في كثير من المجتمعات، ومنذ القديم، يُنظر إلى الشَعر، على أنه من السمات المميزة، جندرياً، بين الرجل والمرأة، وكثيراً ما نجد الشعراء يتغنون به، والأمثال الشعبية تحكي عنه، وعن شكل معين "مقبول" مجتمعياً، بات يُربط به.
لكن هذا التغنّي، وهذه الصورة المجتمعية، قد تتحولان في الواقع، إلى عبء على رؤوس الفتيات، وقلوبهن، لما يلقينه من تحكم من الطرف الأقوى في حياتهن، متمثلاً في الأخ، أو الأب، أو الزوج، وربما الأم، بمظهرهن، وشعرهن.
ولكل شعر حكاية خاصة بكل امرأة، قد تكون بعيدة البعد كله عن تنميط السينما، والشعراء، والكتّاب، كما تروي هنا حامد، وهو اسم مستعار لفتاة عشرينية تعيش في القاهرة: "حين كنت في عمر العاشرة، كان والدي يمنعنا، أنا وأختي، من تقصير شعرنا الطويل، وكانت أمنيتي تقصيره مثل صديقاتي". وتضيف في حديثها لرصيف22: "قصصت شعري من دون علمه، وظللت ألفّه، وأرفعه، حتى لا يلاحظ ما فعلت، ويغضب مني، ولم أستمتع بمظهره وهو قصير، ولو لمرة واحدة".
يتحول الشَعر إلى عبء على رؤوس الفتيات وقلوبهن، بسبب رغبة الطرف الأقوى في حياتهن بالتحكم به.
حكاية أميرة حمزة، معاكسة ربما، فعلى الرغم من مرور 18 عاماً على واقعة مؤلمة حصلت معها، إلا أنها لا زالت تتذكرها جيداً، كأنها حدثت يوم أمس.
"لا أنسى اليوم الذي سمعت فيه أمي نصيحة إحدى جاراتنا، بأن تحلق شعري ‘زيرو’، في الصالون الرجالي، حتى ينمو كثيفاً، بعد أن كان خفيفاً. كنت طفلة صغيرة، لم أكمل الخمس سنوات. تعرضت لتنمّر شديد من أصدقائي في الشارع. هي ذكرى سيئة تلاحقني"، تقول الفتاة العشرينية التي تقطن في القاهرة، خلال حديث مع رصيف22.
"لا حق لي في التحكم بشعري"
من القاهرة إلى الصعيد، تحكي هيام محمد (40 عاماً)، لرصيف22: "حين تزوجت، طلب مني زوجي ألا أقصر شعري، وبعد 11 عاماً من الزواج، حاولت تقصيره قليلاً، ولقيت ردة فعل لا يمكن أن أنساها، من صراخ، واشمئزاز، وغضب، وترك زوجي البيت شهراً كاملاً. من يومها، وإلى الآن، لا أمسّ شعري، وكل ما أعرفه أن شعري قطعة مني، ليس لي حق التحكم بها".
أما فاطمة (12 عاماً)، وهي تسكن في قرية في جنوب مصر، فما فهمته منذ بلوغها العاشرة، أن شعرها يجب أن يُغطّى طوال الوقت، بالإيشارب الصعيدي، حتى أمام والدها، وأخيها.
تقول لرصيف22: "أقصى ما يمكننا فعله، هو ارتداء جلبابٍ نصف كم، والإيشارب على رؤوسنا، وحين نكشف شعرنا داخل بيتنا، نوصف بقليلات الحياء، ونعاقَب".
وكحال الكثيرات، حال الاستشارية التربوية، والمديرة التنفيذية لمؤسسة "علمتني كنز"، غزل البغدادي، التي أخضعت شعرها لرغبات زوجيها، وفق ما تحكي لرصيف22: "خضت تجربتَي زواج. الأولى عشتها كلها بشعر طويل إرضاءً لشريكي، وفي التجربة الثانية، عشت المدة كاملة بشعر قصير، فقط لأن الشريك يحب ذلك".
"شعري كان سبب ألمي"
لا ترى الشابة الثلاثينية سحر أبو العينين، المقيمة في إحدى محافظات الدلتا المصرية، ميزة في شعرها، سوى أنه يُمكّن زوجها من اللحاق بها، وضربها، بل والتلذذ في ذلك، كما يحرمها من قصّه، أو التحكم به.
تقول سحر لرصيف22: "كان لا يعنّفني، حتى يُحكم قبضته على شعري، ثم يبدأ بركلي، وصفعي على وجهي. كنت أعلم أن شعري الطويل يساعده، وكم تمنيت التخلص منه، ولكنه كان يرفض، ويهددني".
"حين تزوجت، طلب مني زوجي ألا أقصر شعري، وبعد 11 عاماً حاولت تقصيره قليلاً، ولقيت ردة فعل لا يمكن أن أنساها، من صراخ واشمئزاز وغضب، وترك زوجي البيت شهراً كاملاً. من يومها وإلى الآن لا أمسّ شعري، وكل ما أعرفه أنه قطعة مني، ليس لي حق التحكم بها"
حتى في أوقاتهما الحميمية، كان شعر سحر وسيلة لممارسة عنف زوجها عليها. "أذكر مرة رفضت فيها ممارسة الجنس، لأني كنت متعبة بعد الولادة بشهرين. أحكم قبضته على شعري، وسحلني على الأرض حتى أُغشي علي، وأفقت على بكاء طفلتي، في حين كان هو قد غادر المنزل". في ذاك اليوم، حسمت سحر أمرها بالطلاق، وأول ما فعلته بعد ذلك، هو الذهاب إلى الصالون لقص شعرها، لتشعر بتحررها من قيد كان يكبّلها.
أما هيام حاتم (50 عاماً)، وهي مصرية تسكن في الكويت، فقد هددت زوجها بعد أن اعتاد الاعتداء عليها، بإبلاغ الشرطة، حسب نصيحة صديقاتها، وصرخت فيه مرة بأنها ستبلغ عنه، فتوقف عن إيذائها.
ولكن مع مرور الأيام، استبدل زوج هيام ضربها على جسدها، بشعرها. تقول لرصيف22: "قلع لي شعري من جذوره، ظللت على هذه الحال خمس سنوات، حتى انفصلت عنه، وأنا شبه صلعاء"، وتضيف: "ها أنا بعد أربع سنوات، أحاول ترميم ما أفسده طليقي من شعري، الذي كان سبب ألمي".
ولن تنسى حنان محمد (26 عاماً)، وهي مقيمة في القاهرة، الألم الذي أحست به، عندما طلبت الطلاق من زوجها السابق. استجاب لها، وأحضر الأوراق، وأحكم قبضته على شعرها، ولفّه على يديه، وأجبرها على التوقيع، والبصم، للتنازل عن حقوقها كافةً، وتضيف في حديثها لرصيف22: "كرهت شعري، بعد أن كان سبباً في خسارتي حقوقي كلها، وأعتقد أني لو كنت من دونه، لما وقّعت على أي تنازلات".
مُنعت المرأة من تمشيط شعرها، في رواية ‘واحة الغروب’ لبهاء طاهر، كنوع من العقاب.
وتُرجع الدكتورة استشارية الطب النفسي هالة حماد، استخدام الرجال لشعر المرأة، خاصةً الطويل، في السلوكيات العنيفة، إلى "ميول للتحكم بالنساء، وأجسادهن"، كما تشير حماد إلى أنه من المؤلم أن تتحول قطعة من جسد المرأة، إلى مصدر وجع وألم، بسبب النزعة الذكورية في المجتمع.
وتضيف حماد في حديثها لرصيف22: "تأتيني سيدات إلى العيادة، ولديهن رغبة شديدة في الانتقام، بسبب ما يواجهنه من عنف مع شعرهن، وينصبّ تفكيرهن نحو حلق الشعر تماماً، أو حتى قصّه قصاتٍ أقرب إلى تلك التي اعتاد عليها الرجال، وهو ما يعطيهن شعوراً بالأمان، والسيطرة على أجسادهن، وحياتهن".
الأدب وشعر المرأة
على النقيض من الواقع، يندر أن نقرأ في رواية، أو قصيدة، هذا الألم الذي قد تحسّه المرأة حيال شَعرها، وكثيراً ما تكون الكتابات الأدبية محصورة بالتغزل بمواصفاته، كالطول، واللون، والشكل، والملمس، ضمن صورة "وردية" مليئة بتقدير المرأة، وتبجيلها، وهي على الأغلب صورة مزيفة وغير واقعية، بل ويمكننا أن نقول إنها استمرار للنفاق والتناقض في التعامل مع المرأة، وجسدها، والعنف الذي يمكن أن تتعرض له بسببه.
"خلال تاريخ ممتد وطويل، هناك اهتمام بوصف شعر المرأة، لذا كان التركيز على طوله، ولونه، وضفائره أحياناً، ونجد هذا بدءاً من العصر الجاهلي"، يقول أستاذ الأدب العربي الدكتور حسين حمودة، لرصيف22.
ويضيف: "هناك أبيات كثيرة جداً، تم فيها تشبيه شعر المرأة بالدجى، أو بالليل، أو بالظلام الأسود، ومفارقة هذا مع لون بشرتها الأبيض، ومن ذلك: ‘فالوجه مثل الصبح مبيض، والشعر مثل الليل مسود’. كما أشار بعض الشعراء إلى الخصلات المرفوعة: ‘غدائرها مستشذرات إلى العلا’، وبعضهم توقف عند انسياب هذا الشَعر، مثل شَعر الحصان. وفي وجهة أخرى، وصف بعض الشعراء شَعر المرأة الشقراء، وقارنوا بينه وبين لون الذهب، أو ربطوه بضوء الشمس في بعض أوقاتها، مثل وقت الشفق، ومن ذلك: ‘ذهبي الشعر شرقي السمات’".
"تأتيني سيدات إلى العيادة، ولديهن رغبة شديدة في الانتقام، بسبب ما يواجهنه من عنف مع شعرهن، وينصبّ تفكيرهن نحو حلق الشعر تماماً، أو حتى قصّه قصاتٍ أقرب إلى تلك التي اعتاد عليها الرجال، وهو ما يعطيهن شعوراً بالأمان، والسيطرة على أجسادهن، وحياتهن
ومن ناحية أخرى، نجد في الشِعر الشعبي، كما هو الحال في "سيرة بني هلال"، الاهتمام بوصف الشَعر، مع الكثير من المبالغة في الحديث عن طوله، وخصاله.
وفي الشِعر الأحدث، كانت هناك جرأة أكبر في وصف شَعر المرأة: "والشَعر الغجري المجنون يسافر في كل الدنيا"، وفي الأغنيات المعروفة كان الاهتمام متصلاً بالأمر أيضاً: "الشعر الحرير، ع الخدود يهفهف، ويرجع يطير".
ويضيف حمودة: "كان الشَعر الطويل جزءاً من مقاييس الجمال في الأساطير القديمة، لدى شعوب متعددة، ومن ذلك وصف شعر أفروديت ربة الجمال".
ولم يغِب تناول شَعر المرأة في الروايات والقصص، حسب حمودة، فقد تم توظيفه بأشكال متعددة، فكان التركيز عليه في رواية مجيد طوبيا "ريم تصبغ شعرها"، وكان الشعر في هذه الرواية تمثيلاً لحرية المرأة، التي تتبنى قيماً تتيح هذا التحرر، فتتصرف في شعرها كما تشاء، وتصبغه بألوان شتى.
"كما مُنعت المرأة من تمشيط شعرها، في رواية ‘واحة الغروب’ لبهاء طاهر، كنوع من العقاب"، ينهي حمودة حديثه، ما يؤكد مجدداً على ارتباط شَعر المرأة برغبة المجتمع في التحكم بها وبحياتها، كما بجسدها كله، مما يحوله في كثير من الأحيان إلى "نقمة" عليها.
انضم/ي إلى المناقشة
jessika valentine -
منذ أسبوعSo sad that a mom has no say in her children's lives. Your children aren't your own, they are their father's, regardless of what maltreatment he exposed then to. And this is Algeria that is supposed to be better than most Arab countries!
jessika valentine -
منذ شهرحتى قبل إنهاء المقال من الواضح أن خطة تركيا هي إقامة دولة داخل دولة لقضم الاولى. بدأوا في الإرث واللغة والثقافة ثم المؤسسات والقرار. هذا موضوع خطير جدا جدا
Samia Allam -
منذ شهرمن لا يعرف وسام لا يعرف معنى الغرابة والأشياء البسيطة جداً، الصدق، الشجاعة، فيها يكمن كل الصدق، كما كانت تقول لي دائماً: "الصدق هو لبّ الشجاعة، ضلك صادقة مع نفسك أهم شي".
العمر الطويل والحرية والسعادة لوسام الطويل وكل وسام في بلادنا
Abdulrahman Mahmoud -
منذ شهراعتقد ان اغلب الرجال والنساء على حد سواء يقولون بأنهم يبحثون عن رجل او امرة عصرية ولكن مع مرور الوقت تتكشف ما احتفظ به العقل الياطن من رواسب فكرية تمنعه من تطبيق ما كان يعتقد انه يريده, واحيانا قليلة يكون ما يقوله حقيقيا عند الارتباط. عن تجربة لم يناسبني الزواج سابقا من امرأة شرقية الطباع
محمد الراوي -
منذ شهرفلسطين قضية كُل إنسان حقيقي، فمن يمارس حياته اليومية دون ان يحمل فلسطين بداخله وينشر الوعي بقضية شعبها، بينما هنالك طفل يموت كل يوم وعائلة تشرد كل ساعة في طرف من اطراف العالم عامة وفي فلسطين خاصة، هذا ليس إنسان حقيقي..
للاسف بسبب تطبيع حكامنا و أدلجة شبيبتنا، اصبحت فلسطين قضية تستفز ضمائرنا فقط في وقت احداث القصف والاقتحام.. واصبحت للشارع العربي قضية ترف لا ضرورة له بسبب المصائب التي اثقلت بلاد العرب بشكل عام، فيقول غالبيتهم “اللهم نفسي”.. في ضل كل هذه الانتهاكات تُسلخ الشرعية من جميع حكام العرب لسكوتهم عن الدم الفلسطيني المسفوك والحرمه المستباحه للأراضي الفلسطينية، في ضل هذه الانتهاكات تسقط شرعية ميثاق الامم المتحدة، وتصبح معاهدات جنيف ارخص من ورق الحمامات، وتكون محكمة لاهاي للجنايات الدولية ترف لا ضرورة لوجوده، الخزي والعار يلطخ انسانيتنا في كل لحضة يموت فيها طفل فلسطيني..
علينا ان نحمل فلسطين كوسام إنسانية على صدورنا و ككلمة حق اخيرة على ألسنتنا، لعل هذا العالم يستعيد وعيه وإنسانيته شيءٍ فشيء، لعل كلماتنا تستفز وجودهم الإنساني!.
وأخيرا اقول، ان توقف شعب فلسطين المقاوم عن النضال و حاشاهم فتلك ليست من شيمهم، سيكون جيش الاحتلال الصهيوني ثاني يوم في عواصمنا العربية، استكمالًا لمشروعه الخسيس. شعب فلسطين يقف وحيدا في وجه عدونا جميعًا..
محمد الراوي -
منذ شهربعيدًا عن كمال خلاف الذي الذي لا استبعد اعتقاله الى جانب ١١٤ الف سجين سياسي مصري في سجون السيسي ونظامه الشمولي القمعي.. ولكن كيف يمكن ان تاخذ بعين الاعتبار رواية سائق سيارة اجرة، انهكته الحياة في الغربة فلم يبق له سوى بعض فيديوهات اليوتيوب و واقع سياسي بائس في بلده ليبني عليها الخيال، على سبيل المثال يا صديقي اخر مره ركبت مع سائق تاكسي في بلدي العراق قال لي السائق بإنه سكرتير في رئاسة الجمهورية وانه يقضي ايام عطلته متجولًا في سيارة التاكسي وذلك بسبب تعوده منذ صغره على العمل!! كادحون بلادنا سرق منهم واقعهم ولم يبق لهم سوى الحلم والخيال يا صديقي!.. على الرغم من ذلك فالقصة مشوقة، ولكن المذهل بها هو كيف يمكن للاشخاص ان يعالجوا إبداعيًا الواقع السياسي البائس بروايات دينية!! هل وصل بنا اليأس الى الفنتازيا بان نكون مختارين؟!.. على العموم ستمر السنين و سيقلع شعب مصر العظيم بارادته الحرة رئيسًا اخر من كرسي الحكم، وسنعرف ان كان سائق سيارة الاجرة المغترب هو المختار!!.