أثناء كتابة هذه السطور، يجري التصويت داخل الكابينيت الإسرائيلي، على اتفاقية وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، أو بين إسرائيل ولبنان، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الدولة اللبنانية، ممثلة برئيس حكومتها نجيب ميقاتي، وبرئيس مجلس النواب فيها نبيه بري، هي التي تقوم بدور المفاوضات، وبناء عليه، فإن من سيقدم الالتزام ببنود الاتفاق حول وقف الحرب من الجانب اللبناني هي الدولة وليس الحزب، أي بلغة أخرى فيها قدر من الغمز واللمز: السلطة السياسية وليس الفصيل.
غالبية من يتمنون وقفاً حقيقياً لإطلاق النار، ويدعون لإنجاحه، هم ممن كانوا يتمنون انخراطاً أكثر جدية وأكثر نجاعة لحزب الله في هذه الحرب تحت مظلة وحدة الساحات
لكن هذا التضرّع لا يقدم شيئاً ليتجاوز الدائرة التي وضع نفسه فيها، أي أنه يصرّ أن يبقى نوعاً من اللطميات على حالنا، وفي نفس الوقت لا يريد أن يسمع أي اقتراح عملي لاختراق هذه الدائرة من القتل اليومي وإيقافها، ودائماً تحت حجّة أن نتنياهو يريد أن يكمل الحرب مهما قدّمنا من حلول أو اقتراحات لإحراجه وإحراج حكومته وتعريتهما أمام العالم.
ما تقدم من غمز ورشوة بحاجة لتوسع في الشرح، وذلك في ظل بعض الملاحظات التي لا بدّ منها فيما يخص الاتفاق المرتقب لوقف إطلاق النار في لبنان، رغم ما يحيط بهذا الاتفاق من غموض، سواء حول جديته أو حول إمكانية استمراره، أو شروطه، أو حتى الأطراف الموقعة عليه وتلك الضامنة له.
أول هذه الملاحظات هي أن غالبية من يتمنون وقفاً حقيقياً لإطلاق النار، ويدعون لإنجاحه، هم ممن كانوا يتمنون انخراطاً أكثر جدية وأكثر نجاعة لحزب الله في هذه الحرب تحت مظلة وحدة الساحات. يُستثنى من شبه التعميم هذا مكونات سياسية وطائفية كبيرة من الشعب اللبناني ذاته. هذه المكونات اللبنانية ليست هي المقصودة هنا، بل أولئك البعيدين عن ساحة المعركة ولا يقدمون فيها لا القتال ولا التضحية ولا الخسارات، ويكتفون بالتصفيق والتنظير وتوزيع شهادات الوطنية.
ألم يكن أجدى لغزّة أن نكرس كل الجهود من محور المقاومة، ومحور التطبيع، ومحور المتفرجين اللامبالين، نحو إيقاف العدوان عليها وعلى أهلها، بدلاً من إعطاء المبرّر اليومي لنتنياهو بأن يروّج نفسه وكيانه كضحية تحارب على سبع جبهات؟
هؤلاء تحديداً: ما الذي غيّر آراءهم؟ أهو حجم القتل والدمار الذي لم يكونوا يتوقعونه مثلاً؟ وكيف لقارئ للمشهد السياسي والعسكري في المنطقة أن ينطق بجملة "لم أكن أتوقع" دون أن يشعر بالخجل؟ فما معنى أن تكون محللاً سياسياً، أو ناشطاً، أو قيادياً في فصيل أو نقابة، أو أي داهية تجعل منك ناطقاً باسم شعبك، أو موجّهاً له، دون أن تمتلك القدرة على التوقع أو حتى على القياس على تجارب الآخرين؟
الملاحظة الثانية، هي أن غزة تُركت، أو للدقة ستُترك وحيدة في الوقت الخطأ. أقصد بـ "الوقت الخطأ" هنا أنه بعد أن استُنزفت تماماً وصارت مهيأة لأية مخططات إسرائيلية وأمريكية، تمّ التخلّي عنها من محور المقاومة الذي تتزعّمه إيران وبعض قنوات النفط والغاز، وليس منذ البداية. لقد عبّرت عن وجهة النظر هذه في مقال قديم هنا تحت عنوان "التضامن هو أن تُبعد عني الأذى لا أن توقعه على نفسك"، حيث أن التساؤل الدائم برأيي يجب أن ينصب حول ما الذي يمكن أن تستفيده القضية التي يتمّ التضامن معها حين نختار أن نكرّر مصيرها.
تجربتنا مع محكمة الجنايات والعدل الدوليتين، وتجاربنا في تراكم الاعتراف بنا وبحقوقنا من قبل مؤسسات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، يجب أن يلهمنا بأن تتوجّه بوصلتنا نحو الدول المؤثرة، وأن نكفّ عن الارتماء في أحضان الهامشيين حتى لو بدوا ظاهرياً أنهم مع حقوقنا، فالأداة لا يمكنها أن تستمر إلا في دورها المرسوم
هذا أولاً، أما ثانياً، فإن تجربتنا الناجحة مع محكمة الجنايات والعدل الدوليتين، وتجاربنا في تراكم الاعتراف بنا وبحقوقنا من قبل مؤسسات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، والاعتراف بدولة فلسطين من قِبل أكثر من 130 دولة، كل ذلك يجب أن يلهمنا بأن تتوجّه بوصلتنا نحو الدول المؤثرة، وأن نكفّ عن الارتماء في أحضان الهامشيين حتى لو بدوا ظاهرياً أنهم مع حقوقنا، فالأداة لا يمكنها أن تستمر إلا في دورها المرسوم. وفي ظني أن تساؤلاً بسيطاً يمكنه أن يوضح صورة ما أرمي إليه، وهو: ما الذي يزعج إسرائيل أكثر وتتمنى لو تتخلص منه؛ الوسيط بينها وبين لبنان، أقصد فرنسا المعسكر الغربي الذي نكيل له الشتائم يومياً، أم الوسيط بينها وبين حماس؟ أما الباقي فتفاصيل يمكنها أن تحفز على الشعر واللطميات لا أكثر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Nahidh Al-Rawi -
منذ 11 ساعةتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه
Tester WhiteBeard -
منذ 13 ساعةkxtyqh
بلال -
منذ 23 ساعةحلو
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومالمؤرخ والكاتب يوڤال هراري يجيب عن نفس السؤال في خاتمة مقالك ويحذر من الذكاء الاصطناعي بوصفه الها...
HA NA -
منذ 5 أياممع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.