اشتهر طائر الوطواط أخيراً بأنه ناقل فيروس كورونا إلى أكلته، ومنهم إلى البقية المصابة، ليؤكد على معنى الفأل السيىء الذي لازمه منذ الأساطير القديمة، التي تربط رؤيته في اليقظة والمنام بتوقع الشر والمصائب، إلا أن دماءه تحظى بشعبية كبيرة في العديد من قرى مصر، حيث يستخدمونه الأهالي في طقوس صُنعت للمولودة الأنثى، تسمى "الوطوطة".
يؤمن العديد من الناس في الريف المصري بأن مسح جسم المولودة بدم الوطواط المذبوح، وتركه على جسدها 24 ساعة (ما يسمى بـ"الوطوطة") سيجعلها ملساء، ويمنع ظهور الشعر في جسدها مدى الحياة، رغم كل تحذيرات الدين والأطباء حول هذه الخرافة.
"دمَّرت علاقتي بجسدي"
في إحدى قرى محافظة الفيوم لا تزال عادة وطوطة الفتيات منتشرة بشكل كبير، على الرغم من أنها غير مستندة إلى أساس طبي، وغير مأمونة العواقب على بشرة المرأة.
لاحظت سماح عبد العظيم (35 عاماً) عندما كانت صغيرة الاختلاف الكبير بينها وبين زميلاتها، فبشرتها شديدة الجفاف، وصدمت عندما علمت بأن والدتها مارست معها طقس "الوطوطة" عندما كانت طفلة.
تغير إحساس سماح بجسدها بعد أن أخبرتها والدتها، تقول لرصيف22: "عانيت كثيراً من كرهي لجسدي، ومن الشعور الدائم بالاشمئزاز بعدما أخبرتني أمي أنها وضعت دماء وطواط عليه عقب ولادتي بـ40 يوماً، إذ كانت تظن أن هذا التصرف سيريحني عندما أبلغ سن الرشد من عناء إزالة الشعر، ويضفي علي مزيداً من الرونق، والجمال كما تقول الأسطورة".
"جعلتني تلك العادة أنظر بدونية واشمئزاز إلى جسدي، وأحنق على والدتي، واستمرت رحلة علاجي النفسي لما بعد زواجي"
وتضيف سماح: "للأسف حصل عكس ذلك تماماً، فقد تسببت تلك العادة في إصابة جلدي بالجفاف الشديد، والتقرحات التي جعلتني أفقد الثقة في نفسي، وأنظر بدونية إلى جسدي شبه المشوه، الأمر الذي اضطرني إلى زيارة العيادة النفسية عند بلوغي مرحلة الثانوية، واستمرت رحلة علاجي لما بعد زواجي".
وتتابع سماح أنها كانت ترى العيوب في جسدها كبيرة بينما يراها الآخرون طفيفة أو عادية، وكانت تكره جسدها، وتشعر بالحنق تجاه والدتها، وأكدت أنها لم تفكر قط في اتخاذ ذلك الإجراء مع أي من بناتها الأربع، رغم استمرار تلك العادة حتى يومنا هذا.
"ندمت إني موطوطتش بناتي"
تدافع أم زينب (44 عاماً) عن "الوطوطة"، متبنية الثقافة الشائعة في العديد من قرى مصر، وتحكي عن والدتها أنها أخبرتها أنها ذهبت إلى تاجر طيور بعد معرفتها بأنها ستنجب أنثى، وطلبت منه إحضار "وطواط فاكهة"، وبعد ولادتها، قامت جدتها بذبح الوطواط، ووضع دمائه الساخنة على جسدها، وبالأخص الأماكن الحساسة، وتركته 24 ساعة، ثم أزالته، وقامت والدتها بدهن جسدها بزيت الزيتون.
ترى أم زينب أن هذه الوصفة كانت بالغة النفع لها، إذ لم يظهر شعر قط في جسدها، وكانت بشرتها ناعمة وجميلة، وتشعر بالندم لأنها لم تفعل ذلك لطفلتيها، لكنها لم تكن تملك المال لشراء الوطواط، الذي كان يراوح سعره حينها بين 200 و 300 جنيه.
طلبت والدتها إحضار "وطواط فاكهة" بعد ولادتها، وقامت جدتها بذبحه، ووضع دمائه الساخنة على جسدها، وبالأخص الأماكن الحساسة، وتركته 24 ساعة
على عكس أم زينب، ترفض أسماء، القاطنة في إحدي القرى الريفية في محافظة الغربية، بشدة تلك العادة، التي تحوي الجهل بين ثناياها، مهاجمةً السيدات المتعلمات اللواتي ينسقن أيضاً وراء الخرافات، التي قد تؤدي إلي أزمات نفسية للفتيات، بالإضافة إلي الكثير من الأمراض الفيروسية، والتشوهات التي تحدث في مناطق حساسة في أجسادهن، من تغير لون البشرة، والتقرحات الناتجة عن دهن جسد المولودة بـ"الدماء النجسة" ليوم كامل على الأقل.
تقول أسماء لرصيف22: "باحاول كتير أفهمهم إن الدم المسفوح نجس وحرام نضعه على جسم المولودة لأنه ممكن يتسبب في قتلها".
"الوطوطة" والفتوى
يرى الشيخ الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية في جامعة الأزهر، أن طقوس الوطوطة خرافة غير مرتبطة بالدين، ويقول لرصيف22: "استخدام دم الوطواط لمنع ظهور الشعر هو خرافة من الخرافات الشعبية، لأن دم الوطواط يحتوي على العديد من الفيروسات البالغة الخطورة، خاصة بعد ظهور فيروس كورونا، الذي يزعم الكثيرون أنه ظهر نتيجة أكل الخفاش في الصين".
وفي الأحكام الفقهية السنية، يرى كريمة أن "استعماله ظاهرياً لا يشوبه شيء من الحرمة أو الكراهة لأن الحرمة تكمن في أكله كما صح عن النبي محمد أنه نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطيور ، لكنه لا ينصح به لأنه لم يثبت طبياً، ولأن هناك الكثير من العقاقير الطبية الأكثر أماناً التي ينبغي استخدامها بديلاً عن الوصفات الشعبية".
"الوطوطة" والموت
وحذرت عفاف ناصف، طبيبة الأطفال بمستشفي الجامعة، من طقوس "الوطوطة"، قالت: "هذه العادات تشكل خطورة كبيرة على مناعة الطفلة خاصة في مرحلة ما بعد الولادة مباشرة، لأن المناعة تكون شبه منعدمة، ويتم اكتسابها بواسطة حليب الأم، وخاصة اللبن السرسوب".
وأضافت: "لو افترضنا أن الوطواط الذي أحضرته الأم مريض، فمن المؤكد أن دماءه محملة بكثير من الفيروسات الخطيرة، التي تهدد بشكل كبير حياة الطفلة الرضيعة إذا تم امتصاصه بواسطة الجلد، مما قد يؤدي إلى الوفاة".
زيادة شعر الجسم يرجع لجينات وراثية.
ورأت ناصف أن زيادة شعر الجسم يرجع لجينات وراثية ينبغي معالجتها داخلياً، إذا أرادت المرأة ذلك، وليس ظاهرياً بواسطة الجلد، ورغم صعوبة إصابة الطفلة بالفيروس بشكل مباشر فإن وضع الدماء على مكان مصاب في بشرة الطفلة يصيبها بالعدوى.
ويلفت المحامي يوسف قنديل في حديث لرصيف22 إلى أهمية "قانون الطفل" الذي يكفل للطفل/ة الحماية من كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية. يقول: "تلويث جسد الطفل بالدماء، وبالأخص أعضائه التناسلية يعتبر تعريضاً له لحالة من حالات الخطر".
وأكد أن القانون ينظر إلى هذه الممارسات الشعبوية الخاطئة على أنها تلويث لجسد الطفل/ة بشكل قد يؤدي لنقل الأمراض البيطرية إليه/ها، وهو ما يعد تعريضاً للطفل/ة لحالة الخطر المنصوص عليها في البند رقم 1 من الفقرة الأولى من المادة 96 المستبدلة بالقانون رقم 126 لسنة 2008 الصادر بتعديل القانون رقم 12 لسنة 1996.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 12 ساعةالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت