شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"ربنا بعتك ليا عشان تسكني وتلبسي الحجاب".. مستقلات تحت سطوة "البيه البواب"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 24 مارس 202102:49 م


دخل البواب لمنتصف الصالة دون استئذان، وقال بغضب، بينما يدير عينيه في غرف الشقة المفتوحة: "كل ده عشان تفتحي الباب؟ هو الراجل اللي طلع من شوية دخل عندك"، فوجئت إيمان بوقاحته، ونظرت في ساعة الحائط، التي كانت تشير للثانية ما بعد منتصف الليل، قبل أن تطرده وتسبه.

حال إيمان هو حال الكثير من الفتيات والسيدات، اللاتي اضطررن أو اخترن الإقامة وحدهن، ولكن ردها على تجاوز الرجل ليس متاحاً لجميعهن، فبعضهن آتيات للدراسة، وأخريات لا يملكن رفاهية البحث عن مكان آخر، بينما ترفضهن وتشتبه بهن كل الأماكن.

"إحنا مش رجالة"، ثلاث كلمات تفوه بها بواب في منطقة السلام بالقاهرة، وكان ثمنها حياة "داليا"، إذ اقتحمت مسكنها مجموعة من الذكور، حاملين أسلحة بيضاء وعصياً وحبالاً، فهربت بإلقاء نفسها من البلكونة، وهو مصير لا ترى إيمان أنه بعيد عنها أو غيرها من الفتيات المستقلات.

"بابا اتخانق مع البواب"

لم تكن نور تعرف حجم صلاحيات "البيه البواب"، كما تسميه قبل أن تأتي من مدينتها الإسكندرية للدراسة بكلية الآثار بجامعة القاهرة. لم تكن من المقبولات للسكن بالمدينة الجامعية، وأنهكها السفر بين المحافظتين، لذا بدأت مع والدها البحث عن سكن للطالبات بالقاهرة.

عثرت نور على سكن مع خمس فتيات أخريات في شقة بحي الدقي. في أيامها الأولى كان البواب يجلس بمدخل العمارة، تلقي عليه السلام وتصعد لشقتها، ولكنه استوقفها بعد عدة أيام، وطلب جدول محاضراتها، وحين سألته باستغراب عن السبب، قال: "عشان أعرف المفروض ترجعي إمتى، وهاقفل باب العمارة إمتى، بس عموماً إحنا آخرنا الساعة تمانية... هو ده النظام هنا".

"مين الأستاذ يا ست إيمان ما اتشرفناش"، سألاها، البواب وصاحب العمارة، بعد اقتحام شقتها، فرد: "أنا أخوها، خير يا حاج؟"، "بطاقتك أتأكد؟"

تعجبت نور، وسألت زميلاتها في السكن، فأخبرنها أن ذلك هو المتبع فعلاً، وأن الأفضل ألا تغضبه لأنه صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في بقائهن بالسكن، وتابعت إحداهن: "البنت اللي سكنتي مكانها هو اللي مشاها، رجعت الساعة الثامنة وخمس دقائق، وكان قفل الباب فعلاً ورفض يدخلها، وكلم أهلها في الصعيد قال لهم بنتكم بايتة برة، وتاني يوم أبوها وإخواتها الولاد راحوا الجامعة خدوها، ومرجعتش تاني".

تقول نور لرصيف22: "أنا كنت بازهق جداً من القعدة في السكن، وعايزة أحضر ندوة، أروح سينما ولا مسرح أو أتمشى مع صاحباتي، وده طبعاً زعل البيه البواب، وحاول فعلاً يعمل اللي عمله مع البنت اللي قبلي، لكن أنا كنت سبقته، وكلمت بابا، وعرفته إنه رفض يدخلني، وبابا جه اتخانق معاه، ومشيت من الشقة".

"مصير فتاة السلام يهددنا"

كانت إيمان، المستأجرة الجديدة، مستغرقة بالنوم حين أيقظها طرق عنيف على باب شقتها، إذ تقيم بمنطقة فيصل، نظرت من العين السحرية للباب، وفتحت حين تعرفت على البواب: "خير يا عم إبراهيم، في حاجة حصلت ولا إيه؟!".

دخل البواب لمنتصف الصالة دون استئذان، وقال بغضب بينما يدير عينيه في غرف الشقة: "كل ده عشان تفتحي الباب؟ هو الراجل اللي طلع من شوية دخل عندك". فوجئت إيمان بوقاحته، ونظرت في ساعة الحائط، التي كانت تشير للثانية ما بعد منتصف الليل، قبل أن تطرده وتسبه.

في اليوم التالي، اتصلت إيمان بصاحب العمارة وأخبرته بما حدث، معتقدة أنه سيؤدب البواب الذي اقتحم شقتها، وعاملها كفتاة ليل، ولكنها فوجئت به يرد: "خايف عليكي يا أبلة، ومتآخذينيش ده شقق إيجار وانتي جديدة ميعرفكيش لسة وكمان عايشة لوحدك، وأنا موصيه ياخد باله من العمارة واللي داخل واللي خارج".

اجتنب البواب إيمان لبعض الوقت، وفوجئت بعد عدة أشهر بطرق صاحب العمارة والبواب على بابها بلا مناسبة، وفي الوقت الذي كانت تستقبل زائراً، دخل الاثنان لشقتها، وسألها المؤجر: "مين الأستاذ يا ست إيمان ما اتشرفناش"، لم يكن شقيقها يعلم بما حدث مسبقاً، فرد: "أنا أخوها، خير يا حاج؟".

أوقفت إيمان الحوار بينهما وسألت بغضب "وأنت مالك؟"، ولكن صاحب العمارة قال إنه أخبرها قبل أن تسكن وحدها بأنه غير مسموح استقبال الرجال، واستغل البواب تصاعد الجدال ليطلب من شقيقها بطاقته ليتأكد أنه شقيقها بالفعل. انتهى الأمر بانتقال إيمان أيضاً من الشقة التي عثرت عليها بصعوبة.

تقول إيمان لرصيف22: "بعد ما سمعت عن جريمة قتل البنت عشان صديقها بيزورها، رجعت أقرأ الخبر عشان أتأكد إنه مش نفس المكان اللي كنت ساكنة فيه، مصيرها بيهددنا يوميا".

"عايزة تسكني لوحدك ليه؟"

قرر النائب العام لاحقاً إحالة قتلة "فتاة السلام" إلى المحاكمة الجنائية بتهمة استعراض القوة والتلويح بالعنف ضد امرأة وشخص آخر، وكان ذلك بقصد ترويعهما، وتهديدهما بإلحاق الأذى المادي والمعنوي بهما، وأن السيدة ألقت بنفسها من شرفتها بعدما أرهبوها.

واتهمتهم النيابة بالقبض على المجنى عليهما، وحجزهما بدون وجه حق، وتعذيبهما بدنياً بتقييدهما بوثاق، والاعتداء عليهما بالضرب بالأيدي وبعصي خشبية، كما ارتكبوا جريمة الدخول ليلاً، وباستخدام القوة والأسلحة البيضاء إلى بيتٍ في حيازة المجنى عليها بقصد ارتكاب الجرائم السابقة.

"البواب سألني عن شغلي، وعايزة أسكن لوحدي ليه، وقال إنه معندوش مانع بس بشرط إني ألبس الحجاب، ولما رفضت، قال لي: ليه يا دكتورة، ربنا بعتك ليا عشان تسكني وتلبسي الحجاب"

ردت ريم (30 عاماً) على الرجل بغضب، وأخبرته أنها لا ترغب في السكن، ليرد عليها "ليه يا دكتورة، ربنا بعتك ليا عشان تسكني وتلبسي الحجاب".كانت ريم تبحث عن شقة تقيم فيها بشكل مؤقت بالقاهرة، حتى ينتهي خطيبها من تجهيزات شقة الزواج، ورشحت لها إحدى صديقاتها واحدة من الشقق المخصصة للإيجار.

حددت موعداً مع البواب، الذي أوكله صاحب الشقة للرد على طالبي الإيجار، وذهبت لمعاينتها، تقول ريم لرصيف22: "البواب سألني عن شغلي، وعايزة أسكن لوحدي ليه، ولما قلت له إن ده مؤقت لحد ميعاد جوازي، قال إنه معندوش مانع بس بشرط إني ألبس الحجاب".

لاحقاً عثرت على شقة مناسبة، ولكن فرحتها لم تكتمل، فبواب العمارة الجديد، مشغول جداً بمواعيد "شيفتاتها" الليلية، إذ تعمل طبيبة، واستبق موعدها مع خطيبها لشراء بعض حاجيات شقتهما الجديدة، ليخبره أنه يجب أن ينتظرها حتى تستعد للخروج أسفل العمارة لا بشقتها، حفاظاً على سمعتها.

وتتابع ريم: "خطيبي زعق له، وقاله إنه بيتدخل في اللي مالوش فيه، فرد البواب أن صاحب الشقة مشترط إن مفيش رجالة تطلع عندي، وإنه كلمه بالذوق بدل ما يبلغ صاحب الشقة ويمشيني، ومشيت فعلاً بعد ما اتخنقت من زيادة تعليقات البواب على تأخيري، وخطيبي وحتى لبس صاحباتي".

أنهت نور دراستها الجامعية، وعادت لمسكن أسرتها بالإسكندرية، وانتقلت ريم لمنزل الزوجية، ونجت إيمان من تهديد بمصير "سيدة السلام"، بينما تنتظر روح الأخيرة حكماً عادلاً بحق قتلتها.

بإزاء هذا الواقع، تحاول آلاف الطالبات المغتربات والفتيات والسيدات المستقلات التخلص من سطوة "البيه البواب".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image