"وإنني أصلّي"... كنائس فلسطين وحدها في وجه التهويد

رود تريب نحن والتاريخ

الخميس 18 ديسمبر 202514 دقيقة للقراءة

تنشر هذه المادة ضمن ملف رصيف22 "الكنائس الشرقية... جوار في جغرافيا الرب" الذي يتوقف عند أجمل كنائسنا... منها ما يقترب من النسيان ومنها ما زال زيت قناديله مضيئاً.


في أرض يتعانق فيها التاريخ مع الجغرافيا تبدو فلسطين كفسيفساء روحية ممتدة عبر القرون، وكما كانت دائماً موطناً للديانات السماوية، حضرت المسيحية فيها كإحدى أبرز هذه الديانات وأكثرها تعدداً، فهي لم تكن مجرد كتلة واحدة وإنما نسيج واسع من الطقوس واللغات والثقافات التي عاشتها طوائف متعددة جنباً إلى جنب، حافظت خلالها على ملامحها الخاصة في المدن العتيقة وعلى قمم الجبال وفي عمق الصحراء، وفي هذا التقرير يرصد رصيف22 الطوائف المسيحية وتاريخ كنائس فلسطين وواقعها الراهن.

فسيفساء روحية تمتد منذ القرون الأولى

تبدو معرفة الطوائف المسيحية في فلسطين أشبه بقراءة الطبقة الأولى من تاريخ روحي واجتماعي طويل لمكوّن أساسي من مكونات المجتمع الفلسطيني. ويُعدّ الروم الأرثوذكس، المنتمون إلى المسيحية الشرقية، أكبر الطوائف المسيحية في البلاد، إذ يتبعون بطريركية القدس الأرثوذكسية، إحدى أقدم البطريركيات في العالم، ويشكّلون الحضور الأبرز في معظم المناطق الفلسطينية التي يوجد فيها مسيحيون.

أما الكاثوليك بمختلف طوائفهم، فيمثلون الحضور الأوسع على مستوى المؤسسات التعليمية والصحية والرعوية، وتشكل الكنيسة اللاتينية أحد أهم فروعهم، حيث اضطلع رهبان الفرنسيسكان منذ القرن الثالث عشر بمهمة حراسة الأراضي المقدسة ورعاية المواقع المرتبطة بحياة السيد المسيح، ويبرز الوجود الكاثوليكي اليوم في مختلف المدن مثل بيت لحم ورام الله والناصرة والقدس.

تشكل كنائس فلسطين، من بيت لحم إلى القدس وغزة، شبكة روحية ومعمارية متصلة، تحفظ ذاكرة المسيحية الأولى، وتختزن تنوّع الطوائف وطقوسها، وتحوّل الجغرافيا إلى سجلّ حيّ للإيمان، والصلاة، والتاريخ المتراكم عبر القرون

وإلى جانب الأرثوذكس واللاتين، تقف الطائفة الأرمنية الأرثوذكسية كأحد أقدم مكونات المجتمع الفلسطيني في مدينة القدس، ولهم حي خاص داخل البلدة القديمة في المدينة وتاريخ طويل يعود إلى القرن الرابع الميلادي، وهم من الشركاء الأساسيين في كنيسة القيامة والمهد، ثم تأتي الطوائف الشرقية الصغيرة كالسريان والأقباط، ولكل منها جزء خاص وصلاة خاصة داخل كنيسة القيامة، وتالياً فإن هذا التعدد جعل من المدن الفلسطينية ساحات التقاء للمسيحية الشرقية والغربية، لا منافسة بينها بقدر ما هو تمايز طقسي وثقافي.

وبهذا المشهد المتنوع، تبدو فلسطين أشبه بمتحف حي لكنائس وطوائف تعود لقرون مضت وسنوات خلت، وهي موزعة على مساحات صغيرة لكنها تحمل إرثاً واسعاً يتجاوز حدود الجغرافيا.

الكنائس الكبرى… رحلة تبدأ من الميلاد وتنتهي بالقيامة

حين يبحر المرء في حضور المسيحية في فلسطين، يشعر أن لكل مدينة تحمل كنيسة مختلفة ارتباطاً وثيقاً بجذر من جذور القصة المسيحية الأولى، وهنا، تتصدر ثلاث كنائس المشهد الروحي والتاريخي، وهي كنيسة المهد في بيت لحم وكنيسة القيامة في القدس وكنيسة البشارة في الناصرة، إضافة إلى كنيسة القديس برفيريوس في غزة، التي كثيراً ما تختفي خلف ضجيج السياسة وقصص الحروب والحصار.

في بيت لحم، تقف كنيسة المهد كأقدم كنيسة مسيحية لا تزال قائمة حتى يومنا هذا، حيث بُنيت بأمر من قسطنطين الكبير وأمه هيلانة لأول مرة نحو 326م فيما تشير بعض الروايات إلى أنه تم تشييدها في الفترة بين عامي 330م و333م.

تبدو كنيسة القيامة نموذجاً لالتقاء الزمن المتعدّد، وفي الوقت نفسه ساحة سياسية–دينية تتقاسمها طوائف عدة وفق نظام "الوضع القائم"، ما يجعلها مرآة للتعدد المسيحي وتعقيداته التاريخية.

والحقيقة هنا أن هذه الكنيسة لم تُبن لتكون فخمة وإنما لتكون شاهدةً على المغارة التي يُعتقد أنها احتضنت ميلاد السيد المسيح عيسى عليه السلام، وهندستها لا تزال بيزنطية في جوهرها من خلال أعمدة كورنثية وفسيفساء قديمة، إضافة إلى باب التواضع الذي ينحني أمامه كل زائر وهو رمز الميلاد البسيط، وعلى خلاف معظم كنائس العالم، فكنيسة المهد تُدار وفق نظام يُعرف بـ "الوضع القائم" أو (Status Quo)، وهو اتفاق تاريخي يعود إلى عام 1852 بين الطوائف المسيحية المختلفة في الأراضي المقدسة، ينظم الملكية وإدارة الأماكن المقدسة ويحدد من يسيطر على أي جزء من الكنيسة، حيث تقع السيطرة الكبرى في الكنيسة لمصلحة الروم الأرثوذكس ومن ثم الأرمن الأرثوذكس والكاثوليك واللاتين (الفرنسيسكان)، لتشكل بذلك ملاذاً لأتباع المسيحية بصرف النظر عن طوائفهم.


وبالانتقال إلى القدس وبعد عبور الحواجز والجدران العسكرية، يصل الزائر إلى كنيسة القيامة التي شُيدت في أوائل القرن الرابع الميلادي بأمر من الإمبراطور قسطنطين الكبير ووالدته هيلانة، حيث تعد الكنيسة أقدس موقع مسيحي في العالم، إذ يُعتقد أنها تحتضن مواقع الصلب والدفن والقيامة، أما معمارها فهو مزيج من الطرز البيزنطية والصليبية والأرمنية والسريانية مما يجعل منها متحفاً حياً يروي تاريخاً طويلاً من الإيمان والعمارة، حيث تركت كل حقبة بصمتها حجراً أو مصلى أو قبة، فتبدو للزائر كرحلة ممتدة عبر الزمن، ومن الطقوس المتوارثة في هذه الكنيسة أن مفتاح بابها الرئيسي محفوظ لدى عائلة مقدسية مسلمة منذ قرون، حيث يعود هذا الترتيب إلى عام 1187م، بعد تحرير صلاح الدين الأيوبي القدس، والذي عهد بحفظ المفتاح إلى عائلة جودة، لتكون "حارساً محايداً" لباب الكنيسة، وذلك تفادياً للنزاعات بين الطوائف المسيحية، وكما هو الحال في كنيسة المهد، يخضع تنظيم شؤون كنيسة القيامة لنظام الوضع القائم (Status Quo) الذي يحدد طبيعة السيطرة فيها ويصبّ في مصلحة الروم الأرثوذكس أيضاً.

تأتي كنيسة البشارة في الناصرة كواحدة من أهم وأقدس المواقع المسيحية في فلسطين، حيث يُعتقد أن مريم العذراء تلقت البشارة بميلاد المسيح في مغارة أسفل الكنيسة المقامة حالياً، وعلى مر العصور، تم بناء عدة كنائس فوق الموقع ذاته، بدايةً من العهد البيزنطي في القرن الرابع الميلادي ومروراً بالصليبيين في القرون الوسطى قبل الوصول إلى البناء الحالي الذي اكتمل في العام 1969، والذي يعكس فناً معاصراً يجمع بين ثقافات العالم في لوحات مرسلة من دول مختلفة.

ثم هناك كنيسة القديس برفيريوس للروم الأرثوذكس، ثالث أقدم كنيسة في العالم والتي يعود تاريخها إلى القرن الخامس، وتقع في حي الزيتون بمدينة غزة، وهي كنيسة مبنية بحجارة غزاوية قديمة وبسقف خشبي بسيط، وتحتوي على أيقونات أرثوذكسية تقليدية وزخارف رخامية وأعمدة كورنثية، مما يعكس الفن الديني البيزنطي وارتباط المكان بالطقوس الأرثوذكسية، ويُعتقد أن الكنيسة صُممت فوق بقايا معبد زفس الوثني بعد إحراقه، ويحمل تصميمها هيئة سفينة ترمز إلى طوق النجاة، معبراً عن الرمزية الروحية العميقة للمكان.

كنائس فلسطين الأخرى… صفحات من التاريخ

تمتد الرحلة إلى كنائس فلسطين الأخرى التي قد لا تحظى بالشهرة نفسها لكنها تمثل قيمة روحية وتاريخية كبيرة، ففي كل مدينة وقرية تقف هذه الكنائس كحراس للصلاة والتاريخ، شاهدة على حضارة امتدت لقرون وعلى تمازج الطوائف المسيحية التي شكلت فسيفساء هذا الجزء من العالم.

في بيت لحم، شهدت كنيسة المهد على لحظة الميلاد الأولى، وتحوّل المكان من مغارة محلية إلى رمز عالمي. هنا يتقاطع الطراز البيزنطي مع حضور الطوائف المتشارك في إدارة الموقع، بما يعكس دور الجغرافيا المقدسية في إنتاج معنى روحي يتجاوز حدود فلسطين

إلى الغرب من مدينة جنين وفي بلدة برقين، ترتفع كنيسة برقين أو كنيسة القديس جرجس أو كنيسة العشرة برص أو كنيسة القديس جورج، وهي كنيسة أرثوذكسية تُعد رابع أقدم الكنائس في العالم حيث يعود أصلها للعهد البيزنطي في القرنين الرابع والخامس الميلادي بينما يرجع شكلها الحالي للفترة الصليبية في القرن الثاني عشر، وتقوم الكنيسة فوق مغارة يُعتقد أن السيد المسيح شفى فيها عشرة من المصابين بالبرص، وهي الموضع الذي كان فيه المرضى معزولين ويتلقون الطعام عبر فتحة في أعلى الكهف، وتضم الكنيسة معالم أثرية مميزة، أبرزها جدار قدس الأقداس العائد للقرن الثالث وكرسي بطريركي حجري من القرن الرابع هو الوحيد من نوعه في فلسطين، إضافة إلى جرن معمودية يتجاوز عمره الألف عام.


وبالقرب من القدس، ارتبطت بلدة العيزرية بالمعجزة التي قام بها السيد المسيح عليه السلام عندما أحيا لعازر، شقيق مريم ومرثا بعد أربعة أيام من وفاته، وكان لعازر صديقاً مقرباً للمسيح الذي تردد على بيته مرات عدة، وقد بُنيت عبر العصور عدة كنائس ومبانٍ دينية في الموقع التقليدي لقبر لعازر، بدايةً من الكنائس البيزنطية في القرن الرابع الميلادي، مروراً بالفترة الصليبية حيث شهد القبر تعديلات وإعادة تشكيل للغرف والمداخل، وانتهاءً بالمبنى الحالي للكنيسة الذي شُيد بين عامي 1952 و1955 بإشراف الكنيسة الكاثوليكية وحراسة الأراضي المقدسة، ويؤدي درج صخري من داخل الكنيسة إلى القبر المقطوع في الصخر، حيث يمكن للزائرين الاطلاع على حجرة الدفن التي يُعتقد أنها احتوت الحجر الذي أمر المسيح برفعه عند إحياء لعازر.


وفي الخضر قرب بيت لحم، تقف كنيسة القديس جاورجيوس (الخضر) الأرثوذكسية كأحد أبرز المقامات المسيحية في فلسطين، حيث تحظى بمكانة روحية وتاريخية راسخة لدى مسيحيي فلسطين وعابرين يقصدونها طلباً للبركة والشفاء، وتنسب الكنيسة إلى القديس مار جرجس الذي يعرف في التراث المحلي بالخضر أي شفيع الكنيسة والمكان، حيث تُروى عنه روايات عن سجنه في نفس الموقع، ويُعتبر عند السكان شفيعاً خاصاً يحظى بالتبجيل من مسيحيين ومسلمين على حد سواء، وبنيت الكنيسية في القرن الرابع للعهد البيزنطي، وتشير روايات إلى أنها أنشئت فوق ضريح القديس جاورجيوس بأمر من الإمبراطور القديس قسطنطين.

أما كنيسة الجثمانية، فقد بُنيت على سفح جبل الزيتون في القدس وعلى صخرة يُعتقد أنها المكان الذي صلى وبكى فيه المسيح قبل اعتقاله وفق الرواية الإنجيلية، ويُعتقد أن أول بناء للكنيسة كان في العام389 م، في حين أن البناء الحالي لها يعود لعامي 1919 و1924 على يد المعماري الإيطالي أنطونيو بارلوزي وبتمويل من 16 دولة، وهو ما أكسبها لقب كنيسة كل الأمم، وتحمل الكنيسة طابعاً معمارياً يمزج بين الفن البيزنطي والصليبي، مع قباب ملونة وزخارف فسيفسائية مميزة، في حين تحافظ داخلها على صخرة الجثمان التي تمنح المكان بعداً روحياً عميقاً للحجاج من مختلف أنحاء العالم، في حين تتبع الكنيسة للبطريركية اللاتينية في القدس وتُدار من قبلها.


أديرة الصحراء… حين يلتقي الزهد بالحجر

لا يمكن الحديث عن المسيحية في فلسطين دون تتبع خطوات الرهبان الذين تركوا المدن واختاروا الصحراء والزُهد مسكناً، فبين الوديان والجبال والنتوءات الصخرية تتوزع أديرة شكلت وجدان الرهبنة الشرقية على مدار أعوام طويلة، وهي أديرة لم تُبن للفخامة وإنما للعزلة الروحية.

يقع دير مار سابا كواحد من أعظم هذه الأديرة بل وأحد أهم المراكز الرهبانية في العالم الأرثوذكسي، فهو معلق فوق وادي قدرون الذي يربط بين برية القدس شرق مدينة بيت لحم وصولاً إلى البحر الميت منذ العام 484م، ويتشبث الدير بذلك بالصخر خوفاً من الفناء أو الغرق عندما يفيض الوادي بمياه الشتاء سنوياً، وهناك ومنذ ذلك الحين يعيش الرهبان في غرف صغيرة وأروقة ضيقة وجدران تواجه الصحراء بلا أي رغبة في الزينة، وتتجسد في عين المكان جملة من التفاصيل الصارمة، فالسكون والصيام الطويل ومنع النساء من الدخول إلى الدير ونمط الحياة القاسي هي ضوابط لا يمكن بحال من الأحوال العمل بخلافها.


وعلى جبل مرتفع فوق أريحا، يقف دير قرنطل محفوراً نصفه في الجبل ونصفه مبنياً فوقه منذ العام 325م، والطريق إليه يكاد يشبه رحلة صعود روحي؛ فكل درجة حجرية محفورة بالصخر في رحلة الصعود إليه تذكر بالاعتزال الأربعيني للمسيح حيث بقي في الدير صائماً متعبداً لأربعين يوماً بعدما تعمد في نهر الأردن ولحقه الشيطان، وكما هي الحال في كل الأديرة الأرثوذكسية التي بُنيت في الجبال أو على الزهد، نجد أن دير قرنطل يحمل الطابع ذاته من حيث كونه صغيراً بإضاءة خافتة ليشبه المغارة التي بُني انطلاقاً منها، وكذلك الحال في دير القديس جورج من ناحية التشابه في البناء وتضاريس المكان.

تجمع كنيسة البشارة في الناصرة بين آثار المغارة البيزنطية وبناء معاصر يضم لوحات من دول العالم، ما يجعل الناصرة نقطة التقاء بين الإيمان المحلي والتعبيرات العالمية للمسيحية.


وبالقرب من ضفاف نهر الأردن، يقع دير حجلة على بُعد نحو كيلومترين من موقع مغطس السيد المسيح، وقد أسسه القديس جيراسيموس عام 455م، ويتميز الدير بقبته الذهبية البارزة وأشجاره التي تشكل واحة خضراء وسط الصحراء القاحلة، ويُعد دير حجلة من أقدم الأديرة في المنطقة وينتمي للطائفة الأرثوذكسية، ويقع بالقرب منه دير مالاون الذي احتوى على كنيسة صغيرة بُنيت في عهد رسل السيد المسيح داخل كهف، ويُعتقد أن السيدة مريم العذراء وطفلها عيسى أقاما فيه أثناء رحلتهما إلى مصر هرباً من هيرودوس الذي قتل أطفال بيت لحم وسعى لقتل الطفل أيضاً، ويضم دير حجلة أكبر جدارية فسيفسائية معلقة في العالم، وهي نسخة عن اللوحة الأصلية التي شيدت في القرن السادس الميلادي على أرضية كنيسة القديس جورج في مدينة مادبا الأردنية.


وإلى الشمال عند سفوح نابلس الشرقية، يظهر دير بئر يعقوب كنموذج مختلف؛ فهو ليس ديراً صحراوياً ولكنه وادعاً على أطراف المدينة التي تعد من أقدم مدن فلسطين التاريخية، وهناك تلتقي القباب الأرثوذكسية اللامعة بالبئر التي تذكر بقصة السامرية، حيث شهد المكان بحسب المسيحية لقاءها بالمسيح عند البئر، حيث دار الحوار المشهور عن الماء الحي والعبادة الروحية الصافية والدير، ويُعتقد أن الكنيسة أسست في منطقة البئر إما على يد الملكة هيلانة عام 365م أو في العام 1132م، وتتميز الكنيسة اليوم بعدد من الأعمدة والتيجان ذات الطرز المعمارية المتنوعة، وقبتها المميزة ذات القرميد الأحمر المطلة على منطقة بلاطة، ورغم الجمال المعماري للدير، إلا أن البئر هي القلب النابض للمكان، فهي الشاهدة على لقاء يتردد صدى روايته حتى اليوم والشاهدة على استشهاد راعي الدير الأب فيلومينوس على يد مستوطنين إسرائيليين في العام 1979.


الواقع المسيحي في فلسطين

يشهد الوجود المسيحي في فلسطين اليوم مرحلة دقيقة تتأرجح بين عمق الجذور التاريخية وتحديات الواقع، فعلى الرغم من أن المسيحية ولدت على هذه الأرض، وبمعرفة أن الكنائس بمختلف طوائفها اضطلعت بدور محوري في الحياة الروحية والثقافية والتعليمية عبر القرون، إلا أن أعداد المسيحيين تراجعت بشكل ملحوظ خلال العقود الأخيرة حيث وصلت إلى نحو 48000 مسيحية ومسيحي في التعداد العام الذي أجراه الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في العام 2017، ويرجع ذلك إلى جملة من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والتي يأتي الاحتلال في طليعتها، وبعد أن كانت قرى وبلدات فلسطينية زاخرة بالمسيحيين، أضحى الوجود المسيحي اليوم محصوراً في المدن والتجمعات الكبيرة.

ورغم التحديات الناجمة عن الاحتلال والقيود التي تُفرض على الحركة والوصول إلى أماكن العبادة، وصعوبات الحياة الاقتصادية، لا يزال المجتمع المسيحي يحافظ على حضوره الثقافي والاجتماعي والسياسي ويواصل أداء دور بارز في الحياة المدنية الفلسطينية، وبرغم الانكماش الديمغرافي تستمر الكنائس في الحفاظ على تراثها المقدس، كما تستقطب المواقع المسيحية الحجاج سنوياً وإن كان ذلك متفاوتاً بالنظر إلى الظروف السياسية والميدانية.

تظل فلسطين بأرضها وتاريخها وكنائسها وأديرتها، شاهدة حية على رحلة المسيحية منذ ولادتها وحتى اليوم، حيث امتزجت الروحانية بالتاريخ والعمران بالطوائف المتعددة، فبين الميلاد في بيت لحم والقيامة في القدس وبين الصحراء والزهد في أديرة مثل دير مار سابا ودير قرنطل، تتجلى فسيفساء الإيمان المسيحي التي شكلت جزءاً لا يتجزأ من الهوية الفلسطينية، ورغم التحديات الراهنة من تراجع أعداد المسيحيين والقيود الاجتماعية والسياسية، يظل الحضور المسيحي حياً وفاعلاً في الحياة الروحية والثقافية والتعليمية، مستمراً في الحفاظ على التراث المقدس وفي استقبال الحجاج والزائرين من مختلف أنحاء العالم ليبقى القلب النابض للمسيحية في فلسطين والزاخر بالإيمان والتاريخ على حد سواء.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

وراء كل تحقيق، قصة بحث طويلة، وفريق يراهن على الدقة، لا السرعة.

نحن لا نبيع محتوى... نحن نحكي الواقع بمسؤولية.

ولأنّ الجودة والاستقلال مكلفان، فإنّ الشراكة تعني البقاء.

Website by WhiteBeard
Popup Image