يزورنا السرطان فجأة. تكون الحياة عادية متمحورة حول اليوميات المملّة، مثل وجبات اليوم، والمعطف الأخضر الذي لا نود ارتداءه، والرحلة المقبلة، ثمّ يأتي الورم الصغير فيقلب حياتنا.
في الصغر، كنا نسمع أن هذا المرض مخيف ويجب أن لا ننطق اسمه، فنقول: “هداك المرض” أو إذا أردنا أن نعبّر عن كرهنا الشديد له، ننعته بـ: “هداك المرض السايب”. وحين يعجز الجسم عن محاربة المرض السائب ننعى ضحيته، بالقول: “ماتت... أخدها هداك المرض”.
السرطان لكل من لم يختبره مرعب وبعيد، ونحن دائماً ما نظن أنه لن يمسّنا، لكنّه في الواقع موجود في عائلاتنا وفي محيطنا ولو بطريقة غير مباشرة.
كما كل عام، حين يأتي تشرين الأول/ أكتوبر تبدأ حملات التوعية العالمية ضدّ سرطان الثدي الذي يصيب حوالى مليوني امرأة سنوياً. وذلك عبر تشجيع النساء على إجراء فحوص دورية وارتداء اللون الزهري كوسيلة لنشر الحملة وأيضاً عبر الكشف الذاتي شهرياً للتأكّد من عدم وجود أي أورام أو تكتلات.
في لبنان، البلد الذي قتل الكثيرات، امتلأت الشوارع قبل مدّة بمرضى السرطان المطالبين بحقّهم بالحصول على الأدوية في ظل الانهيار. في هذا التقرير نروي قصص نساء لبنانيات مع سرطان الثدي. قصص من العالم الآخر وقصص من هذا العالم. هناك من تأخرت رحلة علاجها ومن فقدت حياتها لأن الأدوية مفقودة. هناك من خسرت ومن ربحت، وهناك من تتابع رحلة علاجها في الخارج.
حين يزورنا السرطان
قبل أشهر، لاحظت رين نمر (31 عاماً) وهي لبنانية مقيمة في تركيا وجود كتلة متحجّرة في ثديها الأيمن فقرّرت على الأثر زيارة المستشفى للتأكّد من طبيعتها، ومن هناك بدأت رحلتها.
في البدء، أكّد الأطباء لرين أنه بسبب عمرها الصغير وعدم وجود تاريخ أمراض سرطانية في عائلتها يجب أن لا تقلق، وبعد إجراء صورة السونار في مختبر خاص أخبروها أن لا داعي للخوف وفي حال أرادت أن ترتاح بإمكانها مراجعتهم بعد عام، للتأكّد من أن الورم حميد.
ارتاحت رين وقرّرت الالتزام بإرشادات المختصّين، لكن بعد مرور ثلاثة أسابيع وبقاء الورم والوجع على حالهما، قرّرت الاستماع إلى حدسها وإكمال زياراتها الطبيّة.
بناءً على طلب من والدتها، قصدت رين المستشفى حيث تكرّرت التشخيصات غير الخطرة. لكن بعد إصرارها أعادت رين الفحوص، من الصور وصولاً إلى الزرع ليتبيّن أنها مصابة بسرطان الثدي.
“ما عاد بهمني شي. بدّي بس عيش. ما بهمني المظاهر، فقلت للدكتور يشيل الصدرين”
تقول رين لرصيف22 إنها أجرت بحثها الخاص، واكتشفت من خلال التواصل مع حالات أخرى أن أغلب الأطباء يطلبون من المرأة ما دون سن الأربعين أن لا تقلق وذلك لنفس الأسباب التي حصلت معها، وبحسب قولها فإن هذا التصرّف كان أكثر ما ضرّها لأنها بقيت حوالى خمسة أسابيع دون أن تحظى بتشخيص صحيح.
تؤكّد رين أنها محظوظة لأنها تركت لبنان قبل عامين وانتقلت إلى تركيا حيث تعمل في شركة خاصّة كمسؤولة عن تسيير قسم المبيعات، فمن خلال عملها ودعم محيطها والعائلة، باتت قادرة على تغطية تكاليف العلاج المرتفعة جداً، عكس ما كان سيحدث في لبنان حيث لا تملك ضماناً اجتماعياً أو تأميناً صحياً، بالإضافة إلى العوائق التي كانت ستواجهها في ظل الوضع القائم. فبالنسبة لها حتى لو كانت تملك التغطية الصحية لما كانت ستتمكن من تأمين الأدوية والمباشرة بعلاجها.
الانهيار أخبث من السرطان
تشرح جنى ضاهر، وهي تقنية أشعة في مستوصف أبو مرعي في مدينة صيدا، أنه في العادة، خلال تشرين الأول/أكتوبر كان يتم إطلاق حملات توعية تُعني بسرطان الثدي تستفيد منها النساء والفتيات عبر إجراء صورة الثدي الشعاعية (ماموغرام) مجاناً في المستوصف.
لكن هذا العام، بسبب تفشي وباء كورونا والانهيار الاقتصادي وكل ما حمله معه من صعوبات طالت القطاع الطبي، تم وضع تعرفة قيمتها 80 ألف ليرة لبنانية لكل من ترغب بإجراء الصورة. كما تؤكّد أن نسبة إقبال النساء هذا العام على إجراء الفحص السنوي تدنّت مقارنة بالعام الماضي. السيدة زاهية جردلي (54 عاماً) وهي معلّمة مدرسة مقيمة في مدينة صيدا، تخلّفت هذا العام عن إجراء الصورة لأن أولوياتها تقع في مكان آخر، وتشرح: “هدفي كمريضة سكّري كان تأمين أدويتي المرتبطة بقدرتي على الحياة. كما أنّ تكلفة الصورة في المراكز الطبية الخاصّة تبلغ حوالى 300 ألف ليرة، هذه التكلفة باتت تمثّل ثلث راتبي الشهري وخوفي من نهاية الشهر أو عدم دفع تكلفة مولّد الاشتراك أو الحصول على أدويتي تطغى على خوفي من سرطان الثدي في هذه المرحلة، خصوصاً أنه لا يوجد تاريخ عائلي لدي”. وتختم: "سأعود وأخضع للفحوص اللازمة، ربما الشهر القادم حين تكون الأحوال قد تيسّرت”.
السرطان من الداخل
في العام 2001، حين كانت تبلغ من العمر 41 عاماً قصدت سلمى موسى وهي ممرّضة من جنوب لبنان، عيادة الطبيب في المستشفى لتُجري عملية استئصال كيس دهني في الثدي الأيسر. كان الطبيب قد أكّد لها أن العملية بسيطة جداً ولن تتطلّب الكثير من الوقت وأن الورم حميد. وكانت هي قبل ليلة، قد وقفت أمام شقيقها محمّد وطلبت منه أن لا يخاف.
تقول شقيقتها هناء، إنها في غرفة العمليات بُنّجت موضعياً وتم استئصال الورم. حين خرجت إلى الغرفة لترتاح، بدأت بالبكاء أثناء استلقائها على السرير وعانت من نزيف حاد أغرق الشراشف بدمائها، فأعيد إدخالها إلى غرفة العمليات لإيقافه.
في تلك الليلة، أصبح لون الثدي مائلاً إلى الأزرق وبعد ثلاثة أيام طلب الطبيب لقاءها مجدّداً ليعلمها أن الكيس الدهني هو في الحقيقة سرطان في مراحله المتقدّمة. وبحسب شقيقتها كان يجب أن تخضع للعلاج الكيماوي قبل عملية استئصال الورم أو الثدي بأكمله بهدف الحد من انتشار السرطان.
نساء كثيرات غير قادرات على تحمّل تكلفة العلاج في لبنان، أو حتّى الوصول إليه، وأفكّر بهنّ. وذلك لأنّي رأيت كيف يمكن للسرطان أن يحني ظهر امرأة في عزّ شبابها
تقول رين إنها حتى اللحظة لا يمكنها أن تصف شعورها نحو العيش مع مرض السرطان، فهو زائر جديد على جسدها تحاول أن تفهمه بمجهودها الخاص، لأن الطبيب الأوّل الذي قصدته اكتفى بطرح عدّة أسئلة، وأكّد لها أن الورم عبارة عن تليّف. لكنها حين صحّحت خطأه ودخلت رحلة العلاج، اكتشفت أن هناك مشكلة أكبر متعلّقة بكيفية التعامل مع مرضى السرطان تحديداً فيما يخص شح المعلومات المقدّمة، وتشرح: “معظم الوقت، المستشفيات والأطبّاء يطلبون مني تجنّب الغضب أو الزعل لكنّهم لا يقدّمون أي دعم مباشر وملموس على الصعد المادية والشخصية، لذا أقوم ببحثي الخاص وأحظى فقط بإجابات على الأسئلة التي أكون قد حضّرتها قبل ذهابي إلى مواعيدي الطبية. وإضافة إلى الصعوبات النفسية والجسدية والمادية، هناك مسؤولية الحصول على المعلومات التي إن لم أقم بتحصيلها أنا فلن يعلمني أحد بها”.
تُعالج رين حالياً من المرحلة الثالثة من سرطان الثدي. ومن المتوقّع أن تخضع لعملية جراحية في كانون الأول/ديسمبر المقبل بعد انتهاء القسم الثاني من علاجها الكيماوي ثمّ تخضع للعلاج الهرموني التعويضي والعلاج بالأشعّة. تقول: “حين علمت بإصابتي أخبرني الطبيب أن الشفاء سيتم، لكنّني رأيت أنه لا توجد دراسات كافية حول المراحل المتقدّمة من سرطان الثدي، تحديداً المرحلة الرابعة، وأنا لا أريد أن أسمع الكلام الذي يمدني بالراحة بل أريد أن أفهم الواقع بالحقائق حتى أدرك كيفية التصرّف في المستقبل. لذلك أجريت الاختبار الجيني لتقدير خطر الإصابة بسرطان الثدي والمبيض والذي سيعلمني بوجود طفرات وتحوّرات جينية بإمكانها أن تتسبّب بأورام سرطانية في المستقبل”.
التشخيص المبكر ينقذنا
في العام 1994 قصدت ابتسام عبدالله (68 عاماً) وهي لبنانية مقيمة في بيروت عيادة طبيبها النسائي بسبب أوجاع في أسفل معدتها، حينذاك قرّر الطبيب أن يفحص صدرها واكتشف وجود الورم، فأجرى لها التحاليل في اليوم نفسه، وفي اليوم التالي حدّد موعد عمليتها.
أُصيبت ابتسام، وهي ربّة منزل بسرطان الثدي حين كانت تبلغ من العمر 41 عاماً، هو العمر نفسه الذي تم تشخيص سلمى فيه. وهي تلفت إلى أن الطبيب أنقذ حياتها بسبب التشخيص المبكر. تحكي قصتها لرصيف22: “بين المزاح والجد، اكتشفت إصابتي. أوّل ما قلته لطبيبي هو إنّني أريد أن أحيا لأن ابني الصغير يبلغ من العمر السنة ونصف السنة، وهمّي الوحيد كان ألّا يتيتّم ”.
عانت ابتسام كثيراً من العلاج الكيماوي، المعاناة نفسها مرت بها رين التي تصف العلاج بالتروما الأكبر، وتشمئز في الوقت الحالي من كل من يذكّرها به. وهي فقدت شعرها، الأمر الذي لم يحصل مع ابتسام، فعلى الرغم من تحضيرها لفقدانه بقي شعرها على حاله، فصارت من الحالات الاستثنائية التي تم وضع اسمها في مركز علاج في بروكسيل. أما سلمى فكانت حريصة على تغطية رأسها طوال الليل والنهار كي تجنّب أطفالها رؤيتها بلا شعر، فهي لم تكن تريد أن يتغيّر شكلها في نظرهم.
خيارات النساء
بعد عشر سنوات، وأثناء فحوصها الدورية اكتشفت ابتسام وجود كتلة سرطانية في مراحلها الأولى في الثدي الأيمن، فطالبت طبيبها بإجراء استئصال ثدي ثنائي الجانب، فهي خلال عمليتها الأولى حافظت على ثديها الأيسر وتم استئصال الورم فقط. لكن في العام 2004 لم يعد شكلها أولوية بل صحّتها، تقول: “ما عاد بهمني شي. بدّي بس عيش. ما بهمني المظاهر، فقلت للدكتور يشيل الصدرين”.
تشعر ابتسام، بعد مرور كل هذه السنوات، أنها تخلصت من الخوف، وصارت تعرف قيمة كل شيء. التفاصيل التي لم تكن تعني لها صارت اليوم أساسية. وتؤكّد أن مرض السرطان مجرّد مرض لكنّه يحتاج إلى قوّة نفسية جبّارة وإلى محيط داعم وطبيب كالذي حظيت به، والذي لا يزال يتابعها.
وبجمل ملأى بالضحكات، تقول: “العلاج الكيماوي كان الأصعب، فقدت بسببه أسناني لكنّي أضع وجبة أسنان أجدها جميلة جداً. فقدت رحمي ومبيضي لكنّي صرت أقرب إلى الحياة وإلى عائلتي”. وتختم: “ما عاد في جوّاتي إلا هالقلب، يحرق إخته هالقلب، بس بعده عم يشتغل”.
“فقدت أسناني ورحمي ومبيضي. ما عاد في جوّاتي إلا هالقلب، يحرق إخته هالقلب، بس بعده عم يشتغل”
هذا العلاج نفسه كان ثقيلاً جداً على سلمى كما على كل النساء، فكانت تعود من جلساتها غير قادرة على الحركة محاولةً أن تساعد ابنها على إنجاز واجباته اليومية. في يوم من الأيام قرّرت أن توقف العلاج لفترة قصيرة بهدف أن ترتاح وأن ينمو شعرها مجدّداً. حين عادت رموشها، فرحت كثيراً وأزالت القماشة عن رأسها. لكنها لم تستطع أن تتوقّف عن الاكتراث بثديها الأيسر الذي خسرته. تقول شقيقتها إنها في المرّة الأولى التي وقفت فيها قبالة المرآة بعد العملية فقدت وعيها، وسقطت أرضاً حين رفعت قميصها.
علاج تقمعه المنظومة
اكتشفت سمر درويش (59 عاماً)، وهي مهندسة مدنية مقيمة في بيروت، إصابتها بمرض سرطان الثدي، قبل ست سنوات، تقول: “أصبت أنا وشقيقاتي بمرض السرطان، هنّ أتممنّ علاجهنّ الذي امتدّ خمس سنوات بعد أن خضعن لعمليات بسيطة، أما أنا ولأن نوع السرطان الذي أصابني كان شرساً فقد خضعت لعملية استئصال كاملة ولا أزال أتعالج بالأدوية”.
بمساعدة نقابة المهندسين وحين كانت الأوضاع أفضل أتمّت سمر الجزء الأكبر من علاجها، ومعاناتها اليوم متمثّلة بالحصول على الأدوية، تشرح: “رحلة بحثي عن الدواء تبدأ من الصيدليات والمستودعات وصولاً إلى معارفي. الصيدلاني الذي يشفق عليّ يعطيني الدواء أما الذي لا يملك ضميراً فيخبّئه بهدف تحقيق الأرباح”.
الشهر المقبل، ستعيد سمر رحلة البحث عن الدواء، وهو Femaplex . لكنّها وعلى الرغم من المصاعب التي ستواجهها تؤكّد أنها محظوظة، تقول: “الدواء سعره منطقي والضمان الاجتماعي يغطيه بنسبة 85 بالمئة، وطبيبي إنساني، وبالتالي وضعي أفضل من وضع غيري، فهناك من لا تستطيع العثور على الأدوية وفي حال وجدتها لا تستطيع دفع تكلفتها“.
زائر ثقيل، زائر محتل
الخوف من المستقبل يرافق رين، فهي تحاول أن تستوعب تفاصيل الحياة مع السرطان، وأنّ العلاج والفحوصات سيرافقانها طوال العمر، وكذلك الخوف من الأورام المجهولة. وتحاول قدر الإمكان أن تتعامل مع التفاصيل اليومية عوضاً عن التخطيط للمستقبل. ومن التفاصيل التي رسّختها، بناء محيط داعم مؤلّف من الأشخاص الأقرب إليها.
ومثلها مثل ابتسام، في حال جاءت نتيجة الفحص الجيني إيجابية قرّرت أنها تريد استئصال ثدييها والمبيضين، القرار الذي يطلب منها الأطباء أن تنتظر سنوات قبل تنفيذه. تشرح رين: “أخبرني الطبيب أنني لن أجد من يستأصلها بسهولة، فعلى الرغم من أنني لا أريد أن أنجب فإن قراري سيلقى معارضة في حال عدم وجود خطر حقيقي، ولذلك أشعر أنه حتى خلال المرض ليس هذا الخيار المتعلّق بجسدي وقناعاتي لي”. وتختم: “لا أريد سوى أن أتجنّب احتمال الإصابة بالسرطان في المستقبل، وحين تصلني النتيجة الجينية سأتّخذ القرار المناسب مع أطبائي”.
رأيت ماذا يمكن لزيارة سرطان الثدي إذا ما استقبلنها متأخرّة أن تفعل داخل الأجساد وخارجها
حين أجريت المقابلة مع رين، لم تستطع أن تتلقى مكالمتي الهاتفية لأنها في العمل، فلجأت إلى التسجيلات الصوتية. فرحت حين أخبرتني أنها مشغولة وحين أجابت أنها بخير عن سؤال: كيف حالك على الصعيد النفسي؟ وأيضاً، حين علمت أنها بسبب عنادها وإيمانها بجسدها لم تتوقّف عن إجراء الفحوص إلى أن تمّ تشخيصها. ابتسام استطاعت أن تربي طفلها، وأن ترى أحفادها لأنها شُخّصت باكراً وصنعت من أوجاعها أفراحاً تبدأ بأسلوب حديثها ولا تنتهي عند ضحكتها المستمرة منذ عقود بعد الإصابة. وسمر تعتبر اليوم من المحظوظات في لبنان لأن علاجها سبق الانهيار عكس صديقة شقيقتي المقرّبة التي حرمت من رحلة الشفاء بسبب الانهيار، وبعد خمسة أشهر من عدم توفّر العلاج، ماتت.
أمّا سلمى، في نهاية ربيع العام 2002، وبعد سنة وخمسة أشهر من التنقّل بين المستشفيات تفشّى السرطان في جسدها ودخلت في غيبوبة. حتّى اللحظة لا يمكننا أن نعرف كيف كانت ستكون رحلة علاجها لو أنها شخّصت باكراً وبطريقة صحيحة، أو لو أنّها أجرت الصور اللّازمة فقط. لكنّنا عرفنا معنى العيش مع مصابة بسرطان الثدي في المنزل، وأعرف حتى اليوم أنا وأخواتي وأخي معنى أن نفقد والدتنا أمام احتلال السرطان جسدها.
في التظاهرات وفي البيوت نساء كثيرات غير قادرات على تحمّل تكلفة العلاج في لبنان، أو حتّى الوصول إليه، وأفكّر بهنّ. وذلك لأنّي رأيت كيف يمكن للسرطان أن يحني ظهر امرأة في عزّ شبابها وأن يدفعها إلى تمني الموت للتخلص من أوجاعه. رأيت أمّي، سلمى، تلجأ إلى كل أنواع الأعشاب الطبية والعلاجات البديلة فقط كي تقول إنّها حاولت أن تحارب من أجلنا. ورأيت أيضاً حين كبُرت كيف يمكن أن نتجنّب مراحل كثيرة من هذه المعركة وكل ما هو موجع من خلال التشخيص المبكر.
لذلك أذهب أنا ونساء كثيرات محظوظات حول العالم كل عام ونجري الفحوص اللازمة، بعضهن يفعلن ذلك خوفاً على صحّتهن أو لأنّهن لمسن الورم، وأخريات بسبب تاريخ عائلاتهن وتجنّباً لتكرار أخطاء أحبائهن، وبعضهن بعدما دفنّ أمّهاتهن ورأين ماذا يمكن لزيارة سرطان الثدي إذا ما استقبلنها متأخرّة أن تفعل داخل الأجساد وخارجها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
عبد الغني المتوكل -
منذ 7 ساعاتوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ 8 ساعاترائع
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت