"كانت الرحلة نوعاً من العذاب... كُنتُ أُنقل من حافلة إلى أخرى. كان جاري يحملني".
هكذا وصف الشاب اليمني مقداد علي عبد الله (18 عاماً)، وهو ذو إعاقة، رحلة نزوحه هو وأسرته طوال 18 ساعةً مطلع العام الماضي.
عبدالله واحد من نحو خمسة ملايين يمني من ذوي الإعاقة الذين يواجهون معاناة خاصة في ظل الحرب الدائرة منذ سنوات، بحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية.
في التقرير الصادر في 3 كانون الأول/ديسمبر، وهو اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة، تلخّص المنظمة وضع ذوي الإعاقة في اليمن، قائلةً إنهم "تحمَّلوا سنوات النزاع المسلح وكانوا من أكثر الفئات تعرضاً للإقصاء في غمارها".
وفي غياب بيانات يعتد بها عنهم، بما في ذلك عددهم، تشير إحصاءات منظمة الصحة العالمية إلى أنهم لا يقلّون عن 4 ملايين ونصف المليون (15% من جملة سكان اليمن).
خلال 6 أشهر من الجهد البحثي والمقابلات مع قرابة 100 شخص، وثّقت "العفو الدولية" معاناة 53 حالة إعاقة مختلفة من النساء والرجال والأطفال.
صعوبة النزوح والتشريد القسري
وقالت المنظمة إن ذوي الإعاقة يواجهون صعوبات مضاعفة في الفرار من العنف، مبيّنةً أن "كثيرين منهم قطعوا رحلات النزوح الشاقة من دون أن تكون لديهم مقاعد متحركة أو عكاكيز (عصا يتكئون عليها)". بدلاً من ذلك اضطروا للاعتماد على أهاليهم أو أصدقائهم.
في حالات أخرى، تُرك بعض ذوي الإعاقة، وفُصلوا عن عائلاتهم لأن الرحلة كانت صعبة عليهم.
حتى أولئك الذين تمكنوا من قطع رحلة النزوح، تدهورت حالاتهم الصحية أو إعاقتهم في كثير من الأحيان، وفق التقرير.
لم تنتهِ معاناة هؤلاء عند بلوغ المخيمات، إذ أشارت المنظمة إلى "أوجه قصور في تصميم مخيمات النازحين على نحو يؤثر سلباً في ذوي الإعاقة، لا سيما تصاميم المراحيض"، علاوةً على عدم مراعاة أوضاعهم عند نقاط توزيع المساعدات الإنسانية.
وعُدّت الحالتان "تجريداً لذوي الإعاقة من استقلالهم وكرامتهم".
وفي جميع مواقع النازحين الداخلية التي زارتها المنظمة، كانت أوضاع السكن ومرافقها تحدّ من قدرة ذوي الإعاقة على العناية بأنفسهم.
الفقر والحاجات الملحة
أثرت الحرب في جميع قطاعات الحياة في اليمن، ودمرت إلى حد كبير قطاع الرعاية الصحية العامة والضمان الاجتماعي.
ومع توقف الدعم الحكومي المخصص لهذه الحالات، تراجعت الأوضاع الصحية للكثيرين منهم.
ومع الانهيار الاقتصادي، بات كثير من ذوي الإعاقة يعتمدون بشكل أساسي على الصدقات، وأصبحوا عاجزين عن شراء المتطلبات الأساسية من أدوية وحفَّاضات البالغين وغيرها.
كذلك اضطُر بعض الأهالي إلى بيع متعلقاتهم أو التخلي عن متطلبات أساسية، مانحين الأولوية رعاية ابنهم المعوّق الأولوية.
5 ملايين يمني من ذوي الاعاقة لا يحظون إلا بدعم شحيح في ظل تقاعس المانحين الدوليين عن الاهتمام بهم، بحسب منظمة العفو الدولية
صعوبة النزوح، التشريد القسري، العنف، الافتقار إلى الحاجات الملحة، الإقصاء، التجاهل، والخذلان… هذا غيض من معاناة ذوي الإعاقة باليمن في مواجهة الحرب
"بعتُ أثاث بيتي وأخذت ابنتي إلى صنعاء لتتلقى علاجها هناك... وبعد أربعة أشهر، لاحظتُ أنها لا تتحرك ولا تضحك ولا تلعب، فأخذتها مرة أخرى (إلى صنعاء)... وقبل بضعة أيام سألت أحد المعارف عن سبيل لبيع كُليتي. أنا على استعداد أن أبيع كُليتي لكي أشتري لها الأدوية اللازمة لعام واحد، والأحذية التي تحتاجها، ومتطلبات أخرى"، قالت للمنظمة والدة فتاة في الثالثة من العمر تعاني ضمور العضلات الشوكي.
وثمة نقص شديد في الأدوات المساعدة التي يحتاجها بعض المعوقين. أما المتوفر منها، فليس ملائماً للغرض المخصص لها. فالكراسي المتحركة غير مناسبة أحياناً للتضاريس الوعرة في مخيمات النازحين.
وواجه نصف الحالات صعوبة لدى الحصول على الرعاية الصحية، لا سيما مع صعوبة رحلة الذهاب والعودة إلى مراكز الرعاية الصحية البعيدة.
تدابير بسيطة تحسن وضعهم
وقالت "العفو الدولية" إنها "تدرك التحديات الهائلة التي تواجهها المنظمات الإنسانية العاملة في اليمن، إلا أن هذه المنظمات "يمكنها اتخاذ بعض الإجراءات البسيطة لتحسين استجابتها الإنسانية، كإشراك ذوي الإعاقة بشكل مباشر في إعداد المساعدات وتسليمها".
وكانت كبيرة مستشاري برنامج الاستجابة للأزمات لدى "العفو الدولية"، راوية راجح، قد لفتت أيضاً إلى أن "الحرب في اليمن اتسمت بهجمات غير مشروعة وبالنزوح وندرة الخدمات الأساسية. وهذا ما جعل الكثيرين يقاسون الشدائد من أجل البقاء على قيد الحياة. لكن ذوي الإعاقة ينبغي ألا يواجهوا صعوبات أكبر في الحصول على المساعدات الأساسية".
في حين اعتبرت الباحثة في شؤون اليمن في المنظمة، رشا محمد، أن "ذوي الإعاقة في جميع أنحاء العالم يطالبون بألا تُتَّخذ أية قرارات بشأنهم من دون مشاركتهم. واليمن ليس اسثناءً".
وتابعت: "يجب على الجهات الدولية المانحة أن تسارع بالإيفاء بتعهداتها في ما يتعلق بتمويل العمليات الإنسانية، وأن تبذل مزيداً من الجهد كي تكفل عدم تجاهل ذوي الإعاقة".
وحثّت راجح "الجهات الدولية المانحة والأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية العاملة مع السلطات اليمنية، أن تبذل مزيداً من الجهد للتغلب على المعوقات التي تحول دون حصول ذوي الإعاقة حتى على أبسط حاجاتهم الأساسية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...