشرت في كل أنحاء سوريا، وأصبحت نشيداً للثورة. دفعت جرأته النظام إلى اغتياله، الأمر الذي جعل منه رمزاً موسيقياً للحرّية.
عبد الباسط الساروت، كان أحد أبرز الرموز في الثورة السورية أيضاً، وهو حارس مرمى منتخب سوريا سابقاً. اشتهر بأغنية "جنة جنة"، التي يؤدّيها في الأصل الفنان السوري سميح شقير، والتي أصبحت نشيداً للثوّار السوريين، إذ عبّرت كلماتها عن المعاناة والألم في ظلّ الأحداث التي شهدتها سوريا.
يصف الكاتب السوري رامي كوسا، موسيقى الحرب السورية، بالـ"كولاج المتنوّع"، حيث شكلت الأغنيات التي انتمت إلى طرف دون آخر أو حتى التي لم تنتمِ إلى أي طرف، كلها كانت تعكس حالةً أو حدثاً معيّناً، لتقدّم لنا مسحاً بانورامياً شاملاً لتلك المرحلة.
في تجارب العالم أرشيف عظيم للغناء وسط الموت، من "لينينغراد" إلى سوريا فغزة، أثبتت الموسيقى أنّها قد تصبح درعاً في مواجهة الاحتلال أو وسيلة لتكريس السلام.
ويرى كوسا، في حديثه إلى رصيف22، أنّ "اختلاف طريقة تعاطي الناس مع الأزمات ينعكس على تنوع الموسيقى في تلك المرحلة"، فهناك من يلتحم مع الألم، كما في أغنية "يا حيف" لسميح شقير، وهناك من يسخر من الواقع أو يروي قصصاً مستوحاةً من الحرب، ما يخلق أرشيفاً كاملاً من خلال المشهد الموسيقي، ويمنحنا تجربةً سمعيةً بانوراميةً ثريةً.
أما في ما يخص الموسيقى المشرقية، فيرى كوسا، أنّها تتمتع بطابع فريد يميّزها عن الموسيقى الغربية، مشيراً إلى أنّ موسيقى الحروب في منطقتنا تحمل خصوصيةً تختلف عن نظيرتها في الغرب، حيث يؤدي اختلاف الثقافات إلى تباين أساليب التعبير.
جدير بالذكر أنّ الموسيقى الغربية تعتمد بشكل أساسي على سلّمين موسيقيين رئيسيين: الميجور (Major)، الذي يتميز بطابعه المشرق والفرح، والمينور (Minor)، الذي يعكس طابعاً أكثر حزناً، بينما تتفرد الموسيقى الشرقية بوجود سبعة مقامات أساسية، تحمل ثراءً في التعبير عن المشاعر والثقافة.
في حديثه، يستحضر كوسا، مجازاً ثقافياً لافتاً: "العرب ورثة مقام الصبا، وهو المقام الذي تلعب عليه أغلب الأغنيات الحزينة"، مؤكداً أنّ "طبائع أهل البلاد تسهم في تشكيل موسيقاهم". وعليه، فإنّ "الدول التي تعاني من الحروب والنزوح وتضييق هوامش الحرية، غالباً ما تلجأ إلى التعبير عبر الموسيقى الحزينة، حيث يصبح الشجن جزءاً أصيلاً من هويتها الموسيقية".
الأقرب إلى قلب رامي كوسا، هي الترويدة الفلسطينية: "يما مويل الهوى"، التي تجعله يقول "خلّي السلاح صاحي"، على حد تعبيره. ويختم كلامه بأنّ "تسوّل السلام" من القويّ كما يصفه، لا يستهويه، مثل أغنية "جينا نعيّدكم"، بل يهوى ما يشدّ عزمه.
وهنا، لا يمكن تناسي أوبريت "الحلم العربي"، التي حُفرت في الأذهان ليس لكلماتها فحسب، بل لرمزية اجتماع الفنانين العرب في عمل واحد.
أمّ كلثوم… صوت العرب في المعركة
اختارت أم كلثوم، أن تكون جزءاً من دعم العرب بعد نكستهم عام 1967، فأطلقت حملةً فنيةً لدعم الجيش المصري. الموسيقى التي لم تُعرف إلا كأداة للترفيه، أصبحت وسيلةً لدعم الجيوش والمساهمة في المجهود الحربي المدافع عن الأوطان.
جابت أم كلثوم، دولاً عدة في سلسلة من الحفلات داخل مصر وخارجها، لجمع التبرّعات للجيش المصري، وقدّمت أغاني مثل "أصبح عندي الآن بندقية"، في دول مثل فرنسا وإنكلترا، واستطاعت من خلالها جمع ملايين الجنيهات لدعم الجيش، وأصبحت رمزاً وطنياً لتحدّي الاحتلال.
من سيمفونية "لينينغراد" إلى أغاني السلام
في العالم نماذج كثيرة أحدثت الموسيقى فيها فرقاً خلال الحروب، منها سيمفونية "لينينغراد" خلال الحرب العالمية الثانية. في فترة الحصار الألماني على مدينة لينينغراد الروسية (1941-1944)، ألّف الملحن ديميتري شوستاكوفيتش، السيمفونية السابعة المعروفة بـ"لينينغراد"، والتي بُثّت عبر مكبّرات الصوت في المدينة في أثناء القصف. هذه الموسيقى رفعت معنويات السكان المحاصرين، وأصبحت رمزاً للصمود في وجه الاحتلال النازي.
أما في أيرلندا الشمالية، فقصص كثيرة تُروى عن أغاني السلام خلال الصراع الطائفي بين الكاثوليك والبروتستانت. أغنية "Sunday Bloody Sunday"، لفرقة "U2"، استُخدمت مثلاً لتسليط الضوء على العنف والدعوة إلى السلام، ما أدّى إلى رفع الوعي العالمي بالوضع هناك والمساهمة في إحلال السلام.
أيضاً أغنية "Give Peace a Chance" في العام 1969، لـ"John Lennon"، اشتهرت في أثناء حرب فيتنام، وأصبحت رمزاً للحركة السلمية والمطالبة بوقف الحروب. أغنية "War" لـEdwin Starr راجت في أثناء حرب فيتنام أيضاً، وكانت صرخةً واضحةً ساهمت في تعزيز حركة الرفض الشعبي للحرب.
العلاج بالموسيقى
يقول ابن سينا (980-1037)، إنّ "من أفضل العلاجات وأكثرها فاعليةً هي تقوية القوة العقلية والروحية للمريض، لمنحه المزيد من الشجاعة لمحاربة المرض، وخلق بيئة محبّة وممتعة له، وسماعه أفضل موسيقى، وإحاطته بأشخاص يحبّهم". بينما يقول العالم أبو بكر الرازي، إنّ "للموسيقى أثراً سحريّاً يقي المرضى من تأجّج أزماتهم النفسية".
وقد أشارت الدراسات التاريخية، إلى أنّ الموسيقى كانت وسيلة علاج عند أغلب الحضارات القديمة، حيث كان العلاج بالموسيقى يلعب دوراً مهماً في التعامل مع مشكلات الصحة الجسدية والعقلية والروحية.
في سوريا، خلال الثورة، تحوّلت الموسيقى إلى لسان الشعب المحاصر. إبراهيم القاشوش وعبد الباسط الساروت جعلا من الأغنية نشيداً للأمل رغم القمع. الأغنية هناك لم تكن ترفاً، بل وسيلة للبقاء والبوح، وتحوّلت إلى أرشيف بانورامي للحزن والمقاومة معاً، يروي تفاصيل مرحلة كاملة
الشاعر اليوناني هوميروس، ذكر قدرة العلاج بالموسيقى على وقف النزيف، لذلك قيل إنّ العلاج بالموسيقى مناسب للمرضى الذين خضعوا لعملية جراحية. كما أوصى فيثاغورس، أيضاً، بتطبيق العلاج بالموسيقى على الأشخاص شديدي المزاج، وعلى أولئك الذين يعانون من خيبة الأمل. وقد تم تطبيق العلاج بالموسيقى كخطة للتداوي في الحضارة الرومانية، إذ استخدمها المجتمع الروماني لتسكين الحزن والتغلب على الهستيريا.
أما في الحضارة الفرعونية، فقد خُصّص معبد صغير بُني في عهد الأسرة السادسة (2280 قبل الميلاد)، لعلاج المرضى الذين يعانون من أمراض نفسية وعصبية عن طريق فرق موسيقية خاصة، تعزف ألحاناً هادئةً، تترافق مع تناولهم بعض الأعشاب المهدّئة للأعصاب.
وأخيراً... هل من متسع للموسيقى في غزة؟
بالعودة إلى بلداننا، نذكر مشروع "أصوات الأمل"، الذي نظّمته فرقة صول (SOL Band)، في مخيمات النزوح في رفح ودير البلح، والذي انطلق في آذار/ مارس 2024، كعمل فنّي مجتمعي يهدف إلى تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال المتضررين في مناطق النزوح، الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و15 سنةً، نتيجةً لحرب الإبادة التي تتعرض لها غزة.
سعى المشروع، من خلال تقديم أنشطة فنية وموسيقية تعتمد على الحركة والتفاعل، إلى توفير مساحة آمنة للأطفال للتعبير عن أنفسهم. كما ساهم المشروع، الذي ركّز على العلاج بالموسيقى، في إحياء التراث الفلسطيني، وجعله أكثر قرباً إلى مسامع الأطفال.
أما "الباص الموسيقي"، وهو مبادرة "أمل وسلام" لتخفيف آلام غزّة، فقد كان بمثابة نسمة لطيفة تتجول بين حيّ مهمّش وآخر في قطاع غزّة قبل حرب الإبادة التي بدأت في تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
حمل الباص، فرقةً موسيقيةً مكوّنةً من سبعة أفراد، ناشراً موسيقاه ومبشّراً بالأمل، حيث قصد الأحياء الأكثر تضرراً من التصعيد الإسرائيلي المستمرّ، محاولاً تبديد آثار الخوف والتوتر الناجمَين عن الحرب.
الأخصائية النفسية رندة حمود، تؤكّد على أهمية الموسيقى كعلاج نفسي في زمن الحروب، وترى في حديثها إلى رصيف22، أنّ "أهمية الموسيقى لا تقتصر على الجانب الترفيهي أو التعبوي"، بل "أثبتت الأبحاث أنّ لها دوراً كبيراً في العلاج النفسي، حيث تُستخدم لمساعدة الأفراد الذين يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة (PTSD)، والقلق الناتج عن الحرب".
وخلال الإجابة عن كيفية عمل الموسيقى كعلاج، تشرح لنا أنّ الموسيقى تسمح للأشخاص بالتعبير عن مشاعرهم الداخلية بطرائق غير لفظية، بينما يساعد الاستماع إلى الموسيقى الهادئة في تخفيف مستويات القلق وتعزيز الشعور بالأمان. أما عن إعادة التأهيل النفسي، فتشير حمود، إلى شيوع استخدام جلسات العلاج بالموسيقى في مراكز إعادة التأهيل، حيث تُستخدم هذه التقنية لمساعدة الأطفال على التغلب على صدمات الحرب، ولا سيّما في مناطق مثل غزّة، سوريا، ولبنان.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.