تندرج هذه المادة ضمن ملف الطريق إلى إيران، في رصيف22.
بين الحربين العالميتين، أحدث قائد عسكري تغييرات كبيرة في إيران وشكل تحدياً للهيمنة البريطانية والاتحاد السوفياتي على بلاده، فاستطاع إنهاء حكم السلالة القاجارية التي حكمت البلاد منذ 130 سنة عبر 7 حكام، وسعى لتأسيس أول جمهورية إيرانية، بيد أن آماله ارتطمت بصفوف المحافظين والأوساط الدينية حتى بادر بإنشاء نظام ملكي له (وخلفه ابنه) قبل أن يتم القضاء على هذا النظام بعد 54 عاماً.
من هو رضا شاه؟
ولد رضا شاه والذي كان يسمى "رضا خان" عام 1878 في بلدة "سَوادْ كُوه" في محافظة مازَندَران شمال إيران. حين كان رضيعاً توفي والده العقيد عباس قُلي خان، فانتقل مع أمه إلى طهران، وبعد زواجها مجدداً تكفل خاله بتربيته، إلى أن أودعه عند أسرة صديق العائلة وهو ضابط عسكري يسمى "تومان كاظم خان".
دخل رضا في سن مبكرة لواءَ القوزاق كجندي. وذهبت السنوات حتى أثبت جدارته العسكرية، فارتقى في الرتب حتى أصبح قائد لواء القوزاق. ولمع نجمه في أعقاب الخسائر التي خلفتها الحرب العالمية الأولى، فعلى الرغم من وقوفها على الحياد، وقعت إيران تحت احتلال الحلفاء، ودمّرها نقص الموارد والتضخم والمجاعة الكبيرة التي قضت على نحو 40 بالمئة من السكان، بينما اندلعت الثورات في عدة مناطق من البلاد.
في عهد رضا شاه الممتد من 1925 لغاية 1941، حدثت في إيران تغييرات شبه جذرية على صعيد النظام الإداري والاقتصادي والثقافي، بعضها لا زالت قائمة حتى اليوم
غدت النهاية المتخبطة لعصر الدولة الملكية القاجارية تصب في مصلحة رضا خان، الذي حظي بمساندة بريطانية وبدعم بعض أطراف الداخل، فأدى دوراً في إعادة الاستقرار والقضاء على المعارضين في أنحاء البلاد.
وبعد انقلابه العسكري سنة 1921 ضد الحكومة، تولّى رضا خان وزارة الحرب، ثم أصبح رئيساً للوزراء من 25-1923. عمد من خلال هذا المنصب على تشكيل دولة إيرانية قوية وحديثة بجيش وطني وحكومة مركزية. ولكن توقف جزء رئيسي من هذا المشروع على نزع سلاح وكسر شوكة القبائل والممالك المحروسة في أقاليم عربستان وكردستان وبلوشستان وجيلان ولُرستان في مختلف أنحاء البلاد.
القضاء على الشيخ خزعل الكعبي
منذ القرن السادس عشر، كان يحكم عدد من الشيوخ العرب على ساحل إيران المطل على الخليج، وكذلك في إقليم الأهواز الذي كان يلقب بعربستان. وكانت أمور الأقاليم آنذاك تسير وفق سياق معاهدات مع الدولة الإيرانية التي يدينون لها بالولاء، وإن كانوا يتصادمون معها أحياناً للحصول على مزيد من الاستقلال. إلا أن ذلك تغيّر في ظل حكم رضا خان، حيث تعرض حكام هذه الأقاليم لنزع السلاح والاعتقال والنفي، بل وللقتل أحياناً.
سارع رئيس الوزراء رضا خان بنفسه للقضاء على حكم الشيخ خزعل الكعبي في الأهواز، وكان الأخير من أهم الحلفاء للملك القاجاري أحمد شاه، وقد تبنى حركة مسلحة ضد رضا شاه للإطاحة به، بيد أن البريطانيين دعموا رئيس الوزراء، فحضر رضا شاه في مدينة المحمرة المطلة على شط العرب حيث قصر الشيخ خزعل واقتاده أسيراً معه إلى طهران ليقتله في ما بعد.
وبعد أن استتب أمر السلطة في طهران خلعَ رضا شاه آخر شاهات القاجاريين أحمد شاه سنة 1925، ثم أَجبَر المجلس الوطني على أن ينتخبه ملكاً (شاهاً) للبلاد. وقد ساند البريطانيون صعوده إلى السلطة. فبعد أن تخلّت بريطانيا عن خطتها في جعل إيران محمية بريطانية، دعم البريطانيون تشكيل سلطة قوية للحفاظ على البلد من خطر التفكك أو الوقوع في فلك الاتحاد السوفياتي الذي كان قد أظهر دعمه لـ"حركة الغابة" بقيادة ميرزا كوتشَكْ خان، المناهضة للإمبراطورية في إقليم جيلان شمال إيران، والتي قضى عليها رضا خان أيضاً.
أراد رضا خان وكذلك بعض المفكرين القوميين الإيرانيين الذين درسوا في الغرب، والمجلس الوطني أيضاً، أن يتم تأسيس نظام جمهوري، بيد أن الرجال المحافظين ورجال الدين رفضوا تلك الفكرة الغربية، وأكدوا على النظام الملكي الذي يصون الدين، فحصلت صدامات في هذا الطريق وحضرت الأوساط التقليدية مظاهراتٍ أمام المجلس، وبعد استخدام العنف في قمعها والانتقادات التي طالت رضا خان، استقال من منصب رئيس الوزراء وخرج من العاصمة.
في شباط/فبراير عام 1925 دفعته المظاهرات الشعبية وتصرفات بعض العسكريين وعدد من النواب إلى العودة إلى طهران والحصول من البرلمان على سلطة شبه ديكتاتورية، وكانت السلالة القاجارية الحاكمة عندئذٍ هي الحاجز الأكبر أمام استيلائه على السلطة، إضافة إلى أن رضا خان كان يخشى تغيير النظام الحكومي بشكل مفاجئ.
بعد أن أعلن الملك أحمد شاه عودتَه إلى البلاد من رحلته الفرنسية، استولى رضا خان على زمام الأمور، وعارض إقالته من قبل الملك، وإثر ذلك نفى أعضاء عائلة القاجار الملكية، وأقال الملك بتأييد من المجلس الوطني ليبقى أحمد شاه في فرنسا حتى وفاته.
ملك جديد
انتهى حكم السلالة القاجارية، فعين رضا خان في 31 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1925م رئيساً للحكومة المؤقتة وكلل بالتاج الملكي في 12 كانون الأول/ديسمبر 1925، مؤسساً سلالةَ بَهْلَوي الملكية الجديدة التي قدر لها أن تتحكم في مصير إيران حتى عام 1979.
من ثم أطلق عليه البرلمان اسم "رضا شاه"، وتبنى هو لقب "بَهْلَوي" (الخط الإيراني العريق من فترة ما قبل الإسلام) في محاولة منه لإضفاء بريق الإمبراطوريات الإيرانية العريقة على حكمه. وجاء ذلك التبني ضمن حملة وطنية أطلقها في إنشاء مؤسسة سجل الأحوال، ووجوب أن يكون لكل مواطن لقب في أوراق سجله.
كان رضا شاه قد ألغى عام 1928، كل الاتفاقيات التي تُعطى بموجبها امتيازات للبلدان الأجنبية على الأراضي الإيرانية، وأعلن سنة 1932، إلغاء كل الاتفاقيات الموقعة مع شركة النفط الفارسية–الإنكليزية بغية زيادة الموارد المالية لإيران، وفي عام 1933، رفعت بموجبه الضرائب المتوجبة على الشركة، لتتقلص بذلك رقعة الاستثمار التي تحتلها بريطانيا.
كما قام رضا شاه سنة 1934، باستبدال اسم البلاد من فارس (Persia) إلى إيران أي بلاد الآريين وهي جذور القومية الفارسية. وطلب من البعثات الأجنبية اعتماد الاسم الأخير في الرسائل الرسمية.
إنجازات الدولة الحديثة
في عهد رضا شاه الممتد من 1925 لغاية 1941، حدثت في إيران تغييرات شبه جذرية على صعيد النظام الإداري والاقتصادي والثقافي، بعضها لا زالت قائمة حتى اليوم، منها تأسيس جامعة طهران وإرسال الطلاب الإيرانيين لدراسة العلوم في أوروبا، وإنشاء خطوط حديدية من الخليج الواقع جنوب البلاد إلى بحر قزوين في الشمال.
كما اعتمد بناء جيش إيراني قوي لضبط المحافظات وتثبيت النظام وإحباط عزيمة التمرد الداخلي أو الهجوم الخارجي، وفي الوقت نفسه أعلن الخدمة العسكرية الإلزامية لأول مرة والتي ما زالت مستمرة إلى اليوم.
شرع الملك الجديد في بناء خطوط مواصلات طرق وتم تطوير التلغراف. كما شهدت البلاد عملية إنعاش للخدمات الطبية في التعليم العام بغية تخريج تقنيين مؤهلين، وتم إعداد برنامج للتصنيع، والمصادقة على أول قانون مدني في البلاد، وتأسيس المصرف الوطني، وإطلاق أول وكالة أنباء إيرانية، وإنشاء أول متحف وطني.
العديد من التدابير التي اتخذها الشاه كانت تهدف إلى تقليص سلطة رجال الدين و"تغريب" البلاد؛ فتم إدخال برامج تعليم حديثة، وسُمح للنساء بالذهاب إلى المدرسة. وساهمت الإصلاحات التعليمية في إنهاء احتكار رجال الدين للتعليم، فأقام الشاه نظاماً علمانياً، كما أقصى رجال الدين عن القضاء، وحوّل مهمة التصديق على الوثائق من رجال الدين إلى كتّاب العدل المحلفين.
ولكن في الوقت نفسه، خضعت البلاد لنظام تسلط بوليسي شديد وتطبيق مشروع مركزة القدرة، بالرغم من عدم إلغاء النظام البرلماني الذي لم يعد يلعب أي دور بل أصبح مجرد واجهة ديمقراطية. وقد ألغى الشاه الحريات الفردية هادفاً من وراء ذلك تثبيت سلطة الحكومة المركزية، وتصرف كطاغية حقيقي، فأزال كل المعارضين لسياسته، إما عن طريق نفيهم مع أسرهم، أم إعدامهم.
فرسنة على غرار التتريك
عام 1927 أدخل رضا شاه زياً غربياً فرضه على الرجال الإيرانيين مع قبعة مستديرة مستدقة الطرف. وعام 1935 حظر على النساء ارتداءَ الحجاب، وطبق أفكاره بالقوة في عموم البلاد، دون أخذ ظروف القوميات والمجتمع المحافظ بعين الاعتبار.
وكان قد تأثر شاه إيران تأثراً كبيراً برئيس جمهورية تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك، فعند زيارته لهذا البلد عام 1934، اطلع على مشاريع التحديث والتصنيع والتتريك، وكذلك خلع حجاب الفتيات وعملهن مع الرجال في المصانع والمؤسسات، وفور عودته للبلاد طبق ما رأى لدى الجيران، خاصة مشروع الفرسنة في محاولة لإنشاء أمة واحدة موحدة ومتجانسة عموماً، وإلى جانب فرض زي موحد ونسف الأزياء المحلية وخلع الحجاب للنساء، منع التحدث بلغة غير اللغة الفارسية، وغيّر تقويم البلاد من الهجري القمري إلى الهجري الشمسي.
وكذلك عمد على تغيير العشرات من أسماء المدن، خاصة غير الفارسية منها، فمثلاً حول بلوشستان إلى مَكران، وعبّادان إلى آبادان، وأرومية إلى رِضائية، وأنزَلي إلى بَهلوي، والمحمرة إلى خُرَّمْشَهْر، وميناء تُركَمَن إلى ميناء الشاه، والفلاحية إلى شَادِكَان، وكُركان إلى كُنبَد كافوس، والخَفاجِية إلى سُوسَنكِرد.
إضافة إلى ذلك، قمع العديد من الجماعات الإثنية والاجتماعية، نتيجة إصراره على القومية الفارسية والوحدة الثقافية، إلى جانب اتباعه منهج الإقصاء القسري والتوطين الحضري، خاصة في المناطق العربية في جنوب غرب البلاد.
حكم شمولي ونهاية حزينة
أسس رضا شاه الدولة الإيرانية الحديثة وسط استبداد عظيم وحكم شمولي، لم يكن لمعارضيه أي وجود خارجي، فأثار سخط المجتمع، وبعد تعاطفه مع الزعيم الألماني أدولف هتلر خلال الحرب العالمية الثانية سنة 1941، قامت بريطانيا والاتحاد السوفياتي، وبدعم أمريكي، بغزو إيران واحتلالها بهدف فتح خط إمدادات نحو روسيا. شنت بريطانيا هجومها من الخليج، ودمرت في طريقها الأسطول البحري الإيراني، ودخل الاتحاد السوفياتي من الشمال واستولى على الكثير من المدن.
حالت الاضطرابات السياسية في إيران دون نقل ودفن جثمانه في وطنه، ونظراً لعلاقة المصاهرة التي كانت بين ملكي مصر وإيران، نُقل جثمانه إلى القاهرة على شكل مومياء، ودُفن في مسجد الرفاعي
وعلى الرغم من كل الجهود التي بذلها رضا شاه، وقعت إيران مجدداً في قبضة القوى الخارجية، فأُجبر على التخلي عن العرش لصالح ابنه ولي العهد محمد رضا، فنُفي رضا شاه إلى جزيرة موريشيوس في المحيط الهندي، ثم إلى جنوب إفريقيا حيث توفي في جوهانسبورغ في 26 تموز/يوليو سنة 1944.
حالت الاضطرابات السياسية في إيران دون نقل ودفن جثمانه في وطنه، ونظراً لعلاقة المصاهرة التي كانت بين ملكي مصر وإيران فقد نقل جثمانه إلى القاهرة على شكل مومياء، ودُفن في مسجد الرفاعي في 28 تشرين الأول/أكتوبر 1944.
بعد استقرار الوضع السياسي الإيراني نقل رفات رضا شاه إلى وطنه عام 1950، فدفن عند مرقد السيد عبد العظيم الحسني، وأقيم له ضريح هناك، بيد أنه بعد قيام نظام الجمهورية الإسلامية إثر انتصار ثورة 1979، تم هدم الضريح على يد حاكم الشرع ورجل الدين المتشدد صادق خَلخالي، فاختفى مرقده وفُقدت جثته. في عام 2018، أعلنت السلطات الإيرانية العثور على جثة رضا شاه على شكل مومياء، أثناء عملية حفريات بالقرب من مدفنه. وقالت بلدية مشهد إنها دفنت الجثة دون الإفصاح عن مكان الدفن.
تزوج رضا شاه خمس مرات، وله من الأولاد 11 بين بنات وأبناء: هَمْدَم السلطنة، صديقة، شمس، أشرف، محمد رضا، علي رضا، غلام رضا، عبد الرضا، أحمد رضا، محمود رضا، فاطمة، وحميد رضا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نايف السيف الصقيل -
منذ 3 ساعاتلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ 4 أيامتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه
بلال -
منذ 5 أيامحلو
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أيامالمؤرخ والكاتب يوڤال هراري يجيب عن نفس السؤال في خاتمة مقالك ويحذر من الذكاء الاصطناعي بوصفه الها...
HA NA -
منذ أسبوعمع الأسف