فوجئت بصديقتي تخبرني أنها أقدمت أخيراً على الخطوة التي كانت تتحدث لوقت طويل معي حولها، وحلقت رأسها تماماً بماكينة حلاقة زوجها، تجمدت الأحرف على لساني، ولم يسعفني عقلي بأي رد سوى بعد دقائق تقريباً، فقلت لها: لماذا؟
روت لي صديقتي، م. س (30 عاماً)، صحفية مصرية مقيمة في إحدى دول الخليج: "أنها في يوم استيقظت من النوم، أمسكت بماكينة الحلاقة المملوكة لزوجها، ووقفت أمام مرآة الحمام، وأزالت شعر رأسها بالكامل".
ورغم أنها تحدثت عن رغبتها تلك طويلاً، لكن لم أتخيل أن تقدم عليها فعلاً، تبرر فعلتها: "أردت أن أخوض التجربة، فبعد وفاة والدتي ظللت أفكر في الطريقة التي عاشت بها حياتها، هي لم تجرب شيئاً ولم تخض أي تجربة مثيرة طوال حياتها، ظلت تعمل وتعمل طيلة حياتها من أجلي، ورغم أنها فعلت كل هذا بدافع الحب، ولكنني كنت أتمنى لو عاد الزمن بنا وعاشت لنفسها قليلاً".
"أحسد الرجال على الحلاقة"
لم أفهم بالضبط علاقة قرار صديقتي بالطريقة التي عاشت بها والدتها، فأوضحت لي: "أريد أن أعيش كل المغامرات التي تداعب خيالي، لا أريد أن أحبس نفسي في إطار معين للحياة، إن أردت أن أحلق رأسي، فلأحلقها، أن أردت أن أسافر فجأة، فلأسافر، أن أردت أن أحصل على وشم، فلأحصل عليه".
"أردت أن أخوض التجربة، بعد وفاة والدتي ظللت أفكر في الطريقة التي عاشت بها حياتها، هي لم تجرب شيئاً ولم تخض أي تجربة مثيرة طوال حياتها، كنت أتمنى لو عاد الزمن بنا وعاشت لنفسها قليلاً"
لم تكن صديقتي الوحيدة التي أقدمت على خطوتها الجريئة تلك، فشاركتها تجربتها أيضا شيماء عبد الواحد، ربة منزل (29 عاماً)، تروي لرصيف22: "حلقت رأسي من الشعر مرتين طوال حياتي، أول مرة كانت بدافع الفضول، كنت أريد أن أجرب إحساس أنني بلا شعر فوق رأسي، اعتقدت أنه سيكون إحساساً مميزاً ووجدتها تجربة مثيرة، وكان ذلك حقيقياً، ثم حلقته مرة أخرى بعد 5 سنوات تقريباً من التجربة الأولى، بهدف علاجه من كل ما استخدمته من أساليب الفرد الكيميائية والصبغات والمواد المضرة بصحة الشعر".
تكمل شيماء: "في التجربتين شعرت بإحساس جميل بالحرية والراحة من روتين العناية بالشعر اليومية والأسبوعية، والحقيقة أنني أحسد الرجال على وجود هذا الاختيار في حياتهم"، متابعة: "طبعاً يساعدني الحجاب في الإقدام على هذه التجربة في كل مرة، فأعتقد أنني لم أكن لأملك الجرأة على النزول إلى الشارع برأس حليق، ومواجهة كل ما سينتج عنه من تنمر أو تحرش وازدراء".
"الشعر الغجري المجنون"
ومن الأسباب التي تجعل من حلاقة شعر المرأة أمراً صادماً، أن الفن شارك في تعزيز قيمة الشعر الجمالية وكونه تعبيراً عن الأنوثة والجمال والسحر الأنثوي، فيقول عبد الحليم حافظ في أغنية "قارئة الفنجان"، من كلمات الشاعر نزار قباني: "والشعر الغجري المجنون يسافر في كل الدنيا"، بينما في أغنيته الأخرى "بتلوموني ليه"، من كلمات مرسي جميل عزيز، "والشعر الحرير على الخدود يهفهف، ويرجع يطير".
ولم يكن العندليب وحده الذي وقع في حب الشعر الطويل، وغنى كذلك محمد منير الذي تغنى في أغنيته "الطول واللون والحرية"، كلمات عصام عبدلله، فيقول، "بالظبط الشعر الى بحبه..الطول واللون والحرية..ده مهفهف علي وشك لعبه".
وهذا لا يعتبر سوى نقطة في بحر تاريخ فني طويل، جعل من الشعر رمزاً ومقياساً للجمال في مصر وثقافات أخرى.
"الحلاقة كعقوبة"
ولا تقتصر حلاقة شعر النساء على الجانب الاختياري، أو القرار الشخصي من جانب صاحبته فقط، وإنما لحلاقة الشعر استخدام آخر وهو العقاب، فمن وقت لآخر، تتواتر القصص عن نساء حُلقت رؤوسهن رغماً عنهن ممن نصبوا أنفسهم أولياء عليهن.
فتروي هدى كارم (27 عاماً)، خريجة كلية سياحة وفنادق، من القاهرة، قائلة: "إبان دراستي في الجامعة، نشأت علاقة عاطفية بيني وبين زميل لي في السنة الدراسية الرابعة، وفور أن اكتشفت أمي تلك العلاقة، رغم إنها لم تتعد كونها تبادلاً لمشاعر الحب والعاطفة، وحلماً بمستقبل يجمعنا سوية، أبلغت أبي الذي لا يفهم من العلاقات العاطفية سوى أنها طريق الشيطان لارتكاب علاقة جنسية بدون الزواج، فانهال علي بالضرب، ومنعني من الذهاب إلى الجامعة وحتى الامتحانات، وليستطيع أن ينفذ حكمه هذا، قام بحلاقة شعري بمساعدة أمي التي لم تتراجع عن تثبيتي له، ولم يهزها صراخي ودموعي وقتها".
"قام أبي بحلاقة شعري، وأمي بتثبيتي له، ولم يهزها صراخي".
وتكمل هدى لرصيف22: "الحقيقة أن أبي نجح في تنفيذ رغبته، وبالفعل قمت بإعادة السنة الأخيرة وقطعت علاقتي بزميلي هذا، ولكنه في المقابل كسب كرهي واحتقاري له مدى الحياة، وفور أن أنهيت دراستي قدمت للحصول على وظيفة في العديد من فنادق شرم الشيخ والغردقة ودهب، وكل المدن الساحلية، حتى نجحت في الحصول على وظيفة، وهربت من المنزل وتركتهم بلا رجعة".
ولم تقتصر يوماً حلاقة شعر النساء كإجراء عقابي على الآباء في حق بناتهم فقط، وإنما استخدمته السلطات القمعية منذ زمن بعيد كذلك، حتى وقتنا الحاضر أيضاً.
ففي مطلع العام الماضي، 2019، نقلت علياء هذلول، شقيقة الناشطة النسوية لجين هذلول، المعتقلة لدى السلطات السعودية، تعرّضَ شقيقتها للتعذيب والعديد من أشكال الانتهاكات الجسدية والجنسية، والتي كان من بينها حلق رأسها بالكامل، وهو ما دفع عدد كبير من الناشطات الحقوقيات والنسويات في العالم العربي، إلى قص شعرهن وتصويره على تويتر، كرسالة تضامن مع لجين.
"عندما حلقت شعري، شعرت بإحساس جميل بالحرية والراحة من روتين العناية بالشعر اليومية والأسبوعية، والحقيقة أنني أحسد الرجال على وجود هذا الاختيار في حياتهم"
أما تاريخياً، فقد تعرضت المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد، لأنواع عدة من التعذيب، كان من بينها حلاقة شعرها أيضاً على أيدي المحتل الفرنسي، إبان محاكمتها في خمسينيات القرن الماضي، والمفارقة هنا رغم أن الحلاقة الرأس كانت وسيلة عقابية لها، فكان الأمر اختيارياً أمام الفناة ماجدة التي جسّدت شخصية بوحيرد، في فيلم الراحل يوسف شاهين، والذي حمل نفس الاسم، فحلقت رأسها بالفعل لتضفي واقعية على أدائها التمثيلي، ويردد البعض أن الفيلم كان سبباً في إشعال تظاهرات عديدة في الوطن العربي تضامنا مع بوحيرد، وهو ما تسبب في إلغاء الحكم عليها بالإعدام، وتغييره للسجن مدى الحياة في 1960، عقب عرضه بدور السينما.
وبالعودة لاستخدام الرجال لحلق شعر النساء كأسلوب عقابي، ففي أكتوبر 2017، في مدينة الإسكندرية، تم ضبط زوجة قتلت زوجها الذي يعمل في مهنة التنجيد، انتقاماً منه على حلاقته لشعرها بالكامل، متعللاً بشكه في سلوكها.
وفي سبتمبر من العام 2014، أقدم زوج مصري من قرية الأورمان، على تقييد زوجته وحلق رأسها وحواجبها، تشويهاً لها وانتقاماً منها لأنها لم توافق على التنازل عن مستحقاتها الزوجية قبل الطلاق، بعدما أخبرها قراره بالزواج من أخرى.
"حلاقة الشعر ولادة جديدة"
في مقال منشور في موقع خدمات طبية محلية، يحلل دكتور محمد طه، أستاذ مساعد في الطب النفسي في جامعة المنيا، علاقة المرأة بشعرها، يقول: "علاقة الفتاة بشعرها علاقة معقدة ومركبة، وهذا لا علاقة له بكونها تغطيه بحجاب أم لا، فهو جزء منها ومن جسمها، والانطباع السائد بأن الشعر هو أحد مظاهر الأنوثة والاعتزاز بها ليس كل شيء، فقَصّة الشعر لها معنى، وطبيعته وتغيرها مع حالتها النفسي لها معنى، وأمراضه وأعراضه لها معنى، بل أن الشعر قد يمثل أشياء لدى صاحبته مشاعر لا تخطر على بال بشر".
"حلاقة الشعر بالنسبة للمرأة تعني عملية تحول نفسي عميق".
ويتابع طه، في مقاله: "حلاقة الشعر ليست بالضرورة أن تعني غضباً أو اكتئاباً أو انتقاماً، بل يمكن أن تكون عملية تحول نفسي واصلة لأعمق طبقات وجودها، أو انتقال حقيقي من موقف في الحياة إلى موقف آخر، أو إعلام صادم عن الحق في الوجود وصرخة تمرد ضد من أذى صاحبته أو شوهها أو حاول أن يكسرها يوماً"، مضيفاً: "لذلك، يمكن اعتبار حلاقة الشعر ولادة جديدة تحدث مع كل شعرة تنبت لتكون أقوى وأصلب، رمزاً نفسياً لانتهاء عهد وبداية عهد آخر، عن إعلان التحكم من جديد في مقاليد الأمور".
أما أخصائية الطب النفسي، شيماء عرفة، فتقول: "قص الشعر أو حلاقته له تاريخ ممتد لعصور الجاهلية والإرث العربي، فكانت النساء عندما يفقدن أحد أحبتهن يقمن بقص شعورهن، ولم يكن ذلك لمجرد التظاهر بالحزن، بل كان له دوافع نفسية عميقة، ودلالة على قص جزء محبب جداً، وله علاقة وطيدة بصاحبته، حزناً".
وتشدد عرفة على أن الحزن ليس فقط هو السبب، تقول لرصيف22: "وليس حزناً فقط، وإنما تمرداً أيضاً، أو الحاجة لإعلان تغيير هام في حياتها وشخصيتها، ولذلك فإن تأثير تلك الخطوة، رغم أنه قاسي في بدايته، لكن يأتي بثماره الطيبة فيما بعد، حيث يساعد التغيير الخارجي على التمرد والعبور من الأزمات والمواقف الصعبة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع