شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"كأننا غير مرئيين والحياة من حقّنا"... سوريون ذوو إعاقة وحكاياتهم هذه الأيام

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 3 ديسمبر 201906:25 م

في الثالث من كانون الأول/ ديسمبر كل عام، تستغل المنظمات الحقوقية والإنسانية الفرصة للتذكير بالأشخاص ذوي الإعاقة والاحتفاء بهم في يومهم الدولي، والذي يُراد منه، بحسب الأمم المتحدة التي أقرته عام 1992، "تعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ورفاههم في جميع المجالات الاجتماعية والتنموية، ولإذكاء الوعي بحال الأشخاص ذوي الإعاقة، في الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية".

وفي سوريا، البلد الذي يعيش حرباً عنيفة منذ حوالي ثماني سنوات، لا يبدو واقع الأشخاص ذوي الإعاقة على خير ما يرام. ثلاثة ملايين شخص يعانون من إعاقة أو إصابة حرب، وفق آخر إحصائيات منظمة الصحة العالمية الصادرة عام 2017، مع صعوبة الوصول للخدمات الأساسية التي يحتاجونها، وعدم أولوية قضاياهم أمام قضايا أخرى أكثر إلحاحاً في المجتمع السوري، خاصة على الصعيد الاقتصادي.

تحديات لم تمنع سوريين كثراً من ذوي الإعاقة من شق طريقهم بأنفسهم، وإيصال صوتهم للآخرين وللمجتمع من حولهم: نحن هنا، ولنا حقوق في كل مجالات الحياة، كأي سوري آخر.

هذه القصص تسلط الضوء على عدد منهم وتحكي حكاياتهم الملهمة، والتي يحبون إيصالها للجميع، علّها تشجع غيرهم على كسر القيود والحواجز التي تقف عائقاً في طريقهم.

"أنا صماء، وعلى هذا العالم أن يسمعني"

مثل معظم الصمّ في سوريا، والذين لا يقلّون عن مئة ألف، وفق تقديرات عدد من المنظمات الأهلية الداعمة لهم، أنهت أمان العشي (20 عاماً) دراستها الثانوية دون أفق واضح لما يمكن أن تكون عليه حياتها فيما بعد، فالتعليم الجامعي في سوريا غير مؤهل بشكل كافٍ لاستقبال الصم، سواء من حيث المناهج أو من حيث وجود مترجمين للغة الإشارة.

"أمضيت فترة طويلة وأنا أفكر بما يمكنني القيام به فأنا أكره البقاء في المنزل دون عمل أو دراسة، والمشاريع التي يمكن للصم تنفيذها في سوريا محدودة للغاية"، تتحدث أمان بالإشارة وتحوّل فرح التل، وهي مترجمة للصم، هذه الإشارات إلى كلمات، وتضيف بأن تلك الأفكار قادتها نحو مشروعها الفريد الذي تضع اليوم اللمسات الأخيرة لتأسيسه: مطبخ أمان.

أمان العشي

بدأت فكرة المطبخ من قناة يوتيوب، بادرت الفتاة لإنشائها العام الماضي بغرض تعليم الطبخ للصم باستخدام لغة الإشارة، وهي القناة الأولى من نوعها في سوريا: "للصم احتياجات مختلفة عن السامعين، ومنذ الصغر وأنا أتابع برامج الطبخ وأتساءل عن سبب عدم وجود برامج خاصة بالصم أو مترجمي لغة إشارة ضمن تلك الخاصة بالسامعين، ومن هنا انطلقت"، تقول.

ومع انتشار القناة رويداً في محيط أمان وبين أصدقائها من الصم، وتشجّع بعضهم حتى على تنفيذ أفكار مشابهة، قررت تطوير العمل وإنشاء مطبخ فعلي خاص بها، تبيع من خلاله وجبات طعام جاهزة، والانتقال لتقديم ورشات طبخ خاصة بالصم، وهو المشروع الذي ستعمل على إطلاقه قبل نهاية هذا العام.

وترى أمان بأن الصم في سوريا يحتاجون لدعم كبير، سواء على مستوى الأسرة أو المجتمع، فلولا دعم أسرتها لما تمكّنت من تأسيس مشروعها الخاص، وهو ما يفتقر له معظم الصم اليوم، فينتهي بهم المطاف حبيسين داخل منازلهم.

"أتمنى أن يكون عملي ملهماً لغيري كي يتشجعوا على رسم طريق حياتهم بأنفسهم، كما أتمنى أن أكون صوتاً للصم في سوريا. أريد حياة أفضل لهم، وأريد للجميع أن يعرف بأننا موجودون ولنا حقوق كغيرنا"، تقول الفتاة بحماس كبير.

"المجتمع لم يتقبلني، لكني فرضت مساحتي الخاصة"

ولدت إيناس حورية قبل اثنين وثلاثين عاماً، بإعاقة حركية تؤثر على أعصابها وعضلاتها، وتمنعها من المشي بسهولة. لم يكن طريقها سهلاً لإنهاء دراستها الجامعية في كلية الأدب العربي بدمشق، خاصة مع سكنها ببلدة القطيفة بريف دمشق، والتي تبعد عن جامعتها أكثر من نصف ساعة، وحصلت على شهادتها عام 2010، قبل بداية الأزمة في سوريا بعدة أشهر.

"كانت الأعوام الثلاثة الأولى بعد تخرجي صعبة للغاية، حيث التزمت المنزل بشكل شبه كامل وأدى ذلك لتراجع وضعي الصحي، فالحرب حينها كانت في أوجها، وفرص العمل التي يمكنني الحصول عليها شبه معدومة"، تقول الفتاة وهي جالسة على كرسيها المتحرك.

إيناس حورية

ومع رغبتها بالعمل في أي مجال متاح، وتأمين دخل ذاتي لها بعيداً عن عائلتها، دخلت إيناس عالم مواقع التواصل الاجتماعي، وبدأت بإدارة عدد من صفحات فيسبوك الخاصة بأخبار بلدتها، فوسّعت دوائرها الاجتماعية وابتكرت طرقاً جديدة للتواصل مع متابعي تلك الصفحات، وصولاً للحصول على عائد مادي من نشر إعلانات تجارية فيها.

ومنذ أشهر، ومع حصولها على دعم صغير من واحدة من المؤسسات التي تعني بقضايا ذوي الإعاقة، بدأت إيناس بالتحضير لإطلاق مشروعها الخاص وهو عبارة عن محل صغير لبيع الملابس، بالتشارك مع أحد معارفها.

تقطع إيناس كل يوم مسافة ثلاثة كيلومترات للذهاب للمحل والعودة منه على كرسيها المتحرك. لا يبدو مظهرها مألوفاً في البلدة التي يغلب عليها الطابع الريفي، ويصعب على سكانها تقبل وجود فتاة ذات إعاقة لوحدها في الطريق. لم يمنع ذلك إيناس من المضي في مشروعها لتكون الأولى بهذا المجال في بلدتها.

"يعاني ذوو الإعاقة في سوريا من صعوبات كبيرة على مستوى التعليم والعمل. خلال سنوات المدرسة كنت الوحيدة وكان الأمر يتطلب إرادة كبيرة، واليوم أنا الوحيدة في القطيفة التي دخلت بمجال إدارة صفحات التواصل الاجتماعي أو البيع المباشر"، تقول إيناس وتضيف: "في أحيان كثيرة نبدو وكأننا غير مرئيين، ويتقصد المجتمع إغماض عينيه عن وجودنا، لأنه الخيار الأسهل. أريد أن أقول للجميع بأننا هنا، ولنا حيّز من الحياة هو حقنا".

في سوريا، لا يبدو واقع الأشخاص ذوي الإعاقة على خير ما يرام. ثلاثة ملايين شخص يعانون من إعاقة أو إصابة حرب، مع صعوبة الوصول للخدمات الأساسية التي يحتاجونها، وعدم أولوية قضاياهم أمام قضايا أخرى أكثر إلحاحاً في المجتمع السوري

"يعاني ذوو الإعاقة في سوريا من صعوبات كبيرة على مستوى التعليم والعمل"... سوريّون ذوو إعاقة يتحدثون عن حياتهم ومعاناتهم لرصيف22

"أريد مساعدة ذوي الإعاقة لتكون لهم حياة أفضل"

يمسك أحمد موسى كاميرته السوداء الكبيرة بكل ثقة. يتجول بين الطاولات الكبيرة في واحدة من ورشات التصوير، يلتقط الصور حيناً ويساعد المتدربين حيناً آخر. لأحمد ميزة لا يمتلكها غيره، فهو قادر على التواصل مع الصم والسامعين على حد سواء، مع كونه أصماً منذ الصغر، وفي الوقت نفسه مصوّراً محترفاً طوّر مهاراته ليصبح قادراً على تدريب أي مجموعة من الهواة على تقنيات التصوير.

أحمد موسى

لم يتخيل أحمد أن يتمكن من إنهاء دراسته في المعهد الهندسي باختصاص هندسة الديكور بكل نجاح، ومن ثم الانتقال لمهنة التصوير، فالصعوبات كانت كثيرة، وعلى رأسها عدم تكيف المناهج التعليمية في سوريا مع احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة، وعدم أولوية قضاياهم، خاصة خلال سنوات الحرب التي كانت الأصعب كما يقول الشاب، حيث تراجعت تلك الأولوية على حساب أمور أكثر إلحاحاً، وباتت هذه الفئة من أكثر الفئات تهميشاً وضعفاً.

ومع اتباعه دورة تعليمية بمجال التصوير مع مشروع "عدسة سلام" المحلي، ومن ثم انتقاله للعمل كمصور مع أحد مكاتب الأمم المتحدة في دمشق، كسر أحمد كثيراً من الحواجز التي طالما وقفت في طريق الأشخاص ذوي الإعاقة، في مجتمع لا يتقبلهم، وفي ظل قوانين وأنظمة وعادات وتقاليد لا تخدم احتياجاتهم الخاصة.

يرى أحمد الذي يتحدث بابتسامة عريضة وبإشارات سريعة مع مترجمة لغة الإشارة الواقفة إلى جانبه، بأن رسالته اليوم هي مساعدة ذوي الإعاقة، وخاصة الصم، وتقديم مثال ملهم لهم كي يتشجعوا ويتمكنوا من الوصول لأماكن أفضل داخل مجتمعاتهم. "ما المانع من أن نرى طبيباً أصماً أو صيدلانياً ذا إعاقة؟ هذا أمر نادر في سوريا، وهو واقع يؤسفني وأعتقد بأنني قادر على تغييره نحو الأفضل".

"قد نقع، لكن المهم أن ننهض من جديد"

في السابعة عشر من عمرها، وقبيل امتحان الشهادة الثانوية بفترة وجيزة، فقدت دانا كبرا بصرها تماماً، بعد تدهور تدريجي استمر لستة أعوام نتيجة التهاب في الشبكية.

"ماذا بعد؟ وكيف سيكون مصيري؟"، أسئلة كبيرة وجدت الفتاة نفسها أمامها. كانت أمام خيارين كلاهما صعب للغاية، ومع تشجيع كبير من عائلتها تقدمت للامتحان واجتازته بنجاح، وهي اليوم طالبة في السنة الرابعة بكلية علم النفس وفي السنة الثالثة بكلية الترجمة بدمشق، ولها من العمر واحد وعشرون عاماً.

"كان حلمي بمتابعة دراستي هو بوصلتي التي توجهني أينما ذهبت"، تقول دانا بصوت واثق، خلال حديث معها عبر تطبيق واتس آب، ولا تغفل ذكر كثير من الصعوبات التي واجهتها ويواجهها جميع الأشخاص ذوي الإعاقة في سوريا اليوم، سواء على صعيد الدراسة، العمل، أو حتى التنقل في شوارع وطرقات غير مجهزة على الإطلاق لمختلف حالات الإعاقة الحركية والسمعية والبصرية.

دانا كبرا

أما المجتمع فكان التحدي الأكبر، مع عدم تقبله بشكل واضح لكل من هو مختلف. تعرضت الفتاة على مدار سنوات دراستها لكثير من المواقف الجارحة والمزعجة، والتي قررت تجاهلها بشكل تام، والمضي في طريقها.

"لم تكن أي خطوة سهلة على الإطلاق. كلما وقعت أمسكت عائلتي، وخاصة أمي، يدي من جديد لأكمل طريقي"، تقول دانا وتتحدث ببعض القلق عن مستقبلها الذي يبدو غامضاً، وعما يمكنها فعله بعد التخرج، وعن صعوبة الحصول على فرصة عمل ملائمة. مع ذلك تعتقد بأنها قادرة على فرض نفسها ومكانها ورفع صوتها في وجه كل التحديات: "نعم، أنا قادرة وسأحقق حلمي".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image