فقدان الصوت النفسي أو "بحّة الصوت النفسية"، من أغرب الأعراض المصاحبة لحالة الاكتئاب.
تؤكد جمعية الطب الصوتي، أنّ العوامل النفسية تؤثر بطريقة سلبية ومفاجئة على جودة الصوت، واضطرابات الصوت عادةً ما تحدث بالتزامن مع سوء الحالة النفسية للمريض، فيشعر وقتها بأنه يفقد قدرته على الحديث بصوت رنّان، ولا يستطيع التحدث سوى بصوت "درامي مفاجئ"، كما وصفته جمعية الطب الصوتي.
وبحسب الجمعية، فإن أغلب الأشخاص المصابين بتلك الحالة يعتقدون في البداية أنهم يعانون من أمراض الأحبال الصوتية قبل أن يدركوا أن الأمر متعلق بالوضع النفسي.
"آلة حادّة على أحبالي الصوتية"
تقول منى سامي (33 عاماً)، وهي معلّمة لغة عربية، لرصيف22: "قبل أربعة أعوام أصبت بحالة اكتئاب شديد نتيجة خيانة طليقي الذي كانت تربطني به علاقة حب استمرت عشرة أعوام قبل الزواج، وكانت خيانته بمثابة صدمة كبيرة لي. وبعد أن ساءت حالتي النفسية توجهت إلى الطبيب النفسي، والغريب أنني وقتها فقدت قوة صوتي، أي فقدت الطبقة التي اعتدت أن أستخدمها في أثناء ممارسة عملي وبدأت أشعر بضعف شديد في طبقة صوتي ولم أتمكن من ممارسة عملي لفترة طويلة بسبب ضعف الأحبال الصوتية، فكلما كنت أحاول استخدام طبقة قوية من صوتي كنت أشعر بإرهاق شديد وكأنني استخدم آلةً حادةً على أحبالي الصوتية".
وتضيف منى: "تم فحصي وتبيّن أنّ أحبالي الصوتية سليمة ولا يوجد ما يعيقني عن الحديث بطبقة عالية، حتى أخبرني طبيبي النفسي بأنني أعاني من حالة اسمها بحّة الصوت النفسية، والتي كانت نتيجةً للاكتئاب. ومع استمرار عقاقير الاكتئاب والجلسات النفسية، بدأ صوتي يتحسن مع تحسن صحتي النفسية، ولكن حتى الآن كلما أنتكس نفسياً تعود تلك الحالة مرةً أخرى".
بدوره، يقول عامر (اسم مستعار)، وهو مقدّم برنامج إذاعي: "لم أكن أتصور أن الحالة النفسية تؤثر على الصوت. قبل تسعة أعوام، فقدت ابنتي وزوجتي في حادث سيارة، ومنذ أن علمت بالخبر أُصبت ببحّة غريبة في صوتي، وكنت أبذل مجهوداً شاقّاً لأتحدث، وهو ما أعاقني عن عملي".
"تم فحصي وتبيّن أنّ أحبالي الصوتية سليمة ولا يوجد ما يعيقني عن الحديث بطبقة عالية، حتى أخبرني طبيبي النفسي بأنني أعاني من حالة اسمها بحّة الصوت النفسية"
يتابع: "قمت بزيارة أطباء متخصصين في الأنف والأذن والحنجرة، وتبيّن أنني لا أعاني من أي خلل عضوي، حتى بدأت أقرأ على الإنترنت وأستعين بالمجلات الطبية، ووجدت أن الحالة التي أعاني منها سببها الرئيس هو الاكتئاب، ومنها توجهت إلى طبيب نفسي وبدأت أتابع معه، وبالفعل حين بدأت بالتعافي النفسي بدأ صوتي يعود لطبيعته، وهنا أدركت أن الاكتئاب وحش يجب الهيمنة عليه قبل أن يلتهم كل جزء في الإنسان".
خلل في أوامر المخّ لصندوق الصوت
في حديثها إلى رصيف22، تقول الدكتورة رضا الكرداوي، وهي مذيعة في إذاعة الشباب والرياضة ومدربة الإعلام الرقمي، إن هناك اعتقاداً خطأً بأن الأحبال الصوتية عبارة عن وترين عندما يمر بهما الهواء يتحركان ويخرج الصوت. الصحيح هو أن الأحبال الصوتية عبارة عن أزواج من العضلات بينها فتحة "صندوق الصوت"، تنغلق أو تنفتح حسب طبيعة الصوت: "الصوت له أنواع وطبقات تختلف بحسب تلك الفتحة، وهي المتحكمة أيضاً في اختلاف مخارج الحروف والتحكم بطبقات الصوت، أي إذا كانت الطبقة ضعيفةً فهذا يعني أن فتحة الصوت شبه منغلقة، بينما إذا كانت الطبقة عريضةً فهذا يعني أن الفتحة مفتوحة بشكل جيد وتمرّ منها كمية هواء جيدة".
وتضيف رضا: "إن فتحة الصوت تنفتح وتنغلق عن طريق أوامر المخ، وحين يصاب الإنسان باكتئاب يحدث خلل في تلك الأوامر بسبب الاضطراب والخلل في كيمياء المخ، ومنه تصدر الأوامر بشكل غير طبيعي لفتحة الأحبال الصوتية، وتالياً يخرج الصوت في حالة غير حالته الطبيعية، خاصةً أن هذه الأوامر حين يصدرها المخ لفتحة الصوت تمرّ بعصيبات وألياف عصبية تتأثر بخلل كيمياء المخ المصاب بالاكتئاب ما يصيب تلك العصيبات بالانسداد وعدم وصول الأوامر بشكل سليم، ومنها يحدث خلل أو ارتعاش وضعف في الصوت".
"لم أكن أتصور أن الحالة النفسية تؤثر على الصوت. قبل تسعة أعوام، فقدت ابنتي وزوجتي في حادث سيارة، ومنذ أن علمت بالخبر أُصبت ببحّة غريبة في صوتي، وكنت أبذل مجهوداً شاقّاً لأتحدث، وهو ما أعاقني عن عملي"
وتشير رضا إلى أنّ هناك سبباً آخر لضعف الصوت لدى مرضى الاكتئاب، هو أنّ قوة الصوت في الأساس تعتمد على طاقة الجسم والمواد الغذائية التي يتناولها الإنسان خلال اليوم: "أغلب مرضى الاكتئاب يعانون من خلل في الشهية وعدم الهضم بشكل جيد، ما يعيقهم عن تناول الطعام والشراب بصورة صحية، وتالياً تفتقر أجسادهم إلى الطاقة، لذا حين نقوم بتدريب المذيعين الجدد نخبرهم بأن الحالة النفسية والطاقة من أساسيات قوة الصوت، وهناك العديد من الحالات التي تعود لمذيعين فقدوا عملهم بسبب الاضطرابات الصوتية التي طرأت على أصواتهم بسبب سوء حالتهم النفسية".
الاكتئاب يؤثر على وظيفة الجهاز الصوتي وبنيته
أُجريت دراسة في جامعة "هاينان" في الصين، على 47 طالباً مصابين بالاكتئاب (42 من الإناث و5 من الذكور)، تراوحت أعمارهم/ نّ بين 18 و24 عاماً، وتم استخدام قراءات صوتية قاموا بها عبر مسجّل صوت، فتبيّن أن التنبؤ بشدة الاكتئاب يعتمد على الصوت، كما لاحظ الباحثون أنه يمكن للسمات الصوتية التنبؤ بسرعة وفعالية بمدى شدة الاكتئاب ما يوفر طريقةً فعالةً منخفضة التكلفة لفحص المرضى المصابين بالاكتئاب.
كما خلصت الدراسة إلى أن حالات الاكتئاب تؤثر بشكل كبير على وظيفة وبنية الجهاز الصوتي حيث يميل أصحاب المشاعر الإيجابية إلى صوت أعلى وأوضح بينما تتسبب المشاعر السلبية في انخفاض الصوت وبطئه.
"هناك الشلل الصوتي الهستيري، وهو من أعراض الاضطرابات النفسية الانشقاقية، في هذه الحالة، لا يتكلم المريض نهائياً، وهناك أيضاً الصمت الاختياري أو الخرس الاختياري، أي أن يمتنع الشخص عن الكلام في مواقف محددة أو مع شخص معيّن أو في مكان بعينه، ويصنّف كأحد صور القلق النفسي"
في السياق نفسه، يقول الدكتور علي الشامي، استشاري الطب النفسي، لرصيف22، إنّ تغيّر الصوت من الأعراض المهمة لتشخيص الاكتئاب: "مع استبعاد الأسباب العضوية نجد أن تغيّر حدّة الصوت وقوته من بين أعراض الاكتئاب".
ويضيف الشامي أن هناك أيضاً مرضاً نفسياً معروفاً يُسمّى الشلل الصوتي الهستيري، وهو من أعراض الاضطرابات النفسية الانشقاقية: "في هذه الحالة، لا يتكلم المريض نهائياً، وهناك أيضاً الصمت الاختياري أو الخرس الاختياري، أي أن يمتنع الشخص عن الكلام في مواقف محددة أو مع شخص معيّن أو في مكان بعينه، ويصنّف كأحد صور القلق النفسي وهو شائع بين الأطفال خاصةً في مرحلة الدراسة المبكرة".
ويختم الدكتور علي الشامي، حديثه بالقول إنه "عند حدوث أي تغيّر في صوت أو كلام الشخص، وعندما يتبيّن أنه لا يعاني من أي مرض عضوي، فإنه يجب عليه التوجه إلى الطبيب/ ة النفسي/ ة على الفور لمساعدته على تخطّي هذه المشكلة".
من الجدير بالذكر أن هناك عدداً من مشاهير الوطن العربي أصيبوا ببحّة الصوت النفسية، مثل أميمة البدري مراسلة قناة dmc، التي أعلنت عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أنها فقدت النطق فجأةً بعد تعرّضها لأزمة نفسية حادة، وأوضح الطبيب المعالج لها أنها تعاني من حالة تسمّى بحّة الصوت النفسي، وهو ما أعلن عنه مطرب المهرجانات مسلم، من خلال ستوري عبر موقع إنستغرام، أكد من خلالها أنه فقد صوته بسبب الضغوط وسوء حالته النفسية، كما عانت البلوغر سلمى عبد العظيم، من الحالة نفسها أيضاً بسبب الاكتئاب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نايف السيف الصقيل -
منذ يوملا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 4 أياممقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ 6 أيامتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه
بلال -
منذ 6 أيامحلو
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 6 أيامالمؤرخ والكاتب يوڤال هراري يجيب عن نفس السؤال في خاتمة مقالك ويحذر من الذكاء الاصطناعي بوصفه الها...
HA NA -
منذ أسبوعمع الأسف