وُلد المسيح في عائلة يهودية في الأساس، ورغم ذلك هم أول مَنْ كذبه نبوته. اتفق علماء دراسة الأديان أن الإنجيل دٌوَّن نحو عام 70 م، أي بعد وفاة المسيح بنحو أربعين عام. ويليه كل من إنجيلَي لوقا ومتى اللذين دُوّنا خلال عامَي 80 م و90 م، وأخيراً إنجيل يوحنا الذي دُوَّن بين عامَي 100 م إلى 110 م، فأصبحت الأناجيل الأربعة بمثابة تعاليم شفوية وسيرة حياة، فتناقلت الجماعات المسيحية الأولى أقوال المسيح وأعماله كما وصلت إليها عن طريق تلاميذه المباشرين ممن رافقه عبر مسيرته التبشيرية القصيرة، فعكف أفراد الجيل الذي عاصر المسيح على تدوين مسيرة المسيح وتعاليمه، وسُمّي بالعصر الرسولي، كما أوضح المفكر "فراس السواح" في كتابه "ألغاز الإنجيل".
بينما شرع أحبار اليهود في كتابة الأدب الحاخامي، بدايةً من القرن الأخير من عصر الهيكل الثاني حتى عام 500 م، وهم من قاموا بوضع الشريعة التي شكلت حياة اليهود ورسموا إطارها الروحي والثقافي في مؤلفاتهم، مثل: المشنا (وهي شروح وتفاسير العهد القديم وتتضمن الشرائع اليهودية التي وضعها معلمو المشنا "تنائيم" على مرّ ستة أجيال)، والتوسفتا (وهي كلمة آرامية، تعني التذييل أو الزيادة والإضافة، وهي عمل تشريعي مُلحق بالمشنا مكمل لها، وورد في التلمود ذِكرٌ لأكثر من تذييل، ويتكون من ستة أقسام تحمل عناوين أقسام المشنا ذاتها)، وعشرات المدراشيم (المدراش هو منهج في تفسير العهد القديم يحاول بتعمق فهم أسفاره، والتوسع في فهم النصوص والألفاظ لتصل إلى المعاني الخفية التي تصل أحياناً إلى سبعين معنى لكلمة الواحدة)، والتلمودين (البابلي والأورشليمي). والتلمود هو أهم الكتب اليهودية، وهو الشريعة الشفوية، وتفسير الحاخامات للشريعة المكتوبة أي العهد القديم. والتلمود خاص أكثر بالأحكام الشرعية أو مجموعة القوانيين الفقهية اليهودية وسجل للمناقشات التي دارت عن الحلقات التلمودية الفقهية حول المواضيع القانونية (هالاخاه-الشريعة)، أو الوعظية في شكل قصص تأخذ أحياناً ملمحاً أسطورياً وتسمى "أجاداه".
ينقسم التلمود إلى نوعين: التلمود الفلسطيني أو الأورشليمي وكُتب في طبرية وجليل، والتلمود البابلي الذي كُتب في العراق (بابل)، أثناء الحلقات التلمودية التي عقدت في "يشيفا" (أي جلسات علم). وبالطبع تأثر إنتاج الحاخامات بالعديد من الثقافات والأديان التي حاولوا أن يطوعوها وفقاً لما يعتقدون به، مثل الوثنيين، والسامريين، وأخيراً المسيحية.
بدايات ظهور المسيح عيسى في الأدب الحاخامي
أخذت صورة المسيح عيسى في التفسيرات اليهودية صورةً سلبية ومليئة بالعداوة، يظهر بين طيات التفسيرات اليهودية، وكتابات الحاخامات اليهود الكبار في مختلف العصور، وليس هو فحسب، بل والدته مريم أيضاً. وبالطبع ليس ضمن رواية كاملة متماسكة الأركان، بل مبعثرة في أرجاء الأدب الحاخامي عموماً والتلمود بوجه خاص.
أخذت صورة المسيح عيسى في التفسيرات اليهودية صورةً سلبية ومليئة بالعداوة، يظهر بين طيات التفسيرات اليهودية، وكتابات الحاخامات اليهود الكبار في مختلف العصور، وليس هو فحسب، بل والدته مريم أيضاً. وبالطبع ليس ضمن رواية كاملة متماسكة الأركان، بل مبعثرة في أرجاء الأدب الحاخامي عموماً والتلمود بوجه خاص
ظهر التلمود الأورشليمي في الربع الأول من القرن الخامس الميلادي، أما التلمود البابلي فقد تمّ الانتهاء منه في نهاية القرن الخامس الميلادي، ثُم جُمعت أقوال الحكماء في المدراشيم، وهى عبارة عن مؤلفات مرتبة وفقاً لترتيب فقرات العهد القديم أو وفقاً لموضوعات مختلفة. ويذكر البروفسور "أبيجدور شنآن"،أستاذ الأدب العبري في الجامعة العبرية في القدس، ومتخصص في دراسات أدب الهاجاداه والمدراشيم، في كتابه المترجم عن العبرية "ذلك الرجل... ماذا يقول اليهود عن المسيح عيسى ابن مريم"، أن أوائل التنائيم عاصروا المسيح وتلاميذه وبولس، فكان الحاخامات في مواجهة دائمة مع الدين الجديد أي المسيحية.
ويوضح البروفسور جوهانس ماير وهو عالم لاهوت كاثوليكي ألماني متخصص في الدراسات التلمودية، في كتابه باللغة الألمانية "Jesus von Nazareth in der talmudischen Überlieferung”، أن أحد أشهر الأسماء أو الألقاب التي أشارت إلى المسيح أو يسوع، هو "ابن بانديرا". وإذا ما وضعنا أعيننا على قصة يسوع التلمودية فهي تركز على الجنس بالمعنى السلبي، سواءً في حياته أو حياة عائلته، فيُرجح أن "بانديرا" تعني "القوَّاد" من الكلمة الإنكليزية "Pander" المشتقة من كلمة تعود جذورها إلى العصور الوسطى أي "Pandare"، والتي استخدمها أبو الأدب الإنكليزي، جيفري تشوسر، (1343–1400م)، والذي استعارها بدوره من بوكاشيو، مؤلف "الديكاميرون" الخالدة، من اللغة الإيطالية "Pandro" عن اليونانية "Pandaros".
ولم يقتصر الأمر على هذا اللقب فقط، بل استعمل الأحبار ألقاباً مثل: "ذلك الرجل"، "ابن سطادا"، وغيرها، للإشارة إلى المسيح.
يوضح البروفسور بيتر شيفر، وهو أحد أشهر علماء الدراسات اليهودية في العالم، في كتابه باللغة الألمانية "Jesus im Talmud"، أن الأدب الحاخامي صمت عن نسب يسوع، ورغم ذلك نجد بعض الحكايات المشوهة من الحكايات الإنجيلية التي تكلمت عن والديه وعائلته، فذُكر بلقب "ابن سطادا"، و"ابن بانديرا"، كما وضحنا سابقاً.
وفي رسالة "شبات 104 ت" يكمل التلمود الخلفية العائلية الملغزة "للأحمق" المقصود به يسوع، "هل كان ابن سطادا، أو ابن بانديرا"؟
قال الربي (وهو لقب يطلق على الحاخام، مثل الكاهن، أو المشتغلين بالتوراة، وخاصة اليهودية الربانية أو الحاخامية، مؤسسي الفرقة الربانية، والتي كانت ذات صيت منذ القرون الوسطى وحتى الآن)، "حسدا" الزوج "بعل - בעל" كان سطادا، والحبيب/العشيق (بوعيل-בועל) كان بانديرا.
ولكن ألم يكن الزوج (بعل) بابوس بن يهودا، وكانت أمه سطادا؟
-كانت أمه (مريم) المرأة التي تدع شعر نسائها، ينمو طويلاً أو مجدلاً (שֵׂעָר - נשייה) أي (شعر نسائها).
يوضح البروفسور شيفر أن هذا النص محفوظ في المخطوطات غير الخاضعة للرقابة والنسخ المطبوعة من التلمود البابلي، واقتبس وفقاً لمخطوطة ميونخ 95 المكتوبة عام 1342م في باريس، وأن كلمة مريم ذكرت في معظم المخطوطات والنسخ المطبوعة ومخطوطة ميونخ في مبحث "السهندرين آ"، ولكن في مخطوطة الفاتيكان ترد إضافة فريدة غريبة، وهي: "أمه كانت مريم، وأبوه 'أبو ناسيه' الأمير 'ناسه'، بينما كلمة "שֵׂעָר – شعر" مفقودة في كل المخطوطات وتظهر فقط في نسخة "فيلنا" المطبوعة، كما وضح البروفسور بورتون فيسوتسكي، أستاذ دراسات الأديان والدراسات الميدراشية في أمريكا، في كتابه "Fathers of the World: Essays in Rabbinic and Patristic Literatures. Wissenschaftliche Untersuchungen zum Neuen Testament"، أن كلمة "سعر" أُدخلت إلى نسخ التلمود الأشكنازية عن طريق الربي "شُلومو يتسحاق"، وهو أحد أشهر مفسرين العصر الوسيط اشتهر باسم "راشي"، وأن العبارة الأصلية كانت فقط "مغادلا نشايا" وتعني حرفياً مربية النساء، واقترح أيضاً أنها ربما تلمح تورية إلى "مريم المجدلية" أم يسوع، أو مريم التي تجدل شعرها كما أشار أيضاً إلى ذلك، وأكده الباحث ميشيل سوكولوف، وهو أستاذ الدراسات السامية والعبرية في جامعة بار إيلان، في قاموسه "A Dictionary of Jewish Babylonian Aramaic of the Talmudic and Geonic Periods".
يذكر البروفسور جوهان جرينجير كوك ، أستاذ الدراسات المسيحية، في كتابه "The Interpretation of the New Testament in Greco-Roman Paganism"، بأن المقالة الجدلية للفيلسوف الوثني، سلوس، المكتوبة في النصف الثاني من القرن الثاني للميلاد، والذي أحتفظ بها أحد آباء الكنيسة الأوائل (أويجانس) في رده ضده (أي سلوس) بين عامَي 231 و233، قدمت أحد اليهود وهو يتحاور مع يسوع ذاته، متهماً إياه بأنه هو حقاً "مَنْ لفق قصة ولادته من العذراء"، والواقع أن اليهودي قال: جاء يسوع من قرية يهودية ومن امرأة ريفية فقيرة وكانت تعمل بالحياكة، فيقول اليهودي: إنها طُردت من بيت زوجها الذي عمل بالنجارة، لأنها اتُّهمت بالزنا، ثم يقول إنه بعد أن طردها زوجها، وبينما كانت تتجول وضعت يسوع سرّاً، ويكمل بأن يسوع كان فقيراً، فقد عرض نفسه كعامل في مصر، وهناك تعلم القوى السحرية والتي يفتخر المصريون أنفسهم بها، فعاد ممتلئاً بالزهو، بسبب بهذه القوى، وبسببها مَنح نفسه لقب "ابن الرب".
وفي شاهد آخر يعيد سلوس هذه المزاعمَ التي يضعها على فم أحد اليهود، بل يذكر اسم والد يسوع، فيقول: "لكن دعونا نرجع إلى الكلمات الموضوعة في فم اليهودي، فتوصف أم يسوع بأنها طردت من قبل النجار، الذي كان عقد خطبته عليها، وأدينت بالزنا، وبأن لها ولداً من أحد الجنود، يحمل اسم 'Panthera' (بانثيرا/بانديرا".
الأدب المشنوي والتوسفاتي وحكاياته عن يسوع
المشنا كما وضحنا هي شروح وتفاسير العهد القديم، وتتضمن الشرائع اليهودية التي وضعها معلمو المشنا الملقبون بـ"تنائيم" على مرّ ستة أجيال، وبها حكايات ورد بها يسوع. يعرض البروفسور أبيجدور شنآن بعضَ تلك الحكايات، وهي ما ورد في تفسير رابي شمعون بن عزاي بأنه وجد في أورشاليم مكتوباً فيه: "الشخص الفلاني ابن زنى من امرأة متزوجة" (بياموت 4: 13). إذاً نحن الآن أمام حاخام من القرن الثاني يذكر "الشخص الفلاني" ويزعم أنه ابن زنى لأن أمه صاحبت رجلاً أجنبياً، ونفى بعض الباحثين أن المقصود هو المسيح أو يسوع.
ومثل هذه القصة واردة في التوسفتا حول الطريقة المثلى التي يمكن بها إثبات أقوال التحريض على عبادة الأوثان: "كيف يصنعون له ذلك (المحرض) يرسلون إليه اثنين من تلاميذ الحاخامات في الغرفة الداخلية ويجلس هو في الغرفة الخارجية ويضيئون له الشموع حتى يكونا شهيدين عليه يرونه ويسمعانه (وبذلك يشهدان أنه حرض)، وهكذا صنعوا لابن سطادا (يقصد المسيح) في اللُد، أرسلوا إليه اثنين من تلاميذ الحاخامات ورجموه" (توسفتا 10: 11). ولم يفسر لقب "ابن سطادا"، ولكن لم يمنع ذلك الباحثين من الافتراض بأن الحديث عن يسوع.
حكاية أخرى في التوسفتا تقول: "صنيع لرابي إليعازر بن دما الذي لدغه ثعبان وجاء يعقوب من كفر سما لمعالجته باسم يسوع بن بنترا فرفض رابي يشماعئيل (إسماعيل) وقال له إن هذا غير مسموح له يا ابن دما" (מסכת חולין - قسم حولين 2: 22).
تحكي القصة أن أحد أبناء عائلة الحاخامات أراد التداوي بمساعدة طبيب كان يستخدم اسم "يسوع بن بنترا" لكن حاخاماً منعه حتى إذا كلفه ذلك حياته، ولكن هل "بن بنترا" هنا يُقصد بها المسيح أو يسوع؟ لم يُحسم أحد ذلك الأمر، ولكن الجدير بالذكر أن هناك العديد من المواضع التي تم بها شطب أو مسح لقب من ألقاب يسوع الذي اشتهر بها في طيات التفاسير اليهودية. ربما هي رقابة متأخرة على تلك النصوص!
أما المدراشيم، فهناك حكاية أخرى من المؤكد أنها عن يسوع: "لأن الرب يرى ورأى الأمم الساجدة للشمس والقمر والكواكب والأشجار والحجر ورأى أن هناك رجلًا بن امرأة يريد أن يصنع نفسه إلهاً، ويضلل العالم كله، وهكذا يقول: انتبهوا لئلا تضلوا وراء (ذلك الرجل)... وإن قال إنه الرب فهو كاذب، وسوف يقول إنه ابن الرب وهو ليس إلا بشر". ورد ذلك في مجموعة "مدراش بن شمعوني لسفر العدد".
المسيح/يسوع في التلمود البابلي
يوضح البروفسور بيتر شيفر أنه، وفقاً للعهد الجديد، فإن يسوع قام بالفعل بعد الصلب، كما تنبأ وظهر لتلاميذه، ولا تروي الأناجيل ما حدث له بعد قيامته، فعند "لوقا" نجده يبارك التلاميذ ويختفي ببساطة (لوقا 51: 24): "وفيما هو يباركهم، انفرد عنهم وصعد إلى السماء"، وفي مُلحق مرقس يضاف: "ثم إن الرب بعدما كلمهم ارتفع إلى السماء وجلس عن يمين -الله-" (مرقس 16: 19). أما سِفر أعمال الرُسل، فيعرف المزيد من التفاصيل: "هناك يُقدم يسوع نفسه حياً بعد آلامه وموته خلال أربعين يوماً". وفي آخر ظهور له، يَعدهم أنه بقوة الروح القُدس سينتشر الدين الجديد على كامل الأرض (سفر أعمال الرُسل، 1: 9 - 11). ونجد بعد ذلك قيامة يسوع من بين الأموات ليصعد إلى السماء وتتولى الملائكة الشرح لتلاميذه المندهشين من أنه سيعود لاحقاً من حيث أتى، أي من السماء، ومن ثَّم فإنه من الأسلم أن نفترض أنه سيبقى في السماء حتى ظهوره الأخير والنهائي على الأرض.
مرة أخرى يذكر التلمود البابلي حكاية مغايرة لحكاية العهد الجديد، وهى النقيض تماماً لما يعلنه العهد الجديد، أي أنها أغرب حكاية تصويرية عما عرضته الأناجيل؛ فوضح البروفسور إسرائيل جاكوب يوئفيل، أستاذ الدراسات اليهودية في الجامعة العبرية في القدس، في كتابه باللغة العبرية "שני גויים בבטנך، יהודיים ונצריים דימויים הדדיים" (أمتان في رَحمك-جوفكَ، تصورات عن اليهود والنصارى)، أن الحكاية التي تتعلق بعقاب يسوع في جهنم، وهى رواية أجادية واسعة حول تدمير القدس والهيكل أثناء الثورة اليهودية الأولى (66 -م73)، وآخر معقل للمتمردين خلال الثورة اليهودية الثانية أو ما تسمى "بثورة بارخوكا" (132- 136م)، والغرض من الحكاية هو معرفة لماذا تم تدمير الهيكل.
بينما يعرض عالم اللاهوت الألماني البروتستانتي، جوستاف دالمان، في كتابه "Jesus Christ in the Talmud Midrash Zohar and the Liturgy of the Synagogue"، الحكاية ذاتها من التلمود؛ فهناك شخص محدد اسمه "بار قصما" أو "قصما" تمت الإساءة له في إحدى المآدب، فحمّل الحاخامات مسؤولية جزئية عن هذه الإساءة، واشتكى السلطات الرومانية، ولم يكتفِ بهذا، بل أخبر الإمبراطور الروماني أن اليهود يستعدون لتمرد، وقدم دليلاً على هذا الاتهام، بأنهم سوف يرفضون تقديم القربان التقليدي للإمبراطور في الهيكل.
وعندما يرسل الامبراطور حيواناً لتقديمه قرباناً سيجعله "بار قصما" غير صالح للذبح هالاخيا (أي وفقاً للشريعة اليهودية)، بخلق عيب صغير في جسده (فمن مواصفات الذبائح أنها غير معيبة)، ومع ذلك يميل الحاخامات لذبح الحيوان، كي لا يسيئوا للإمبراطورية الرومانية، لكن واحداً منهم يقنعهم أن مثل هذه التوبة المذلة لن تكون مقبولة، ومن ثم، كما يختتم التلمود، تم تدمير الهيكل.
في البداية وبفوضوية تاريخية، يُرسل الرومان الإمبراطور نيرون ضد اليهود، لكن نيرون عندما يدرك أن الرب يريد استخدامه كوسيلة لمعاقبة شعبه، يهرب ويرتد عن دينه ويعتنق اليهودية. عندئذ يرسل الرومان فيسباسيان، الذي يرسل بدوره الإمبراطور "تيتوس" الذي قام بتدنيس الهيكل، عبر دخوله إلى قدس الأقداس (الذي هو امتياز خاص للكهنة فقط)، وممارسة الجنس هناك مع بائعة هوى على درج التوراة (الهيكل). لم يذكر التلمود صراحةً حرق الهيكل، إلا أن تيتوس يسرق الأواني من الهيكل كدليل على انتصاره لروما.
يكمل الراوي البابلي حكاية "أونقلوس" (لم نستطع التحري عن صحة الاسم)، على حسب الراوي البابلي، فهو بن أخت تيوس، ويبدو أنه اعتنق اليهودية. أخرج أونقلوس تيتوسَ من قبره عن طريق استحضار الأرواح، ودار الحوار التالي بينهما:
"أونقلوس: مَنْ هو المهم في هذا العالم (عالم الموتى)؟
أجاب تيتوس: إسرائيل (شعب إسرائيل–أي اليهود).
أونقلوس: ما هي عقوبتك في العالم الآخر؟
تيتوس: ما كنت قررته لنفسي: كل يوم يُجمع رمادي، فيصدرون حكمهم عليّ، فأُحرق وينثر رمادي (ثانية) فوق البحار السبع.
ثم ذَهب أونقلوس، وأخرج يسوع الناصري (يشو ناصري)، والخطائين من إسرائيل، من قبره/قبورهم عن طريق استحضار الأرواح، وسأله/سألهم مَنْ المهم في ذلك العالم؟
أجابه يسوع وجميع الخطائين: إسرائيل...
أونقلوس: ما هو عقابكم؟
يسوع/الخطائون: البراز المغلي!
لأن المعلم قال إن كل من يسخر من كلام الحكماء، يُعاقب بالبراز المغلي.
(وجدت كلمة يشو هانصري في مخطوطة الفاتيكان العبرية 130، وهي غير موجودة في المخطوطة رقم 140 الخاصة بالفاتيكان، ومثلها مخطوطة ميونيخ 95).
وذهب بلعام من قبره عن طريق استحضار الأرواح وسأله: من هو المهم في هذا العالم؟
بلعام: إسرائيل.
أونقلوس: وماذا إذاً بشأن الانضمام إليها؟
بلعام: لا تلتمس سلامهم ولا خيرهم، كل أيامك إلى الأبد. (سفر التثنية 23: 7).
أونقلوس: ما هو عقابك؟
بلعام: بالسائل المنوي المغلي!".
يفك البروفسور شفرة تلك الحكاية العجيبة في بحث بعنوان "Der Bar-Kokhba-Aufstand, Studien zum zweiten jüdischen Krieg gegen Rom"، أن الراوي البابلي (أي كاتب تلك الحكاية في التلمود البابلي)، جعل أونقلوس، ابن اخت تيتوس، وجعله يعتنق اليهودية، عكسَ تيتوس الذي دمر الهيكل، واستخرج أونقلوس عن طريق استحضار الأرواح ثلاثة أوغاد كبار في التاريخ اليهودي من قبورهم للحصول على نصائحهم!
ومن يهمنا هنا أي يسوع الناصري، فيبدو أنه موجود في "شيئول أو جِئينهوم" الذي يقابل في العربية جهنم، حيث تتم معاقبته على جرائمه وآثامه الخطيرة.
وذكرت المشنا ذات الحكاية، في مبحث السهندرين (10: 1)، بلقب "الثلاثة الخطائين الذين لا نصيب لهم في العالم القادم"، وهم: تيتوس، بلعام، يسوع الناصري.
وفق التلمود البابلي (בראכות "البركات" 17: 72).
"هكذا كانت صلوات الحاخامات عند خروجهم بعد يوم من الدراسة في بيت هامدراش: ألا يكون جمعنا (أي: الحاخامات والتلاميذ)، كجمع خرج منه أحيتوفل (الذي أراد قتل داود)، وألا يكون جمعنا كجمع شاؤول الذي خرج منه دوئيج الأدومي (الذي قتل كهنة الرب)، ألا يكون جمعنا كجمع إليشع الذي خرج منه جيحازي (الذي عوقب بالصرع لجشعه وكذبه)، ألا يكون لنا ولد أو تلميذ يفسد طعام الآخرين، (يقوم بثقافة سيئة ويتسبب في أن يفسد الآخرون بأعماله)، مثل يسوع الناصري".
حذفت الكلمات الثلاث الأخيرة من النص التلمودي الأصلي، ولكنها موجودة في طبعة الحاخام "عادين شطاينزلتس" (القدس 1968).
ويعترف الموضع السابق بأن يسوع كان من المترددين على المدراس الدينية، لكن تفوقه مثل تفوق تلميذ حاد عن الطريق المستقيم وفق ما جاء في التلمود البابلي (سهندرين 43: 71).
"أُعدم يسوع في ليلة الفصح وخرج الراعي قبله بأربعين يوم (معلناً) أنه سوف يُرجم لأنه سحر وحرض وفتن إسرائيل، وكل من يعرف له تبرئة (أي يمكن أن يدافع عنه)، ولم يجدوا له تبرئة وأعدموه، بعد أن رجم، وذلك جزاء المحرضين".
أما هذا الموضع فيحكي عن رجمه وقتله، ويذكر أن هذا هو حكم من يقوم بأعمال السحر ويحرض على العبادة الوثنية. ويؤكد البروفسور أبيجدور شنآن أن طبعات التلمود الحالية حذف منها على مرّ الأجيال أقوالهم عن المسيح، كي تسمح الرقابة المسيحية بنشر نسخ التلمود.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...