تندرج هذه المادة ضمن ملف الطريق إلى إيران، رصيف22.
"اهتمت شَهبانو بالشؤون الخيرية، والأدب والشعر، وهي صاحبة ذوق في الشعر الفرنسي كذلك. كما أنها الوحيدة في الأسرة الملكية التي تتمتع بباع طويل في الثقافة الإيرانية. بالنسبة لي كانت صفاتها نادرة بين أفراد أسرة بَهْلَوي الحاكمة، فلم أجد لديها ذرة تغطرس، وقلّما تعمل لمصالحها الشخصية. يجب أن نتمعن في دورها البارز في الشؤون الثقافية، فهي من عززت فكرة تحويل إيران على النمط الأوروبي، كما شجعت المَلِك على خلق تواصل بين الثقافة الشرقية والغربية"؛ بهذه الكلمات وصف شابور بختيار، آخر رئيس وزراء البلاد قبل سقوط النظام الملكي الإيراني عام 1979، في كتابه "لون واحد"، الملكة فرح، زوجة الشاه محمد رضا بَهْلَوي.
كانت إيران على مدى التاريخ بلاد الملوك والملكات، وبعد إزالة النظام الملكي قبل 44 عاماً، عاشت فرح في المنفى حياةً مختلفة، فقد فقدت زوجها في مصر وانتحرت ابنتها في لندن، وانتحر ابنها كذلك في الولايات المتحدة نتيجة لاكتئاب أصاب العائلة الملكية. ورغم كل ذلك ما زال أنصار الملكية يرددون اسمها وما زالت تحلم بالعودة إلى وطنها.
الفتاة الرياضية
ولدت فرح ديبا عام 1938 من أب كان ضابطاً في الجيش، وأم كانت متعلمة في مدرسة فرنسية، وبعد وفاة والدها حرصت والدتها على إدخالها نفسَ مدرستها. أحبت فرح الرياضة في مراهقتها، وأصبحت كابتنة منتخب المدرسة في كرة السلة، ونالت البطولة 3 مرات على صعيد العاصمة طهران.
بعد إزالة النظام الملكي قبل 44 عاماً، عاشت فرح في المنفى حياةً مختلفة؛ فقدت زوجها في مصر، وانتحرت ابنتها في لندن، وانتحر ابنها كذلك في أمريكا نتيجة لاكتئاب أصاب العائلة الملكية
لم تتوقف الشابة فرح عند كرة السلة فقط، بل شاركت في سباق القفز العالي، والوثب الطويل، وألعاب القوى، حتى تفوقت في جميع الألعاب. بعد تخرجها كطالبة أولى من المدرسة الثانوية، تم قبولها في معهد الهندسة المعمارية الخاصة في باريس في فرع الرسم والنحت.
ضد النظام الملكي
شاركت فرح أثناء نشاطها الطلابي في فرنسا، ضمن فعاليات حزب توده الشيوعي الإيراني، وانضمت إلى مظاهرات الحزب المنددة بسياسات النظام الملكي في بلادها.
أما في عام 1959، دعت السفارة الإيرانية لدى باريس، الطلاب الإيرانيين المقيمين هناك إلى حفل يترأسه ملك إيران عند قدومه إلى فرنسا، فكانت فرح ضمن الفريق المدعو، كما وتحدثت للحظات مع الشاه محمد رضا بَهلَوي.
بعد فترة دراستها، عادت الرياضية والناشطة الشابة إلى وطنها، والتقت بشَهْناز، بنت الشاه من زوجته الأولى فوزية أخت الملك فاروق، وفي هذا الاجتماع تم تنظيم لقاء عائلي بين الشاه (40 عاماً) وفرح (21 عاماً)، فيبدو أنه كان حفلاً خاصاً لتعرف الأسرة الملكية عليها. وبعد مرور أسبوع طلب الملك يدها، لتصبح زوجته الثالثة، بعد طلاقه من المصرية فوزية والإيرانية ثريا. وقيل كذلك إن شمس أخت الشاه، ووزير خارجيته أردشير زاهدي، أديا دوراً في اختيار فرح كزوجة الملك التي لا بد أن تلد له وريثاً لعرشه.
وفي نفس العام الذي التقت فرح بملك البلاد في باريس، أصبحت زوجته رسمياً وفق المذهب الشيعي في طهران، وأنجبا 4 أطفال هم: رضا، وفرح ناز، وعلي رضا، وليلى.
نائبة الملك
عندما قرر الملك أن يقيم حفلاً لتتويجه عام 1967، تم تتويج الملكة فرح بتاج "شَهْبَانو"، ويعني بالفارسية: السيدة الملكة، وهو لقب يطلق على زوجات الملوك أو الملكات في بلاد فارس. كما تم تعيينها كنائبة الملك إلى أن يصل ابنها رضا ولي العهد إلى عمر العشرين، حسب تصريح الدستور الإيراني.
كانت فرح مختلفة تماماً عن زوجات الملك السابق، فهي تتمتع بكاريزما قوية ودور اجتماعي وقيادي نشط في البلاد. وكانت تشرف من خلال مكتبها الخاص على مؤسسات تنقسم إلى 4 أصناف منها ما يتعلق بمجال التربية والتعليم، والطب والعلاج، والثقافة والفن، والرياضة والرفاه الاجتماعي.
أولت فرح اهتماماً كبيراً بفن وتراث البلاد، ومن هذا المنطلق كانت تزين فساتينها بفن التطريز البَلوشي، وما زالت فساتينها جزءاً من مقتنيات متحف قصر "نِياوَران" بطهران.
كانت فرح مختلفة تماماً عن زوجات الملك السابق، فهي تتمتع بكاريزما قوية ودور اجتماعي وقيادي نشط في البلاد.
وساهمت في تدشين متحف السجاد الإيراني، ومتحف الفنون المعاصرة، ومبنى مسرح المدينة، وقاعة "رودَكي" للموسيقى، وبرج "شَهْيَاد" أو "آزادي" اليوم، رمز العاصمة طهران، وكذلك أوعزت بإقامة مهرجان أفلام طهران الدولي، وسلسلة حفلات شيراز الفنية.
كما أشرفت على إنشاء مركز التنمية الفكرية للأطفال والمراهقين، والذي بقي على مدى عقود، حتى بعد الإطاحة بالنظام الملكي، من أهم المراكز التثقيفية. ويعود الفضل إليه في تربية أجيال من الكتاب والمخرجين والفنانين.
رافقت فرح شاهَ إيران في رحلاته الدولية واستضافت معه قادةَ العالم في طهران الحليفة الاستراتيجية لواشنطن وراعية مصالحها في الشرق الأوسط، وبرغم ذلك كله لم تغفل عن تواجدها بين الناس وزياراتها لمدن البلاد.
الاعتناء بالكتاب
اعتنت شهبانو إيران بالعِلم، حتى دشنت مكتبة في القصر الملكي تحتوي على 23 ألف نسخة كتاب، ولكتب تاريخ إيران والأدب الفرنسي والفنون التشكيلية مكانة مرموقة في مكتبتها.
كما قامت بترجمة كتاب "الحورية الصغيرة" للكاتب الدنماركي هانس كريستيان أندرسون إلى الفارسية، وأرفقته بـ12 رسمة من رسومها، في عام 1973، ونشرت مذكراتها تحت عنوان "ألف يوم ويوم من حياتي؛ السيرة الذاتية" باللغة الفرنسية عام 1978.
وفي نفس العام التي خطت الأميرة مذكراتها، اعتلى صوت المعارضة الإيرانية المندد بالملكية والمطالب بالجمهورية، وقد تدهورت الأوضاع الداخلية، فطلبت الدول الغربية، بما فيها أمريكا، من الشاه أن يترك البلاد، فرضخ لذلك، وغادر وطنه بصحبة أسرته وبحجة العلاج.
"تعالوا، نحن بانتظاركم في القاهرة"
حل الشاه وشهبانو في 16 كانون الثاني/يناير 1979، ضيفين على الرئيس أنور السادات، بيد أن الشاه ترك مصر كي لا يثقل سياسياً على البلاد، فانتصار الثورة وصعود الإسلاميين بقيادة آية الله الخميني لسدة الحكم، صعبت الأمر لاستقباله، ورفضت جميع الدول لجوءه السياسي، ولذلك بقي متنقلاً بين عدة دول لفترة 14 شهراً.
"تعالوا نحن بانتظاركم هنا في القاهرة"؛ هكذا ردت جيهان السادات زوجة الرئيس المصري على اتصال فرح في آذار/مارس عام 1980، عندما اشتكت جزعها من حالة التشرد وخطورة الوضع الذي عاشته عائلة الشاه في العالم، وبعد هذا الاتصال أرسل السادات طائرة رئاسية لنقل شاه إيران ثانية إلى القاهرة.
منح السادات اللجوء السياسي بعد موافقة البرلمان للأسرة الملكية الإيرانية. وأقام الشاه وشهبانو في قصر القبة بمصر، لكن بعد دخوله مستشفى القوات المسلحة لإجراء عملية استئصال الطحال، لم تتحسن حالته، وتوفي في 27 من تموز/يوليو 1980 ودفن هناك.
قرأت فرح ذات الـ41 عاماً وصية الشاه، بيد أن الملك لم يكتب وصية قط، ليكتشف الجميع أن الكتاب كان من وحي الملكة ومستشاريها، ما أثار استياء هواة الملكية، ولكنها علّقت: "بما أنني كنت إلى جانبه دائماً خلال الأيام الأخيرة من حياته، وأنا على دراية بأفكاره، فقد اعتبرت أنه من واجبي إعداد وصية له وفي مكانه".
وحرصت شهبانو على إحياء ذكرى رحيل الشاه المدفون في مسجد الرفاعي في القاهرة في كل عام، حيث تعتبر فرصتها للتطرق إلى أوضاع بلادها تحت ظل حكومة الجمهورية الإسلامية، ومقارنتها بالأجواء الملكية قبل أربعة عقود، أمام أنصار الملكية.
صدمات المنفى
من جديد عادت فرح إلى فرنسا التي درست هناك وعشقت أدبها وشاركت في مظاهرات فيها ضد النظام الملكي، والتقت الملك في عاصمتها، وأجرت أول حديثها معه. وما زالت متنقلة بين فرنسا والولايات المتحدة.
ما بعد الحياة الملكية، أصيب أفراد الأسرة باضطراب الاكتئاب الشديد، حتى انتحرت ابنتها ليلى (31 عاماً)، عام 2001، وبعد ذلك انتحر ابنها علي رضا (44 عاماً) عام 2010، لتبقى شهبانو تعيش الصدمات واحدة تلو الأخرى.
وقد نشر في إيران كتاب مذكرات والدتها "فريدة" تحت عنوان "ابنتي فرح"، ولاقى الكتاب إقبالاً واسعاً، بيد أن الأميرة كشفت أن الكتاب مزيف وعار من الصحة، وينقل ذكريات غير حقيقية، خاصة أن والدتها كانت تعيش معها في المنفى.
لكن شخصيتها القوية لم تتزعزل يوماً، فبقيت تشارك في احتفالات الملوك حول العالم مدعوة من الأسر الملكية، حتى جاء عام 2004 واحتجت إيران على إسبانيا والأردن بعد حضور الملكة الإيرانية السابقة في حفل زواج الولي العهد الإسباني والأردني في كل من مدريد وعمان. وأجل وزير الخارجية الإيراني آنذاك زيارته إلى إسبانيا كاحتجاج على ذلك.
وعملت شهبانو لقاءات صحافية كثيرة من منفاها، كما عملت على نشر مذكراتها في كتابين: "الديار القديمة، مذكرات فرح بَهْلَوي" و"الحب الدائم: حياتي مع الشاه".
رغم انتهاء الحكم الملكي منذ عام 1979، إلا أنه ما زال البعض في داخل وخارج البلاد يهوى النظام السابق، خصوصاً مع ازدياد المشاكل الاقتصادية وتضييق الخناق من حيث الحريات الفردية عبر تطبيق الشريعة الاسلامية وفق ما يريد النظام في إيران
برغم انتهاء الحكم الملكي منذ عام 1979، إلا أنه ما زال البعض في داخل وخارج البلاد يهوى النظام السابق، خصوصاً مع ازدياد المشاكل الاقتصادية وتضييق الخناق من حيث الحريات الفردية عبر تطبيق الشريعة الاسلامية وفق ما يريد النظام في إيران. وفي منتصف عام 2022 أعلنت فرح عن سعادتها للعودة إلى البلاد إن تمكنت من ذلك، وقد أثارت تصريحاتها ضجة إعلامية بين الإيرانيين.
كما شرحت: "إنه لشيء مدهش أن يتحدث البعض اليوم عن خدمة الشاه للبلد، بعد سنوات من اغتيال الشخصية الذي حدث له". وحول ما إذا عاد النظام الملكي في إيران، صرحت فرح أن حفيدتها نور (30 عاماً) ستكون ولية العهد لوالدها رضا بَهْلَوي الذي يعيش في المنفى.
تنشط فرح باستمرار على شبكات التواصل الاجتماعي، ويتابع حسابها على الإنستغرام 1.9 مليون متابع، وعلى منصة تويتر أكثر من نصف مليون، وكذلك في الفيسبوك وموقعها الإلكتروني. كما يشيد بخدماتها الباحثون والمؤرخون.
وسارعت شهبانو لدعم احتجاجات "المرأة، الحياة، الحرية" عقب وفاة مهسا أميني، كعادتها في دعم كل حركة مناوئة للنظام الإسلامي الحاكم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ يومينالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ 3 أياموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت