شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"ساعدتني في شفاء جروح قديمة"... نساء مغتربات في برلين تجمعهنّ الكتابة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 3 أغسطس 202105:57 م

"وجدت نفسي، كمئات آلاف اللاجئين من مختلف الجنسيات، أمام قضية أساسية تحيط بتفاصيل حياتنا اليومية، وتؤطرها، وتحدد مساراتها، وهي قضية ‘الاندماج’. كنت طوال الوقت أفكر في المصطلح الذي ينعكس على هيئة خوف وإحساس بالدونية نسبياً، والأهم: الخوف من خسارة الملامح، كالعادات والتقاليد، وما يرتبط بالثقافة ونمط الحياة كله".

هكذا وصفت الصحافية السورية والمشتغلة في قضايا النساء، ياسمين مرعي، شغفها الذي قادها لتأسيس مبادرة للعمل مع النساء الناطقات بالعربية في برلين، وإدارتها، وتشجيعهن على الكتابة، ومشاركة تجاربهن في هذه المدينة التي انتقلت الشابة للحياة فيها، هرباً من الحرب في سوريا مطلع العام 2016.

وأطلقت مرعي بعد وصولها بقليل مبادرة "نساء من أجل مساحات مشتركة"، حين كانت منغمسة في البحث عن سبيل للحفاظ على ارتباطها بالقضية السورية، وشغفها بالعمل مع النساء، في آن معاً. تقول لرصيف22 إن المبادرة تتضمن ورشاً للكتابة للنساء في سياق تقديم أنفسهن، "وهي مهمة أراها أساسية. وحدنا من نستطيع تقديم أنفسنا بإنصاف، وعرض آليات تفكيرنا، ورؤيتنا للأشياء، ورواية تجاربنا، بذلك نكون قد أسسنا جزءاً مهماً من المساحة المشتركة مع الآخر، وهو الجزء الخاص بالمعرفة".

أسست صحافية سورية لجأت لبرلين مبادرة تسمح للنساء المغتربات بتبادل تجاربهن في البلد الجديد والكتابة عنها.

ورأت ياسمين أن فكرة "المساحة المشتركة"، هي البديل المنصف عن كلمة اندماج، وتوضح: "كنت وما زلت أرى عملية الاندماج تسير في اتجاه واحد، إذ تضع الجهات الحكومية اللاجئين واللاجئات داخل أطر الاندماج، من دون أي مؤشر على أن العملية هي مسار باتجاهين، يتقدم فيه اللاجئون والمجتمع المضيف، كل في اتجاه الآخر. وذلك لأننا نحتاج إلى أن نلتقي، ونحتك بالمجتمع المضيف في فضاء من المحددات التي تكفل أن نتواصل ونتفاعل، من دون أن يخسر أي منا ملامحه الثقافية. نحتاج إلى أن نصنع مساحة مشتركة بيننا تقوم على احترام الآخر، وتقبل فكرة الاختلاف، والدفاع عن هوياتنا وحرياتنا، والإحساس بالندّية والكرامة".

وشددت الصحافية ذات الأعوام الثمانية والثلاثين، على أهمية توافر دعم نفسي ممنهج وطويل الأمد، ليس للنساء فحسب، بل لمن خاضوا تجربة اللجوء والاغتراب كلهم، عبر البر أو البحر، وتركوا جزءاً من أسرتهم، أو أسرتهم كلها، وجاؤوا بحثاً عن بدايات جديدة. "من دون توازن نفسي، لا يمكن التفكير بلاجئ/ة على قدر من التوازن الذي يؤدي إلى الاندماج والإنتاجية، أو الفاعلية الاجتماعية"، حسب مرعي.

الورشات التي تجمع النساء المغتربات في برلين


مساحة أمان

الورشات أشبه بمساحات أمان تُقام على مدار أيام عدة، تتحدث فيها النساء عن آرائهن، وتجاربهن حول أفكار، مثل موقع النساء في المجتمع الجديد، وقضايا الانتماء والهوية، والتحولات في العلاقات الأسرية، وفرص العمل للسيدات المتقدمات في السن، والعلاقة بالجسد، والوطن، والمنزل، كمفهومين متلازمين/ غير متلازمين، وغير ذلك من الموضوعات. تناقش المشاركات، بالتفصيل، هذه القضايا، ويحددن الاحتياجات والتحديات الخاصة بها، ويقترحن الحلول، كما يقرأن ويحللن نصوصاً لكاتبات خضن تجربة الهجرة، ثم مرحلة العمل على النصوص، للراغبات في الكتابة، وتُنشر ضمن كتيبات تحمل عنوان "أصوات نسائية في المنفى".

"كنت وما زلت أرى عملية الاندماج تسير في اتجاه واحد، إذ تضع الجهات الحكومية اللاجئين واللاجئات داخل أطر الاندماج، من دون أي مؤشر على أن العملية هي مسار باتجاهين، يتقدم فيه اللاجئون والمجتمع المضيف، كل في اتجاه الآخر"

ترى مرعي أن "في الكتابة ثلاثة أهداف هي غاية المشروع: التعافي، وتعميم التجارب الفردية، وصناعة الذاكرة"، وعن اختيارها العمل مع النساء تحديداً، أوضحت قائلةً: "لأن الكثير من المسكوت عنه يخصهن، ولأن الكثير مما يقال لا ينصفهن، وفي كثير من الأحيان يؤطرهن، لذلك أردت أن تكتب النساء عن أنفسهن، فيتحررن من كل إطار صحافي، أو بحثي، أو غير ذلك. يقدمن أنفسهن كما يشأن، ويصنعن ذاكرة مكتوبة عما مررن به خلال تجربة اللجوء والاغتراب. مع الوقت، سيعكس ذلك الظروف السياسية، والإنسانية، والثقافية، والاجتماعية، التي مرت بها النساء اللاجئات، وسيوثق لسياسات الاندماج، ولتداعيات المحن الإنسانية التي نعيشها في بلادنا، وآليات التعاطي الدولي معها".

وأكدت مرعي أن هذه الورشات لا تدّعي أنها تقدم أي حلول نهائية، "لكنها تقدم مساحة للفضفضة، والنقاشات المعمقة، ولاكتشاف الذات ومواجهتها، ولتكوين صورة عن شكل العلاقات الممكنة مع المحيط، ولدعم تصور المساحات المشتركة التي تحتاج إلى رؤى وتصورات ومساهمات الجميع، لكي تتسع كل يوم".

مرعي التي تدير المشروع منذ تأسيسه، راضيةٌ عن التجربة، وتقول: "ما زلت أواجه صعوبة متعلقة بشرح أهمية أن تقوم النساء بالكتابة، والواقع أن الكثيرات لم يتجاوزن ما مررن به على مدى سنوات الغربة، كما ينتابني خوف شديد أحياناً من أن أفتح جراح بعض النساء، وألا أتمكن من تسكينها"، وتواصل: "هناك شيء خاص وممتع في العمل مع النساء، إذ تمنحني المكاشفات رؤية أعمق، وتوجهني نحو دوائر جديدة لم أعمل عليها من قبل، على مستوى الموضوعات، وعلى مستوى تقنيات التدريب".

وعن القصص التي بقيت في ذاكرتها، تشاركنا ياسمين قائلةً: "لا أنسى أي قصة كتبتها، أو شاركتها أي امرأة منذ أول ورشة، لكل تجربة خصوصيتها، وتفاصيلها التي تحفر في الوجدان عميقاً، سواء أكانت القصة في سياق الحديث عن محنة، أو عن تحول إيجابي، وانتصار على الظروف. حكايات النساء اللاجئات هي عالم غني بالمشاعر والأحاسيس والقيم، والقوة التي أشعر بها في كل ورشة غامرة".

كتيب نساء في المنفى الذي يضم قصص النساء بعد ورشات الكتابة


تعارف وتعبير

شاركت النساء في ورش الكتابة التي تجاوز عددها الثلاثين حتى الآن، بخبراتهن في الغربة، وبالمصاعب التي يواجهنها، كما وجدن طرقاً للتخفيف عن بعضهن البعض، والتعاضد عبر الكتابة والتدوين.

من هؤلاء المشاركات التربوية السورية الستونية مريم الحلاق، التي قالت لرصيف22: "استطاعت الورشة أن تجعلني أكتب ما كان دفيناً في صدري، والتعرف إلى سيدات من بيئات وجنسيات مختلفة، وكان لذلك أثر جيد على وضعي الاجتماعي، خصوصاً وأن النساء في الغربة يواجهن صعوبات، كشرط تعلم اللغة بشكل جيد، كما أن مجالات العمل ليست متاحة جميعها، بسبب العنصرية من بعض أصحاب المؤسسات ضد اللاجئات، وخاصة المحجبات منهن، بالإضافة إلى سيطرة الزوج على قرارات المرأة أحياناً".

قدمت لي المبادرة الدعم في التعبير عن نفسي بالكتابة، وهي أداة جديدة لم أكن أعرفها من قبل.

وعما قدمته لها الورشة، قالت السيدة الجزائرية روبيلة شيحاوي: "استطعت مشاركة تجربتي مع الغربة، وكيف تغلبت على الطاقة السلبية التي تجمعت خلال إقامتي في برلين، وحولتها إلى طموح ونجاح، كما استمعت إلى مشكلات مغتربات أخريات، وذلك خفف إحساسي بالقهر جراء العنصرية التي نتعرض لها".

وتشير شيحاوي (42 عاماً) في حديثها لرصيف22 إلى أكبر الصعوبات التي تواجه المغتربات، وهي عدم الاندماج في المجتمع الذي من المفترض أنه أصبح مجتمعهن، بحكم أنهن يعشن فيه، "الإحساس بعدم الانتماء أمر سيئ للغاية، على الرغم من أن المرأة أحياناً تكون قد تعلمت اللغة، وتدربت، وقد تكون حصلت على عمل، أو حتى الجنسية، لكنها تستمر في الإحساس بعدم الانتماء والاندماج".

وختمت روبيلة قائلةً: "تشكّل مشاريع كهذه فضاءً للمرأة المغتربة للتكلم عن مشكلاتها، وتبادل الأفكار والخبرات مع نساء أخريات، والاستفادة من تجارب بعضهن، كما أن هذا النوع من المبادرات يُعد نوعاً من الترفيه والخروج من دائرة البيت، والأطفال، والمسؤوليات المنزلية".


"تعرفت إلى نفسي أكثر"

وترى الفنانة المصرية هناء الديغم التي شاركت في إحدى الورشات، أنها قدمت لها الدعم في التعبير عن نفسها بالكتابة، "وهي أداة جديدة لم أكن أعرفها من قبل، وقد أعطاني تشجيع المشاركات وإعجابهن ثقة أكبر، كما خلقت لنا المدربة روحاً من الثقة والأريحية في الحديث وتبادل الآراء. وطبعاً ساعد تفريغ ما في داخلي على الورق، في شفاء جروح قديمة، ناهيك عن التعرف إلى شخصيات رائعة، ومعرفة خلفياتهن، مما ساعدني على التعرف إلى نفسي أكثر".

"استطعت مشاركة تجربتي مع الغربة، وكيف تغلبت على الطاقة السلبية التي تجمعت خلال إقامتي في برلين، وحولتها إلى طموح ونجاح، كما استمعت إلى مشكلات مغتربات أخريات، وذلك خفف إحساسي بالقهر جراء العنصرية التي نتعرض لها"

ولخصت السيدة الأربعونية في حديثها لرصيف22 الصعوبات التي تواجه النساء العربيات في برلين، بالبحث عن طريقة للتعامل: "هل أتعامل بالأنماط نفسها المعتادة عليها؟ أم أخلق لنفسي نمطاً جديداً فيه اقتباس من العالمَين: الذي أتيت منه، والذي رحلت إليه؟ البحث عن الإحساس بالأمان يوقعنا أحياناً في فخ الاختيارات الخطأ، لسد الإحساس بالفراغ، وعدم الأمان، فحسب"، وشددت على أن المرأة "بحاجة إلى توعية لكي تقوي معرفتها بنفسها أولاً، وتخلق لها شخصية مستقلة محتفظة بما تريد أن تحتفظ به، وتتبنى ما يناسبها من العوالم الجديدة".

أما السورية العشرونية إسراء السعدي، فقالت لرصيف22 إنها واجهت مشكلة الدعم المادي في البلد الجديد، الذي قدمت إليه بكفالة، فهي لا تحصل على إعانات من الدولة، أو مساعدة لتعلم اللغة، أو غيرها، لذلك ترى أن مشروع ورش الكتابة، وغيرها من المشاريع التي "تتحدث عن مشكلاتنا في برلين، لكي يصل صوتنا إلى السلطات المسؤولة عن الأجانب، قد تساهم في إعداد برامج تأهيل للاندماج في سوق العمل، ليس للاجئين فحسب، بل للأجانب الراغبين بالعمل ضمن حدود ألمانيا، كلهم".

وتختم: "الورشة قدمت لي الشجاعة والثقة في التحدث عن العقبات التي تواجهني، وأعطتني الأمل بإيجاد الحلول، ربما ليس الآن، ولكن في وقت لاحق، وأعطتني القوة للاستمرار على الرغم من الصعوبات".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard