شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"تمنيت لو أن العلاقة ماتت ببطء"... ماذا يحدث إذا انسحب العريس قبل الزفاف بأيام؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 25 أغسطس 202104:06 م

تولد الفتاة، في بلادنا العربية، ويبدأ المجتمع في قولبة أحلامها، وتنميطها، ليجعل من الزواج، وتكوين الأسرة، الهدف الأسمى لها، والفرحة الكبرى، إلى درجة أن ليلة الزفاف تُسمى: "ليلة العمر".

لكن ماذا يحدث لمن تنقلب فرحتهم تلك، رأساً على عقب، ويتغير كل شيء، بمجرد انسحاب العريس قبل الزفاف بأيام، أو ربما بلحظات قليلة؟ يتحول الفرح إلى نكبة كبيرة، والذكرى إلى ندبة عميقة قد لا تلتئم آثارها، حتى مع مرور السنين، وفي بعض الأحيان قد يشكّل الأمر فرصة لبدء حياة جديدة مختلفة.

تروي أ.م، وهي مدونة، ومؤسسة لمبادرة نسوية، عن علاقتها التي استمرت ثماني سنوات: "ظهرت المشكلات مع أهله منذ البداية، بسبب انفصال والدي عن والدتي، ولكن لم تكن هناك نية لفسخ الخطبة، فكنا متفقين، وحددنا موعد الفرح"، وتابعت: "قبل الزفاف بأيام، قالوا لنا ببساطة ‘إحنا مش عايزين الجوازة دي’، وهو كان كالطفل، انصاع لهم، وفسخنا الخطوبة".

ماذا يحدث بمجرد انسحاب العريس قبل الزفاف بأيام، أو ربما بلحظات قليلة؟

تصف أ. (30 عاماً) لرصيف22 شعورها قائلةً: "كانت الصدمة كبيرة، فأصبحت مثل المجنونة، أو فاقدة التوازن، وأريد كتم الألم بشتى الطرق، وأحاول ملء الفراغ بأي شكل، فوافقت على أول شخص تقدم للزواج بي، بسبب إحساسي السابق بالإهانة، وكان زواجاً فاشلاً، فانفصلنا بعد عام ونصف".


التعافي بعد الصدمة

تتابع السيدة، وهي من محافظة الشرقية: "بعد طلاقي، أدركت أني لم أتعافَ بعد من العلاقة الأولى، ولا زلت أشعر بألم رهيب. بدأت أستعين بطبيب نفسي، وكنت أذهب اليه لأبكي، وأظل أردد ‘سابني ليه؟ وليه حصل كل دا؟’، فقد كان لتخلي خطيبي عني، أثر نفسي أسوأ من طلاقي".

بعد ثلاث سنوات، بدأت أ. بالتعافي، وكانت نقطة تحول في حياتها، وعاملاً مؤثراً في اتخاذها مسار العمل العام في مجال حقوق المرأة.

أما عن رد فعل المحيطين بها، فتقول: "رد فعل أسرتي لم يكن مختلفاً عني، فكنا جميعاً تحت تأثير الصدمة، حتى أن أمي كانت لديها رغبتي نفسها في الزواج سريعاً. وبعد الانفصال، دعمتني كثيراً، وجعلتني أشعر بالارتياح، والتخفيف مما مررت فيه. وحتى الآن، ما زالت داعمة لي، سواء مادياً أو نفسياً".

الواقعة لم تؤثر على الحالة النفسية للسيدة فحسب، وإنما عانت من تشكيك أخلاقي بعد زواجها: "في البداية كان زوجي يظهر شكوكه: لماذا تركني العريس الأول بعد هذه المدة كلها من الارتباط والحب؟ ثم بحث في هاتفي، وفي المحادثات التي كانت بيننا، فوجد أننا كنا نتبادل صوراً عارية لنا، واشتعلت المشكلات".


قبل الزفاف بأسبوع

أما وسيمة عبد العال، وهي طبيبة ثلاثينية من الإسكندرية، فتحكي قصتها، مع تفضيلها استخدام اسم مستعار: "استمرت العلاقة بيننا أربع سنوات. بدأت بصداقة، ثم تطورت إلى قصة حب، والخطوبة الرسمية استمرت سنة ونصف السنة. كان يبدو لي أن هناك حالة من التفاهم والتمازج، في عالم كان صعباً عليه أن يتقبلني، وأنا علمانية ونسوية، في حين أنه كان يحب فيّ هذه الأفكار كلها".

انتهت علاقة وسيمة كما تقول لرصيف22 قبل عقد القران بيوم واحد، وقبل الزفاف بأسبوع. "على الرغم من مرور خمس سنوات على ذلك، ليس لدي حتى الآن تفسير واضح لما حدث. يومها حصلت بيننا مشادة عادية، وبعدها بساعتين، اتصل وأخبرني بأنه لم يعد يريد أن نكمل، واختفى، وأغلق هاتفه، وحساباته على مواقع التواصل. وضعني في موقف لا أُحسد عليه، فهل اتصل بالمدعوين لإلغاء الدعوات، أم لا؟ لازمت الفراش، لا أتناول أي طعام أو شراب. وعندما نجحنا في التواصل معه، كانت له مبررات كاذبة، بأنني أُصاب بنوبات اكتئاب، وأطرح تساؤلات وجودية حزينة، ولست قادرة على العطاء، أو الوقوف إلى جانبه".

تأثير هذا الانسحاب المفاجئ كان قاسياً جداً على وسيمة. "أربعة أعوام أخذ فيها مكانة الصديق، والرفيق، والشريك. أحياناً كثيرة أشعر بألم في قلبي، وبأن لا وعيي يوجهني لالتقاط الهاتف، ومحادثته، فقط لأسأله: ‘هل هناك وجع بهذا الحجم؟’. لو كنت أتمنى شيئاً، فهو لو أن العلاقة مرضت وماتت ببطء، لأستوعب هذا الرحيل وأتجهز له".

لم تتوقف حياة وسيمة، فبعد تلك الأحداث بعشرة أيام، عادت إلى القاهرة لاستئناف عملها ودراستها: "لا أنكر أنني أحياناً كنت وسط يوم العمل، أبكي، وأجد صعوبة في التنفس، لكن تلك النوبات توقفت بعد ثلاثة أشهر. وبعد ستة أشهر، ناقشت رسالة الماجستير، ثم عملت في وظيفة إضافية، ورفعت دخلي المادي. كان إحساساً جيداً أنني متحكمة بحياتي".

"أحياناً كثيرة أشعر بألم في قلبي، وبأن لا وعيي يوجهني لالتقاط الهاتف، ومحادثته، فقط لأسأله: ‘هل هناك وجع بهذا الحجم؟’. لو كنت أتمنى شيئاً، فهو لو أن العلاقة مرضت وماتت ببطء، لأستوعب هذا الرحيل وأتجهز له"

أسرة وسيمة أيضاً ساعدتها على تجاوز أزمتها. "في اليوم الذي حصل فيه الانفصال المفاجئ، وقف أبي ليعد لنا العشاء، وهو يغني، وكان يرى أنه من الجيد التخلص من هذا الشخص، في الوقت المناسب. كانت أسرتي داعمة لي، ولم تفكر، أو تتصرف بطريقة سلبية".

لا تعرف وسيمة إن كان يمكنها وصف هذه الخطوات بأنها تعافٍ حقيقي. هي تجاوزت الشخص نفسه، لأنها أدركت أنه لا يستحق أن توقف حياتها لأجله، لكنها كما تقول لم تُشفَ بعد من أزمة الثقة، وبات صعباً عليها أن تصدق أحداً، ولم تعد لديها القدرة على التواصل مع الآخرين، ولا تشعر بأي أمل في تغيير هذا كله. "بالإضافة إلى ذلك، لا زلت أخشى النظرات التي تتوجه نحوي في أي تجمع أكون فيه، وهو ما جعلني أنزوي على نفسي، حتى الآن".


"ابتزني ثم تركني"

هذا الدعم من الأسرة، والتقدم إلى الأمام، لم يحدثا مع آيات المهداوي، وهي فتاة من إحدى قرى الصعيد. تقول لرصيف22: "كان انسحاب زوجي من الزفاف، وطلاقي قبل الفرح، نهاية لحياتي".

قبل ستة أعوام، تعرفت آيات (25 عاماً) إلى جارها، وكانت طالبة في الثانوية، ووقعا في الحب. بعد عامين، تقدم لخطبتها، ثم عقدا القران، واتفقا على الزفاف بعد سنة. "كان عقد القران أشبه بالضوء الأخضر له، وعلى الرغم من أنني كنت رافضة للتمادي في العلاقة الجنسية، كان يهددني بالرحيل، حتى فقدت معه غشاء بكارتي. سارت الأمور برتابة، ولم أشعر بأي نية للغدر من جانبه".

لم أُشفَ بعد من أزمة الثقة، وبات صعباً عليّ أن أصدق أحداً.

وأكملت آيات: "حين بدأنا في تأثيث منزل الزوجية، نشبت الخلافات على تفاصيل مادية، معه ومع والدته، وبدأ بابتزازي، مستخدماً أمر العلاقة الجنسية بيننا، كي أتحمل المزيد من الأعباء المادية، بخلاف ما هو شائع في قريتنا، فقررت أن أحكي كل شيء لأمي، وهي دوماً كانت هادئة في التعامل مع مشكلاتي، لكن تلك المرة كانت مختلفة".

غضبت الأم كثيراً، وقررت أن تحكي للأب جزءاً من القصة، من دون أن تأتي على ذكر فقدان غشاء البكارة، وهو الأمر الذي يُعد محرماً لديهم. وقررت عائلتي رفض مطالب زوجي، وتم الطلاق بعدها بثلاثة أيام.

"لم تنتهِ القصة هنا. فبعد الطلاق، حكى زوجي السابق عما حدث بيننا لأصدقائه، حتى وصل الأمر إلى أبي، وكان ينوي قتلي، لولا تدخل أمي، لتنقذ روحي من بين يديه، فأصر على حبسي في المنزل، مع الضرب والإهانة. الآن، أنا أتحضر للزواج من ابن خالتي، لكن من دون أي حقوق، وفي شقة مشتركة مع خالتي، وبناتها"، تنهي الشابة حكايتها.


خوف من الالتزام والقيود

من جانبها، رأت المعالجة النفسية، دعاء عبد الرحمن، "أن هناك عوامل نفسية متباينة في شخصيات الرجال الذين يقدمون على الانسحاب من الزفاف. فهناك شخصيات أكثر ميلاً إلى الخوف من الالتزام بعلاقة، وتحمل المسؤولية، أو لديها تخوفات من القيود، الأمر الذي يخرج في هيئة مواقف بسيطة، لا تستدعي الانسحاب، أو ما يمكن أن نطلق عليه ‘تلاكيك’، مثل الاختلاف على من سيدفع ثمن سجادة، أو مصروفات صالون التجميل، وغيرها من الأمور الصغيرة التي لا تستدعي إلغاء الزيجة بأكملها، لكنها قد تصل إلى ذلك".

"الحقيقة أني لم أعدّ نفسي خاسرة أبداً، ولم أحزن عليه، بل على العكس، تعاملت مع الموقف على أن الله أنجدني من أن أربط حياتي، ومستقبلي، بشخص ضعيف يخاف من الالتزام والاستقرار"

وتابعت عبد الرحمن حديثها لرصيف22 قائلةً: "طبعاً، يكون رد الفعل الاجتماعي تجاه الأنثى مختلفاً عن الرجل، فتبدأ التساؤلات حول أخلاق العروس، وماذا اكتشف الرجل قبل الفرح بأيام، أو أسابيع، ليقدم على هذا الانسحاب، الأمر الذي يفتح باباً للمساومات، والابتزاز. أما رد الفعل على الرجل، فهو وصمه بأنه ضعيف الشخصية، ولا يتحمل مسؤوليةً، وغير جاد".

هذا الخوف من تحمل المسؤولية، تجلّى بشكل مختلف في حكاية منة محمد، وهي من محافظة الجيزة. فبعد علاقة استمرت عشر سنوات، لكن بشكل غير منتظم، فوجئت يوم عقد القران بخطيبها، وهو يعاني من ألم ومرض شديدين، استدعيا دخوله إلى المستشفى. وبعد الفحوص الشاملة، أكد الأطباء أنه لا يعاني من أي شيء، ومؤشراته الحيوية كلها طبيعية.

"ألغينا كل شيء، وعائلتي شعرت بالارتياح للتخلص من هذه العلاقة التي لم تكن مستقرة. عندما عدت من المستشفى، وجدتهم يحتفلون، وجلسنا نسخر، ونطلق النكات. وحتى الآن، كلما نتذكره يقولون: ‘المرحوم عامل إيه؟’"، تقول الفتاة ذات الستة وثلاثين عاماً لرصيف22.

وتختم منة قائلةً: "الحقيقة أني لم أعدّ نفسي خاسرة أبداً، ولم أحزن عليه، بل على العكس، تعاملت مع الموقف على أن الله أنجدني من أن أربط حياتي، ومستقبلي، بشخص ضعيف يخاف من الالتزام والاستقرار".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard