شذراتٌ صبيحة هدنة: تذكّرنا، وها هي تُعاد
البداية؛
سلامٌ على أرواح من قضوا، إن إكراهاً أم طوعاً. سلامٌ على دمائهم الحرّة الورديّة.
سلامٌ على الذين إلى ربّهم حنّوا، فما غادروا الأرض إلّا وقد بذلوا الغالي والنفيس فداءً لها.
سلامٌ على الجرحى، الذين يحملون آثار الحرب في أجسادهم، فهي تسكن عظامهم كما يسكن الظلّ صاحبه.
سلامٌ على الطواقم الطبية والإغاثية ورجال الدفاع المدني، ثابتون في وجه ماكينة القتل الصهيونية.
سلامٌ على المتطوّعين الذين سهروا ليلاً ونهاراً ليلملموا جراحنا.
العودة صعبة. لكن وإن غابت منازلنا، فالأرض لن ترحل. ترابها يعرفنا، وملحها، وشمس صباحاتها، ونجوم لياليها. جراحنا لن تلتئم وإن كُوِيَت بالنار، ولن نتخطّى المقتلة التي ألمّت بنا ودفعنا ثمنها غالياً
**************
أعلم
أنّ العودة صعبة. لكن وإن غابت منازلنا، فالأرض لن ترحل. ترابها يعرفنا، وملحها، وشمس صباحاتها، ونجوم لياليها. جراحنا لن تلتئم وإن كُوِيَت بالنار، ولن نتخطّى المقتلة التي ألمّت بنا ودفعنا ثمنها غالياً… أحباباً، فلذات، أطرافاً، عيوناً، بيوتاً، مدناً، دوابّ، قططاً، ألعاباً، أسواقاً، بحراً، كتباً، نباتاً، شجراً، حجراً، وصوراً.
أعلم
أنّنا أبناء هذه الأرض التي لفظتنا موقّتاً، من التراب، نطفةً، فعلقةً، لنخرج أطفالاً، فالأرض مثلنا، زائلة، تفنى ونفنى معها. نُجبَل سواسيةً في رمادها، نذوب فيها ونلتحم. نسكنها، لكنّها تسكننا أكثر.
أعلم
أنّنا سنعود والحسرة تلوك أحشاءنا، لنقف على مشهد دمارٍ وخرابٍ يهشّم العين ويفقأ بؤبؤها حدّ النزيف المفجع، وأنّنا سنعود لنواجه الصمت الفارغ، وصدى أصوات من رحلوا، وأنّنا سنعود ثكالى ومكلومين، حاملين في طيّات قلوبنا ثقل الألم وخفّة الأمل. سنعود لنتذكّر، لا لننسى. سنعود، لأنّ العودة حق.
أعلم
لأنّي أنا أيضاً خلّفتُ ورائي قلباً موزّعاً بين ضاحية بيروت التي أحب، و"ربّ ثلاثين" حيث دَرَجَت أمّي الصبّوحة طفلةً على أرضها، و"عيناثا" مهد أبي، وجيه الضيعة ومثّقفها المشتبك، والتي أشجار زيتونها المعمّرة، إن لم تُحرق وتُقتلع، باتت مخضّبة بالفوسفور "المحرّم دوليّاً".
أعلم
لأنّ ذاك الزيتون، بركة تنزّلَت علينا من السماوات، تتجلّى في قطراتٍ ذهبية نُفخ فيها عرق الجبين وعبق الحنين. فكيف لا يعترينا الشوق إلى تجرّع إكسير الرب المندفق من تلك اللآلئ الخضراء، التي تموج بين خيوط شموس جبل عامل الدافئة؟ "بركي الموسم الجاي يا بيّي"...
أعلم
أنّ فرحتنا منقوصة، ولن تكتمل من دون أهلنا في غزّة الحبيبة، الذين يتأمّلون مشهد عودة النازحين إلى مساكنهم في البقاع وبعلبك والجنوب والضاحية، بتمنٍّ صادقٍ وفيضٍ من الحبّ، ومن دون الذين لا تزال أجسادهم المتكوّرة تنخرها ويلات واقعٍ محشوٍّ بالمرارة، نساء كنّ أم رجالاً أم أطفالاً، ومن دون الذين يواجهون الكون بشريطةٍ مخزقةٍ وخرقةٍ تبتلعها أمواج البحر الذي كان يوماً متنفّساً للغزّاويّ وملاذه: "حتّى إنت يا بحر؟"...
خلّفتُ ورائي قلباً موزّعاً بين ضاحية بيروت التي أحب، و"ربّ ثلاثين" حيث دَرَجَت أمّي الصبّوحة طفلةً على أرضها، و"عيناثا" مهد أبي، والتي أشجار زيتونها المعمّرة، إن لم تُحرق وتُقتلع، باتت مخضّبة بالفوسفور "المحرّم دوليّاً"
أعلم
كم هي شنعاء الحروب. كم هم حقراء صانعو مجازرها، باسم نبوءةٍ توراتيةٍ مقيتة. كم هم أراذل المتواطئون والمتفرّجون علينا، ونحن نُباد ونتشظّى على مرأى من التلفزيونات والشاشات.
لكنّي لا أعلم
من سيعوّضنا؟ أهو الله، العليم وحده بكربنا؟ له سأتضرّع الليلة، وكلّ ليلة: الفناء للمستعمرة وأذيالها، والحياة لبلادنا وشعوبها. آمين، يا مجيب السائلين.
**************
اللانهاية؛
سيرحلون،
ونبقى نحن.
سنعود، بعد شهرين، أو سنتين، أو عقدين، أو حتى بعد اندثار حيواتٍ بأكملها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ 3 أياممع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينعظيم