شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"النفور"... قاتل الزواج الصامت وسبب "غير مقنع" للطلاق

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الثلاثاء 17 ديسمبر 202403:36 م

تقول سمية وهو اسم مستعار لامرأة متزوجة منذ عقد من الزمن، إن هذه السنوات لم تشفع لها للوصول إلى السعادة والاستقرار مع زوجها الذي يتهرب من الحديث معها أو الجلوس إليها، ويقتصر حديثهما كما تقول على السؤال عن الأطفال أو عن تجهيز وجبة الغداء. تروي لرصيف22: "أحس بالوحدة في منزلي وأسمع أخبار زوجي ومشاكله أو ترقيته في العمل من زوجات أصدقائه، وعند معاتبتي له يخرج من المنزل ويتهمني بأني أنكد عليه".

وتضيف: "نعيش كالغرباء تحت سقف واحد، لا أجرؤ أن أطلب منه شيئًا لنفسي ولا أستطيع أن أفاتحه بأي مشكلة حول أطفالي. لا ينام معي ولا يتبادل الحديث. ذهبت إلى أهلي عدة مرات، ولكنه في كل مرة يقنعهم بعودتي بحجة أنه ضيق الخلق بسبب الوضع المعيشي الصعب والتفكير في كيفية توفير متطلبات الحياة الأساسية".

الطلاق شبه محرّم في اليمن

تتوجه كثير من الزوجات نحو المحاكم بعد فشل كل محاولاتهن بالتمسك بالحياة الزوجية وإقناع الزوج أن ما تريده المرأة هو حقوقها فقط. هذا على الأقل ما تراه المستشارة الأسرية أنغام المقطري. تقول لرصيف22: "إن أقل الحقوق التي تريدها المرأة اليمنية من الرجل هي الكلام الجميل، والإطراء، والاعتراف بتعبها وشكرها، والنفقة عليها، ومنحها الحب والاحترام، والاهتمام بمشاعرها. فبهذه الأمور سيعيش مع زوجته ملكًا وستتغاضى زوجته عن كل عيوبه، ولكن الرجل الأناني الذي يرى المرأة ملزمة بتأدية واجباتها دون إعطائها أي من حقوقها سينتهي به الحال يومًا دون زوجة مهما طال صبرها".

وترى أنه بسبب الأعراف المجتمعية والعادات والتقاليد، لا تستطيع المرأة طلب الطلاق لسبب كالنفقة أو المعاملة السيئة، فكيف الحال بالكراهية أو المطالبة بحقوقها العاطفية. فهناك زوجات يعشن مكرهات مع أزواجهن رغم المعاملة القاسية وعدم إيفائها حقوقها، مكرهات مجبرات، بحسب قولها.

حرمانها من الأطفال

رفض أهل سمية فكرتها بالتقدم بخلع زوجها بعدما ضاقت ذرعًا به وبتصرفاته التي تزداد سوءًا فترة بعد أخرى، إذ أصبحت تصارع الحياة وحيدة وتربي أبناءها وكأنه غير موجود كما تقول. واعتبر أهلها أن قرارها سخيف وهددوها بحرمانها من أطفالها وإعادتهم إلى والدهم إن أقدمت على الخلع. 

بسبب الأعراف المجتمعية والعادات والتقاليد، لا تستطيع المرأة طلب الطلاق لسبب كالنفقة أو المعاملة السيئة، فكيف الحال بالكراهية أو المطالبة بحقوقها العاطفية. 

تقول سمر صالح إنها تعيش مع زوجها منذ أربع سنوات، ولكنها لم ترَ منه أي اهتمام ولا حب أو كلام جميل. تقول لرصيف22: "أعيش معه، ولكنه ينام مبكرًا بحجة أن لديه عملاً وأنه متعب من عمله، ولا ينظر إليّ، وأيضًا لا يضحك ولا يبادلني الحديث مثل بقية الأزواج مع زوجاتهم. دومًا مكتئب ومهموم وصامت. لا أكاد أسمع صوته إلا عندما يتحدث مع أصدقائه بالتلفون".

وتضيف: "سنة بعد أخرى وحالي هي هي، وكأني انتقلت كخادمة من منزل والدي إلى منزل آخر ولست كزوجة. فلا حقوق زوجية، ولا ينام معي، ولا يشاركني حياته. فكرت بالانفصال مرارًا وطلبت منه الطلاق، فكان يجن جنونه في كل مرة، ويضغط على أهلي ويعيدونني إليه. تقدمت رغم رفض أهلي إلى إحدى محاكم صنعاء بفسخ الزواج منه بحجة الكراهية وعدم التزامه بحقوقي والتهرب من العلاقة معي والنوم. ولكن أهلي وأهله اعتبروا أن ذلك ليس كافيًا لطلب الفسخ، وأن عليّ الصبر كما صبرت العديد من الزوجات".

وتكمل سمر: "طلبت منه يومًا تحسين علاقته بي وأن يعطيني حقوقي الزوجية وأنه مهمل لي ويهجرني، ولكنه جن واعتبره أمرًا مهينًا بحقه، واتهمني بأني سيئة لأني أخوض معه بهذا الحديث، وعندما فتحت الحديث مع والدتي، سرعان ما أغلقت فمي واتهمتني بالجنون إن كنت سأتركه لهذا السبب، وأن من حق الزوج أن يترك المرأة لأي سبب، أما الزوجة فعليها أن تظل صامتة تتقبل أي إهانة أفضل من لقب مطلقة".

حق حصري للرجل

يقتصر فعل الطلاق على الرجل، فإذا أرادت المرأة تطليق نفسها من زوجها تطالب بفسخ العقد. المحامية شيماء القرشي تقول: "الفسخ حق للمرأة حين تجد في زوجها عيبًا لا قدرة لها في إكمال حياتها معه، كالفسخ للكراهية، والفسخ لعدم النفقة أو الخيانة أو لعيب جسدي أو مرض معدٍ".

وبحسب المادة (54) من قانون الأحوال الشخصية فإنه: "إذا طلبت المرأة الحكم بالفسخ للكراهية، وجب على القاضي أن يتحرى السبب، فإن ثبت له عيّن حكمًا من أهل الزوج وحكمًا من أهلها للإصلاح بينهما، وإلا أمر الزوج بالطلاق، فإن امتنع حكم بالفسخ وعليها أن ترجع المهر".

أجرت معدة التحقيق رصدًا يكشف عن تسجيل مائة حالة فسخ زواج خلال تشرين الأول/ أكتوبر، توزعت بين ثلاث محاكم: محكمة بني الحارث، محكمة جنوب، ومحكمة شرق.

يلزم القانون المرأة أن تعيد المهر لزوجها أو جزءًا منه مهما كان ضررها من استمرار الزواج وسقوط ركن من أركانه، حتى وإن كان السبب في طلب الفسخ عجزًا في الرجل أو ضعف لا صبر للمرأة عليه.

يقول الاستشاري القانوني مجدي الفقيه إنه ترافع عن قضية لزوج أصيب بحادث وأصيب بالعجز التام وأُثبت ذلك طبيًا، لكنه عند فسخ الزواج طلب من الزوجة أن تعيد له مهره الذي دفعه.

في استطلاع قامت به معدة المادة بين 50 امرأة يمنية، تتوزع أعمارهن حسب النسب التالية:

أقل من 20 عامًا: 20%

من 20 إلى 29 عامًا: حوالي 30%

من 30 إلى 39 عامًا: حوالي 50%

اتفقت 76% من الإجابات على أن الكراهية سبب رئيسي يدعو إلى الانفصال، بينما وجدت 24% أنها لا تجده سببًا رئيسيًا للانفصال.

في هذا الشأن تعتبر استشارية العلاقات الأسرية أسماء الصلاحي أن مطالبة المرأة بالانفصال تعكس جرأة كبيرة، خاصة إذا كانت الأسباب عاطفية. أسباب عديدة تؤدي بالمرأة لكُره زوجها والنفور منه، كما ذكرتها الاستشارية أسماء، أهمها التراكمات التي تؤدي إلى العزل العاطفي فلا تجد المرأة الراحة والأمان مع شريكها.

من الأسباب التي تساهم في الشعور بالكراهية تجاه الزوج والتي أجابت عنها النساء:

30% يطالبن بالانفصال بسبب الإهمال العاطفي.

26% من الإجابات بسبب سوء المعاملة أو العنف النفسي.

20% بسبب الخيانة من قبل الزوج التي تؤدي إلى فقدان الثقة والكراهية.

18% بسبب عدم الإنفاق والتقصير المتعمد.

15% بسبب تدخل الأسرة الكبيرة المستمر في شؤونهن. 

على خلاف رغبة أهلها، توجهت أمل للمحكمة بمساعدة صديقة محامية وطلبت الطلاق. وحُلّت المشكلة بشكل سهل عندما قبل طليقها بالخلع وأرجعت له المهر. بفضل استقلالها المادي نتيجة عملها 

تقول أمل وهو اسم مستعار إنها لم تكن تجرؤ في البداية على الحديث عن مشاكل العلاقة الحميمة بسبب تربيتها في مجتمع محافظ، لكنها بدأت تُدرك أهمية احتياجاتها الزوجية بعد الاستماع لتجارب أخريات. فحاولت مناقشة الأمر مع زوجها، إلا أنه كان يتهرب دائمًا، مبررًا وضعه النفسي بالبطالة واعتماده على مواد منشطة، مما زاد الوضع سوءًا.

بعد سنتين ونصف من الزواج وإنجابها طفلة، قررت أمل طلب الطلاق نتيجة إهمال زوجها المادي والعاطفي، وسفره المتكرر دون نفقة أو تواصل. وبسبب رفض أسرتها القاطع لفكرة الطلاق بسبب الأعراف الاجتماعية، خاصة والدتها شقيقها الأكبر، استمرت أمل في حياتها الزوجية لمدة عامين إضافيين.

عندما بلغ الأمر حد الهجر الكامل وترك زوجها للبيت دون سؤال أو نفقة، قررت أمل اتخاذ خطوة جريئة بمفردها، فتوجهت للمحكمة بمساعدة صديقة محامية وطلبت الطلاق. حُلّت المشكلة بشكل أسهل عندما قبل طليقها بالخلع وأرجعت له المهر. بفضل استقلالها المادي نتيجة عملها، استطاعت أمل تحمل تكاليف الحياة، بما في ذلك نفقات ابنتها.

بعد الطلاق، شعرت أمل بتحسن كبير نفسيًا وبدنيًا. تمكنت من التخلص من الاكتئاب وزيادة الوزن التي عانت منها خلال فترة الزواج، ووصفت الطلاق بأنه بمثابة إزالة حمل ثقيل من على كاهلها، مؤكدة أن الاستقلال والعمل كانا مفتاح قوتها ونجاحها في تخطي تلك المرحلة.

إنما هذا ليس حال غالبية النساء، ففي مجتمعات ذات طابع ذكوري قبلي كاليمن، لا تزال المرأة تُحرم من اتخاذ قراراتها المصيرية بحرية، ويُفرض عليها الخضوع للوصاية الأبوية أو الزوجية. حتى مع المحاولات المستمرة للتوعية بحقوق المرأة وتعزيز استقلالها، تظل العقلية الذكورية هي المسيطرة في الكثير من هذه المجتمعات. فالعديد من النساء المتعلمات والواعيات يجدن أنفسهن خاضعات للزوج أو الأسرة بسبب الثقافة السائدة التي تعتبر المرأة "معيبة" أو "ناقصة" إذا لم تلتزم بالأدوار التقليدية، خصوصًا المرأة المطلقة التي يُنظر إليها بعين النقص بدلًا من الاستقلالية.

يضيف الفقيه: "مهما كان تضرر المرأة من زوجها، إما ماديًا أو عاطفيًا وأرادت الفسخ، فهي مجبرة بحكم القانون بأن ترد له مهره أو جزءًا منه، وأغلب النساء لا يمتلكن مصدرًا للدخل مما يصعب عليهن طلب الفسخ". 

محامي: "مهما كان تضرر المرأة من زواجها، ماديًا أو عاطفيًا وأرادت الفسخ، فهي مجبرة بحكم القانون بأن ترد له مهره أو جزءًا منه، وأغلب النساء لا يمتلكن مصدرًا للدخل مما يصعب عليهن الأمر".

الاستبيان أظهر أولوية النساء وما تملكه عندما تقرر الفسخ والاستقلال المالي:

50% من المشتركات لديهن مصدر دخل خاص بهن.

50% لا يوجد لديهن دخل.

84% يرين أن الدخل المستقل يشجع على اتخاذ القرار، بينما 16% لا يعتبرنه شرطًا أساسيًا.

كما أن الخوف على الوضع الاقتصادي:

52% يرين أن الوضع الاقتصادي لم يؤثر في قرارها.

20% يخفن أن يؤثر الفسخ على حياتها الاقتصادية.

28% لا يمتلكن استقلالًا ماليًا.

المؤكد أن استقلال المرأة ماديًا يجعلها قادرة على اتخاذ خطوة إيجابية في التخلص من شخص لا ترغب في الاستمرار معه.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image