قد نقضي معظم وقتنا ونحن نفكّر بشخص ما، نتخيل كيف سيكون مستقبلنا معه، العائلة الجميلة التي نحلم بتأسيسها سوياً، والأماكن التي سنذهب إليها، نتصل به مراراً وتكراراً لكي نسأل عن أحواله، نشعر أننا على استعداد للقيام بأي شيء باسم الحب، كل ذلك يبدو جميلاً، ولكن فجأة نكتشف أن الطرف الآخر لا يبادلنا الشعور نفسه، وعليه، نجد أنفسنا عالقين في حب من طرف واحد، وبالرغم من محاولاتنا المستمرة لإيقاع الآخر بحبنا، إلا أن مصير هذه العلاقة قد يكون في أغلب الأحيان، تحطم الأحلام الرومانسية والإصابة بخيبة الأمل.
أصعب حب
يشكل "الحب غير المتبادل من الطرفين" أحد المواضيع العظيمة في الأدب والدراما والفن، فبالإضافة إلى أفلام عربية جسدت هذا النوع من العلاقات والمشاعر، مثل: الاعتراف الأخير، الأخرس، واحد صحيح وغيرها، هناك العديد من الأغاني العربية التي تتحدث بدورها عن الحب المستحيل الذي يكون مصيره الفشل، ففي أغنية "أصعب حب" مثلاً، يتناول الفنان المصري خالد عجاج موضوع الحب من طرف واحد، والصعوبة التي يواجهها المرء في الكشف عن مشاعره الحقيقية، خوفاً من التعرض للرفض ولخيبة الأمل.
يمكن تعريف الحب غير المتبادل، بمشاعر الحب القوية التي نكنّها لشخص ما، في حين أن هذا الأخير لا يبادلنا المشاعر نفسها، وعندما نقرر أن نبوح له عمّا يدور في داخلنا، فإن الردّ غالباً ما يأتي بطريقة دبلوماسية وملتوية: "أنا معجب بك إنما كصديق/ة"، "أحبك مثل أخي/أختي"، "أنت شخص رائع غير أنني لست مستعدّ/ة حالياً للانخراط في أي علاقة عاطفية"، وغيرها من العبارات التي قد يقولها أحدهم من باب صدّ مشاعر حب يطرق بابه.
يعرّف الحب من طرف واحد أيضاً كشكل من أشكال الرفض، وقد يتجلى بعدة طرق، بما في ذلك التجاهل المستمرّ، عدم الاهتمام، بالإضافة إلى السلوك الأكثر شيوعاً، والذي يتمثل بوضع الشخص الآخر في "منطقة الصداقة" أو friends zone.
الحب من طرف واحد مؤلم، لأن الرفض بشكل عام يهز ثقتنا بأنفسنا ويجعلنا نتساءل عن الخطأ الموجود بنا، كما أنه يخلّف وراءه الندوب العاطفية ويمكن أن يسبب الألم الجسدي وحتى المرض
هذا ما حصل مع غادة (اسم مستعار) التي أحبت شاباً يدرس معها الطب في الكلية نفسها، فأصبحت تخرج برفقته إلى السينما والمطعم، وتجلس معه لساعات حيث يشكو لها همومه العائلية.
في البداية ظنت هذه الشابة أنه معجب بها، بخاصة وأنه كان يتصل بها في ساعات متأخرة من الليل ويبدي اهتمامه بها وقلقه عليها، لحين أن بدأ بإخبارها عن الفتاة التي يحبها والتي يصعب عليه الارتباط بها بسبب معارضة الأهل: "هون كانت الصدمة كتير قوية، حسيت متل شي سكين فات بقلبي لأني كنت مفكرتو كل هالفترة Single طلع إنو عم بيحكي مع بنت بالسرّ لأنو أهلن رافضين هيدي العلاقة".
وتضيف لرصيف22: "من أول ما تعرفت عليه، انعجبت فيه وهو كتير بيمزح وبلطش، وهالشي كان عم يعطيني mixed messages (رسائل مختلطة) وكنت دايماً اسأل حالي إذا عنجد بحبني ليه ما بصارحني بمشاعرو، وصرت قول إنو يمكن بدو ياخد وقتو تيتعرف عليي أكثر أو خايف من ردة فعلي، بس اكتشفت بعدين إني بالنسبة لألو صديقة بيرتاح يقعد معها وبحب ياخد رأيها، بس قلبو مع حدا تاني".
لماذا يحدث الحب غير المتبادل؟
على الرغم من وجود العديد من النظريات النفسية وراء الحب من طرف واحد، إلا أن الدكتورة تارا بايتس دوفورد، تقول إن كل ذلك يتلخص في الأساليب الفردية للارتباط: هل تشعرون في العادة بالأمان في علاقاتكم أو تقلقون بشكل مرضي من أن تفشل هذه العلاقات؟
وتعليقاً على هذه النقطة، قالت تارا لموقع Bustle: "تشير الدراسات التي أجريت حول موضوع العلاقات، إلى أن الأشخاص الذين ينخرطون بقلق في العلاقات هم أكثر عرضة للوقوع في الحب غير المتبادل، مقارنة بأولئك الذين يدخلون بثقة في العلاقة".
هذا وأكدت دوفورد أن الأساليب الفردية للارتباط ليست الشيء الوحيد الذي يجب النظر إليه: "من المحتمل أن نختبر الحب غير المتبادل عندما نكون قد وقعنا في حب 'فكرة الحب'"، موضحة أنه عندما نختبر العواطف الجياشة التي تكون في حالة حب، فسوف نبحث عنها مرة أخرى، "لهذا السبب في بعض الأحيان يمكن أن يتحول إعجاب بريء إلى حب غير متبادل"، على حدّ قولها.
الألم المتبادل
لا شك أن الحب من طرف واحد مؤلم، لأن الرفض بشكل عام يهز ثقتنا بأنفسنا ويجعلنا نتساءل عن الخطأ الموجود بنا، كما أنه يخلّف وراءه الندوب العاطفية ويمكن أن يسبب الألم الجسدي وحتى المرض، فقد أظهرت الأبحاث أن حسرة القلب مرهقة للغاية، لدرجة أن أولئك الذين عانوا من فشل العلاقات العاطفية أو من صدمات نفسية معيّنة، معرضون بشكل كبير لخطر الإصابة بنوبة قلبية وألم جسدي.
واللافت أن الدراسات الأولى التي نظرت في موضوع "الحب من طرف واحد" كشفت أن هناك شعوراً بالألم يطال كلا الطرفين: الحبيب المفترض والشخص الذي يرفضه، والمفارقة أن الطرف الرافض يعاني تماماً كالشخص المصاب بالحب.
وتعليقاً على هذه النقطة، قال عالم النفس في جامعة كايس ويسترن ريزيرف د. روي بومستير، لصحيفة نيويورك تايمز: "نادراً ما نسمع عن معاناة أولئك الذين يستهدفهم الحب غير المرغوب به"، وأضاف: "إن الأدب والسينما يخبران القصة دائماً من وجهة نظر الحبيب المرفوض، ولكن يمكن للرافض وللحبيب المفترض أن يلعبا دور الضحية".
والمفارقة أن تجربة الحب غير المتبادل التي يحركها الشغف والعاطفة القوية، تعتبر تجربة عالمية في مرحلة ما من الحياة.
ففي دراسة أجريت على 155 رجلاً وامرأة، وجد الدكتور روي بومستير وسارة ووتمان، أن حوالي 2% فقط لم يحبوا شخصاً قام برفضهم، أو وجدوا أنفسهم هدفاً رومانسياً في علاقة لا يريدونها.
وعلى الرغم من "القلب المحطم" الذي يكون مصير الحب من طرف واحد، فقد أظهر البحث أنه في العموم يشعر الطرف "الرافض" بالكثير من التعاسة مقارنة مع الشخص "المتعقب"، بحيث تحدّث العشاق المفترضون عن الأمل والعاطفة قبل إصابتهم بخيبة الأمل النهائية، في حين أن الأطراف الأخرى تشعر بالإحباط والذنب والغضب جراء مطاردتها باستمرار.
وقد وجد بومستير أن عجز الشخص عن إخبار الطرف الآخر بأنه غير مرغوب به هو أمر شائع: "في العادة يشعر الرافض بالذنب ولا يعرف كيف يقول لا دون أن يلحق ضرراً بمشاعر الآخر... لذا فإن التكتيك الأكثر شيوعاً هو الاستمرار في أن يكون لطيفاً والانتظار على أمل أن تتلاشى حالة الوله به"، وأضاف: "الأمر أشبه بمؤامرة صامتة، بحيث لا يرغب الشخص في التحدث بصراحة واستخدام كلمات الرفض وحيث لا يريد الآخر سماعها".
واعتبر بومستير أن هذه الاستراتيجية تغذي التصورات الرومانسية للحبيب المفترض، وبالتالي تشجعه على مواصلة الملاحقة، كما يحصل عادة في الأفلام التي تتحدث عن "العلاقات الأفلاطونية"، بخاصة وأن معظم العشاق المفترضين يحتفظون في قلوبهم بصورة جميلة تعود للشخص الذي رفضهم.
هذا ووجد روي بومستير أن الرجال أكثر عرضة من النساء للوقوع في حب شخص لا يبادلهم المشاعر، وهو أمر أكدت عليه د. ديبورا ثان، الأخصائية في علم النفس في جامعة كاليفورنيا، بالقول: "في بحثي مع العازبين، وجدت أن الرجال يقولون دائماً إنهم يريدون امرأة جذابة"، وأضافت: "لدى الكثير من الرجال صورة خيالية عن المرأة التي يرغبون بها، وهي صورة تكون غير واقعية تماماً".
لسنا ملائكة
بالطبع لا أحد يقرر عن سابق تصور وإصرار الوقوع في حب بلا مقابل، بخاصة وأنه عندما نحب فإننا نتعلق بتفاصيل صغيرة، وتصبح الأمور البسيطة التي يقوم بها الشخص الذي نكنّ له الإعجاب مهمة للغاية، كأن يبتسم لنا، أو يوافق على الخروج معنا في موعد، كما أن الأحداث الأكثر جديّة كالزواج مثلاً تجعلنا سعداء للغاية...
وبالرغم من أن هذه الأمور كلها تبدو في متناول اليد، ربّما بسبب أحلام اليقظة، إلا أن المشاعر قد لا تكون متبادلة، ونقرر حينها الانسحاب ووضع حدّ لهذه العلاقة التي رسمناها في مخيّلتنا، ولكن كيف ننجح في نسيان شخص أحببناه من كل قلبنا؟ هل ببساطة يمكننا طوي الصفحة والمضي قدماً في الحياة؟
في العادة عندما يخيب أملنا، ينصحنا الأهل والأصدقاء عادةً بتجاوز الأمر ويشجعوننا على التركيز على شيء ما أو شخص آخر، وبالرغم من أن هذه النصيحة تبدو جيدة، إلا أن الفيديو الذي نشره موقع The School of Life يظهر أنها مضلّلة.
يعتبر الفيديو أن الطريقة الحقيقية لتجاوز الحب غير المتبادل تكون عن طريق التفكير بأسلوب جديد بموضوع الحب، وذلك بشكل بنّاء يقوم بتحليل من يكون هذا الشخص بالفعل، وليس من نظنه أو نريد منه أن يكون.
الحل الحقيقي لتجاوز الحب غير المتبادل هو أن نتعرف بعمق على الشخص الذي نعتقد أننا نحبه، ومع مرور الوقت سوف نكتشف عاداته المزعجة، ونرى أن لديه عيوباً وتعقيدات مثله مثل أي شخص آخر
والواقع أنه عندما نتعمق في الشخص الذي نكنّ له الإعجاب، سوف نتعرف أكثر على شخصيته وعلى عيوبه وتعقيداته، فنحن كبشر لا نكون دائماً في أفضل أحوالنا، ويكون من الصعب التعامل معنا في بعض الأحيان، وعلى أي حال، كل شخص لديه صفات سلبية، لكن السبب الذي يجعلنا لا نرى عيوب الآخر الذي نحبه، هو ببساطة يعود إلى كوننا لا نعرف حقاً من يكون هذا الشخص الذي وقعنا في أسره، وما نراه نحن من بعيد هو التفاصيل الأكثر سحراً في شخصية أحدهم.
غير أن حقيقته قد تكون مختلفة عن الصورة التي رسمناها له، فهذا الشخص في نهاية المطاف ليس منزهاً عن الأخطاء، إنما لم نتعرّف على وجهه الحقيقي بعد بل توقفنا عند القشور، وبالتالي، إن الحل الحقيقي لتجاوز الحب غير المتبادل هو أن نتعرف بعمق على الشخص الذي نعتقد أننا نحبه، ومع مرور الوقت سوف نكتشف عاداته المزعجة، ونرى أن لديه عيوباً وتعقيدات مثله مثل أي شخص آخر.
صحيح أن الحب من طرف واحد مؤلم، ليس لأن العواطف بينكم وبين الآخر غير متبادلة، إنما لأنكم تعتقدون أن هذا الشخص مثالي ولن يخيب ظنكم به أبداً، لذلك في المرة القادمة التي تشعرون فيها بالألم من هذا النوع من الحب تذكّروا شيئاً واحداً: إن الشخص الذي يعجبكم ليس ملاكاً، بل لديه عيوب كأي شخص آخر.
وفي نهاية المطاف، تشكل العلاقات العاطفية المكان الذي يسمح لنا بفهم أنفسنا بشكل أفضل: ما نريده، ما نحتاجه، ما نحبه، ما لا يعجبنا ومن نحن عليه... من خلال هذا التشابك العميق في الأرواح، نحن ننمو ونتغير بألف طريقة وطريقة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...