ينظر البعض إلى ذوي الاحتياجات الخاصة نظرة غير جيدة، ويحاول الكثيرون تجنبهم بسبب إصابتهم بإعاقة ما تحد من قدرتهم على التأقلم مع الأمور مقارنة بالأصحاء.
وقلما نرى أو نسمع في مجتمعنا عن شخص تزوج فتاة من ذوات الاحتياجات الخاصة، والعكس صحيح.
العديد من ذوي القدرات الخاصة بدورهم ابتعدوا عن الناس الأصحاء لتفادي مشاعر الشفقة، والاحتقار، والمشاكل النفسية التي من المتوقع أن يختبروها مع شريك مختلف عنهم، لذلك يلجؤون في العادة إلى الأشخاص الذين يشبهونهم حتى يشعروا بالراحة التي من شأنها ان تؤسس لحياة أسرية ناجحة.
ويقدّر عدد ذوي الإعاقة في تونس بـ250 ألفاً، 46 في المئة من حاملي القصور العضوي و27 في المئة من حاملي القصور الذهني، و12 في المئة من المصابين بالصمم، و11 في المئة من فاقدي البصر، و4 في المئة من "متعددي الإعاقة"، بحسب آخر الإحصاءات.
"أقارب اعترضوا على زواجنا"
فريد (36 عاماً) لديه ارتخاء في الأعصاب، ويستعين عادة بعكاز لقضاء بعض شؤونه، قرّر أخيراً خوض تجربة عاطفية بهدف الزواج، فاصطدم بمعارضة شديدة من أخيه الذي نصحه بعدم الإقدام على هذه الخطوة، التي وصفها بالصعبة وغير المجدية، مشككاً في قدرته على تأسيس أسرة نظراً لحالته الصحية.
يقول فريد لرصيف22 إن عائلته وبعض الأقارب كانوا أول المعارضين لهذه الفكرة، مشككين في قدرته على الزواج. وهو تغاضى عن الكلام الذي صدر عن أخيه وبقية العائلة، ومضى قدماً في تحقيق أحد حقوقه التي يراها مشروعة.
تزوج فريد الذي يعاني من إعاقة بصرية بـ"صاحبة عين الغزال" كما يصفها، بعد أن رفضت أسرته في البداية، ويتساءل الجميع عن كيفية إعدادهما الطعام، والتنظيف، دون الاستعانة بأحد
وكانت أولى خطواته تأمين عمل، بدأ بمشروع صغير يتلاءم وإمكاناته، إذ انطلق في بيع الأكياس البلاستيكية والورقية ومستلزمات الحلاقة، وبعض الإكسسوارات الأخرى، التي تلقى رواجاً كبيراً في الأسواق التونسية.
نجاح مشروعه الصغير عزّز من طموحه للفوز بحبيبته، التي يصفها بـ"صاحبة عين الغزال"، وبات حلمه على أعتاب التحقيق بعد تراجع أخيه أيضاً عن عناده ومنحه الضوء الأخضر المشروط بعدم التذمر والشكوى من صعوبة الحياة الزوجية واليومية.
تعرف فريد على زوجته في السوق، وهي في مثل عمره، وتعاني إعاقة على مستوى يدها، وساقها اليسرى بسبب حروق بليغة أصابتها عندما كانت صغيرة، وقد تم التفاهم بينهما من البداية، وكان الأمر غاية في الروعة كما يصفه فريد، وقد تمكن في غضون عام من إقامة عرس حضره الأهل والأقارب وسط تشكيك في مدى قدرته على خوض غمار حياة جديدة، فشل فيها، بحسب رأيه، من هم أصحاء، وأعيتهم أروقة المحاكم ومشاكل الطلاق.
تزوج فريد أخيراً، وتوج ذلك بطفل يبلغ من العمر الآن سبع سنوات، وهو في صحة جيدة، ويعتبره "الفانوس" الذي أضاء حياة الزوجين بعدما صنفهما المجتمع في خانة الميئوس منهما.
اللمس والبصيرة
يرى البعض في تونس أن حياة الأشخاص، ذوي القدرات الخاصة صعبة، إن لم تكن مستحيلة في بعض الأحيان، خاصة ذوي الإعاقات البليغة مثل المصابين بالشلل، وفاقدي البصر، فهم بحاجة إلى عناية يومية من العائلة، فما بالك بأن يتزوج أحد هؤلاء ويؤسس أسرة.
ويساند بعضُ الأسر أبناءهم الذين هم من ذوي الاحتياجات الخاصة على الزواج، شرط أن يكون المعوّق قريباً من عائلته لمساعدته على متطلبات الحياة، والتدخل عند الحاجة، كما يجب أن يحسن اختيار الشريكة التي ترضى بوضعه حتى ينجح في حياته الأسرية.
زهير (37 عاماً) كفيف يعمل بالإذاعة التونسية، حكايته مليئة بالتحديات نظراً لإعاقته البصرية. ينحدر من محافظة سليانة التي تبعد 127 كلم عن العاصمة تونس، حيث ولد وترعرع مع إخوته في منطقة ريفية وعرة، تفتقد لكل متطلبات العيش الكريم، كان يرغب في الدراسة والتعلم، وقد تجاوز المرحلة الابتدائية بنجاح بمساعدة عائلته والأصدقاء، قبل أن يشد الرحال إلى محافظة بن عروس بتونس الكبرى، حيث التحق بالمعهد الخاص بالمكفوفين، تاركاً وراءه سنده الوحيد، العائلة والأصدقاء.
"كل شيء كان صعب في البداية"، حسب قوله، لكنه سرعان ما اندمج مع الوضع، لأن المخطط الذي رسمه في مخيلته يحتم عليه أن يكون قوياً، وصلباً أمام عثرات الحياة.
تحدت ريما الرياضية التونسية معارضة العائلة في البداية لزواجها، ولكنها عاشت قصة "رائعة وطريفة" مع رجل تزوجته، وتتعرض أحياناً للتنمّر في الشارع عندما يخرجا سوية
نال شهادة البكالوريا بعلامة جيدة، وبعدها شهادة جامعية زادته إصراراً وعزيمة على خوض تجربة مهنية ناجحة، وأخذ يشق طريقه الصعب بنجاح باهر، إذ تمكن من الحصول على عمل في مؤسسة الإذاعة التونسية، ومن هنا انطلقت فكرة الزواج، وعلى غير العادة، عائلته هي التي عرضت عليه أن يتزوج بفتاة من أقاربه، لكنه رفض ذلك، وفضل بناء حياته "كما يقول له قلبه". اختار فتاة درست معه في معهد المكفوفين، وهي تنحدر من منطقة قليبية التابعة لمحافظة نابل، وتبعد 105 كلم عن العاصمة تونس.
تزوج زهير حبيبته، وأنجب منها طفلين، الأول عمره ثلاث سنوات والثاني شهران، ويعيش في منطقة باب الخضراء بتونس العاصمة، ويعتمد على نفسه، هو وزوجته، في قضاء شؤون الحياة دون الاستعانة بأي طرف آخر حتى بات حديث الجيران والأصدقاء، ويتساءل الجميع عن كيفية إعدادهما الطعام، والقيام بالتنظيف، و"توظيب" المنزل، والكي، والطهو، وغيرها من المهام التي تتطلب بصراً قوياً.
كل هذه الأسئلة أجاب عليها زهير لرصيف22 بجملة واحدة: "يجب أن نحقق المستحيل، لأن الصعوبات موجودة دوماً".
ويؤكد أن "الله أنعم علينا" بحاستي اللمس والبصيرة اللتين يعوّضانه عن كل شيء، إذ يذهب إلى السوق والعمل، مثله مثل بقية الناس.
رفع التحدي
"الثقة في النفس ورفع التحدي" هو شعار بطلة العالم في رمي الجلة، ريما العبدلي (32 عاماً)، التي أكدت في حديثها لرصيف22 أنها تدعو ذوي الاحتياجات الخاصة إلى الإيمان بقدراتهم لكسب الرهان وتحقيق الطموحات.
تعاني ريما من ضمور في الأطراف، وهذا ما جعل قامتها أقصر، إذ يبلغ طولها متراً واحداً وعشرين سنتيمتراً، لكن ذلك لم يثنها عن التألق في الدراسة، فقد حصلت على الماجستير في العلوم المالية، كما توّجت في مسيرتها كرياضية بعدة ألقاب وجوائز، أبرزها الميدالية الذهبية في الألعاب البارالمبية بلندن عام 2017، والمركز الثاني في البرازيل، والترشح لأولمبياد طوكيو 2021.
"رفضوا الفكرة خوفاً من أن يولد الطفل بضمور مثل والديه".
وحول حياتها الزوجية، تحكي ريما: "الأمر في البداية لقي معارضة من أفراد العائلة، إذ رفضوا الفكرة خوفاً من أن يولد الطفل بضمور مثل والديه، لكنها لم تستمع إلى آرائهم، وقررت خوض تجربة عاطفية انتهت بالزواج".
تروي حكاية التعرف على زوجها ضاحكة: "كانت رائعة وطريفة. كانت نشرة أخبار الثامنة مساءً، التي تبث على قناة الوطنية الأولى التونسية هي السبب في ذلك، إذ أعطت مقدمة الأخبار نبأ حصول ريما العبدلي على الميدالية الفضية بريو دي جينيرو بالبرازيل آب/ أغسطس 2016، حينها قام زوجي بالبحث عني على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وأرسل إلي رسالة، وكانت تلك الخطوة هي البداية، ثم تزوجت منه برغم كل شيء".
تؤكد ريما أنها تعيش حياة زوجية هادئة، ولم تقرر بعد إنجاب طفل لأن أمامها العديد من التحديات، وخاصة أولمبياد طوكيو 2021. وتقول إنها تتعرض في بعض الأحيان للتنمر عندما تخرج مع زوجها في جولة، لكنها لا تعير ذلك اهتماماً، ولا تعتبر نفسها "متقوصة من أي شيء" بل حققت ما عجز عنه الأصحاء.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع