شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"دي عاملاله سحر"... رجال يشاركون زوجاتهم أعمال المنزل بالسرّ خوفاً من المجتمع

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 25 يوليو 202102:35 م

في عام 2017، شاركت الفنانة كندة علوش بصحبة زوجها عمرو يوسف، في إعلان ترويجي لإحدى شركات المحمول، وأثار هذه الإعلان الغنائي حينها جدلاً واسعاً بسبب الحوار الذي دار فيه، إذ تقول كندة: "أنا طبخت وأنت هتغسل"، ليردّ عمرو: "إستني لما العيلة تنزل"، ليتحوّل الأمر على وسائل التواصل الاجتماعي إلى تساؤل حول من ينظف الأطباق، ما دفع الفنانة للرد من خلال تغريدة نشرتها على حسابها الرسمي على موقع تويتر، قائلة: "أنا... أنا اللي بغسل المواعين دايماً".

وأثار هذا الموقف لدى البعض تساؤلاً: "لماذا يخشى بعض الرجال من الحديث أمام عائلاتهم وأصدقائهم عن مشاركتهم في الأعمال المنزلية، ويفضلون أن يتم الأمر سراً؟".

الأمر معقد إلى حد ما، فهناك رجال يعتبرونه مشاركة وواجباً ومسؤولية، وآخرين يرونه انتقاصاً من رجولة الزوج وضعفاً في شخصيته ناتجاً عن سيطرة زوجته عليه.


"دا عيل لا مؤاخذة مش راجل"

يرفض هشام أحمد، وهو اسم مستعار لمحاسب يعمل في شركة ملابس، متزوج ولديه ولدان، هذه النظرة السلبية، مؤكداً أن مساعدة الرجل لزوجته في الأعمال المنزلية ليست انتقاصاً أو ضعفاً، بل هي من "أساس الرجولة"، لكنه يفضل إخفاء الأمر عن معارفه، لأن ردود الأفعال "ليست جيدة".

لماذا يخشى بعض الرجال من الحديث أمام عائلاتهم وأصدقائهم عن مشاركتهم في الأعمال المنزلية، ويفضلون أن يتم الأمر سراً؟

ويحكي هشام الذي يقطن في حي شعبي بالقاهرة، لرصيف22: "عندما تزوجت استقريت أنا وزوجتي في بيت العائلة، وكانت لي شقة منفصلة، وفي بداية الزواج لم أساعدها في الأعمال المنزلية، فكانت تفعل كل شيء بمفردها ولا تشتكي، لكن مع ولادة أول طفل لنا أصبحت تعاني بسبب احتياجاته التي لا تنتهي، فكنت أعود من العمل لأجدها لم تنتهِ من إعداد الطعام. في بداية الأمر كنت أتذمّر، وأحياناً صوتي يعلو، فكان كل ما يشغلني هو أن أجد الطعام جاهزاً بعد يوم عمل شاق".

ويتابع الرجل الثلاثيني: "في يوم إجازتي الأسبوعية، طلبت مني زوجتي أن أعتني بالطفل حتى تنهي بعض الأعمال المنزلية مستغلة وجودي، وبالفعل بدأت في غسل الملابس مروراً بتنظيف المنزل ثم الأواني، انتهاءً بإعداد الطعام، وكان طفلي معي لكني لم أستطع السيطرة عليه، فكنت بين الحين والآخر أعطيه لها لكي أرتاح منه. عندما شاهدت كل هذا بعيني، وعايشت يومها، خجلت من نفسي بسبب ضيقي وتذمري إذا وجدت الشقة غير نظيفة أو الطعام ليس جاهزاً، ومن هنا قرّرت أن أشاركها في كل الأعمال المنزلية".

بدأ هشام بالتعامل مع الأمر بشكل طبيعي، فكان ينظف الأطباق بعد الطعام مرة، وأحياناً يضع الملابس غير النظيفة في الغسالة، ومرة أخرى يعدّ الطعام، حتى أصبح الأمر بالنسبة له اعتيادياً. بعد فترة لاحظ تحسّن مزاج زوجته بعد تخفيف الأعباء عنها، لكن الأمر لم يستمر طويلاً: "علم أحد أفراد أسرتي، فانهالت التعليقات السخيفة التي كانت تصلني بشكل مباشر أو غير مباشر: دي عاملاله سحر وبقى تحت أمرها، اخص على الرجالة، دا عيل لا مؤاخذة مش راجل، خليها هي بقى اللي تروح الشغل وإنت أقعد في البيت احمل ورضّع".

ويختتم: "نزلت هذه التعليقات على مسمعي كالصاعقة. لم أتخيل وجود أشخاص يفكرون بهذه الطريقة، وازدادت الخلافات ولم تسلم زوجتي ولا أنا من المضايقات، فقررت إخفاء الأمر عن الجميع حتى أقرب الناس إلي، وبعد فترة ليست بالكبيرة رحلنا عن بيت العائلة واستأجرنا شقة في مكان آخر".

يضيف هشام بأن زوجته بدورها طلبت منه إبقاء موضوع "التشارك في أعمال المنزل" سراً وعدم الحديث عنه: "حسّيت إننا بنسرق، بس لازم نعمل كدة في مجتمع شايف إنك عشان تكون راجل، لازم تضرب مراتك بالليل والصبح، وتقعد إنت في البيت زي سي السيد، وكل حاجة تيجي عندك".


تابو اجتماعي

وفق حديث أحمد عبد الله المستشار الأسري والتربوي، فإن القيام بالأعمال المنزلية من قِبل الرجل لا زال مغطى بـ"تابو" اجتماعي، فهناك من يعتبره عيباً أو نوعاً من أنواع الخضوع للزوجة، ومن جهة أخرى فإن المساعدة المنزلية هي نوع من المسؤوليات المُناطة بالرجل وفق الاستطاعة النفسية والزمنية له، وحسب القدرات والمهارات.

ويضيف عبد الله لرصيف22: "لا أرى أن هناك ضرورة لأن تكون مساعدة الزوج لزوجته معلنة في كل مكان، فلا داعي لإدخال المجتمع لبيوتنا ولا داعي لأن تكون معايير المجتمع هي معايير المنزل. التشارك في أعمال المنزل ضرورة، يؤديها الطرفان بحب ومسؤولية، لا لأن المجتمع يريد أو يرفض".

ويقول الشيخ إبراهيم رضا، عالم من الأزهر الشريف، خلال لقاء له على فضائية صدى البلد المصرية، إن الرسول كان متعاوناً بشكل كبير مع زوجاته في المنزل، بعكس ما يفعله الكثير من الأزواج في العصر الحالي، وأن النبي كان يشارك أهل بيته والخدم في إعداد الطعام ببعض الأحيان.

"علم أحد أفراد أسرتي، فانهالت التعليقات السخيفة التي كانت تصلني بشكل مباشر أو غير مباشر: دي عاملاله سحر وبقى تحت أمرها، اخص على الرجالة، دا عيل لا مؤاخذة مش راجل، خليها هي بقى اللي تروح الشغل وإنت أقعد في البيت احمل ورضّع"


"أخفي الأمر خوفاً من المضايقات"

يرى محمود لطفي (28 عاماً) وهو رجل متزوج ولديه طفل ويعمل موظف أمن، بأن مساعدة الرجل لزوجته في الأعمال المنزلية نوع من أنواع المشاركة، وهو ليس واجباً عليه أو أمراً يُلزم بفعله دائماً، لكنه يفضل أن يكون سراً. "عندما أجلس مع أصدقائي، أجدهم يتحدثون عن الرجال الذين يساعدون زوجاتهم بطريقة غير لائقة، فمنهم مؤيد والأغلبية رافضة، مما يضطرني لإخفاء الأمر وعدم البوح بأني أساعد زوجتي".

ويضيف لطفي الذي يسكن في القاهرة، لرصيف22 بأن البعض ينظرون للرجال الذين يعملون داخل المنزل على أنهم "ليسوا رجالاً". "ينحصر مفهوم الرجولة بالنسبة لهم في سيطرة الزوج، ومقدار الأموال التي ينفقها على منزله، في حين تعني الرجولة بالنسبة لي أن أكون مصدر الحنان والأمان لزوجتي وأطفالي، وأجعلهم سعداء بكل الطرق، سواء بالمشاركة في الأعمال المنزلية أو مساعدة الأطفال في المذاكرة، أو شراء مستلزمات المنزل من السوق. الزواج لازم يكون فيه مودة ورحمة".

الأزواج الذين يشاركون في الأعمال المنزلية تربطهم علاقة أقوى بشريكات حياتهم.

ويختتم: "أخفيت الأمر أيضاً عن عائلتي، خوفاً من أن تكون ردود أفعالهم مثل أصدقائي، فقررت التشارك مع زوجتي في بعض المهام المنزلية، واتفقت معها على ألا تتحدث عن الموضوع أمام أحد، خاصة أن بعض النساء يتفاخرن بهذا الأمر أمام عائلاتهن وصديقاتهن، فتقبلت الأمر وقررنا الحفاظ على هذا 'السر'، وبكل الأحوال شعرت بأن مزاجها تحسن كثيراً، فهي لم تعد مضغوطة بأعمال المنزل طوال الوقت".

يعلق الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، قائلاً إن الثقة في النفس عندما تُفقد فإننا نُخفي ما نفعل، لافتاً إلى أن الأمر طبيعي وبه تحضّر وتديّن: "تخفيه إذن أنت شايفه خطأ".

ويضيف استشاري الطب النفسي لرصيف22: "لا تعنيني نظرة من حولي طالما أثق في نفسي، وأيضاً يعتمد الأمر على علاقة الزوجين ببعضهما البعض، فإذا كانت علاقة حب ووئام وترابط لا يجب أن يلتفتا لما يقوله الآخرون، أما لو كانت علاقة جافة تسيطر فيها الزوجة على الزوج فهو خطؤهما منذ البداية".


"اللي مش عاجبه حر"

لكن إسلام محمود (38 عاماً) وهو مهندس متزوج ولديه طفلان، كانت له وجهة نظر مختلفة، إذ يقول بأنه لا يهتم بكلام أي شخص ولا يعبأ بنظرات البعض: "اللي عايز يقول شيء يقوله، واللي مش عاجبه يتفلق، دا بيتي ومش هسمح لأحد بالتدخّل فيه"، لافتاً إلى أنه في البداية كان يخفي الأمر وكان شديد التحفظ، لكن مع مرور الوقت وجد أصدقاء كثيرين يفعلون ذلك، بل يتفاخرون بأنهم يشاركون زوجاتهم في الأعمال المنزلية، فأعجب بشجاعتهم وقرر أن يكون مثلهم، رافعاً شعار: "دي حياتي، واللي مش عاجبه هو حر".

ويشير إسلام لرصيف22، إلى أن زوجته لم تطلب منه الحديث عن مساعدته لها في الأعمال المنزلية، بل لاحظ أنها تخفي الأمر خوفاً عليه من نظرات البعض وكلامهم الجارح، فقرّرت أن تتعامل مع الأمر على أنه ليس سراً، لكنه مثل العلاقة الحميمية بين الرجل والزوجة، فهي شأن خاص لا يجوز الحديث فيه أمام الجميع.

بالنسبة لإسلام، فإن "الرجولة" لا تعني السيطرة، بل "أن أكون قادراً على تحمل المسؤولية واحتواء أهل بيتي وطمأنتهم أن كل شيء بخير. الأمر ليس له علاقة بالشنب والعضلات وإنما بالتشارك ومواجهة المجتمع حين يلزم الأمر".

"البعض ينظرون للرجال الذين يعملون داخل المنزل على أنهم "ليسوا رجالاً". "ينحصر مفهوم الرجولة بالنسبة لهم في سيطرة الزوج، ومقدار الأموال التي ينفقها على منزله، في حين تعني الرجولة بالنسبة لي أن أكون مصدر الحنان والأمان لزوجتي وأطفالي"

وتوصّلت دراسة أميركية حديثة إلى أن الأزواج الذين يشاركون في الأعمال المنزلية، مثل غسل الملابس أو الأطباق، تربطهم علاقة أقوى بشريكات حياتهم، بل ويشعرون بتحسن في صورتهم من حيث الرؤية تجاه أنفسهم، وبأنهم صاروا أكثر سعادة في حياتهم الزوجية.

وبحسب مؤسسة "غالوب" للتحليلات والاستشارات، فإنه بالرغم من أن احتمالية أداء المرأة لمعظم الواجبات في المنزل أكثر من الرجل، فقد انخفض هذا في بعض الحالات، ومنذ عام 1996، أصبحت النساء أقل احتمالاً لأن تكون الشريك الأساسي الذي يتعامل مع تسوّق البقالة وغسل الصحون والتنظيف، وهذه التحولات مصحوبة ببعض الزيادات في النسبة المئوية للرجال الذين يؤدون المهام بشكل أساسي أو يتشاركون العمل بالتساوي مع شركائهم.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image