يواجه أدباء ومبدعو الداخل السوري واقعاً بالغ الصعوبة، منذ اندلاع الثورة السورية في 15 مارس 2011، وما صاحبها من حرب لم تخمد نيرانها طيلة عشر سنوات، راح ضحيتها مئات الآلاف من القتلى، فأمست الحياة على أرض الوطن محكومة بالخوف والبؤس، في ظلّ ظروف إنسانية بالغة الصعوبة.
وبعد أن كانت دمشق عاصمة الثقافة العربية في عام 2008، يكافح الآن أدباء ومبدعو سوريا بالداخل، لأجل البقاء، متحدّين عقبات النشر والأوضاع الأمنية التي تحول بين تنظيم الفعاليات الثقافية. فكانت هناك عشرات الأعمال الأدبية السورية المتميزة لكتّاب الداخل، بعضها صدر في سوريا عن مؤسسات ثقافية رسمية أو دور نشر أهلية، وغالبيتها صدرت عن دور نشر عربية، إلّا أن مشاركة أولئك الأدباء بالمحافل الثقافية العربية والدولية باتت محدودة.
بعد أن كانت دمشق عاصمة الثقافة العربية عام 2008، يكافح الآن أدباء ومبدعو سوريا بالداخل، لأجل البقاء، متحدّين عقبات النشر والأوضاع الأمنية
وشهدت السنوات العشر الأخيرة عملية نزوح واسعة للمبدعين السوريين، الذين هاجروا لبلدان عربية وأوروبية، ليأمنوا فيها على أنفسهم وعائلاتهم، ويمارسوا إبداعهم الأدبي بحرية، ولمعت أسماء الكثيرين منهم في سماوات الأدب وشقوا طريقهم بقوة إلى العالمية، عبر أعمالهم التي ألقى الواقع السوري الراهن بظلاله عليها.
يعد الأدب السوري، شاهداً على المرحلة الأهم والأخطر من تاريخ سوريا المعاصر، فلا تكاد تخلو الأعمال من ثيمات الحب والحرب والحلم والموت والغربة والتفكك الأسري والهجرة ومعاناة اللجوء.
وفرض الأدباء السوريين أنفسهم بقوة في المسابقات والجوائز الأدبية، ولا سيما جائزة البوكر العربية، التي تضمنت قائمتها الطويلة لعام 2020، ثلاثة روائيين سوريين، هم: سليم بركات، خالد خليفة وخليل الرز، وشهدت السنوات السابقة وصول روائي سوريا لقوائم البوكر الطويلة نحو 11 مرة، وأبرزهم: "شهلا العجيلي، محمود حسن الجاسم، مها حسن وفواز حداد".
يعد الأدب السوري، شاهداً على المرحلة الأهم والأخطر من تاريخ سوريا المعاصر، فلا تكاد تخلو الأعمال من ثيمات الحب والحرب والحلم والموت والغربة والتفكك الأسري والهجرة ومعاناة اللجوء
بينما حصدت ثلاث روايات سورية، جائزة "كتارا" للرواية العربية في 2014، وهي: "لا ما يرويها" لنجاة حسين عبد الصمد، وجوه مؤقتة" لحسن محمد بعيتي، و"كوكب اللا معقول" لماريا دعدوش.
كما فازت "وجوه مؤقــتة" لحسن محمد بعيتي، بجائزة كتارا للرواية العربية الدورة الرابعة، وحصد غازي حسين العلي، الجائزة في دورتها السادسة.
وحلت رواية "حي الدهشة" لمها حسن في القائمة القصيرة لجائزة نجيب محفوظ للآداب لعام 2021، وفاز خليل صويلح بالجائزة في دورتها الـ14 عن روايته "وراق الحب"، كما حصد خالد خليفة الجائزة لعام 2013، عن روايته "لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة".
وحاز فيصل خرتش على جائزة "الطيب صالح للإبداع الكتابي"، فئة أفضل رواية لعام 2018، وفاز سومر شحادة في الدورة السادسة للجائزة.
بينما حصل خليل النعيمي على جائزة "محمود درويش" للإبداع عام 2018، ورُشّحت رواية "الموت عمل شاق" لخالد خليفة لجوائز الكتاب الوطني، عن المؤسسة الوطنية الأمريكية للكتاب، وهي مؤسسة غير حكومية وغير ربحية.
فرض الأدباء السوريين أنفسهم بقوة في المسابقات والجوائز الأدبية، ولا سيما جائزة البوكر العربية، التي تضمنت قائمتها الطويلة لعام 2020، ثلاثة روائيين سوريين، هم: سليم بركات، خالد خليفة وخليل الرز
أتنفس من خلال ما أكتب
وحول كيفية إلقاء الراهن السوري بظلاله على إبداعها الأدبي خلال السنوات العشر الأخيرة، تقول الروائية السورية، سهير عبدالله رخامية: "ما حدث كان عاصفاً في البداية، من ثم هدأ قليلاً ثم تصاعد ضاغطاً بكل ثقله. أولها العقوبات على سوريا ثانيها قانون قيصر... حالات غير متوازنة ولا متساوية عشتها في قلق نفسي وظروف ضاغطة من كل الجوانب، ذكرتُ مرة أنني أتنفس من خلال ما أكتب. اليوم التنفس أصبح مقنناً من كل الاتجاهات تابعاً لتقنين الكهرباء ومرتبطاً بالظروف المعيشية، ولا يمكننا الفصل بينهما. الكاتب يعيش حياة الشارع. نظراته ومشاعره وقلمه ترصد حركة المواطن لأنه يكتب عنه وعن معاناته".
سهير عبدالله
وبشأن التحديات التي تواجه الأديب السوري في الداخل في ظل الأوضاع الراهنة، تؤكد رخامية أن واقع النشر الورقي في السنوات الخيرة تأخر وفتح مجال للنشر الإلكتروني، بسبب ارتفاع أسعار الورق وكلفة الطباعة وغيرها مما يعيق حركة النشر، والكاتب مقيد بالبحث عن دار نشر تقبل عمله دون أن ترهقه مادياً.
سهير عبد الله: ذكرتُ مرة أنني أتنفس من خلال ما أكتب. اليوم التنفس أصبح مقنناً من كل الاتجاهات تابعاً لتقنين الكهرباء ومرتبطاً بالظروف المعيشية..."
كما أن التحديات اليومية كثيرة، أولها التقنين الكهربائي الطويل، وهذا يسبب التأخير والتوقف ساعات عن الكتابة وقطع حبل الافكار، موضحة أن "الظروف الحياتية كانت ولا تزال عائقاً بين الكاتب وعمله الإبداعي، بالإضافة إلى أن المواطن السوري بشكل عام متأثر ومتضرر، وبالتالي الكاتب هو واحد من هؤلاء الناس المتضررة، المتأثرة حياتهم بالوضع المعيشي بكل أبعاده وظروفه السيئة جداً. هناك أمور تجري لا يستطيع البشر تحملها".
وتضيف الكاتبة المقيمة بالداخل السوري: "الأدب بشكله العام والخاص مرتبط بمجتمع الكاتب، بجغرافيته ومناخ وطنه. لا يستطيع العيش دون أن يتأثر، بعيداً كان أم قريباً، يعيش أحداث الفرح والحزن والجوع والألم، منه يستقي تفاصيل مشاعره وأحاسيسه.
الكاتب داخل سورية مقيد بظروفه المعيشة والتقنين والعنف والغلاء والجوع والتشرد والبرد والصقيع، كلها أمور يعيشها مع الغير إن لم يكن واحداً منهم. الكاتب بسوريا يُصنّف من الفقراء. يعيش معاناة مع من حوله ويتأثر بهم. نداء لكل السورين بالخارج أن يهتموا بأقربائهم ومعارفهم، نحن هنا داخل سورية لا نعيش حياة طبيعية بالمطلق".
وتتابع سهير: "العقوبات على سورية وتطبيق قانون قيصر حمل معه عنفاً معيشياً وعنفاً نفسياً وإنسانياً وجسدياً وأمراضاً".
كل يوم تتأثر حياة الكاتب بما يحدث داخل سوريا، من هذه التغيرات تطبيق القوانين الدولية على سوريا، يعني على الشعب، وبالتالي الكاتب واحد من شعب تختنق أنفاسه ليؤمن احتياجاته اليومية. ارتفاع أسعار السلع لأهم المواد المعيشية بالآونة الأخير شكلت صدمة عنيفة ومخيفة، لارتباطها بلقمة عيش، كانت ولا تزال يصعب تأمينها بسبب انخفاض قيمة الليرة السورية أمام ارتفاع الدولار.
تضيف الكاتبة: "كل هذا أثر على المواطن، هذا بالتالي أثر على الكاتب داخل سورية، وخاصة بالنسبة لنشر أعماله بهذا الغلاء الفاحش، وفرق العملة من دولة لأخرى، هذا ما تفعله الحروب بنا، تترك الشعوب بائسة فقيرة في الدرك الأسفل من الحياة. من مكاني هنا ككاتبة أطالب برفع هذه العقوبات عن سوريا عن الشعب السوري، ليتوقف قانون قيصر. يكفي، لقد دمروا الشعب السوري بكل أطيافه ومستوياته. ارفعوا هذه العقوبات وأعطني قطرة ماء وكسرة خبز وغطاء التحف به وسقف يأويني، واتركني أعيش بسلام".
أديب لم يعد يؤمن إلّا بالحرية خلاصاً
أما القاص والكاتب السوري عمران عز الدين، فيؤكد أن الراهن السوري مثله مثل الماضي السوري، وهو ما سيكون عليه المستقبل الذي لن يكون ورديّاً، مشيراً إلى أن الحروب لم تكن في يوم من الأيام نقمة فقط، بل كانت أيضاً، وفيما يخصُّ الأدب أو الحراك الإبداعي، البوصلة والاكتشاف، الفارق والمارق والمُتجاوز، قدّمت للساحة الأدبية العربية والعالمية أدباً عظيماً لا يمكن تجاهله، وفاق بسنوات بحبوحة ورخاء أدب السلم وكتّاب السلم. لم يكن نجاح الأدب في يوم من الأيام مرتبطاً ارتباطاً شَرْطياً بما تيسر من أجواء مناسبة، لم يكن رهين رخاء دائماً، الفيصل في الأمر هو الجودة والخلق والجِدة والابتكار.
عمران عز الدين
ويقول عز الدين: "الأديب الندّاب هو الذي ينتظر سؤالاً من هذا النوع ليلقي باللائمة والمظلومية في إطلالاته الإعلامية والتلفزيونية على كلّ من جعلوا من حظ سرده عاثراً. لستهُ، لن أكونه، لكنها يقيناً سنوات قحط عجاف، صبّار تجرعناه، وما زلنا نرزح تحت وطأتها، وتغدو الكتابة إزاءها ضرباً من الجنون والترف. حاولت أن أثقبَ عَجَلَة هذه المُسلّمة العاتية غير المُنصفة، بأن أكون مُتوازناً فقط، وأّلّا أقف مكتوفَ القصّ، وكانت النتيجة بعض المخطوطات التي تنتظر فرص نشر مناسبة، ومجموعة قصصية فازت بجائزة في مسابقة أدبية عام 2018، لم أتوصل حتى اللحظة بنسخ منها!
عمران عزالدين: "المبدع يعيش حالة اغتراب دائمة في حياته وفي نصّه، سواء في السلم أو في الحرب. المبدع كائن قلق، مغامر، هدّام، لا يستهويه الركود والنمطية، ولا تستوقفه اليقينيات والنظريات"
ويضيف الكاتب المقيم بالداخل السوري: "المبدع يعيش حالة اغتراب دائمة في حياته وفي نصّه، سواء في السلم أو في الحرب. المبدع كائن قلق، جسور، مغامر، هدّام، مفكّر، لا يستهويه الركود والنمطية، ولا تستوقفه اليقينيات والنظريات.
ما زلت في سورية، لم أبرح دمارها وألغامها وحرمانها في نصّي وفي تفاصيلي اليومية، وأرى أن الغربة التي يُعانيها غير المغترب عن مسقط نصّه ورأسه، أمرّ وأقسى ممن استقرَّ به المقام في دولة مستقرة وآمنة".
ويوضح أن التحديات التي تواجه الأديب السوري في الداخل هي ذاتها التي يعاني منها أي أديب في أي دولة أخرى تعرضت لحالة مماثلة.
التغيير الذي اخترق مفاصل الحياة، وطهّرَ بالتالي المخيلة والجغرافية والنفسية من الشوائب والرواسب والميكروبات الضارة، كان له أبلغَ الأثر في افراز أديب لم يعد يؤمن إلّا بالحرية خلاصاً أوحد، بعد أن تيقّن من زيف وبطلان الشعارات التي جاء على قراءتها في كتب الأصنام والأولين.
إنه يسعى الآن بكل ما يدخره من إبداعٍ وموهبة لأن ينسفها أرضاً بحراً وجوّاً، لأنها، كما بات يرى، أصل التناحر والتخلف والانفصام والبلاء والوباء، ولن يتحقّق ذلك إلّا بطرح مفاهيم ونظريات ورؤى جديدة، وهذا هو التحدي الأكبر الذي بإمكانه أن يطوّع سائر التحدّيات ويخلخلها، وأن يُعيد اكتشاف وتأثيث وهندسة رؤى ومفاهيم أكثر ملائمة وتعبيراً عن روح العصر ومواكبته.
لافتاً إلى أن "سطر على تويتر بإمكانه أن يحدث ضجّة إعلامية لا تحظى بها مطبوعات دور النشر العربية لسنوات... الشهرة والحياة الباذخة التي ينعم بها بعض الكتّاب والناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، فاقت شهرة ماركيز ونجيب محفوظ وألفريد نوبل. إنه زمن الاستعراض واللايك والتيك توك".
ويختتم عمران عزالدين حديثه قائلاً: "لست ناطقاً بواقع الكتّاب السوريين داخلاً أو خارجاً، وحال المشهد الثقافي السوري من حال المشهد الثقافي العربي: وفرة في الإنتاج وندرة في الجودة أو القيمة الإبداعية.
الأدب الذي كُتِبَ في سنوات الحرب السورية، كان بأقلام كتّاب وكاتبات أجبروا أو آثروا النزوح عن سورية منذ أول رصاصة شهدتها التظاهرات التي عمّتِ البلاد، في حين أن الكاتب في الداخل لم يُقارب هذا الحدث الجلل إلّا باستحياء".
بث الأمل في نفوس الأطفال
بينما يقول الكاتب السوري المختص في أدب الأطفال، جيكر خورشيد، لـرصيف22: "ككاتب مختص في أدب الطفل، دفعني إحساسي بالمسؤولية تجاه أطفال وطني، للكتابة عنهم وعن همومهم ومآسيهم، فتنقلت بين المحافظات السورية في البداية، أوثق حالة الطفولة المعذبة، وأساعد في بثّ الأمل في نفوس الأطفال بغد مشرق أجمل، لكن الأوضاع ازدادت سوءاً والحرب ازدادت شراسة، فلم أجد مهرباً غير الهجرة لإنقاذ نفسي وعائلتي وأحلامي من حرب دمرت وتُدمّر الإنسان والوطن.
جيكر خورشيد
فهاجرت مع عائلتي إلى تركيا بداية، وبعدها انتقلت إلى هولندا وفي مدينة لاهاي ألفت عشرات الكتب للأطفال، طرحت فيها ما عاناه ويعانيه الطفل السوري خاصة، والعربي عامة".
ويضيف: "تحديات كثيرة تثقل كاهل الأديب السوري، فالأوضاع الأمنية والاقتصادية والثقافية والمعيشية سيئة جداً. الأديب السوري يكتب وينجز الأعمال الإبداعية وهو يعاني من الجوع والخوف والوهن والمرض، وأمله الوحيد هو أن يحلّ السّلام والأمان على وطنه سورية.
جيكر خورشيد: "ككاتب مختص في أدب الطفل، دفعني إحساسي بالمسؤولية تجاه أطفال وطني، للكتابة عنهم وعن همومهم ومآسيهم، فتنقلت بين المحافظات السورية في البداية، لأوثق حالات الطفولة المعذبة"
وفي مجال طباعة كتب الأطفال، أجد أن هناك دعماً كبيراً لطباعة كتاب الطفل، وإقبال جيد من قبل الأهالي والأطفال على شراء الكتب، وهذا ما يفسر وعي المجتمع حديثاً وتنبهه لأهمية الكتاب الورقي في حياة أطفالنا. فعلى سبيل المثال في هولندا، سنجد في كل حي أو قرية مكتبة كبيرة فيها القسم الأكبر لكتب الأطفال، ودائماً ما نجدها مزدحمة بالأهالي والأطفال، يقرؤون الكتب بلهفة ويستمتعون بسماع القصص".
ويتابع خورشيد: "الوضع السوري العام، من تدهور للاقتصاد واستمرار الحرب وانعدام الأمن، له انعكاسات سلبية على المشهد الثقافي السوري الراهن، ووضع الأدباء في الخارج هو أفضل بكثير من وضع الأدباء داخل سوريا، فنحن على الأقل ننعم بالأمان والسّلام، ولدينا الوقت الكافي لنكتب ولنبدع، وهو ما انعكس على حياتي إيجاباً.
فخلال سنوات قليلة استطعت كتابة وتأليف حوالي 150 كتاباً للطفل، وحصلت على جوائز مهمة، كجائزة 'اتصالات' لكتاب الطفل عن أفضل نص، وجائزة 'الملتقى العربي لناشري كتب الأطفال' ووصل كتابي 'أنا لست أنت' للقائمة القصيرة لجائزة 'الشيخ زايد للكتاب'، كما حصلت منذ أيام على جائزة 'ملتقى ابن المقرب' عن مجموعة قصصية للأطفال. أعتقد لو بقيت في سوريا لم أكن لأحقق أي إنجاز إبداعي حقيقي بسبب الحرب".
انحزت للضحايا بالدرجة الأولى
أما الروائي والشاعر السوري الكردي هوشنك أوسي، المقيم ببلجيكا، فيقول: "حاولت ألا أكون تقليدياً في تناول الكارثة، منذ بدايات الثورة السلمية، ثم انزلاقها نحو العسكرة والحرب الأهلية، واستباحة البلاد من قبل قوى إقليمية ودولية، وأشرت إلى مسؤولية النظام والمعارضة عن ذلك.
لكن قياس مستويات التأثير على كتاباتي الشعرية والروائية متروك للنقّاد والقرّاء، وهل نجحت محاولاتي في نقل ذلك الواقع بطريقة مختلفة أم لا؟ انحزت للثورة وانتقدتها بشدّة. ثم انحزت للضحايا بالدرجة الأولى".
هوشنك أوسي
وعند سؤاله عن تأثير الغربة على إبداعه الأدبي، أجاب: "لا أسميها غربة، بل مهجر. وكلمة 'مهجر'، أضعها بين قوسين. فما منحني المهجر، هو أضعاف ما سلبني الوطن، بفعل النظام الحاكم له. أضاف إليّ المهجر، أو الوطن الثاني، الكثير بما لا يمكنني قياسه".
هوشنك أوسي: "حاولت ألا أكون تقليدياً في تناول الكارثة، منذ بدايات الثورة السلمية، ثم انزلاقها نحو العسكرة والحرب الأهلية"
وحول تحديات المشهد الثقافي يقول: "التحديّات كثيرة وكبيرة. أبرزها الاستبداد، الفساد، الفقر، انعدام الحريّات في الوطن، وأيضاً عدم الاندماج في بلدان المهجر. الفساد نقله بعض المثقفين السوريين معهم إلى الشتات، ومنطق وذهنيّة الشلل والمحسوبيّات المنتشر في المهجر، كان يعيش أزمة، فاقمتها أزمة كورونا، وزادت الطين بللاً".
ويضيف: "واقع المشهد الثقافي السوري منقسم على نفسه بحدّة، بين موالاة للنظام الحاكم ومعارضة موالية للخارج، وتحديداً تركيا. قلّة قليلة حافظت على استقلاليّتها مع مناهضتها الاستبداد والفساد الحاكم في البلاد. وسط ذلك، حقق ويحقق المبدعون والمبدعات السوريات، بعض الانجازات التي تبعث الأمل والفخر في النفوس السورية الجريحة".
نعيش في قعر الجحيم
أما الروائي السوري ثائر الزعزوع، المقيم بفرنسا، فيؤكد أنه لا يمكن للكاتب أو المبدع أن يعيش في معزل عما يحدث في محيطه، فكيف إذا كان ما يحدث حدثاً تاريخياً ومأساوياً كالحدث السوري، فسوف يترك آثاراً كبيرة على الحركة الإبداعية بشكل عام، وسوف يسيطر عليها إن جاز قول ذلك.
ويقول الزعزوع: "طبعاً كوني كنت مشاركاً في الحدث من بدايته، فقد انخرطت كلياً من خلال عملي الصحفي أولاً، ولاحقاً من خلال النصوص التي كتبتها، ولا أعتبر أن تجربة المنفى سوى تفصيل من الحدث بشكل عام، أن يولد النص بعيداً عن بيئته، ويعيش ويحاول إثبات وجوده. بعيداً عن الاحتكاك المباشر مع المتلقي".
ثائر الزعزوع
ويضيف: "ما يواجهه المبدعون في الداخل تتفاوت درجته، في ذلك الداخل الذي نتحدث عنه، فسوريا ليست كياناً واحداً الآن، لكنها كيانات مختلفة، وكل واحد من تلك الكيانات تختلف شروطه وشكل القوة المسيطرة عليه. وهذا سؤال لا يمكن الإحاطة فيه بإجابة واحدة، ولا في عجالة، لكن الظروف بشكل عام تدفع المبدعين لمزيد من الانغلاق والبحث عن خلاص لنصوصهم، أو أن يبتعدوا قدر المستطاع عن الواقع، ويبحثوا عن حلول فانتازية، كيلا يقعوا فريسة للتأويلات التي قد تؤدي إلى اعتقالهم أو هلاكهم.
ثائر الزعزوع: "نحن نعيش في قعر الجحيم، وندعي أننا قادرون على الخلاص، لكن ذلك ليس صحيحاً أبداً وهذا ليس يأساً، لكنه وصف دقيق للحالة"
واقع النشر الورقي عالمياً يعيش أزمة، وقد ترك وباء كورونا آثاره عليه بشكل واضح، ولا يمكن إنكار أن الناشرين الآن يعيشون ما يشبه حالة إفلاس في الكثير من الدول، وأعرف ناشرين لم يطبعوا كتاباً منذ ستة أو سبعة أشهر".
ويتابع: "المشهد الثقافي السوري بائس جداً، وقد عصفت به رياح عشر سنوات من التشظي، وهو في حاجة ماسة إلى بعض الوقت كي يستقر على شكل ويعود لرسم ملامحه من جديد، وأي محاولة لتجميل الصورة هي خداع للذات أولاً، قبل أن تكون خداعاً للآخرين.
نحن نعيش في قعر الجحيم، وندعي أننا قادرون على الخلاص، لكن ذلك ليس صحيحاً أبداً وهذا ليس يأساً، لكنه وصف دقيق للحالة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Tester WhiteBeard -
منذ 19 ساعةtester.whitebeard@gmail.com
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 4 أيامجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ أسبوعمقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ اسبوعينعزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...