شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
العلويون ولعنة حكم الأقليات...

العلويون ولعنة حكم الأقليات... "لنا قافنا ولهم قافهم"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والفئات المهمشة

الاثنين 16 ديسمبر 202411:09 ص

بعد أكثر من 5 عقود من حكم آل الأسد في سورية تخلص العلويون من حكم عائلة لا تمثل أقليتهم بل وُصمت بها، وألحقت بها خسائر فادحة، تكبدوها وتكبدتها سوريا، وهي خسارات لن تنتهي بهروب الجزار.

يدرك أبناء سوريا جيداً فقر العلويين المادي، ويدركون جيداً الاختلاف الطبقي العميق في الساحل السوري ومدن الداخل، بين العلوي الفقير والعلوي السلطوي، لكن عندما يلمع نصل السكين الطائفي الحاقد ينسى المتناسون كل ذلك ويقرقعون بالقاف الساخرة انتقاماً.

نعم لنا قافنا ولهم قافهم، لنا فقرنا ولهم قصورهم، لنا قتلانا وأيتامنا ولهم المكاتب والسيارات. لأمهاتنا بيوت الطين في القرى ولأمهاتهم إقامات الإمارات الذهبية، لآبائنا ظهور مكسورة من حفر الزيتون ولآبائهم كروش اكتنزت خلف المكاتب، لشبابنا حبة بطاطا في الجيش ولشبابهم جياد الفروسية، لبناتنا وظائف دولة رخيصة ولبناتهم أزياء باريس وحفلات الصالونات.

أكذوبة أبي الفقراء

يردّد بعض العلويين، كباقي الطوائف، خوفاً من الطاغية حافظ الأسد، أنه أبو الفقراء، وأنه من أخرجهم إلى النور من ظلام الجهل. من سمح لهم بدخول الجيش والدولة التي كانت حكراً على الآخر. لكن العلويين يدركون في قرارة أنفسهم أن هذه الشائعة الزائفة اختلقتها حاشية الأسد الأب لتعميق رهاب السلطة حتى بين أبناء طائفته. أكذوبة حافظ الأسد هشة، والعلويون يدركون هشاشتها، فحقبة الستينيات، أي قبل ظهور الأسد الأب كانت تضم العلويين، من جامعيين ومفكرين وكتاب، وحتى عسكر كالأسد نفسه، ولم يكن هناك إقصاء لهم في الدولة، ولم يقدّموا أنفسهم كأقلية، بل كانوا يشاركون في بناء مفهوم المواطنة في فترة انقلابات عسكرية قلبت أحوال البلاد.

نعم لنا قافنا ولهم قافهم، لنا فقرنا ولهم قصورهم، لأمهاتنا بيوت الطين في القرى ولأمهاتهم إقامات الإمارات الذهبية، لآبائنا ظهور مكسورة من حفر الزيتون ولآبائهم كروش اكتنزت خلف المكاتب، لشبابنا حبة بطاطا في الجيش ولشبابهم جياد الفروسية

نشرت حاشية الأسد هذه الأكاذيب، وعمّقت خوف الأقليات من الآخرين لتجنيد العلويين لخدمة نظامه، وزاد الأمر تعقيداً في استغلال الطائفة في مواجهته غير الشريفة لحركة الإخوان المسلمين في سوريا، ونقول غير الشريفة لأن حافظ الاسد وأخاه رفعت استغلا سلوكيات عدد قليل من حركة الإخوان (الطليعة المقاتلة، وعددهم حوالي 300 مقاتل) لينقلب أبناء الساحل على من قتل أبناءهم.

نعم حدثت جرائم وتفجيرات (بدعم من نظام صدام حسين حينها) وكانت تحتاج إلى مصالحة وطنية، لكن الأسد وإعلامه وأمنه روّجوا لسرديات كاذبة لترهيب العلويين من الآخر، بهدف تجنيدهم لحفظ نظامه واستعبادهم لخدمة استبداده، واصماً الطائفة العلوية بأسوأ تهمة بتاريخهم بعد أن ناصروا الحق في كل زمان.

حفرة السقوط الأخلاقي فخ الأسد لكل السوريين

من يشاهد مسلسل "بقعة ضوء" السوري بلوحاته الحقيقة من الشارع السوري، يطرح أسئلة عديدة حول ما يعرف في سوريا بـ "كتّيبة تقارير"، ويتساءل ما الذي يدفع الإنسان لأن يكون، طوعياً، عميلاً لنظام قمعي كنظام الأسد؟ كيف استورد نظام البعث في سوريا من رومانيا تشاوشيسكو، هذه المصيدة الاخلاقية لأبناء بلادنا، وكيف تطبّع المواطنون في تلك السنوات بالعمالة للنظام؟ هذه المعضلة الأخلاقية ربما سنشاهدها حتى في مرحلة ما بعد الأسد أيضاً، لأن العقود الخمسة الماضية هدمت الكثير من القيم الأخلاقية، وأهمها الشرف.

لم يجرّ الأسد جزءاً كبيراً من الطائفة العلوية فقط إلى حفرة السقوط الأخلاقي، بل إن كل المدن السورية بكل مكوناتها كانت تعاني من معضلة "عادل الفسّاد" ومتلازمة "الحزبي المتسلّق"، والسبب هو سعي النظام الدؤوب لهدم المنظومات الأخلاقية الجيدة وإثارة الشر في النفس الإنسانية السورية، ليدمر فيها كل نزوع نحو الحق والخير والجمال.

الحزبيون المتسلقون وعملاء أمن النظام ظاهرة شوهدت في كل المدن السورية، في دمشق وحلب وحمص وإدلب وطرطوس والحسكة والسويداء وكل منطقة، و أبناء القرى العلوية ومدنها عانوا كبقية أبناء سوريا من هذه الظاهرة، وخسروا بسبب هؤلاء المتسلقين والعملاء الكثير من أبنائهم المعارضين لنظام الأسد، منذ السبعينيات حتى هذا اليوم، والذاكرة السورية لن تنساهم، هؤلاء المعارضون لحافظ وبشار حاولوا رفع الصوت عالياً لكن قُمعوا قبل الآخرين، والجميع يعلم أن المعارضة في وسط يغزوه المخبرون البعثيون كانت أصعب بكثير من المعارضة في أوساط المدن الكبرى.

لم يجرّ الأسد جزءاً كبيراً من الطائفة العلوية فقط إلى حفرة السقوط الأخلاقي، بل إن كل المدن السورية بكل مكوناتها كانت تعاني من معضلة "عادل الفسّاد" ومتلازمة "الحزبي المتسلّق"

العلويون حطب حروب عائلة الاسد

تنقل مواقع التواصل الاجتماعي رفاهية أبناء المسؤولين في سوريا، وتصنّفهم على أنهم أبناء الساحل المرفّه، حيث تقصد سيارات الأغنياء، من دمشق وحلب وغيرها، مدن الساحل، قاصدين الفنادق والشواطئ الذهبية، لكن أي عابر من تلك الجبال يشاهد أبناءها البسطاء وهم يرتدون المعطف العسكري، (الفلت) ويسكنون بيوتاً قديمة، يبيعون بضاعتهم على الطرقات، بشرف مزارع أرسل ابنه للكلية الحربية في محاولة لتحسين أوضاع عائلته.

هؤلاء أنفسهم أبناء جيران عائلة الأسد، لكنه لم يقدم لهم أي خدمة، بل جعل من بعضهم عصا يلوح بها، ومن بعضهم الآخر حطباً لحربه ضد الإخوان المسلمين في الثمانينيات، وحرب ابنه ضد كل مكونات الشعب السوري في مطلع الثورة السورية 2011.

عدد قتلى الحرب السورية من الطائفة العلوية لا يقل نسبياً عن بقية الطوائف، والشرطة العسكرية التي يخشاها الشباب السوري وتلاحقهم لخدمة العلم الإجبارية، كانت تعسكر بسياراتها طيلة السنوات الماضية في قرى ومدن وأحياء العلويين، لجرّهم إلى الحرب قبل غيرهم.

في حمص وحماة ومدن الساحل، عاش العلويون منذ قرون إلى جانب أهل السنة، ولم يتعدّ أحدهم على الآخر، لكن في كل معركة للأسد كانت تبرز فجأة حوادث خطف البنات والشباب من كلا الطائفتين، وترمى الجثث ويُعتدى عليهم لاتهام الطائفة الأخرى، هذا النهج الخبيث لبشار الأسد وأمنه كان مكشوفاً لأهالي الضحايا، وسمعنا في حمص قصصاً كثيرة لأناس يعلمون أن أبناءهم قُتلوا قبل أن يغادروا حاراتهم، لكن الأمن منعهم من أي تصريح، وراقب حساباتهم على فيسبوك، ليرمي التهم على الآخر ويجيّش الحقد في نفوس المواطنين على بعضهم الآخر.

ربما نجح الأسد في تشويه صورة العلويين وقمع أفواه من عارضه منهم، لكن بسقوطه يجب أن تعود معادلة المواطنة السورية لتوازناتها، بعيداً عن فتن طائفية غذّاها نظام البعث لضرب الاصطفاف السوري الموحد

دمار ممنهج للانتماء الوطني وزرع العشائرية والمناطقية

لا يمثل "مجلس الشعب" في سوريا الشعب السوري، بل يمثل التقسميات العشائرية والمناطقية التي دأب الأسد، الأب والابن، على تعزيزها في سوريا. الجميع يذكر قصائد مديح الأسد تحت قبة المجلس من قبل نواب مثّلوا أطياف الشعب السوري كله. مدرسة نظام الأسد كانت تختار من تريد من كل طائفة وعشيرة ومنطقة وحزب لتشكل مجلس الشعب، وكثيرون من انزلقوا في متاهة النظام ليمثلوا منطقة أو عشيرة عبر تسلقهم، وأقصى ما كانوا يخدمون به مناطقهم هو تعيين متسلّقين آخرين في دوائر الدولة، لتتسع دوائر التزلف في كل منطقة سوريا لتشمل أسماء محدّدة الكل يعرفها.

 الأمر ذاته في مناطق الأقلية العلوية. لم يسمح للشرفاء منهم أن يمثلوهم في مجلس الشعب، ولم تتح لهم الفرصة أكثر من غيرهم لتقديم الطابع الحقيقي عن هذه الطائفة.

تعمّد الاسد الأب ثم الابن تعميق دوائر المحسوبيات في كل المكونات السورية، ليصبح له أذرع تسند نظامه في كل جغرافيا البلاد، ولم يستثن أي مكون، بل عمد إلى تقديم حظوظ لبعض العشائر الشرقية وتقليبها على غيرها، وبعض عشائر حلب حيث لا علويين يستغلهم لخدمة نظامه. هذه الصورة لنظام الأسد يمكن مراجعتها في أرشيف مجلس الشعب السوري كل هذه السنوات، وحتى في الأوامر الرسمية التي بدأت تظهر إلى العلن اليوم بعد سقوطه، فيدفع بزبانيته لقتل ابن طائفة ما لتقوم على طائفة أخرى.

ربما نجح الأسد في تشويه صورة العلويين وقمع أفواه من عارضه منهم، لكن بسقوطه يجب أن تعود معادلة المواطنة السورية لتوازناتها، بعيداً عن فتن طائفية غذّاها نظام البعث لضرب الاصطفاف السوري الموحد.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

الإعلام بوق السلطة

تهدف وسائل الإعلام المُحتَكرة من قبل الأحزاب السّياسيّة والميليشيات إلى مصادرة الإرادة الشعبيّة، والتعتيم على الحقوق، والاعتداء على الحريات، ونشر الفتنة وبثّ خطاب الكراهيّة.

حتى لا يكون اللاجئون/ ات، وأصحاب الهمم، والأقليات الدينية، ومجتمع الميم-عين وغيرهم/ نّ من مهمّشي المجتمع كبش فداء، ساهم/ ي معنا في إنتاج صحافةٍ أكثر استقلاليةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image