شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"زوجي يشتري الكتب ولا يقرؤها"... عندما تصبح مكتباتنا واجهات لديكور المنزل

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 7 أغسطس 202104:12 م

لا ينمو العقل إلا بالقراءة والاطلاع. هكذا يقول الحكماء.

لكن، يبدو أن واقعنا فرض شيئاً آخر، فمع الوقت تحولت المكتبات في بعض البيوت إلى مجرد ديكور يزين المنزل، وأصبح البعض يتلهفون لشراء الكتب للتباهي، وادّعاء الثقافة، والتفاخر في ما بينهم، فتتكوم الكتب من دون أن يعرفوا ما الذي بين أغلفتها من معلومات، وقيمة، وثقافة.

ازدياد هذه الحالات، ووجودها بشكل ملحوظ في المجتمع، كانا دافعين للتطرق إليها لنعرف: ما السبب الذي قد يحول الكتب إلى مجرد سبب للتباهي؟ والمكتبات إلى واجهة اجتماعية لا قيمة حقيقية لها؟


"هل كل من عنده مكتبة يقرأ؟"

على الرغم من أن هناك فئة كبيرة تقرأ، وتقدر قيمة الكتب، إلا أن البعض ينظر إلى الأمر بشكل مختلف. تقول رحاب عبودة (34 سنة) من محافظة كفر الشيخ، لرصيف22: "أنا تعليمي متوسط، وليست لي طاقة كبيرة على القراءة، وزوجي كذلك، لكني فوجئت عندما تزوجنا أنه خصص ركناً كبيراً من الصالة للمكتبة، ووضع لها ديكوراً تعدت كلفته آلاف الجنيهات".

تحولت المكتبات في بعض البيوت إلى مجرد ديكور يزين المنزل، وأصبح البعض يتلهفون لشراء الكتب للتباهي، وادّعاء الثقافة.

أضافت رحاب، وهي ربة منزل: "سألته عن سبب إنشاء هذه المكتبة، وتوقعت أنه ربما يحب القراءة، على عكسي، لكنه أخبرني أن أصدقاءه كلهم، لديهم مكتبات فخمة جداً في منازلهم. اعترضت على تقليده الأعمى لهم، ولكني لم أقف عند هذه القضية كثيراً، ثم فوجئت أنه اشترى كتباً، ووضعها في المكتبة للتباهي فحسب، ومر الآن على زواجنا عامان، ولم يفكر أحدنا في أن يفتح كتاباً واحداً منها. ومن وقت إلى آخر، أنظف هذه الكتب، فربما يقرأها أولادي في المستقبل، ولا يذهب ثمنها هباء".

"المكتبة أصبحت مخزناً نضع فيها ألعاب الأولاد والأنتيكات، وأحياناً أرصّ فيها ملابس قديمة أستغني عنها"، هذا ما قالته سعيدة سالم من محافظة البحيرة، وهي تعمل بائعة في أحد المحال التجارية.

وأوضحت السيدة الأربعونية لرصيف22: "عندما تزوجت، كانت الموضة في قريتي أن يكون في البيوت الجديدة مكتبة، وكانت شقتي واسعة مكونة من أربع غرف، فقرر زوجي أن يطلب من النجار مكتبة كبيرة لنضعها في واحدة من هذه الغرف، ووقتها سألته هل تقرأ؟ فضحك، وقال: وهل كل من عنده مكتبة يقرأ؟".

سعيدة أضافت، وهي تضحك: "كان من يزوروننا في بداية الزواج، يعبرون كلهم عن إعجابهم بالمكتبة، لكنها كانت تضم كتب المدرسة التي جئت بها من منزل والديّ، فحسب، وكذلك فعل زوجي، إذ استلف بعض الكتب من أصدقاء له. مع مرور السنوات لم تعد للمكتبة أي قيمة، فصرت أضع فيها لعب الأولاد، وكانوا يلعبون بالكتب ولا أحد فينا يهتم بها بشكل حقيقي".


تقليد أعمى

"إنشاء المكتبات في بعض البيوت إن كان أصحابها لا يقرؤون، قد يكون مجرد تقليد أعمى". هذا ما يقوله الخبير الاجتماعي في الجامعة الأمريكية الدكتور سعيد صادق، ويفسر الأمر في حديثه لرصيف22: "بعض الأشخاص يحدثون أنفسهم بأنهم سيصبحون مثل آخرين يعرفونهم، أو ربما يمنّون أنفسهم بأنهم سيقرؤون في المستقبل، ويتحول الأمر، مع مرور الوقت، إلى مجرد استعراض، وتكون المكتبة مجرد زينة كتلك التي نراها في مشهد سينمائي جزءاً من الديكور، من دون أن يكون وجودها موظفاً في العمل".

أستاذ علم الاجتماع أكمل مضيفاً: "هذه الظاهرة كانت موجودة سابقاً، في الموسيقى، مع الأقراص المضغوطة ‘السيديهات’ التي كان الناس يتباهون باقتنائها، ثم أصبحت الكتب أيضاً سبباً للتفاخر، فقد يرغب الأب مثلاً بأن يثبت لزوج الابنة، أو للزوار، بأن عائلته مثقفة، وقد يشتري الشخص الكتب بغرض قراءتها والاستزادة والمعرفة، ولكنه لا يستطيع بسبب ضيق الوقت".

"فوجئت عندما تزوجنا أنه خصص ركناً كبيراً من الصالة للمكتبة، ووضع لها ديكوراً تعدت كلفته آلاف الجنيهات. سألته عن سبب إنشاء هذه المكتبة، فأخبرني أن أصدقاءه كلهم، لديهم مكتبات فخمة جداً في منازلهم"


هوس الكتب

بالنسبة إلى البعض، قد لا يقتصر الموضوع على إنشاء المكتبات من دون جدوى فحسب، بل قد يتحول إلى هوس بشراء الكتب، من دون الاهتمام بفتحها حتى، كما يخبرنا الدكتور صادق.

سامر سعيد (38 عاماً)، من محافظة الجيزة، تحدث إلى رصيف22 عن هوس زوجته بشراء الكتب: "لدينا مكتبة كبيرة في المنزل، نضع فيها عدداً من الكتب التي نحب الاطلاع عليها، من وقت إلى آخر، بحكم عملنا، أنا وزوجتي، في مجال المحاماة. لكن الأمر تحول معها إلى حد الهوس، فهي تشتري كتباً غالية جداً، ومجلدات يتعدى سعرها مئات الجنيهات، ثم تضعها في المكتبة، من دون أن تقترب منها".

المكتبة أصبحت مخزناً نضع فيها ألعاب الأولاد والأنتيكات، وأحياناً أرصّ فيها ملابس قديمة أستغني عنها.

سامر أضاف: "عندما تعرف زوجتي أن هناك كتاباً جديداً يتعلق بالقانون مثلاً، أو غير ذلك، تشعر بالإثارة، وتلح من أجل شرائه، وفي كل مرة كنت أتخيل فيها أنها ستترك كل شيء في حياتها، لتبدأ بقراءته على الفور، لكنها تشتريه، وتضعه في المكتبة، فحسب، وتتركه من دون أن تقرأه. في إحدى المرات، زارتنا إحدى زميلاتنا، فأرتها زوجتي الكتب النفيسة التي لديها، وتباهت أمامها بمجموعتها الغالية، والنادرة، التي تستمتع كثيراً بقراءتها، وعندما طلبت الصديقة استعارة هذه الكتب، رفضت زوجتي، وتحججت بأنها لا تستطيع الاستغناء عنها. كدت أموت من الضحك، ولولا خوفي من غضبها، لكنت اعترفت بالحقيقة".

زوج علياء عماد، وهي سيدة خمسونية تعيش في القاهرة، لديه الهوس ذاته. تقول في حديث لرصيف22: "اكتشفت الأمر عندما وجدت زوجي، وهو رجل أعمال، يلتقط صوراً له مع المكتبة، كلما اشترى كتاباً جديداً، وينشرها على فيسبوك، ويفرح بتلقي التعليقات عن سعر الكتاب، وأهميته، وعن التعظيم في ثقافته، وغير ذلك. وكانت مفاجأة لي بعد ذلك، أن اكتشفت أن زوجي لا يهوى قراءة مثل هذه الكتب العلمية، أو المتعلقة بالأعمال، ويحب الكتب الخفيفة فحسب، لكنه يشتري تلك الكتب للتفاخر بين أصدقائه".

أضافت علياء متحدثة عن هوس زوجها: "عندما يحضر ضيوف إلى منزلنا، يأخذهم في جولة إلى غرفة مكتبه التي يضع فيها المكتبة الكبيرة، ويُخرج منها كتاباً تلو الآخر، ليبدأ الضيوف بالتعبير عن انبهارهم، ويسعد زوجي، وتلمع عيناه عند سماع مديحهم، ويبدو أن هذا فعلاً يسبب له حالة من السعادة أنا لا أفهمها، ولم أحاول أن أتكلم معه يوماً عنها".

سعيد سليمان، موظف معاش من محافظة القليوبية، تحدث عن هوس ابنته بشراء الكتب، وقال لرصيف22: "ابنتي حديثة التخرج من كلية التجارة، وقد اعتادت شراء الكتب منذ سنوات. في البداية كانت تقرأها من وقت إلى آخر، ولكن منذ سنوات أصبحت تشتري الكتب بشراهة مع صديقاتها، فتذهب إلى معرض الكتاب، وتنفق مئات الجنيهات، ثم تضع الكتب في المكتبة، ونادراً ما أجدها تقرأ واحداً منها".

أضاف سعيد (63 عاماً): "أصبحت ابنتي تقلد زميلاتها فحسب، والموضوع أصبح لعبة بالنسبة إليها، فهي تحب فكرة اقتناء الكتب، أكثر من حبها الاطلاع عليها. أكلمها باستمرار لتتخلص من هذه العادة، ولكني أشعر أنها لا تقاوم حبها للشراء".

"عندما تعرف زوجتي أن هناك كتاباً جديداً يتعلق بالقانون مثلاً، تشعر بالإثارة، وتلح من أجل شرائه، وفي كل مرة كنت أتخيل فيها أنها ستترك كل شيء في حياتها، لتبدأ بقراءته على الفور، لكنها تشتريه، وتضعه في المكتبة، فحسب، وتتركه من دون أن تقرأه".


محاولة لتقدير الذات

أستاذ الصحة النفسية والتنمية البشرية، الدكتور عنتر سليمان، فسر الظاهرة لرصيف22 بقوله: "الاهتمام بالمظاهر جزء من فلسفة الثقة بالنفس، والتقدير الذاتي، والاهتمام بالآخرين، وله مذاهب عدة، فهناك من يهتم بمكان السكن، وهناك من يهتم بالشهادات، أو اللبس، أو السيارات، أو الأكل. حالة التجمل هذه، وإيجاد مصدر للثقة، والتقدير الذاتي، هي سلوك شبه طبيعي، وكلما اتجه نحو أمر مفيد، كلما كان جيداً من الناحية النفسية، والصحية، في حين قد تنم أشكال معينة من هذه الحالة، عن ضعف الثقة بالذات، وأمام الآخرين، وتتجه نحو الأمور الزائفة والاستهلاكية".

ويضيف المتحدث أن الاهتمام بالكتب داخل المنزل، من باب التفاخر، وكجزء من الديكور، ينم برأيه عن ضعف الوعي بقيمة الكتاب، والمكتبة، كوسيلتين لتحسين حياة الناس، "فهنا يصبح الكتاب بلا قيمة، وينعكس الأمر على استخداماته. وهوس شراء الكتب، لمجرد الانبهار بأغلفتها، ينم عن خلل، أو اضطراب، بقيمة الأشياء لدى الإنسان، ونحن هنا أمام اضطراب في الشخصية، يحتاج إلى انضباط".

الخبير الأسري، ومدرب التنمية الذاتية، أضاف: "وجود الكتب في البيت قد يكون مغرياً، فقد نفتح الكتب في وقت الملل، ولكن مع كون الكتب الإلكترونية أصبحت في متناول الناس كلهم، فإن الأجيال الجديدة غالباً لا ترغب في التعامل مع الكتاب الورقي، وتكون الكتب بالنسبة إليها مجرد ديكور. في النهاية، هوس الشراء هو سلوك معيب للشخصية، وكذلك إنشاء المكتبات من دون استخدامها بشكل صحي، وسليم، ومفيد للعقل والنفس".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image