"كنت صغيرة جدّاً، ألعب على دراجة أخي الهوائية في أحد الشوارع الفرعية قرب المنزل حين وقعت. سالت منّي مادّة شفّافة، لا أدري حتى اللحظة ما هي. ربّما تبوّلت على نفسي من شدّة الوجع والخوف. لكنّني أذكر صرخة زوجة عمّي وكيف أُحطت من كل نساء العائلة. "بسرعة شوفي إذا في دم" قالت إحداهنّ. ومن ثمّ سيطرت ملامح الراحة على جوههنّ حين أظهرت ملابسي الداخلية ووجدن أنها بيضاء، لا دم عليها.
حين دخلت الحمّام رأيت بقعة صغيرة من الدماء، تطوف فوق الماء. كانت شفّافة، كأنّها انتزعت من "كيس نايلون أحمر". لم أبح بما رأيت، إلا أنني بطريقة طفولية أدركت أن لهذا الجزء من جسدي وظيفة أكبر من التبوّل، وقد تكون هذه الوظيفة مخيفة. وإلا فلماذا سيطر كل هذا الرعب على النساء حين وقعت؟".
سعاد علقت بالمفاهيم الاجتماعية التي تمسّ أغلب النساء العربيات وعاشت صراعات داخلية بين حقّها باختبار جسدها وبين خوفها من فقدان عذريتها أي "شرفها" كما لُقنت منذ الصغر. كشفت سعاد بالإضافة إلى نساء أخريات عن قصصهنّ حول فقدان العذرية أو الحفاظ عليها
تحكي سعاد (26 عاماً)، قصّتها التي حدثت حين كانت تبلغ من العمر حوالى الثماني سنوات، لتشرح الأسباب التي دفعتها لاحقاً حين كبرت، إلى أن تفض غشاء بكارتها بيدها، مستخدمة أداةً حادّة، هي "قلم رصاص". فسعاد علقت بالمفاهيم الاجتماعية التي تمسّ أغلب النساء العربيات وعاشت صراعات داخلية بين حقّها باختبار جسدها وبين خوفها من فقدان عذريتها أي "شرفها" كما لُقنت منذ الصغر. في حديث مع رصيف22 كشفت سعاد بالإضافة إلى نساء وفتيات أخريات عن قصصهنّ حول فقدان العذرية أو الحفاظ عليها.
تكمل سعاد -وقد فضلت الحديث باسم مستعار-: "بعد عدّة سنوات حين اكتشفت مفهوم العذرية وأهميته في بيئتي ومجتمعي، اجتاحني القلق الدائم من حادثة الدراجة وصرت أفكر أنه يوماً ما حين سأرتبط بأحدهم، سيتخلى عني لأنني لست عذراء، طبعاً كانت هذه الأفكار مسيطرة عليّ قبل فهمي لجسدي وحقوقي، لكن مع مرور الوقت وتضاعف الخوف قررت التخلّص من كل شيء. دخلت غرفة نومي، جلبت القلم، ودفعته بالكثير من القلق إلى داخلي. أردت التأكّد أنني لست عذراء، أو التخلص من عذريتي في حال كانت موجودة. لم أتوقّف إلا حين شعرت بالوجع. ومجدّداً دخلت إلى الحمام لأجد نقطة دم صغيرة تطوف فوق الماء".
منذ تلك اللحظة توقّفت سعاد عن التفكير بعذريتها، لتكتشف لاحقاً، بعد علاقتها الجنسية الأولى التي نزفت من بعدها، أن غشاءها كان قد تعرّض للتمزيق فقط، وأنه من العار أن تحمل طفلة كل هذا القلق الجسدي والنفسي لسنوات طويلة بسبب أحكام المجتمع.
أنتظر إلى ما بعد الزواج
معركة النساء مع المجتمع والمعنية باسترجاع الحقوق الجسدية والاجتماعية وتحقيق العدالة والمساواة القانونية. لا تلزم النساء بالتخلّي عن المفاهيم الخاصّة بهن، وهذا ما تشرحه س. ر. (27 عامًا)، التي تعتبر نفسها نسوية وفي الوقت عينه ترفض أن تخسر عذريتها قبل الزواج لأنها تؤمن بالمفاهيم التي تربّت عليها وتحديدًا الدينية منها، فتشرح: "ليست هناك ضرورة بمشاركة جسدي بالكامل مع إنسان عابر. لست مكوّنة بهذه الطريقة. جسدي لا يرغب الآخر في حال عدم توفّر شعور الأمان. بهدف السماح لأحدهم بالتعرّف عليّ من النواحي الجنسية والجسدية وحتى النفسية، عليه أن يكون من الأساسيات في حياتي، ولذلك بإمكاني الانتظار إلى ما بعد الزواج كي أختبر علاقة جنسية كاملة. وهذا ما أخطط له مع شريكي، الذي أخوض معه علاقة منذ أربع سنوات اتفقنا خلالها على عدم ممارسة الجنس إلا بعد ارتباطنا رسمياً وبشكل علني وديني أمام الجميع".
مفهوم تحوّل الفتاة إلى امرأة يختلف بين الواحدة والأخرى، فمنهن من تعتبر أن التحرر الاقتصادي هو أن تصبح امرأة حرة مستقلة، ومنهن من تعتبر أن هذا الانتقال يتطلّب اكتشاف الجسد، والتخلّي عن العذرية، وفي كل الأحوال المفهوم الأخير يجب أن يكون قراراً تتخذه كل فتاة بكامل إرادتها، لكن في مجتمعاتنا وفي كل العالم التحرّش والاغتصاب يشكلان تهديداً على جسد كل فتاة، وهذا ما حصل مع ر. م.
بإمكاني الانتظار إلى ما بعد الزواج كي أختبر علاقة جنسية كاملة. هذا ما أخطط له مع شريكي، الذي أخوض معه علاقة منذ أربع سنوات اتفقنا خلالها على عدم ممارسة الجنس إلا بعد ارتباطنا رسمياً وبشكل علني وديني أمام الجميع
تحرّش ثم اغتصاب
مثلها مثل أغلب فتيات جيلها كانت ر. م (29 عاماً) تقصد الـ network قبل دخول خدمة الإنترنت إلى المنازل، لكي تتحدث مع الأصدقاء والغرباء عبر تطبيق الـ MSM، في إحدى المرات تلقّت طلب صداقة من شاب كانت تراه في حارة جدّتها، فقبلت الطلب، وبعد مدّة من الأحاديث بينهما، قررت أن تلبّي دعوته للذهاب إلى السينما، كان هذا في العام 2005. تقول ر.: "في منتصف الفيلم، وضع يده على رأسي ودفعني نحو قضيبه، فلم أفهم ما الذي يحصل. لم أكن أعلم كيفية ممارسة الجنس، فما بالي بمعرفة ما هو الجنس الفموي".
يومها أقنعها المعتدي أنها وحدها المسؤولة عن كل ما حدث وهو لم ينفّذ سوى رغباتها التي كانت تبوح بها من خلال تلميحات عبر أحاديثهما. وطلب منها الذهاب معه إلى منزل صديقه. تشرح ر. أنه بسبب صدمتها وشعورها بالذنب خضعت لطلبه، وتضيف: "في تلك اللحظة كان قد أعلن سيطرته وأنا من شدّة الخوف خضعت. هناك في منزل صديقه الفارغ اغتصبني. وهكذا فقدت عذريتي. جلدت نفسي لسنوات طويلة إلى أن كبرت وأخبرت شقيقتي وأمي عمَا حدث، وتلقيت من بعد بوحي الدعم الكامل، وفهمت أنني لم ألوّث شرف العائلة ولم أجلب العار لنفسي أو لعائلتي بل كنت ضحيّة اغتصاب، وأنني فقدت عذريتي الجسدية بسبب هذه الحادثة، لكنّني، بحسب ما شرحته طبيبتي النفسية، لم أفقد عذريتي فعلاً إلا حين اختبرت شعور الجنس السليم للمرّة الأولى بقرار منّي".
من الناحية العلمية، لا يوجد غشاء بكارة مثل الآخر، تولد كل فتاة بغشاء خاص بها أو بدونه ويتغيّر نوعه وشكله بحسب الموروثات. في العام 2015 وفي دراسة لكلّ من نينا بروكمن وإيلين ستوكن دال، برهنت الطبيبتان أن نتائج فحص العذرية أثبتت عذرية فتيات يعملن في نطاق الخدمات الجنسية، ونفت العذرية عن فتيات لم يسبق أن مارسن الجنس، لأنه بالنسبة لعدّة نساء قد يكون غشاء البكارة مطاطيًا لدرجة تحمُّل ممارسة جنسية كاملة دون أن يتعرّض للضرر. وبالتالي لا يمكن استخدام غشاء البكارة دليلاً على العذرية من الناحية الجسدية، لكنّه يُستخدم في المجتمعات وسيلة للسيطرة على جنسانية المرأة فقط.
نتائج فحص العذرية أثبتت عذرية فتيات يعملن في نطاق الخدمات الجنسية، ونفت العذرية عن فتيات لم يسبق أن مارسن الجنس، لأنه بالنسبة لعدّة نساء قد يكون غشاء البكارة مطاطيًا لدرجة تحمُّل ممارسة جنسية كاملة دون أن يتعرّض للضرر
استرجاع العذرية
تبقى الأعراف الاجتماعية أقوى من المفاهيم العلمية في بعض الأحيان، وهذا ما تشرحه ن. ح. (34 عاماً) من منزلها القائم في منطقة طريق الجديدة في بيروت.
قبل زواجها وإنجاب طفلها خاضت ن. علاقة عاطفية تضمّنت علاقة جنسية كاملة. ورغم أن أنها لم تتأثر بخسارة عذريتها، وكانت مقتنعة أن الجنس لن يكون عائقًا في علاقاتها المستقبلة، لعدم إيمانها بمفهوم "الشرف"، تصرّفت عكس قناعاتها حين صادفت زوجها الذي كان معارضاً شديداً للعلاقات الجنسية قبل الزواج.
تقول ن.: "أحببته وأردت أن أبني مستقبلًا معه، ولهذا السبب أجريت عملية ترميم غشاء البكارة. قصدتُ طبيباً ودفعت له 500 ألف ليرة لبنانية وأجريت العملية. في ليلة زفافنا نزفت كأنّني عذراء ولم يشك زوجي في تاريخي الشخصي". لا يعلم الزوج حتى اللحظة بأن لزوجته علاقات جنسية قبل ارتباطهما، وبحسب ن. ليس من حقّه أن يعرف: "أحترم زوجي كثيراً، قد لا أتّفق معه على المفاهيم الاجتماعية البالية التي يؤمن بها، لكني أحبّه وأحترمه. قراري بعدم إخباره مرتبط بحقوقي، فهو لا يخجل بالمجاهرة بعلاقاته الجنسية السابقة لزواجنا، لماذا سأخجل أنا من علاقاتي؟ الفرق بيني وبينه أن أحداً لن يحاسبه، بينما سيتم إقصائي ووصمي بالعار في حال بحت بقصّتي. ولم أكن لأدع تفصيلًا سخيفاً مثل "غشاء البكارة" والجلد الإجتماعي الذي يأتي معه، بأن يشكّل عائقاً أمام العلاقة التي أريدها. ولهذا السبب لم أكذب على زوجي، بل كذبت على الخرافات الاجتماعية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...