شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
مبروك للبنان وقف نزيفه، وماذا بخصوصنا؟

مبروك للبنان وقف نزيفه، وماذا بخصوصنا؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحقيقة

الأربعاء 27 نوفمبر 202411:36 ص

أثناء كتابة هذه السطور، يجري التصويت داخل الكابينيت الإسرائيلي، على اتفاقية وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، أو بين إسرائيل ولبنان، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الدولة اللبنانية، ممثلة برئيس حكومتها نجيب ميقاتي، وبرئيس مجلس النواب فيها نبيه بري، هي التي تقوم بدور المفاوضات، وبناء عليه، فإن من سيقدم الالتزام ببنود الاتفاق حول وقف الحرب من الجانب اللبناني هي الدولة وليس الحزب، أي بلغة أخرى فيها قدر من الغمز واللمز: السلطة السياسية وليس الفصيل.

لا يسعني، كما لا يسع أي عاقل يتحلّى بالحد الأدنى من الوطنية الحقة والحرص على شعبه وشعوب أمته، اليوم وكما كان قبل سنة من الآن، إلا أن يتمنى للبنان وشعبه السلامة والنجاة من أهوال الحرب ومن البطش اللا أخلاقي لآلة الحرب الإسرائيلية المجرمة، والتي تفوقت على نفسها مؤخراً، بأن وضعت رمزين من رموزها كمطلوبين للعدالة الدولية بصفتهما مجرمي حرب.
الجملة الأخيرة المتعلقة بمجرمي الحرب أضعها هنا عامداً، وذلك كرشوة لأولئك الذين يصرّون أن الحرب في غزة ولبنان شوّهت صورة إسرائيل، وهذا هو برأيهم أحد إنجازاتها الكبرى لصالحنا، نحن الذين نتضرّع إلى الله، وللدول المؤثرة في الغرب، أن تفعل شيئاً لإيقاف هذا العدوان المنفلت من كل عقال.

غالبية من يتمنون وقفاً حقيقياً لإطلاق النار، ويدعون لإنجاحه، هم ممن كانوا يتمنون انخراطاً أكثر جدية وأكثر نجاعة لحزب الله في هذه الحرب تحت مظلة وحدة الساحات

لكن هذا التضرّع لا يقدم شيئاً ليتجاوز الدائرة التي وضع نفسه فيها، أي أنه يصرّ أن يبقى نوعاً من اللطميات على حالنا، وفي نفس الوقت لا يريد أن يسمع أي اقتراح عملي لاختراق هذه الدائرة من القتل اليومي وإيقافها، ودائماً تحت حجّة أن نتنياهو يريد أن يكمل الحرب مهما قدّمنا من حلول أو اقتراحات لإحراجه وإحراج حكومته وتعريتهما أمام العالم.

ما تقدم من غمز ورشوة بحاجة لتوسع في الشرح، وذلك في ظل بعض الملاحظات التي لا بدّ منها فيما يخص الاتفاق المرتقب لوقف إطلاق النار في لبنان، رغم ما يحيط بهذا الاتفاق من غموض، سواء حول جديته أو حول إمكانية استمراره، أو شروطه، أو حتى الأطراف الموقعة عليه وتلك الضامنة له.

أول هذه الملاحظات هي أن غالبية من يتمنون وقفاً حقيقياً لإطلاق النار، ويدعون لإنجاحه، هم ممن كانوا يتمنون انخراطاً أكثر جدية وأكثر نجاعة لحزب الله في هذه الحرب تحت مظلة وحدة الساحات. يُستثنى من شبه التعميم هذا مكونات سياسية وطائفية كبيرة من الشعب اللبناني ذاته. هذه المكونات اللبنانية ليست هي المقصودة هنا، بل أولئك البعيدين عن ساحة المعركة ولا يقدمون فيها لا القتال ولا التضحية ولا الخسارات، ويكتفون بالتصفيق والتنظير وتوزيع شهادات الوطنية.

ألم يكن أجدى لغزّة أن نكرس كل الجهود من محور المقاومة، ومحور التطبيع، ومحور المتفرجين اللامبالين، نحو إيقاف العدوان عليها وعلى أهلها، بدلاً من إعطاء المبرّر اليومي لنتنياهو بأن يروّج نفسه وكيانه كضحية تحارب على سبع جبهات؟

هؤلاء تحديداً: ما الذي غيّر آراءهم؟ أهو حجم القتل والدمار الذي لم يكونوا يتوقعونه مثلاً؟ وكيف لقارئ للمشهد السياسي والعسكري في المنطقة أن ينطق بجملة "لم أكن أتوقع" دون أن يشعر بالخجل؟ فما معنى أن تكون محللاً سياسياً، أو ناشطاً، أو قيادياً في فصيل أو نقابة، أو أي داهية تجعل منك ناطقاً باسم شعبك، أو موجّهاً له، دون أن تمتلك القدرة على التوقع أو حتى على القياس على تجارب الآخرين؟

الملاحظة الثانية، هي أن غزة تُركت، أو للدقة ستُترك وحيدة في الوقت الخطأ. أقصد بـ "الوقت الخطأ" هنا أنه بعد أن استُنزفت تماماً وصارت مهيأة لأية مخططات إسرائيلية وأمريكية، تمّ التخلّي عنها من محور المقاومة الذي تتزعّمه إيران وبعض قنوات النفط والغاز، وليس منذ البداية. لقد عبّرت عن وجهة النظر هذه في مقال قديم هنا تحت عنوان "التضامن هو أن تُبعد عني الأذى لا أن توقعه على نفسك"، حيث أن التساؤل الدائم برأيي يجب أن ينصب حول ما الذي يمكن أن تستفيده القضية التي يتمّ التضامن معها حين نختار أن نكرّر مصيرها.

ألم يكن أجدى لغزّة أن نكرس كل الجهود من محور المقاومة، ومحور التطبيع، ومحور المتفرجين اللامبالين، نحو إيقاف العدوان عليها وعلى أهلها، بدلاً من إعطاء المبرّر اليومي لنتنياهو بأن يروّج نفسه وكيانه كضحية تحارب على سبع جبهات؟ ألم يكن بإمكان حزب الله، وغير حزب الله، أن يحشد أنصاره ومؤيديه وبيئته الحاضنة في لبنان والغرب والتظاهر يومياً لإيقاف الحرب على غزة؟
هذه التساؤلات التي ستبدو ساذجة دون سياق محكم، يمكن شرعنتها، بل وتبيان أهميتها، إذا انتقلنا إلى الملاحظة الثالثة حول هذا الاتفاق، وبالتأكيد أيضاً حول غزة، وهي التالية: لقد كان القتال منذ الثامن من تشرين/ أكتوبر 2023 بين حزب الله وبين الجيش الإسرائيلي، لكن المفاوضات تم تسليمها لبنانياً إلى الحكومة ورئيس مجلس النواب، وتمت إدارتها مع مبعوث الإدارة الأمريكية عاموس هوكشتين، أما من سيعلن عن الاتفاق فهو الرئيس الأمريكي بايدن، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. لقد تم تدويل هذه الحرب من أجل لبنان الدولة، فأطراف فاعلة هي التي فاوضت، وهي التي تقدم ورقة الضمانات للطرفين، وهي التي ستعلن.
هنا لا بد من الانتقال إلى غزة المتروكة، والتمعن في مَن تم تسليمها لهم في المفاوضات؛ أولئك الذين ينسحبون من الوساطة كلما طلبت منهم إسرائيل ذلك، والذين يدعمون فصيلاً على حساب فلسطين الدولة، أو الوطن على أقل تقدير، والذين يطردون الفصيل ذاته عن أراضيهم لأن دوره ودورهم انتهى، أو ليس له لزوم في المخططات القادمة لغزّة وأهل غزّة.

تجربتنا مع محكمة الجنايات والعدل الدوليتين، وتجاربنا في تراكم الاعتراف بنا وبحقوقنا من قبل مؤسسات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، يجب أن يلهمنا بأن تتوجّه بوصلتنا نحو الدول المؤثرة، وأن نكفّ عن الارتماء في أحضان الهامشيين حتى لو بدوا ظاهرياً أنهم مع حقوقنا، فالأداة لا يمكنها أن تستمر إلا في دورها المرسوم

هذا هو الهامش الذي أشرنا له في المقال السابق، وهو الذي يتصرّف كمركز، لأن أحد السياسيين الأمريكيين فيما مضى، نصح الإدارة الأمريكية أن تكف عن التحالف مع الدول المركزية، وأن تحاول تشبيك خيوطها مع الدول الهامشية، وذلك لأن أية دولة هامشية ستشعر بتضخم في الذات إن رأت الاهتمام الأمريكي بها، وستكون أداة طيعة وخادماً جيداً لكل ما يريده سيد البيت الأبيض.
على كل حال، ومن أجل أن تترابط أفكار هذا المقال، بقي أن نقول إن كل حريص على دماء شعبه يجب أن يبارك وقفاً للعدوان على لبنان وأن يدعو للمثل في غزة، بعيداً عن شهوة الترويج للنصر أو للهزيمة، فالنصر الحقيقي هو حقن دم أبناء شعبك والحفاظ على مقدراتهم وقوة صمودهم، تحديداً حين تكون الحرب والتدمير هو ما تريده إسرائيل وما يبقيها موحّدة ومتماسكة.

هذا أولاً، أما ثانياً، فإن تجربتنا الناجحة مع محكمة الجنايات والعدل الدوليتين، وتجاربنا في تراكم الاعتراف بنا وبحقوقنا من قبل مؤسسات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، والاعتراف بدولة فلسطين من قِبل أكثر من 130 دولة، كل ذلك يجب أن يلهمنا بأن تتوجّه بوصلتنا نحو الدول المؤثرة، وأن نكفّ عن الارتماء في أحضان الهامشيين حتى لو بدوا ظاهرياً أنهم مع حقوقنا، فالأداة لا يمكنها أن تستمر إلا في دورها المرسوم. وفي ظني أن تساؤلاً بسيطاً يمكنه أن يوضح صورة ما أرمي إليه، وهو: ما الذي يزعج إسرائيل أكثر وتتمنى لو تتخلص منه؛ الوسيط بينها وبين لبنان، أقصد فرنسا المعسكر الغربي الذي نكيل له الشتائم يومياً، أم الوسيط بينها وبين حماس؟ أما الباقي فتفاصيل يمكنها أن تحفز على الشعر واللطميات لا أكثر. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ألم يحن الوقت لتأديب الخدائع الكبرى؟

لا مكان للكلل أو الملل في رصيف22، إذ لا نتوانى البتّة في إسقاط القناع عن الأقاويل التّي يروّج لها أهل السّلطة وأنصارهم. معاً، يمكننا دحض الأكاذيب من دون خشية وخلق مجتمعٍ يتطلّع إلى الشفافيّة والوضوح كركيزةٍ لمبادئه وأفكاره. 

Website by WhiteBeard
Popup Image