شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"نخاف من مناقشة مشكلات مجتمعنا علناً"... مسلسل "مدرسة الروابي" الأردني بين الترحيب والنقد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 16 أغسطس 202105:25 م

التنمر، والتحرش، والظلم، وثقافة "الواسطة"، وعبارات وصفها البعض بأنها "جريئة"، و"من غير المألوف تداولها في الدراما"، وشخصيات نسائية قوية. هي خلطة كانت كافية لتثير الجدل خلال الأيام الماضية، حول أحدث مسلسل أردني تعرضه منصة نتفليكس، بعنوان "مدرسة الروابي".

ومع بدء عرض المسلسل، وهو ثاني عمل أردني تستضيفه المنصة، تداول الآلاف آراء متباينة حوله، بين مشجع على طرح قضايا تحدث بين جدران المدارس، ويعاني منها الطلاب، خاصة في مرحلة المراهقة، ولا تلقى عادة الاهتمام اللازم، ورافض لمستوى من الحوار، والأزياء، والأفكار، التي يرى أنها لا تلائم الشارع الأردني، وبعيدة عن الثقافة الأردنية.

وتصاعد الجدل، ليصبح وسم "#مدرسة_الروابي"، متصدراً على مواقع التواصل، كما تصدّر المسلسل المنصة أردنياً وعربياً، حتى أن أحد المتابعين نشر متهكماً قبل يومين: "ترند مدرسة الروابي كان أقوى من ترند جمعة مباركة".

"ترند مدرسة الروابي كان أقوى من ترند جمعة مباركة".

ومن يتابع الوسم، يلمس حالة جديدة لكسر حاجز الخوف، والعيب، وحجج العادات والتقاليد، التي لطالما كانت عذراً لانتقاد أي صوت مختلف لا تستسيغه فئة لا بأس بها في المجتمع الأردني، ومن خلال التغريدات التي كانت ترد على أي نقد للمسلسل، لا تصعب ملاحظة صوت القوة، والإثبات بالحجة، بأن عذر العادات والتقاليد لم يعد مستساغاً لفئة مقابلة، ترفض ثقافة العيب، ولا تخشى طرق أبواب الجرأة.


ظلم وتنمر وتعاطف مع الضحية

يطرح المسلسل، وهو من تأليف الممثلة تيما الشوملي، وإخراجها، قضايا عدة، منها التنمر في المدارس، والظلم، وتبعاته على الضحية، من خلال حكاية الطالبة مريم، في مدرسة الروابي للبنات، وتعرّضها للظلم والتنمر من قبل "شلة" الطالبات القويات، فتقرر الانتقام من زميلاتها اللواتي أشبعنها ضرباً وإهانة، وشمل الانتقام كل من يرى الظلم، ويسمح به، ويبقى ساكتاً، مثل والدة مريم، وصديقتها نوف.

ومع التعاطف مع الضحية مريم، والحقد على المتنمرة، والظالمة، زميلتها ليان، استطاعت الشوملي أن تقلب الطاولة، وتجعل المشاهد يتعاطف مع الأخيرة، لأن تبعات شعور مريم بالظلم كانت زائدة عن الحد، واخترقت معايير الطيبة، وأدت إلى استهداف حياة ليان بشكل مباشر.

تناولت الشوملي في المسلسل، أيضاً، مشكلة "الواسطة"، وثقافة "إنت بتعرف مع مين بتحكي؟"، في المجتمع الأردني، ومشكلة التحرش، ولو بشكل سريع، والمشهد اليتيم الذي طرح هذه المشكلة كان له أثر قوي على المتابعين.

وتركت المخرجة النهاية مفتوحة، من دون أن نعرف تماماً، كيف استطاعت مريم الانتقام لما حدث لها، ومن كان ضحية تصرفاتها الانتقامية هذه.


ترحيب وانتقادات

العديد من العناصر ضمن المسلسل، كانت مثار جدل ونقاشات، أقلها الإخراج، والنص، اللذان لم يحظيا بالحجم المطلوب من التعليق والنقد، وأكثرها طريقة تصوير المسلسل للواقع الأردني.

فقد خرجت أصوات تعلن "تبرؤها" من العمل، مبررة غضبها بأنه لا يشبه المجتمع في الأردن، خصوصاً ما تم تداوله على السوشال ميديا، من مشاهد تخللتها ألفاظ نابية، حتى أن آخرين اعترضوا على طريقة لباس الفتيات، وعدوها متنافية مع القيم والأخلاق.

ومن يعرف المجتمع الأردني، يكون أكثر إنصافاً في حكمه على المسلسل. فهو تناول فئتي الطبقة الوسطى، والعليا، وتحديداً تلك الفئة التي تستطيع أن تدخل أبناءها إلى المدارس الخاصة، فطريقة لباس الطالبات، "تنورة وقميص"، ليست بعيدة عن القالب الأردني، وموجودة في غالبية المدارس الخاصة.

حتى النمط الحياتي، وسلوكيات الطالبات، فهي، وحسب المدافعين عن المسلسل، موجودة داخل المدارس الحكومية والخاصة كلها، بالإضافة إلى مشكلات التنمر التي تحدث داخل الصفوف، حيث تكثر السلوكيات "المرفوضة"، كالشتم بألفاظ تخدش الأخلاق، وهذه الزاوية تحديداً كانت أكثر ما انتقده الحلف المعارض للمسلسل.

أيضاً، أثير غضب هذا الحلف من الأغاني التي ظهرت ضمن الحلقات، ومنها أغاني فرقة "مشروع ليلى"، الممنوعة من دخول الأردن، والتونسية "آمال المثلوثي"، والمصرية "لوكا"، مثل "حشرب حشيش"، وجميعها مصنفة ضمن الموسيقى البديلة، ولها جمهور كبير لدى فئة الشباب/ات الأردنيين/ات، وكان لعرضها في "مدرسة الروابي" نصيب من الإعجاب أيضاً، حتى أن شباناً وشابات جمعوها على شكل "بلاي ليست" باتت متداولة بينهم.

خرجت أصوات تعلن "تبرؤها" من العمل، مبررة غضبها بأنه لا يشبه المجتمع في الأردن، خصوصاً ما تم تداوله على السوشال ميديا، من مشاهد تخللتها ألفاظ نابية، حتى أن آخرين اعترضوا على طريقة لباس الفتيات، وعدوها متنافية مع القيم والأخلاق

ولم يكتفِ "مدرسة الروابي" من نصيبه من انتقادات الحائط الافتراضي، فاعترض نقيب الفنانين الأردنيين حسين الخطيب عليه، عادّاً أنه يمس "اعتبارات أخلاقية ومهنية"، وشبّه موقفه منه، بموقفه من المسلسل الأردني "جن"، الذي عُرض قبل أكثر من عامين على نتفليكس، وطالته حملات انتقاد وتشويه أثرت بشكل شخصي على طاقم العمل.

ووصف الخطيب في تصريحات صحافية شبكة نتفليكس بأنها "اخترقت الهياكل الاجتماعية، وحتى الدينية، بالفن، بحجة أن الواقع على هذا النحو".

وحاول رصيف22 أكثر من مرة التواصل مع النقيب ليفسّر موقفه، لكن لم يتسنَ لنا ذلك.

وفي تصريح آخر، طالب النائب حسن الرياطي الحكومة الأردنية بالعمل على وقف عرض المسلسل، وهو أمر خارج عن نطاق صلاحياتها، كون نتفليكس شبكة عالمية، وعدّ أن المسلسل "ينافي الأخلاق، والقيم، والدين، ويضرب بعرض الحائط ما نشأ عليه المجتمع الأردني".


رؤية جديدة

فضلت المخرجة تيما الشوملي في حديثها لرصيف22، أن نغرد خارج سرب تلك الضجة، ونبحر في المسلسل نفسه، وفكرته، ورسالته، مفضلة عدم التعليق على حملات الانتقاد، قائلةً: "مدرسة الروابي للبنات هو المشروع الذي لطالما حلمت به، واستغرق سنواتٍ من الالتزام، والعمل الجاد. ما بدأ كأفكار كتبناها بالطبشور على سبورة المكتب، أصبح اليوم مسلسلاً أصلياً على نتفليكس".

وأضافت: "في المرحلة الثانوية، افتُقدت الأعمال التي تتحدث عن الفتيات، فهي كانت محدودة، ولم أشعر بالارتباط بما هو متاح. لا تزال الإنتاجات التي تستهدف الفئة الشابة، وخاصةً الفتيات، محدودة، ومن هنا جاءت فكرة مسلسلٍ يمكن لهذه الفئة، حول العالم، أن ترتبط به".

وعن رؤيتها لمدرسة الروابي للبنات، بينت أنه "بمشاركة المؤلفة شيرين كمال، والكاتبة إسلام الشوملي، ابتكرنا عالماً خيالياً مليئاً بالدراما والأسرار التي تروي حكايات الفتيات في المدرسة الثانوية، وكان هدفنا أيضاً تسليط الضوء على التحديات التي تواجههن في هذه المرحلة العمرية".

لا تزال الإنتاجات التي تستهدف الفئة الشابة، وخاصةً الفتيات، محدودة.

سألنا الشوملي عن توصيف المسلسل بأنه عمل نسوي، فعلّقت بقولها: "ما أفتقده في المسلسلات التي تتحدث عن المرأة، هي رؤية المرأة نفسها لقضاياها، وعليه، كوّنت فريقاً من النساء الموهوبات كي نعمل على تطوير الرؤية الإبداعية، وتنفيذها، ووضعنا عناصر عالم الروابي المختلفة من الشخصيات، إلى الديكور، والملابس، والألوان، والإضاءة، وحتى الموسيقى. والشخصيات كانت جزءاً مهماً في بناء عالم الروابي، وكان لا بد من اختيار الممثلات بعناية شديدة، كي يتمكن من تجسيد تلك الشخصيات بدقة، والارتباط بها".


"ما هو دور الدراما"؟

بأسلوب معاكس، فضل الممثل، وأحد مدربي التمثيل في المسلسل، أحمد السرور، عدم الصمت أمام عاصفة الانتقاد، وقال في حديثه لرصيف22: "من الواضح أننا ما زلنا نخاف من مناقشة مشكلات مجتمعنا علانيةً، وكأنه مجتمع ملائكي. المجتمع الذي يريد أن يتطور يجب أن يواجه".

وتساءل غاضباً: "كم شخصاً فينا تعرض لما طرحه المسلسل من مشكلات التنمر، والتحرش، وإجهاض الأحلام، بسبب ‘الواسطة’ المعششة في مجتمعنا؟ إذا لم تعرض هذه المشكلات درامياً، فأين دور الدراما إذاً؟ وما وظيفتها إذا لم تضع يدها على الجرح؟".

وخارج هذ الإطار، عبر السرور عن إعجابه بالمسلسل، وبمخرجته، وهو العمل الإخراجي الأول لها، ورأى أنها "أبدعت في السرد القصصي، وكانت أمينة لمدينتها عمّان. هو باختصار عمل موفق، ويقول للعالم: في الأردن مبدعون كثر، وقادرون على لفت انتباهكم".


آراء وليس نقداً

في حديثه لرصيف22، رأى الناقد ناجح حسن أن ما تم تداوله حتى اليوم، عبارة عن آراء، وليس مواقف نقدية.

وأضاف: "من حق أي صانع دراما، تقديم الرؤية التي يريدها، ومن انتقد الألفاظ ‘الخادشة’ للحياء والأعراف في المسلسل، يبدو أنه بعيد عن الواقع الموجودة فيه تلك الألفاظ، وفي المدراس تحديداً، حتى أننا قد نسمع فيها ألفاظاً تتعارض مع ثوابت الدراما نفسها".

"الواقع أقسى من الدراما" يختم حسن، عادّاً أن الحملة ضد "مدرسة الروابي"، غير مبررة، ومتناقضة في الوقت ذاته، فمن ينتقدون المسلسل، هم أنفسهم من يتابعون المسلسلات التركية التي فيها زنا المحارم، والخيانة، وغيرها مما "يخدش" الأعراف.

"كم شخصاً فينا تعرض لما طرحه المسلسل من مشكلات التنمر، والتحرش، وإجهاض الأحلام، بسبب ‘الواسطة’ المعششة في مجتمعنا؟ إذا لم تعرض هذه المشكلات درامياً، فأين دور الدراما إذاً؟ وما وظيفتها إذا لم تضع يدها على الجرح؟"

بدورها، رفضت المخرجة الأردنية سوسن دروزة، وصف المسلسل بأنه "يشجع على الانحلال في المدراس"، وقالت في لقاء مع رصيف22: "‘الشر’ في الدراما، جزء من العناصر التي تطرحها. هناك مسلسلات تعرض في أغلب حلقاتها الشر، كالخيانة مثلاً، وفي آخرها تكشفه، وتفضي إلى حلول ودروس مستفادة".

ومن الزوايا التي أعجبت بها دروزة في المسلسل، جمع مخرجته جيلين مختلفين، أي الممثلتين نادرة عمران، وجاكلين سعادة، مع الوجوه الشابة الجديدة، عادّةً أنه "خطوة ذكية خففت الفجوة بين هذين الجيلين".

للناقد رأفت البراهمة رأي مختلف، إذ أشار في حديثه لرصيف22 إلى أن "العمل جيد من ناحية الإخراج، والتصوير، والإنتاج، باستثناء الركاكة في النص، إذ شعرت أن الأبطال كانوا يفتقدون جملاً حوارية مشبعة، وغنية، حول المسألة المطروحة، بطريقة تدلل على أن الكتابة الفنية مهمة جداً، بينما هنا، رأينا نصوصاً نُقلت بترجمة حرفية من الدراما الأميركية إلى العربية".

من زاوية أخرى، رأى البراهمة أن المسلسل "لم يعمم ما يحدث داخل مدرسة الروابي على المدارس كلها، ولا ينفي وجودها، وهي حالة لا يمكن إنكارها، لكن يمكن أن يتم تناولها بعيداً عن تقليد الغرب".

وفي ختام حديثه، رأى أنه "كان من المفترض بذل جهد على النص، والحوار، بقدر الجهد الذي بُذل على بقية الزوايا الفنية، وكان لا بأس من الاستعانة بكتّاب كبار كان يمكن أن يثروا القصة معرفياً، ويكون تأثيرها أكبر على المتلقين، بعيداً عن الارتجالية".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard