"مبعرفش أرقص ومبحبش الرقص"، بهذه الكلمات كنت أهرب في أي مناسبة تجتمع فيها الفتيات ويرقصن. كنت أكتفي بالوقوف في زاوية بعيدة عنهن، أشاهدهن وهن يتركن لأجسادهن عنان الحرية في وصلات من الرقص الشرقي بكل احترافية، وعندما يقترب مني أي شخص ويطلب مني بأن أشاركهن الرقص، أردّ بأنني لا أجيد الرقص الشرقي ولا أحبه من الأساس.
ظللت هكذا منذ طفولتي وحتى فترة طويلة أشعر بالخجل الشديد لمجرد التخيل بأنني أرقص أمام أي شخص، أو التخيل أنني أعبر عن عشقي للرقص الشرقي، ولم يتوقف الأمر على مجرد الخجل، بل كان ينتابني شعور بأنني إذا صرّحت بحبي للرقص الشرقي سوف يحكم الجميع بأنني فتاة "غير متربية".
قد يرجع السبب في ذلك إلى تفكير عائلتي وحكمهم على الفتاة التي تعرب عن حبها للرقص بأنها فتاة جريئة أو غير مهذبة بالقدر الكافي، لذا كنت أكتم بداخلي حبي للرقص وأمارسه سراً في غرفتي دون أن يراني أحد، حتى بالمناسبات العائلية كالأفراح وأعياد الميلاد كنت أرفض مشاركة الفتيات الرقص.
شعرت بعد انتهاء حصة الرقص بحرية وسعادة لم أشعر بهما منذ فترة طويلة، وسألت نفسي: "معقول حصة رقص واحدة تعمل نتيجة أفضل من أدوية الاكتئاب اللي باخدها من شهور طويلة؟"
ومنذ أيام، وأنا داخل صالة التمارين الرياضية "الجيم"، وجدت إعلاناً بأن المركز سوف يوفّر حصصاً للنساء لتعليم فنون الرقص الشرقي. لم أتردّد لحظة في الاشتراك بتلك الحصص، وبالفعل دخلت صالة الرقص وبدأت أتابع الحاضرات بعيني وهن يقمن بتقليد الحركات التي تقوم بها مدربة الرقص.
في الدقائق الأولى كاد شعوري بالخجل أن يدفعني لأن أغادر المكان بأكمله، فعضلات جسدي توقفت بشكل تام، ولم أتمكن من تقليد حركات مدربة الرقص واكتفيت بأن أشاهد المدربة والحاضرات فقط، ثم وجدت جسدي يندمج مع نغمات الموسيقى، وبدأت أقلّد حركات مدربة الرقص، وبدأ الخجل يتلاشى حتى تركت لعضلات جسدي عنان الحرية كاملاً، وانطلقت بكل تحرر من أي شعور زائف بالخجل، بل إنني خرجت عن مسار الحركات التي كانت تؤديها مدربة الرقص وبدأت أرقص بعشوائية دون الالتفات للمدربة.
والآن أقول بكل حرية: "أنا أعشق الرقص الشرقي"
الغريب في الأمر أنني شعرت بعد انتهاء الحصة بحرية وسعادة لم أشعر بهما منذ فترة طويلة، وسألت نفسي: "معقول حصة رقص واحدة تعمل نتيجة أفضل من أدوية الاكتئاب اللي باخدها من شهور طويلة؟".
فوجدت الإجابة بـ"نعم"، فحقاً حصة رقص واحدة كان لها مفعول السحر في التقليل من شعوري بالقلق والاكتئاب اللذين يسيطران على حالتي النفسية منذ فترة طويلة. نعم حصة رقص واحدة كانت بمثابة كبسولة علاج من الاكتئاب، لا تقل في أهميتها عن أدوية مضادات الاكتئاب التي أتناولها يومياً.
الأمر لم يكن مجرد حصة أو جلسة رقص شرقي، ولكنه كان أقرب لاسترداد الحياة بداخلي وكأن جسدي كان يعلن أثناء الرقص عن رغبته في الحياة، ورغبته في العلاج من الاكتئاب أيضاً.
وإذا تحدثنا على أرض الواقع سوف نجد أن الراحة النفسية التي شعرت بها بعد حصة الرقص شيء طبيعي، وأن الرقص بالفعل له مفعول السحر لمريض الاكتئاب. هذا ما جاء وفقاً لدراسة خاصة بالصحة النفسية من جامعة كاليفورنيا عام 2021، أثبتت أن الرقص من العلاجات الهامة للصحة النفسية، حيث استندت الدراسة على استطلاع شمل ألف راقص على مستوى العالم، مصابين بالاكتئاب والقلق، أو لهم تاريخ في الصدمات النفسية، وأجمعت تلك الدراسة أن الرقص بمختلف أنواعه ساهم في علاج وتحسين الحالة النفسية لـ 89% من هؤلاء الراقصين، كما قارن الباحثون بين تأثير المشي ورياضة التمدد والرقص، وكان للرقص التأثير الإيجابي الأكبر على مرضى الاكتئاب وكبار السن.
والآن أقول بكل حرية "أنا أعشق الرقص الشرقي".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...