تقول ناديا (اسم مستعار) لرصيف22: "كنت حينها أتناول أدوية الكورتيزون، فزاد وزني كثيراً إلى جانب أعراض الدوخة والإرهاق. في بداية تعارفنا وقف بجانبي وشجعني على تجاوز محنتي النفسية، وادعى الحب ووعدني بالزواج، وبعد فترة قصيرة طلب إرسال صور عارية. رفضت في البداية ووافقت لاحقاً بسبب تعلقي به وخوفاً من أن يتركني".
بعد عدة أشهر طلب الشاب من ناديا الذهاب لمنزله وإقامة علاقة جسدية لأن الصور لا تكفيه، وعندما رفضت هددها بإرسال الصور والمحادثات لوالديها. "خفت كثيراً وفقدت السيطرة على أعصابي، وبحثت عن أحد يخبرني ماذا أفعل كي لا أتورط أكثر"، تضيف بمرارة.
تتزايد حالات الابتزاز الجنسي والمادي في سوريا، وفق ما يلاحظه العديد من الناشطين والمهتمين بهذا الشأن.
في تلك الفترة، تمكنت الفتاة من التواصل مع حملة عبر فيسبوك، متخصصة بدعم الشابات قانونياً ونفسياً في قضايا الابتزاز الجنسي: "لم أكن أعلم بوجود قانون يجرّم المبتز ويحمي الفتاة. من خلال هذه الحملة استطعت تجاوز القصة والتخلص منه. بعد إعلامه أنني وكلت محامياً وأنه سيعاقب قانونياً، تراجع عن التهديد وانسحب من حياتي نهائياً".
دعم قانوني ونفسي
مطلع الشهر الفائت ومع تزايد حالات الابتزاز الجنسي والمادي في سوريا، وفق ما يلاحظه العديد من الناشطين والمهتمين بهذا الشأن، أطلقت منصة "غاردينيا"، السورية المهتمة بشأن الصحة النفسية، هاشتاغ "#مع_الضحية"، كجزء من حملة لدعم المتعرضات للابتزاز الجنسي وحمايتهن.
ومن أواخر الرسائل التي وصلت للصفحة وفق حديث العاصي مع رصيف22، حالة لقاصر بعمر 16 عاماً، يقوم خالها بابتزازها، وكان يطلب منها ممارسة الجنس مع بعض الرجال ليحصل على المال، مقابل ألا يخبر أباها بعلاقتها مع أحد الشبان.
تقدم الحملة الدعم القانوني والنفسي والاجتماعي وأيضاً الإرشادي للفتيات، من خلال محامين وأخصائيين نفسيين واجتماعيين وناشطين، وتوثق على صفحة فيسبوك الخاصة بها حالات كثيرة عن فتيات يتعرضن للابتزاز والاستغلال المادي والجنسي: "استطاع الفريق حل عدد كبير من الحالات دون اللجوء لأي شكوى قانونية، وفقدنا التواصل مع بعض الفتيات قبل أن يتبين مصيرهن"، تضيف المتحدثة.
في البداية يعمل الفريق على دعم الضحية وتقويتها حتى تتمكن من حل المشكلة، حسب ما توضح الأخصائية النفسية في الحملة، وعد بكور: "المبتزّ يستمد قوته من ضعف الضحية. عندما يشعر بخوفها يبتزها بشكل أكبر، وعندما يشعر أن الموضوع أصبح يشكل خطراً عليه، وأن هناك جهة داعمة للفتاة يمكن أن تتدخل وتعاقبه قانونياً ينسحب". إضافة لذلك، يتم إخبار الفتاة بالإجراءات القانونية التي تجرّم المبتز، ويطلب منها إرسال رسالة تتضمن إخباره أنها قامت بتوكيل محامٍ، وغالباً عندما يتأكد المبتز بأن الشابة ستلجأ للقضاء يخاف وينسحب.
إضافة لذلك، يتابع الفريق الدعم النفسي للضحايا، وهو أمر بالغ الأهمية، "فالكثير من الفتيات يتعرضن لأزمة نفسية حادة بعد الابتزاز"، توضح الأخصائية.
لم أكن أعلم بوجود قانون يجرّم المبتز ويحمي الفتاة. من خلال هذه الحملة استطعت تجاوز القصة والتخلص منه. بعد إعلامه أنني وكلت محامياً وأنه سيعاقب قانونياً، تراجع عن التهديد وانسحب من حياتي نهائياً
والغايات من الابتزاز كثيرة، منها المادي، ومنها الوصول لعلاقة جنسية مع الفتاة بعدما كانت تقتصر على المحادثات، وهناك حالات لا يكتفي المبتز فيها بالابتزاز الجنسي بمفرده، وإنما مع أصدقائه تحت التهديد بفضح الفتاة.
ومن هذه الحالات تحكي لنا بكور: "تواصلت معنا شابة من مدينة دير الزور. بعد زواجها بأشهر، اتصل بها الشاب الذي كانت على علاقة حب معه قبل الزواج، وهددها بإرسال فيديوهات وصور تظهرها عارية إلى زوجها إذا لم تدفع مبالغ مادية كبيرة وتقيم علاقة جسدية معه. الخوف من الفضيحة أفقدها القدرة على التفكير، فما كان منها إلا الخضوع لطلباته عدة مرات، إلى أن طلب منها إقامة علاقة مع أحد أصدقائه، قررت حينها اللجوء لنا".
خوف الضحية من المجتمع والأهل
"يدعم القانون الضحية في حال تقدمت بشكوى، ولكن الضغط الاجتماعي الممارس عليها أكبر بكثير من القدرة على مواجهته وتجاوزه وأخذ حقها بالقانون"، تقول زينب العاصي، مضيفة: "عندما تتواصل معنا الشابة، أول ما نضعه نصب أعيننا عدم وصول الأمر للأهل وحل الموضوع بدون شكوى. نحاول تخليص الصبية من المبتز بشكل نهائي وبأقل الخسائر".بحسب حديثها، فإن العنصر المشترك بين الضحايا هو الخوف من أن يصل بهم الحال إلى الفضيحة: "الكثير من الشابات اللواتي يتواصلن معنا تعرّضن للابتزاز أكثر من مرة بسبب الخوف من الأهل والمحيط والمجتمع. هو خوف عمره مئات السنوات، وحتى أنا، فمجرد عملي مع الضحية يجعلني بموضع اتهام من قبل المجتمع".
في الوقت نفسه، هناك حالات تحول مباشرة للمحامي، كما حدث عندما تواصلت مع المنصة فتاة تبلغ من العمر 16 سنة، تتعرض للابتزاز من أخيها البالغ من العمر 25 سنة، ويحاول تشغيلها بالدعارة، مستغلاً مرض والديهما وضعف الفتاة وعدم امتلاكها الجرأة لإخبارهما. تقول الطبيبة: "كنت عاجزة تماماً أمام هذه الحالة وحولتها مباشرة للمحامي".
دور القانون
ظروف الفقر والعوز التي تمر بها سوريا فتحت باب الابتزاز على مصراعيه، حسب ما يرى المحامي، أحمد حازم ملا حويش، الذي يقدم الدعم القانوني للفتيات من خلال حملة "من حقك".يقول في لقاء مع رصيف22: "الحالات التي وصلتني كي أحلها قانونياً بالمئات، ونضطر للجوء إلى القانون عندما يصبح الأمر معقداً. نحن ننصح الفتاة بعدم إخبار الشاب بالأمر مبدئياً، ونحن لا نتواصل معه إلا بعد أن نمسك الدليل، لأنه بعد نسخ المحادثات والفيديوهات والصور والبيانات، وحتى لو ألغى الحساب نقوم بإحضاره ومحاسبته، ونطلب من الضحية قطع التواصل بصورة نهائية معه".
ويشرح لنا الإجراءات المتبعة: "بعد أن تصبح الأدلة كاملة بحوزتنا، أتواصل بشكل شخصي مع الشاب، وأضعه بالصورة القانونية الكاملة والعقوبة المترتبة عليها، ونعطيه فترة معينة لحذف الفيديوهات وعدم التعرض للفتاة ثانية. وفي حال رفض الحل الودّي نلجأ للقانون. نقدم معروضاً للمحامي العام الذي يحيله بدوره لفرع الأمن الجنائي، قسم جرائم المعلوماتية، وخلال أسبوع كحد أقصى، يتم إحضار المبتز وتحويله للقضاء لإصدار الحكم بحقه".
الغايات من الابتزاز كثيرة، منها المادي، ومنها الوصول لعلاقة جنسية مع الفتاة بعدما كانت تقتصر على المحادثات، وهناك حالات لا يكتفي المبتز فيها بالابتزاز الجنسي بمفرده، وإنما مع أصدقائه تحت التهديد بفضح الفتاة
وتنص المادة 636 من قانون العقوبات السوري على أن "كل من هدد شخصاً بفضح أمر أو إفشائه أو الإخبار عنه، وكان من شأنه أن ينال من قدر الشخص أو شرفه، أو من قدر أحد أقاربه أو شرفه، لكي يحمله على جلب منفعة له أو لغيره غير مشروعة، عوقب بالحبس حتى سنتين، وبالغرامة حتى خمسمائة ألف ليرة".
وهذه العقوبة مشددة وفقاً لقانون الجريمة الالكترونية، إذ تنص المادة 28 منه على مضاعفة العقوبات المقررة لأي من الجرائم المنصوص عليها في القوانين الجزائية النافذة إذا ارتكبت الجريمة باستخدام الشبكة أو وقعت على الشبكة، أو إذا وقعت على جهاز حاسوبي أو منظومة معلوماتية بقصد التأثير على عملها أو على المعلومات أو البيانات المخزنة عليها. وفي المادة 30 من نفس القانون تشدد العقوبة إذا وقعت الجريمة على قاصر.
ما العمل إن كان المبتز خارج البلد؟ نسأل المحامي ويشير إلى وجود اتفاقيات دولية لتسليم المجرمين، وتتم محاكمة المبتز داخل سوريا، وإرسال الحكم لحكومة البلد المتواجد فيه ليحاكم هناك، أو تتخذ الدولة إجراء بإعادته إلى بلده لتنفيذ الحكم. لكن بسبب الظروف السياسية هناك بعض الصعوبة حالياً بتنفيذ ذلك.
ليست الفتيات وحدهن هن الضحايا
يشير المحامي إلى أن الابتزاز لا يقتصر على الفتيات وإنما يتعرض له الشباب أيضاً، وتكون الغاية مادية على الأغلب، ويروي لنا إحدى القصص الذي صادفته وانتهت، بعد إحضار المبتز، بإسقاط حق الطرف الأول."راجعني شاب متزوج ولديه أطفال ويشغل منصباً وظيفياً مهماً. تواصلت معه امرأة لا يعرفها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وخلال المحادثة طلبت منه فتح الكاميرا وأن يظهر نفسه بشكل عار، وسجلت الفيديو وبعدها بدأت بابتزازه مادياً، ليظهر بعد تقديم المعروض للأمن الجنائي أنه شاب طالب في السنة الثانية في كلية الهندسة المعلوماتية، وقد انتحل شخصية فتاة من خلال برنامج الكاميرا".
يختم المحامي حديثه معنا: "يظن البعض أنه إذا كان الرقم مجهولاً أو غير سوري، أو إذا كان الحساب وهمياً على فيسبوك ستصعب معرفتهم. الأمر فقط يحتاج لوقت أطول بقليل"، وتضيف زينب العاصي: "العقاب والفضيحة للمبتز وليس للضحية. المبتز هو من يجب أن يخاف، ويجب أن تترافق زيادة العقوبات مع الوعي بكيفية التعامل مع هذه القضايا".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون