لا تخفى على أحد، الظروف الصعبة التي يعيشها ذوو الإعاقة، خاصةً في البلدان التي لا توفر لهم أبسط المقومات اللازمة لمساعدتهم في احتياجاتهم الخاصة. لكن الأمر لا يقتصر على ذلك، إذ يُجبَر بعضهم على الزواج من أشخاص لم يختاروهم، لأن الأهل يعتقدون أن ذلك أفضل لمستقبلهم.
البعض يتزوجون، رغماً عنهم، من أشخاص يعانون من حالات مشابهة، وآخرون لا يسمح لهم ذووهم بالارتباط بأشخاص من غير ذوي الإعاقة، قائلين إنهم لن يتحملوهم، ولن يكونوا قادرين على استكمال الحياة معهم بصورة مرضية.
"عائلتي تعدّني عبئاً عليها"
أحياناً يرى الأهل إعاقة أبنائهم أكثر مما يراها غيرهم، وهذا ما حدث مع نوال بيومي من محافظة الجيزة، وهي تعاني من إعاقة بصرية.
تقول الفتاة الثلاثينية، لرصيف22: "أعاني من عيب خلقي في عيني، منذ ولادتي. لم أفقد بصري كلياً، لكني أحتاج إلى المساعدة باستمرار. منذ الصغر، يراني أهلي أقل من أي فتاة أخرى. حتى في التعليم، عندما أثبت لهم أنني متفوقة، كانوا يرون الأمر مجرد صدفة".
التحقت نوال بكلية التجارة، وهناك تعرفت إلى شاب أحبته، وطلب الارتباط بها. "عندما أخبرت أهلي بذلك، انقلبت الدنيا، وقال أبي إن زوجي موجود، وعرفت بأنه يخطط لتزويجي من ابن عمتي الذي يعاني من إعاقة في قدمه، قائلاً إنه الأنسب لي، ولن يعيّرني بسبب ضعف بصري، وإن الشاب الذي أحبه، لن يتحملني مستقبلاً".
يُجبر بعض ذوي الإعاقة على الزواج من أشخاص لم يختاروهم، لأن الأهل يعتقدون أن ذلك أفضل لمستقبلهم.
"’انظري إلى نفسك في المرآة’. جرحني أخي بهذه الكلمة، عندما أخبرته بأني لست موافقة على الزواج، ومنعني من الذهاب إلى الجامعة، وتمت خطبتي على ابن عمتي بعد ذلك بشهرين. لا أنكر أن زوجي إنسان طيب، لكن لم أقبل أبداً أنهم أجبروني على الزواج به".
"لا أرى نفسي من ذوي الإعاقة، فنطقي الثقيل جداً، هو نتيجة حمى أصابتني في الطفولة"، هكذا قال حسام سنهوري (37 سنة) لرصيف22.
وأضاف حسام، المقيم في القليوبية: "كلماتي لا تخرج بشكل منضبط، ولكن لا شيء خطأ في عقلي، أو قلبي، أو جسدي، وعلى الرغم من ذلك، تنظر إليّ عائلتي على أني شخص ناقص، وكذلك أصحاب العمل الذين أتقدّم إليهم. قبل عام، اختار لي عمي عروساً تعاني من مشكلة في بصرها. خفت من ألا توافق فتاة غيرها على الارتباط بي، وتمت الخطوبة، ولكني بعد ذلك لم أقتنع، فتركتها. لم أستطع أن أظلم نفسي، وأظلمها".
أما تيسير (26 سنة)، وهي تعاني من قصر القامة، فترى أن بعض الأهل يعدّون أولادهم من ذوي الإعاقة، عبئاً كبيراً، ويتعاملون معهم على أنهم اختبار من الله. وتضيف لرصيف22: "أنا الوحيدة القصيرة القامة في العائلة. يتعاملون معي على أني شاذة، وعلى الرغم من أني تعلمت، ونجحت في الحصول على عمل، إلا أن أهلي كانوا يضعون خطة أخرى لمستقبلي".
ترغب والدة تيسير بتزويجها من ابن صديقتها الذي يعاني بدوره من إعاقة جسدية، على الرغم من رفض الفتاة. "قابلته، وهو إنسان محترم، ولكني لا أحبه، وهو أيضاً لا يريدني. لا أظن أن هذا الزواج سيتم"، تضيف الفتاة المقيمة في محافظة البحيرة.
أحلام لم تتحقق
"لم أفكر في الزواج أبداً، ولم أتصور أن هناك شخصاً من الممكن أن يرضى بحالتي، فأنا مصابة بشلل الأطفال، ولا أتحرك، وأعدّ نفسي بلا فائدة"، هكذا قالت سميرة صالح، وهو اسم مستعار لفتاة عشرينية من كفر الشيخ، في حديث لرصيف22.
"كنت أشاهد المسلسلات والأفلام الرومانسية، وأشعر بالنقص، وأقول لنفسي إني لن أعيش أبداً قصة حب، ولن تكون لي حياة جنسية مع رجل أحبه. رضيت بقدري، لكن والدي كان له رأي آخر. فعندما عرض عليه صديق له بُترت قدمه، أن يتزوج مني، وافق، وقال إن هذا الزواج سيكون أنساً لي، وأن الحياة ستكون أسهل لكلينا".
"عندما أخبرت أهلي بذلك انقلبت الدنيا، وقال أبي إن زوجي موجود، وعرفت بأنه يخطط لتزويجي من ابن عمتي الذي يعاني من إعاقة في قدمه، قائلاً إنه الأنسب لي، ولن يعيرني بسبب ضعف بصري، وإن الشاب الذي أحبه لن يتحملني مستقبلاً"
لم تستطع سميرة الاعتراض، على الرغم من أن الرجل أكبر منها بخمسة عشر عاماً، فهي ترى نفسها امرأة غير كاملة، ولا تملك حق الاختيار. "لو كنت مستقلة مادياً، ربما كنت استطعت أن أختار حياتي بنفسي. في نهاية المطاف، ارتبطت به، وأعيش حياة بائسة، بلا جنس، ولا مشاركة، ولا حتى أنس. ليتني استمريت في مشاهدة أفلام السينما فحسب".
التقبل مبدأ أساسي
أكدت الخبيرة النفسية الدكتورة زينب نجيب لرصيف22، أن من حق أي إنسان تقرير مصيره، واختيار شريك/ ة حياته، إلا أن بعض العائلات ترى أن الأشخاص من غير ذوي الإعاقة لن يحتملوا الارتباط بشخص لديه إعاقة ما، وقد يعيّروهم مستقبلاً، بسبب ذلك. "الأمر وارد طبعاً، لكن في هذه الحالة يمكن أن يحدث الانفصال ببساطة، مثل أي زواج آخر".
استشارية العلاقات الأسرية أضافت: "التقبل مبدأ أساسي للزواج، فلا يجوز أن يجبر الوالدان الفتاة، أو الشاب، على الزواج من شخص لا ترغب، أو يرغب به/ ا. الحب يلغي أي نقص قد يعاني منه أحد طرفي العلاقة، وهناك زيجات كثيرة ناجحة كهذه".
بدورها، أكدت الاستشارية المتخصصة في حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، داليا عاطف، حق هذه الفئة في تكوين الأسرة، والإنجاب، كأي إنسان يريد أن يحظى بحياة مليئة بالحب، والمودة، والاستقرار. "لا يكتمل هذا، إلا من خلال علاقة زوجية تجمع طرفيها عاطفة الحب، والقناعة بقدرات كل منهما".
الاستقلال الاقتصادي مهم لذوي الإعاقة، حتى يمتلكوا حق تقرير مصيرهم، ولا يكونوا تحت رحمة الأهل.
وأضافت الخبيرة في حديثها لرصيف22: "لا القانون، ولا التشريع، ولا المواثيق الدولية، ولا الشرع، يقبلون بإجبار أي شخص على أي أمر، ولا نتحدث هنا عن الزواج فحسب. كل إنسان يملك حق اتخاذ القرار، وتقرير مصيره، وعلى الأهل أن يتجهوا أكثر نحو تعليم أبنائهم من ذوي الإعاقة، وتأهيلهم. حينها، ستكون لديهم قناعة بأنهم سينجحون في أي ظرف".
وتشجب المتحدثة نظرة المجتمع إلى ذوي الإعاقة، على أنهم غير منتجين، وغير صالحين لتكوين أسرة، وتكمل بأن الخوف من فشل زواجهم، هو نتيجة هذه النظرة. "الزواج من الموضوعات الحرجة، والشائكة، للأشخاص ذوي الإعاقة، من الجنسَين، فالرجل يواجه أكثر من مشكلة، منها عدم قبول الأسر بارتباط بناتهم به، على الرغم من عدم وجود أية عوائق حقيقية، ويكون هذا الرفض مبنياً على الشكل العام للشخص الذي يستخدم كرسياً متحركاً، أو يتنقل باستخدام عكازين، أو يكون فاقداً البصر، أو السمع".
"الإعاقة أقوى من الحب"
خلال الحديث مع بعض أهالي ذوي الإعاقة، كان لهم رأي مرير تجاه الواقع الذي يعيشه أبناؤهم، مؤكدين أن الأحلام الوردية التي يصورها المجتمع، غير حقيقية غالباً.
سيد محمود، وهو رجل ستيني من القاهرة، قال لرصيف22، إن ابنته مريضة توحد، ولن يفكر في تزويجها، ولو فكر في الأمر كي لا يتركها وحيدة، سيفضل أن يتم الأمر مع شاب ذي إعاقة أيضاً، حتى لا يشعر بأنه أفضل منها، ولا يريد أن يكمل حياته معها.
تعاني ابنة نعمات نور الدين، بدورها، من الصمم، وتزوجت شاباً لديه الإعاقة نفسها. تقول السيدة المقيمة في البحيرة، لرصيف22: "الناس يرددون مجرد شعارات، ولا يعرفون شيئاً مما نعيشه. لا يمكن أن يحب شخص من غير ذوي الإعاقة، فتاة ذات إعاقة، بصدق، ولو حدث، فهو شيء نادر. لم تكن ابنتي موافقة على الزواج، ولكنها عندما رأت الإساءة التي تعرضت لها صديقتها، عندما تزوجت من رجل غير ذي إعاقة، اقتنعت. أعرف أنها لم تكن تحبه، لكن الحياة بهذا الشكل، ستكون أفضل، ولن يعيّرها لإعاقتها، ولن يجرحها بأي كلمة، لأن حالتهما واحدة. أنجبا طفلة، العام الماضي، وأنا متأكدة من أنها سعيدة الآن معه".
"الناس يرددون مجرد شعارات، ولا يعرفون شيئاً مما نعيشه. لا يمكن أن يحب شخص من غير ذوي الإعاقة فتاة ذات إعاقة بصدق، ولو حدث فهو شيء نادر"
"لا يوجد شيء اسمه حب، فالتحدي الذي نعيشه أكبر من ذلك، وما حدث مع طه حسين، لم يحدث معي"، هكذا تحدث خالد نعيم (41 سنة)، لرصيف22، وقال: "فقدت بصري، وأنا صغير، لكن الفتيات يرين أني فقدت كل شيء معه. أعمل إماماً، وخطيباً، ولي راتب ثابت، وشكلي مقبول، أو هكذا يقولون لي، وعندما تقدمت لخطبة فتاة من غير ذوات الإعاقة، لم تقبل، على الرغم من أنها عبّرت عن إعجابها بي، وبتعليمي. واجهت حينها الواقع، فهي ليست مضطرة إلى أن تعيش مع شاب ذي إعاقة، طوال حياتها".
بعد ذلك، ارتبط خالد، وهو من كفر الشيخ، بفتاة تعاني من إعاقة في ساقها، على الرغم من عدم رغبتها بالأمر. لكن أهلها ضغطوا عليها للموافقة، قائلين إنها لن تجد من تتزوجه بعد ذلك. "نعيش الآن معاً؛ تتّكئ على ذراعي، وأرى بعينيها، لكن لا وجود للحب بيننا".
دراسات ناقصة
يرى أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأمريكية، سعيد صادق، أن زواج ذوي الإعاقة ينقصه الكثير من الدراسات، حول المشكلات التي يمكن أن يتعرضوا لها، ويرفض في حديثه لرصيف22، إجبار الأهل أولادهم، وبناتهم، على الزواج بمن لا يرغبون به، محذراً من أن هذه الأفعال قد ينتج عنها انفجار، وتصرفات غير سليمة.
وأشار المتحدث إلى أهمية الاستقلال الاقتصادي لذوي الإعاقة، حتى يمتلكوا حق تقرير مصيرهم، ولا يكونوا تحت رحمة الأهل الذين يرون أنهم يملكون حق اتخاذ القرار، بدلاً منهم. كما لفت إلى أهمية توعية ذوي الإعاقة، بالعديد من الأمور التي تخص الحياة الجنسية، والتي لا تلقى عادة الاهتمام الكافي، لتكون حياتهم الزوجية سليمة.
انضم/ي إلى المناقشة
jessika valentine -
منذ أسبوعSo sad that a mom has no say in her children's lives. Your children aren't your own, they are their father's, regardless of what maltreatment he exposed then to. And this is Algeria that is supposed to be better than most Arab countries!
jessika valentine -
منذ شهرحتى قبل إنهاء المقال من الواضح أن خطة تركيا هي إقامة دولة داخل دولة لقضم الاولى. بدأوا في الإرث واللغة والثقافة ثم المؤسسات والقرار. هذا موضوع خطير جدا جدا
Samia Allam -
منذ شهرمن لا يعرف وسام لا يعرف معنى الغرابة والأشياء البسيطة جداً، الصدق، الشجاعة، فيها يكمن كل الصدق، كما كانت تقول لي دائماً: "الصدق هو لبّ الشجاعة، ضلك صادقة مع نفسك أهم شي".
العمر الطويل والحرية والسعادة لوسام الطويل وكل وسام في بلادنا
Abdulrahman Mahmoud -
منذ شهراعتقد ان اغلب الرجال والنساء على حد سواء يقولون بأنهم يبحثون عن رجل او امرة عصرية ولكن مع مرور الوقت تتكشف ما احتفظ به العقل الياطن من رواسب فكرية تمنعه من تطبيق ما كان يعتقد انه يريده, واحيانا قليلة يكون ما يقوله حقيقيا عند الارتباط. عن تجربة لم يناسبني الزواج سابقا من امرأة شرقية الطباع
محمد الراوي -
منذ شهرفلسطين قضية كُل إنسان حقيقي، فمن يمارس حياته اليومية دون ان يحمل فلسطين بداخله وينشر الوعي بقضية شعبها، بينما هنالك طفل يموت كل يوم وعائلة تشرد كل ساعة في طرف من اطراف العالم عامة وفي فلسطين خاصة، هذا ليس إنسان حقيقي..
للاسف بسبب تطبيع حكامنا و أدلجة شبيبتنا، اصبحت فلسطين قضية تستفز ضمائرنا فقط في وقت احداث القصف والاقتحام.. واصبحت للشارع العربي قضية ترف لا ضرورة له بسبب المصائب التي اثقلت بلاد العرب بشكل عام، فيقول غالبيتهم “اللهم نفسي”.. في ضل كل هذه الانتهاكات تُسلخ الشرعية من جميع حكام العرب لسكوتهم عن الدم الفلسطيني المسفوك والحرمه المستباحه للأراضي الفلسطينية، في ضل هذه الانتهاكات تسقط شرعية ميثاق الامم المتحدة، وتصبح معاهدات جنيف ارخص من ورق الحمامات، وتكون محكمة لاهاي للجنايات الدولية ترف لا ضرورة لوجوده، الخزي والعار يلطخ انسانيتنا في كل لحضة يموت فيها طفل فلسطيني..
علينا ان نحمل فلسطين كوسام إنسانية على صدورنا و ككلمة حق اخيرة على ألسنتنا، لعل هذا العالم يستعيد وعيه وإنسانيته شيءٍ فشيء، لعل كلماتنا تستفز وجودهم الإنساني!.
وأخيرا اقول، ان توقف شعب فلسطين المقاوم عن النضال و حاشاهم فتلك ليست من شيمهم، سيكون جيش الاحتلال الصهيوني ثاني يوم في عواصمنا العربية، استكمالًا لمشروعه الخسيس. شعب فلسطين يقف وحيدا في وجه عدونا جميعًا..
محمد الراوي -
منذ شهربعيدًا عن كمال خلاف الذي الذي لا استبعد اعتقاله الى جانب ١١٤ الف سجين سياسي مصري في سجون السيسي ونظامه الشمولي القمعي.. ولكن كيف يمكن ان تاخذ بعين الاعتبار رواية سائق سيارة اجرة، انهكته الحياة في الغربة فلم يبق له سوى بعض فيديوهات اليوتيوب و واقع سياسي بائس في بلده ليبني عليها الخيال، على سبيل المثال يا صديقي اخر مره ركبت مع سائق تاكسي في بلدي العراق قال لي السائق بإنه سكرتير في رئاسة الجمهورية وانه يقضي ايام عطلته متجولًا في سيارة التاكسي وذلك بسبب تعوده منذ صغره على العمل!! كادحون بلادنا سرق منهم واقعهم ولم يبق لهم سوى الحلم والخيال يا صديقي!.. على الرغم من ذلك فالقصة مشوقة، ولكن المذهل بها هو كيف يمكن للاشخاص ان يعالجوا إبداعيًا الواقع السياسي البائس بروايات دينية!! هل وصل بنا اليأس الى الفنتازيا بان نكون مختارين؟!.. على العموم ستمر السنين و سيقلع شعب مصر العظيم بارادته الحرة رئيسًا اخر من كرسي الحكم، وسنعرف ان كان سائق سيارة الاجرة المغترب هو المختار!!.