شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
ذوو الإعاقة في الأعمال الفنية العربية... معالجة حقيقية أم محاولة استجداء؟

ذوو الإعاقة في الأعمال الفنية العربية... معالجة حقيقية أم محاولة استجداء؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 9 سبتمبر 202104:42 م

بمتابعة الأعمال الدرامية والسينمائية العربية، خلال السنوات الماضية، نجد أنها لم تتعرض للأشخاص ذوي الإعاقة، من منظور واسع وشامل، إلا في ما ندر، إذ تكتفي بعرض إعاقتهم من خلال الجسد والحركات الخارجية، من دون النظر إلى ما يميز شخصياتهم، عقلياً وإبداعياً.

بالإضافة إلى ذلك، تكاد هذه الأعمال تخلو من أدوار رئيسية لأشخاص ذوي إعاقة، فيظهرون غالباً في أدوار ثانوية، ولا تُفرد لهم قصص الحب، ولا تتسع الحلقات لتفاصيل حياتهم، ويُعتمد عادة على استدرار عطف المشاهدين نحوهم.


"سارة" بين الكوميديا والجدية

من أبرز الأعمال الدرامية المصرية التي تناولت قضايا ذوي الإعاقة، مسلسل "سارة" (2005)، وهو من بطولة حنان ترك، وأحمد رزق، وسوسن بدر، وطارق لطفي، وحنان مطاوع، وأخرجته شيرين عادل. وقد صُنف المسلسل، ببعض مفاصله ومشاهده، على أنه "كوميدي"، على الرغم من أنه يناقش مشكلة توقف النمو الذهني، لطفلة تعيش في غيبوبة، لسنوات طويلة.

تكاد الأعمال الفنية العربية تخلو من أدوار رئيسية لأشخاص ذوي إعاقة، فيظهرون غالباً في أدوار ثانوية.

اختلفت آراء النقاد حول "سارة". فالناقد السينمائي محمود عبد الشكور قال لرصيف22، إن تركيز المسلسل على الناحية الطفولية، أضر به، خاصةً أنه لم يهتم كفاية بتفاصيل ضرورية أخرى. وأضاف الممثل محمود شبراوي، في حديثه لرصيف22، أن "ما حدث في مسلسل سارة، إفلاس درامي، على الرغم من أنه حاز على إعجاب الجمهور، فبدلاً من التعامل بجدية مع الحالة العقلية، تم التعامل معها كأنها طفلة، وكأن المؤلف لم يجد حلاً آخر، أو وقتاً كافياً لدراسة الحالة. العمل لم يكن دسماً بما يتناسب مع الحالة المعروضة".

وفي السياق ذاته، أشارت الدكتورة الناقدة نجلاء نصير لرصيف22، إلى أن "حنان الترك استطاعت تجسيد الشخصية باقتدار كبير، فأقنعت المتلقي ببراءتها كفتاة تعاني من حالة عقلية معينة، وحازت على تعاطف الجمهور".


"مسكر" في "ابن حلال" والسخرية من ذوي الإعاقة

على الرغم من أن المسلسل المنتج عام 2014، لا يتناول قضايا ذوي الإعاقة كمحور رئيسي، إذ يرصد قصصاً لها علاقة بالفقر والمشكلات الاجتماعية، إلا أن الفنان حمزة العيلي الذي جسد شخصية "مسكر" المعاق ذهنياً، لفت أنظار الجمهور والنقاد، إذ أجاد في الأداء، وكان للشخصية صدى جيداً عبر مواقع التواصل. وقال الفنان عنها في تصريحات صحافية سابقة، إن "مراقبته الطويلة لأصدقاء يعانون من الحالة نفسها، جعلته يقدّم الدور بهذه الطريقة".

ويرى محمود الشبراوي، أن المسلسل قدم شخصية طبيعية في الشكل والمضمون، خاصةً من حيث المعاناة التي يعيشها الأشخاص ذوو الإعاقة، إذ يتعرضون لسخرية من حولهم، ولا أحد يهتم بهم، ويكونون موضع شفقة من الجميع.

وتتفق معه الناقدة نجلاء نصير التي ترى أن "حمزة العيلي استطاع أن يعبّر عن هذه الشريحة باقتدار كبير، وكان الدور ناجحاً، وحاز على إعجاب الجمهور".


مأساة "توت توت"

عام 1993، قدمت الفنانة المصرية نبيلة عبيد، من خلال فيلم "توت توت"، دور فتاة ذات إعاقة ذهنية يتم التغرير بها، والفيلم من إخراج عاطف سالم، وشارك في بطولته سعيد صالح، ووائل نور، ومحمد توفيق.

ويرى الناقد عبد الشكور، أن "عبيد قدمت شخصية ‘كريمة’، بطريقة مأساوية، وكانت أجواء الفيلم كلها كذلك، لكنها لم تكن في صالح العمل، وعلى الرغم من أن ذلك كان بحسن نية، وجاء كطريقة لعرض مأساة فتاة غُرّر بها، لكن هذه الأعمال تحتاج جهداً أكبر في المعالجة والتنفيذ".

قدم مسلسل "ابن حلال" شخصية طبيعية في الشكل والمضمون، خاصةً من حيث المعاناة التي يعيشها الأشخاص ذوو الإعاقة، إذ يتعرضون لسخرية من حولهم، ولا أحد يهتم بهم، ويكونون موضع شفقة من الجميع.

على العكس، يعتقد الشبراوي، بأن "تجسيد الشخصية كان جيداً جداً، واستطاعت عبيد أن تظهر معاناة هذه الطبقة، وأوضح السيناريو، من خلال تفاصيل خاصة، مدى معاناة فتاة يغرر بها رجل ثري، وتحمل منه، ولكنها تستطيع أن تكشف عن شخصيته، عندما يلاحظ الناس عليها حملها"، كما عبّر عن إعجابه بمشهد وضعها، ومعاناتها، كحالة خاصة.

يضيف الناقد السينمائي فراس الشاروط لرصيف22، أن نبيلة عبيد قدمت الشخصية بما يخدم حبكة الفيلم، وهو ربط بين إعاقة الفتاة الذهنية، والاعتداء عليها، وضعف شخصيتها، وسلبيتها، فهي تعيش في الشارع بلا ملجأ، وتتعرض للاستغلال والاعتداء الجنسي، فتحمل، وتنجب طفلاً تعيش معه في الشارع، كما أن أحداث الفيلم تركز على فطرة الأمومة التي لا تفرّق بين أنثى وأخرى.

وتشير الناقدة نجلاء نصير إلى ناحية أخرى تتعلق بمكياج عبيد، فهي ترى أنه لم يكن متناسباً مع فتاة تعاني من إعاقة ذهنية، ما جعل الشخصية تخرج عن شكلها الطبيعي، "فكان من الأفضل أن تتخلى عن ماكياجها، وعن تسريحة شعرها، ولا يلغي ذلك أداءها الملفت، وتجسيدها للظلم الواقع على الشخصية".


عجائبية "الكيت كات"

قدم الفنان محمود عبد العزيز فيلم "الكيت كات" عام 1991، وهو من تأليف وإخراج داوود عبد السيد، وجسد فيه دور الشيخ "حسني"، وهو رجل ضرير يمر بعدد من المواقف الشجاعة، والكوميدية أيضاً.

"قدّم عبد العزيز الشخصية ببراعة وإتقان، فتحكم من خلال ملامح وجهه، بإظهار سمات الشخصية الخارجية، وهي تحمل الكثير من الرمزية، فهو رجل لا يملك البصر، ولكنه يملك البصيرة"، تقول نصير، لكنها تعيب على الفيلم ميله إلى اللا الواقعية، والخيال، فعندما يقود الشيخ حسني ‘الموتوسيكل’، هو وابنه، ويسقطان في الماء، ثم يخرج سالماً، يبدو المشهد غير منطقي، لكنه مناسب في إطار العمل الفني.

على نحو مشابه، يقول السيناريست محمد خير الحلبي لرصيف22، إن الفيلم تناول شخصية الرجل الضرير من واقع كوميدي يميل إلى العجائبية، "لأنه رؤية مؤلف، وليس حقيقة، ولا يستطيع أن يقنع المشاهد".

بدوره، وصف الناقد فراس الشاروط الفيلم بأنه "ممتاز من الناحية التكنيكية السينمائية، سواء على صعيد السيناريو، أو التصوير، وحتى الأداء. شخصية الشيخ حسني، بأداء مبهر من عبد العزيز، تضعنا أمام الشخص القوي الذي يتحدى الإعاقة، ولا تفارقه الابتسامة والأمل، ولكن مثل هذه الشخصية بعيدة عن الواقع الحياتي. هي أمثولة فحسب، أراد بها المخرج أن يقول إن البصيرة أهم من البصر، ففاقد البصر أكثر قوة وتمسكاً بالحياة، ببصيرته، من كثيرين من الناس الأصحاء".


"عرائس السكر" ومتلازمة داون

عام 2013، قدمت السينما السورية فيلماً يتحدث عن حالة طفلة مصابة بمتلازمة داون، بعنوان "عرائس السكر"، أخرجته سهير سرميني، وكتبته ديانا فارس، وقامت ببطولته سلمى المصري، ونجلاء الخمري، ولمي إبراهيم، ومروة الجابي. ويتناول الفيلم حياة الشابة، وهي في سن البلوغ، وكيف تتعامل الأم مع ابنتها التي لا ينمو عقلها، بينما تنمو جسدياً بشكل طبيعي، وتخاف عليها من التعرض للاغتصاب والتحرش، وغيرها من المشكلات.

مخرجة العمل سرميني تحدثت لرصيف22، وقالت إن معظم الأعمال الفنية السابقة للفيلم، تناولت حالة متلازمة داون بشكل هامشي وسطحي، ولذلك أخذ صناع الفيلم على عاتقهم تناول الحالة بشكل جدي، عارضين تفاصيل حياتها كلها، والمشكلات التي تواجهها. "هذه الحالات تكون مخبأة، ومغلوق عليها في عالمنا العربي، إذ يخجل منها الأهل، لذلك عملنا على مناقشة الحالة بتفاصيلها ومعاناتها، وكيف أن بعض الأمهات يفكرن في استئصال رحم بناتهن، خوفاً عليهن من الحمل".

واختارت المخرجة الفتاة مروة الجابي، من بين عدد كبير من الفتيات المصابات بالمرض، لتؤدي الشخصية، وبالفعل كانت قادرة على تجسيدها بشكل مميز.

معظم الأعمال الفنية العربية تتناول قضايا ذوي الإعلاقة بشكل هامشي وسطحي.


"علاقات خاصة" والخجل من الإعاقة

الفيلم السوري لم يكن الوحيد الذي بتناول حالات المصابين بداون، فالمسلسل اللبناني المصري "علاقات خاصة"، تحدث في جزء منه عن طفل مصاب بها، وعما يعانيه من مشكلات اجتماعية. والمسلسل من بطولة ماجد المصري، وباسم ياخور، وميرفا القاضي، وديما قندلفت، وجوي خوري، وتأليف نور شيشكلي، وإخراج رشا شربتجي.

ينحدر الطفل من أسرة فقيرة، وتتزوج شقيقته من رجل غني يساعدها لتكون فنانة مشهورة، لكنه يجبرها على الابتعاد عن أسرتها، فترضخ له، ولا تشعر بالندم، إلا بعد وفاة شقيقها الصغير.

"على الرغم من عرض حالة الطفل المصاب بداون، بصورة عرضية، لكن المسلسل يضيء على مشكلة تعاني منها عائلات كثيرة، فتتبرأ، أو تخفي أطفالها المصابين بإعاقة ما، إذ تعدّهم عبئاً عليها"، تقول المخرجة سرميني.

وتضيف الناقدة نصير، أن المسلسل كان لسان حال شريحة مهمشة في المجتمع، إذ تعامل البطل مع الطفل، على أن وجوده مع شقيقته أشبه بـ"وصمة عار"، وهو أمر كثيراً ما نراه في المجتمع الذي يتبرأ من مساعدة ذوي الإعاقة، وينبذهم، وكأنه يريد التخلص من وجودهم، بدل احتوائهم.


"وراء الشمس" ومقدرات المصابين بالتوحد

وفي عام 2010، قدمت الدراما السورية مسلسل "وراء الشمس"، من بطولة بسام كوسا، وباسل خياط، وصبا مبارك، ونادين خوري، وعلاء الزيبق، ومن إخراج سمير حسين، وتأليف محمد العاص.

ويجسد كوسا شخصية "بدر"، وهو رجل يعاني من التوحد، ويملك قدرة عجيبة في تصليح الساعات، الأمر الذي يوقعه تحت رحمة رجل يستغله في العمل، من دون أن يعطيه حقوقه المادية.

المسلسل "علاقات خاصة" كان لسان حال شريحة مهمشة في المجتمع، إذ تعامل البطل مع الطفل، على أن وجوده مع شقيقته أشبه بـ"وصمة عار"، وهو أمر كثيراً ما نراه في المجتمع الذي يتبرأ من مساعدة ذوي الإعاقة، وينبذهم، وكأنه يريد التخلص من وجودهم، بدل احتوائهم

ويرى السيناريست الحلبي، أن المسلسل "تناول الشخصية من وجهة نظر المؤلف، وليس من وقائع ذات مصداقية، وهذا قد يؤثر سلباً على ذوي الإعاقة عند عدم تجسيد حالاتهم بالشكل الصحيح، بدل أن يقدم دعماً لهم".

وبخصوص أداء كوسا، يتحدث الناقد السينمائي نضال قوشحة لرصيف22، قائلاً إن "الممثل أدى الدور باقتدار كبير، وكان هذا العمل نقطة انعطاف في تاريخ الدراما السورية، وحقق رواجاً كبيراً على الشاشتين السورية والعربية، وقالت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية حينها، إن ما حققه المسلسل من أثر، كان أفضل مما فعلته الوزارة، على مدى سنوات من عملها".

وفي السياق نفسه، قالت المخرجة سرميني، إن كوسا أتقن دور الرجل المصاب بالتوحد، والموهوب الذي يستطيع أن يصلح الساعات، لكن العمل لم يتطرق كفاية إلى المعاناة التي يعيشها مرضى التوحد، فكان هناك نقص في تفاصيل كثيرة ضرورية، ضمن المسلسل.


"قيود الروح" والتخلي

في العام ذاته، ناقش المسلسل السوري "قيود الروح"، المشكلات التي يعاني منها أصحاب الإعاقات العقلية، وهو من إخراج ماهر صليبي، وتأليف يارا صبري وريما فليحان، وبطولة يارا صبري، وبسام كوسا، ومرح جبر، وسلافة معمار، وسوسن أرشيد، ومي سكاف.

يحكي المسلسل عن ثلاث أسر تترابط معاً، حينما تلتقي في المستشفى، لإنجاب أطفالها في الليلة نفسها، وتستمر العلاقة بينها لسنوات، وتمر يارا صبري بمشكلة، عندما تُرزق طفلاً مصاباً بالتوحد، ويرى زوجها "بسام كوسا"، أن وجود هذا الطفل، يحول دون استمرار الزواج، فيتخلى عن أسرته.

المخرج ماهر صليبي تحدث لرصيف22، قائلاً إن المسلسل ناقش من خلال شخصياته التوحد، وفرط النشاط والحركة، وقام فريق العمل بدراسة هذه الشخصية بشكل علمي وحقيقي، إذ زاروا مراكز مختصة للتعرف إلى أشخاص يعانون من هذه الحالة، وقابلوا مختصين وأطباء، ليعرفوا كيف تتصرف هذه الشخصيات في مختلف الحالات العاطفية، وكيف تتحدث، وتعبر عن مشاعرها. "بذلك لم نناقش المشكلة من السطح، وكان من المهم أن نحترم المتلقين، ونقدم لهم محتوى هاماً وقيّماً".

ومع تقديم الكثير من الأعمال الدرامية لمعاناة ذوي الإعاقة، بقالب سطحي، وأحياناً كوميدي، وأشار الناقد قوشحة، إلى أن مسلسل قيود الروح، "انتقل من فكرة التعاطي مع ذوي الإعاقة من منطق الإشفاق، إلى منطق الشراكة، وركّز على أن وجود شخص يعاني من إعاقة ذهنية في أسرة ما، ليس كارثة، وفي الوقت نفسه، أبرز ظلم المجتمع الواضح لهذه الشريحة. وقد حقق العمل رصيداً كبيراً من المتابعة، لأنه عالج باهتمام وحرفية مشكلات هذه الفئة".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image