ليس جديداً أن تُمنع فرقة "مشروع ليلى" من الغناء أو تتعرّض للهجوم، لكن ما تستدعيه الحملة المستشرية منذ يومين في لبنان، ضد الفرقة والمغني حامد سنّو والتعليقات والبيانات والتهديدات المرافقة، تستوقفنا لقراءة بعضاً من فصول هذا المنع ودلالاته العميقة في معنى التصويب على حرية التعبير في لبنان أولاً، الغلو في العصبيات الدينية ثانياً ونمو خطاب رهاب المثلية ثالثاً، على ضوء تحولات يعيشها مجتمع الميم اللبناني مقارنة بما يعيشه المثليون والمثليات والعابرون/ات جنسياً في العالم العربي.
ما هو لافت للنظر، أن تكون الحملة اليوم في لبنان مغلّفة باسم أهالي مدينة جبيل الذين استقبلوا أنفسهم الفرقة عام 2010، في "مهرجانات بيبلوس الدولية"، وغنوا معها وسط حضور جماهيري واسع، متقدماً إياهم رئيس الوزراء سعد الحريري.
وهي حملة تحمل مضامين عميقة عن التجييش المسيحي المتعصب ضد التنوع وحرية التعبير، ومن يقف خلف هذا من تيار سياسي له سوابق تتغنى بالعصب المسيحي و"تُعصرن" الخطاب الأقلوي والطائفي بشعارات فضفاضة تزيد من الغيتوات الطائفية في لبنان.
الخطاب الأقلوي - الطائفي
ما هو مستحدث في الهجوم على "مشروع ليلى" أن تأتي المطالبات بمنع الفرقة من الغناء هذا العام "مُسيّسة". أي أن الداعين لها ينتمون إلى تيار سياسي، يعلن قيامة مسيحيي الشرق وبما في ذلك من مفاهيم أقلوية وعصبية. هؤلاء تعيدنا مطالبهم اليوم إلى زمن الكنائس في القرون الوسطى ومحاكم التفتيش.
تبدو هذه الحملة خطيرة أكثر من سابقاتها، كونها جاءت هذه المرة بصوت مطرانية جبيل للموارنة، وكلنا نعرف قوة تأثير البطريركية المارونية في لبنان ومؤازرتها لأصوات سياسية فاعلة في الحكم وعلى رأسها رئيس الجمهورية، وهو مؤسس "التيار الوطني الحر". يترافق ذلك مع تأمين غطاء شعبوي - متعصب للحملة يظهر من خلال تعليقات مواقع التواصل الاجتماعي.
وتتفاعل هذه الحملة مع حملات دعت إليها "دار الفتوى"، وما رافقها سابقاً ومراراً من دعوات "هيئة العلماء المسلمين" إلى محاربة كل أنشطة مجتمع الميم الحقوقية في لبنان، وهو ما يضاعف مخاوف أفراد هذا المجتمع ويزيد من ترهيبهم ويهدد عيشهم اليومي ومستقبلهم.
ولأن "التيار الوطني الحر" أوجد لنفسه عصبيات متفرعة، تبدأ من تخويف المسيحيين من اللجوء السوري وحملات ضد اللاجئين الفلسطينيين، يصل اليوم في التهويل إلى استعادة خطاب ترهيبي متطرف.
ويحاول عبر نوابه وممثليه فتح معركة سهامها موجهة على حرية التعبير مباشرة والذي تكفلها المادة 13 من الدستور اللبناني. وهو ما سيعرقل معركة النضال التي يقوم بها مجتمع الميم وناشطوه والداعمون لهم من الحقوقيين والقضاة والفنانين، لالغاء المادة 534 من قانون العقوبات والتي تجرم المثلية.
وبموازاة ذلك، كان لافتاً انضمام منطقة جبيل في حزب "القوات اللبنانية" إلى المطالبين بالمنع، داعية بلدية جبيل إلى "الأخذ بعين الاعتبار بياني أبرشية جبيل المارونية والمركز الكاثوليكي للإعلام المتعلقين بفرقة مشروع ليلى...."، ومطالبة "المعنيين في المهرجان والمرجعيات المختصة التجاوب مع دعوة المطرانية والمركز الكاثوليكي للإعلام".
وفي السياق ذاته، اعتبر رئيس "المجلس الأرثوذكسي اللبناني"، روبير الأبيض، في بيان أن "عرض مشروع ليلى مشين بحق الديانة المسيحية، حيث تتعرض المقدسات لتشويه مباشر"، داعياً "كل فرد من الشركاء من الطوائف الإسلامية الكريمة" وكل مسؤول في البلاد للتحرك.
ويبدو أن هذه الحملة ستصب في محاولة زيادة الرهاب لدى المواطنين المتدينين - مسيحيين ومسلمين - ضد مجتمع الميم، مما سيدفع نوابهم وممثليهم في مجلس النواب إلى عرقلة أي قانون يسعى إلى إحقاق حريات هذه الفئة المهمشة في لبنان.
تاريخ القمع ضد "مشروع ليلى"
إن كانت "مشروع ليلى" فرقة شبابية تُعنى بالموسيقى البديلة، إلا أنها تكرست واحدة من أبرز الفرق العربية جرأة، نظراً إلى تطرقها لمسائل شائكة تتعلق بالهويات الجندرية أو بكسر النمطية المتعامل بها مع سلوكيات الفرد أو انتقاد التعصب الديني والفساد السياسي بلغة مباشرة.
هذه الثيمة لم تكن حكراً على "مشروع ليلى"، إذ تناولت قضية المثلية الجنسية، تيريز سليمان، في أغنيتها "شهرزاد"، كما فرقة "جمع تكسير" التي تُعنى بدعم التعددية الجنسية وحقوق مجتمع الميم، وميساء ضو في أغنيتها "أنا حرة بحالي"، وجوان صفدي وهيا زعاترة في أغنيتهما "جئت إلى أهلي". وكانت الأغاني الثلاث الأخيرة صدرت ضمن مشروع "غنّي عن التعريف" لمؤسسة القوس - للتعددية الجنسية والجندرية في المجتمع الفلسطيني.
لكن "مشروع ليلى"مضت أكثر من غيرها كفرقة روك عربية في إعطاء هذه الثيمة تواجداً معلناً في النوع الموسيقي، كتابة وغناءاً ولحناً وأضافت إليها تجديداً في التقديم المباشر غير المبهم والرومانسي، بما في ذلك من استخدام لفظي عامي أعطاها بطاقة مرور سريعة إلى أوساط مجتمع المثليين تحديداً، في كل العالم العربي، على الرغم من أن اللهجة المستخدمة عموماً هي اللهجة اللبنانية.
لأن "التيار الوطني الحر" أوجد لنفسه عصبيات متفرعة، تبدأ من تخويف المسيحيين من اللجوء السوري وحملات ضد اللاجئين الفلسطينيين، يصل اليوم في التهويل إلى استعادة خطاب ترهيبي... دعوات وتهديدات لمنع حفل "مشروع ليلى" في لبنان بذرائع دينية
ما هو لافت للنظر، أن تكون الحملة اليوم على "مشروع ليلى" في لبنان مغلّفة باسم أهالي مدينة جبيل الذين استقبلوا أنفسهم الفرقة عام 2010، وغنوا معهم وسط حضور جماهيري واسع، متقدماً إياهم رئيس الوزراء سعد الحريري
وتصدرت ثيمة المثلية بعض الأغاني، كما في "شم الياسمين" من الألبوم الأول الذي حمل اسم الفرقة، وأغنية "طيف" من ألبوم "ابن الليل"، وأغنية "أم الجاكيت" المستوحاة من تراث المغني البيروتي عمر الزعني (1898 ــ 1961).
وربما من هذا المنطلق تعرضت الفرقة منذ نشوئها في العام 2008، لهجوم ممنهج وعلى دفعات وفي دول عربية عدة، ومورس ضدها عنف لفظي غير مسبوق.
مُنعت الفرقة من الغناء في الأردن عام 2016، وكان المنع غير رسمي من الحكومة الأردنية، لكن النقاش على مواقع التواصل الاجتماعي أظهر ردة فعل سلبية وظالمة بحق مجتمع الميم وأعطى صورة جلية عن خلط متعمد بين الحريات الشخصية والأحكام المسبقة وكيفية التعاطي حقوقياً كمواطنين مع الفئات المهمشة.
وبعد حفل أقامته الفرقة في مصر في أيلول/ سبتمتبر 2017، ورفعت فيه أعلام قوس قزح التي ترمز للحراك الاجتماعي للدفاع عن حقوق المثليين والمثليات، أثارت الفرقة جدلاً واسعاً وصل بجهات فنية في مصر إلى منع الفرقة من دخول أراضيها وعدم إعطائها تراخيص لإقامة حفلات بحجة أنها "تدعم المثلية وتهدم أخلاق المجتمع".
وانعكس ذلك مجدداً على نظرة الإعلام الرسمي في مصر إلى مجتمع الميم باعتبار أفراده "عبدة للشيطان" أو أنهم ينفذون "أجندة" غربية ضد قيم المجتمع، وما يضمره خطاب هذه الوسائل الإعلامة من "ذكورية أبوية" و"كراهية" تشجع على العنف واستهداف المثليين والمثليات والعابرين/ات جنسياً. وهو ما برز جلياً في سجن العابرة جنسياً ملك الكاشف.
"مشروع ليلى" تمثل صوتاً في مزرعة طائفية تسعى بكل جهودها إلى قتل التنوع ودفع الفرد نحو المنفى، فهل سنكتفي بالصمت أمام هذا القمع؟
المسّ بكرامة حامد سنّو
ولم يخل الهجوم على الفرقة تحت ذرائع مختلفة، من المسّ بكرامة بعض أعضائها خصوصاً المغني الرئيسي فيها حامد سنّو، الذي هاجر فعلياً إلى الولايات المتحدة الاميركية (نيويورك) ليعيش بعيداً عن أنواع الترهيب والتهديدات التي تعرض لها في لبنان والعالم العربي، بعدما أعلن باكراً عن مثليته الجنسية.
وكان وجود سنو قد ساهم بجعل هذه الثيمة واحدة من أبرز الموضوعات الموسيقية للفرقة، ما جعلها على رأس الفرق البديلة عربياً، والتي تدافع فنياً عن التعددية الجنسية في مجتمعات تنخرها العصبيات والتوحش والرهاب.
مشروع ليلى تمثل صوتاً في مزرعة طائفية تسعى بكل جهودها إلى قتل التنوع ودفع الفرد نحو المنفى، فهل سنكتفي بالصمت أمام هذا القمع؟ وما دورنا كمواطنين في دعم حرية التعبير؟ وما دور النخبة اللبنانية، من أساتذة جامعيين وممثلين وفنانين من رفع الصوت دعماً للفرد وحريته؟
كل هذه الأسئلة برسم خيالنا وواقعنا معاً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...