شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"سحر الحياة"... رحلة نسائية للانتصار على السرطان بالفن

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 29 مارس 202202:13 م

فى كتابه "العادات الذرية"، يرى الكاتب الأمريكي جيمس كلير، أن الإبداع يساعد على تقليل المشاعر السلبية، ومكافحة التوتر والقلق، كما أنه يساعد على إيجاد حلول أفضل لمواجهة الأزمات الحياتية والعملية، لأنه قادر على الاقتراب من حلول تبدو خياليةً لكنها قابلة للتنفيذ، فعند كل تقدم عرفه البشر وكان مستحيلاً، جاءت الفنون لتقديم الظواهر بشكل مختلف، وإعادة مساءلة الثوابت واليقين.

هذا تماماً ما حاولت السيدة المصرية مها نور، القيام به، مع بداية رحلة طويلة مع مرض سرطان الثدي. فمنذ إصابتها قبل 12 عاماً، قررت أن تبدأ طريقها لتحقيق أحلامها التي لطالما انشغلت عنها، وكانت استعادة شغفها بالكتابة وبعالم الصحافة هي أولى محطاتها، فأسست مجلةً إلكترونيةً باسم "سحر الحياة"، دوّنت خلالها تفاصيل مرضها ومراحل علاجها، وتقول عنها لرصيف22: "كانت المجلة هي المتنفس الخاص بي، ألجأ إليها وأبوح بمشاعري، فأشعر بأنني أفضل حالاً. هي من أخرجتني من منطقة الألم التي كنت أعيش فيها إلى العالم، وبسببها شعرت بأنني ما زلت ذات فائدة بعد السرطان، وقادرةً على العطاء".

كانت المجلة هي المتنفس الخاص بي، ألجأ إليها وأبوح بمشاعري، فأشعر بأنني أفضل حالاً.

ذراعي خط أحمر

كانت التوعية بالمرض وتفاصيله هدف مها الأساسي. ففي عام 2018، وبعد تعافيها، أنشأت جمعيةً تحمل اسم المجلة نفسه، لدعم مرضى السرطان عموماً والسيدات بشكل خاص، وأطلقت بعدها مبادرةً بعنوان "ذراعي خط أحمر".

تقول في حديثها: "عندما يُستأصل الثدي، تُستأصل معه الغدد الليمفاوية الموجودة في المنطقة، الأمر الذي يؤثر على ذراع المريض/ ة، ويُمنع/ تُمنع بعده من حمل أي شيء ثقيل أو التعرض لأي نوع من أنواع القسوة مثل الضغط أو الجذب أو التعرض للحرارة، ففي حال أصاب الذراع مكروه سيتضخم ولن يعود إلى طبيعته مرةً أخرى، وقد تحدث مضاعفات في بعض الحالات تصل إلى البتر".

بذلك، خطرت لمها فكرة صناعة سوار مجاني من المعدن والسيلكون، يرتديه من أجرى عملية استئصال في ذراعه المصابة، مكتوب عليه الاختصارات الطبية المتداولة عالمياً والتي تحذر من قياس الضغط أو سحب الدم أو الحقن وغيرها من المحاذير، ومزوّد بـ"فلاشة" تحمل كل بيانات المريض الشخصية والطبية، حتى إذا فقد الوعي في وقت ما، أو كان في المستشفى ويجهل طبيعة مرضه، يتمكن الأطباء من معرفة حالته ويتعاملون بحذر مع ذراعه.

تضيف مها: "جاءت فكرة المبادرة بعد إحدى زياراتي للمستشفى، حيث كنت أجري بعض الفحوصات، وطُلب مني سحب عيّنة من الدم، ولأنني على دراية بحالتي نبهت الممرضات إلى خضوعي من قبل لعملية استئصال الثدي، فاستخدموا الذراع غير المصابة. حينها، قررت إطلاق حملة توعية وصناعة السوار للحفاظ على سلامة المصابين، خاصةً أن معظم الناس يظنون أن سقوط الشعر هو التغير الوحيد الذي قد يطرأ على المريض، ولا يلتفتون إلى المشكلات الأخرى التي تمس حياته وقد تشكل خطراً يهدده". وتسعى مها من خلال المبادرة إلى تعريف الجميع بكيفية التعامل مع حاملي السوار، وما هي الخطوات التي يجب اتّباعها والخطوات التي يحظر فعلها.

السوار، الذي حصل على براءة اختراع من أكاديمية البحث العلمي المصرية، وتصريح من وزارة التجارة والصناعة، نظراً لمساهمته في حماية مصابي السرطان، يُوزَّع على معاهد الأورام ومختلف المستشفيات في المحافظات، حتى يسهل الحصول عليه.

خطرت لمها فكرة صناعة سوار مجاني من المعدن والسيلكون، يرتديه من أجرى عملية استئصال في ذراعه المصابة، مكتوب عليه الاختصارات الطبية التي تحذر من قياس الضغط أو سحب الدم أو الحقن وغيرها من المحاذير، ومزوّد بـ"فلاشة" تحمل كل بيانات المريض الشخصية والطبية

إكسسوار يقي من الخطر

في حديث إلى رصيف22، يقول الدكتور تامر منيع، أستاذ مساعد في جراحة الأورام في المعهد القومي للأورام في القاهرة: "جراحة الغدد الليمفاوية جزء أساسي في جراحة أورام الثدي، ففي حال لم يصل الورم إلى كل الغدد، نقوم بعمل تحليل في أثناء الجراحة للغدة الحارثة، وقتها نزيل غدّتين أو ثلاثاً فقط، أما إذا تلِفت الغدد جميعها فنضطر إلى إزالتها كاملةً، وفي هذه الحالة هناك احتمال تعرض نحو 20% إلى 30% من المصابين لتورم الذراع، فنلجأ إلى طرق علاجية متمثلة في تمارين معيّنة وارتداء ضمادات وأكمام خاصة، والآن أصبحت هناك تقنية حديثة لبعض الحالات متمثلة في زرع خلايا سليمة مكان الخلايا التالفة".

وتابع منيع: "ننصح من خضعوا لهذه العملية بمجموعة من المحاذير، لذا يكون السوار في هذه الحالة مفيداً لهم/ ن بكل تأكيد".

من جانبها، تقول شيماء زينهم، وهي معلمة اقتصاد منزلي وإحدى المستفيدات من مبادرة "ذراعي خط أحمر": "أصبت بسرطان الثدي عام 2018 وأجريت بعدها عملية استئصال. اكتشفت السوار بالصدفة وبحثت عنه لأشتريه، حينها تعرفت على الجمعية وحصلت عليه مجاناً".

وأضافت بأنها ترتديه دائماً لأنه أصبح بمثابة حماية لها، فمن جهة سهّل على الأطباء عملهم من خلال تعرّفهم على الذراع التي خضعت للعملية من دون اختلاط الأمر عليهم، ومن جهة أخرى تعرّف من حولها على الفكرة وكيف يتصرفون إذا رأوا شخصاً يرتدي ذلك السوار، خاصةً وأن كثيرين منهم يعتقدون أنه مجرد إكسسوار.

تعليم وعمل

مبادرة أخرى أطلقتها مها نور، لدعم السيدات، تتلخص في تعليم المصابات بالسرطان الأعمال الفنية والأشغال اليدوية، وتنظيم معارض لهن لدعمهن نفسياً ومادياً كي يستطعن تحمل تكاليف العلاج وجلسات الكيماوي، وقد دعمتهن وزارة الثقافة المصرية بتخصيص جناح لعرض منتجاتهن في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الأخيرة.

تقول الكاتبة الأمريكية كورتني كارفر، في مقال نشرته في مجلة ساينتفك أميركان، بعنوان "لماذا من المهم أن تكون مبدعاً"، إن "دور الفنون في مثل هذه المحن يكون في تقبّل الإخفاقات، والتعامل مع الحياة كمباراة رياضية؛ جولة رابحة وأخرى خاسرة".

وترى مها بدورها أن الفن يحيط بنا من كل اتجاه، فهو موجود في كل شيء تقريباً حولنا، وقادر على تغيير الأشياء إلى الأفضل دائماً، وانطلاقاً من رؤيتها هذه أطلقت مبادرتها، فتقول: "ننظم، في مقر الجمعية ورشاً تدريبيةً متنوعةً يقدّمها متخصصون في كل مجال، مثل مشغولات الخرز والعطور وتحضير الطعام والكروشيه. تتعلم النساء كل أنواع الفنون، ليس فقط المشغولات اليدوية، وإنما الرقص وأساسيات الكتابة والتقديم الإذاعي وغيرها من المهارات".

هدفان أساسيان تسعى مها إلى تحقيقهما من خلال المبادرة، الأول هو شغل وقت السيدات وممارستهن الفن، مما سيساعدهن على المستوى النفسي، والثاني هو فتح باب للزرق كنوع من الدعم للمرأة المعيلة كي تستطيع الإنفاق على نفسها وعلاجها وأسرتها، فتشعر بأنها ما زالت عضواً فاعلاً في المجتمع، وأن المرض الخبيث لم يؤثر عليها كفرد عامل ذي إنتاجية، فيكون لها عملها الخاص، مما يعطيها ثقةً أكبر وأملاً وقوةً.

هناك أيضاً جانب آخر من المبادرة، بالإضافة إلى الجانب التعليمي، إذ تعاقدت الجمعية مع عدد من الفنانين مثل أشرف عبد الباقي، الذي كان يمنحها كل أسبوع مئة تذكرة مجانية لإحدى مسرحياته كي تحضرها السيدات. أيضاً تُنظم جولات سياحية ورحلات للأماكن الأثرية والمتاحف للسيدات، وعلى هامش الزيارة تقام ورشة فنية لتعليم إحدى المهارات.

هدفان أساسيان تسعى مها إلى تحقيقهما من خلال المبادرة، الأول هو شغل وقت السيدات وممارستهن الفن، مما سيساعدهن على المستوى النفسي، والثاني هو فتح باب للزرق كنوع من الدعم للمرأة المعيلة كي تستطيع الإنفاق على نفسها وعلاجها وأسرتها

"بالفن والعمل سأنتصر"

في أربعينيات القرن الماضي، طوّر عالم النفس الأمريكي إبراهام ماسلو، التسلسل الهرمي لاحتياجات الإنسان، المعروف باسم "هرم ماسلو"، وجاء الفن ضمن أدوات تحقيق الذات، وما يرتبط بالمشاعر وإشباع العواطف، وهي مسألة تنتمي إلى مجالات الخبرة الجمالية، ما يعني اعتبار الحاجة إلى الفن أداةً رئيسيةً من أدوات التعبير عن الذات.

في حديث إلى رصيف22، تروي نجلاء عثمان، إحدى السيدات المشاركات في الجمعية، قصتها: "قبل سنوات عدة، شعرت بشيء غريب في صدري، تجاهلته في البداية ولكنني ذهبت بعدها لإجراء الفحوصات اللازمة، واكتشفت إصابتي. انهرت وشعرت بالصدمة، لكنني وجدت دعماً كبيراً من أولادي وأخواتي، فكانوا سبباً رئيسياً لتحملي الأمر ومواجهتي إياه".

تتابع: "شقيقتي الكبرى هي الضلع الأهم في رحلة الدعم النفسي، فكانت تصطحبني إلى جلسات الكيماوي، وأتحمل بصعوبة الألم وأشعر بالرعب من تلك الجلسات، ولكنها كانت تشجعني بلطف وتحضر معي لتهوّن الأمر عليَّ. حينها أدركت أهمية الدعم النفسي، لذا بدأت أبحث عن جلسات تقدم هذا النوع حتى تعرفت إلى مها نور، في أثناء تأسيسها الجمعية، وتدربت معها في الورش واخترت مشغولات الخرز لأتعلمها".

نجلاء عثمان

تحكي "نجلاء" أنها لم تكن تعلم أي شيء عن ذلك المجال عندما اختارته، ولكنها خاضت التجربة لاكتشاف ما لم تختبره من قبل، وعندما تعلمته أحبته، ووجدت أن العمل وانشغالها في إنتاج قطع فنية يدوية يخفف عنها وينسيها كل ما تمر به، ومع كل قطعة تنتهي من صناعتها تشعر بسعادة غامرة، وتقول: "اشتركت في معارض كثيرة، لقد فتح المرض لي أبواباً وأدخلني عوالم جديدةً لم أكن أعلم عنها شيئاً، بعد أن كانت حياتي مقتصرةً على البيت والأولاد وكل ما يتعلق بهم".

تعافت نجلاء لمدة ثلاثة أعوام، ولكن عاد المرض للانتشار مرةً أخرى في رئتها وعمودها الفقري، لكن هذه المرة كان استقبالها للخبر مختلفاً عن المرة الأولى، فتحكي بفخر: "حالياً أنا أفضل حالاً، عندما عاد الورم مرةً أخرى وانتشر، شعرت بالحزن ليوم واحد فقط، وفي اليوم التالي استأنفت حياتي وكأن شيئاً لم يكن. كل من حولي لم يتوقعوا ردة الفعل هذه، ولكني بخير وسأنتصر عليه مرةً أخرى بالفن والعمل".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image