"كله يهون من أجل السلطان"؛ عبارة حاولت بها المرأة، التي كانت تنزع لي الشعر من أجل حفل زفافي، التخفيف عني. كانت تلك المرة الأولى التي أسمع فيها تلك التسمية، تساءلت بيني وبين نفسي وأنا أتألم بشدة جراء عملية نزع الشعر، "بما أن العريس هو السلطان، هل هذا يجعلني السلطانة؟" يومها لم أكن أعرف الإجابة لكنني الآن أعرف ويبدو أن الجميع يعرفون ولا يفصحون عن هذه الحقيقة.
بعد أن انتهت عملية التعذيب الممنهج بنزع شعر كامل الجسم بالوسيلة التقليدية عندنا في ليبيا- وهي الحلاوة أو الحلوى، كما نسميها، هي عبارة عن سكر وماء وعصير ليمون تُترك لتغلي حتى تتحول لمادة لزجة ثقيلة تلتصق بالجسم ثم تُزال نازعة معها كل الشعر ومسببة الكثير من الألم وبعض الكدمات- أخذت أفكر في صعوبة حياتنا نحن الإناث، وأتخيل عريسي الذي لا يعرف شيئاً عن هذا النوع من الألم ولن يتكبد كل هذا العناء من أجل مظهره.
على أيام جدتي، كان تنظيف الأنثى لسرّتها يعد علامة سلبية، فيجب ألا تكون الأنثى نظيفة ومشتهاة إلى أن تتزوج
مع انتهاء مرحلة إزالة شعر العروس تنتهي الفترة التي نسميها في ليبيا "بالشيانة"؛ وهي الفترة الزمنية التي تسبق العرس وتستمر حوالي ثلاثة أشهر على الأقل، قد تطول أو تقصر حسب الظروف. تترك العروس كامل شعر جسمها ووجهها ينموان حتى تبدو أجمل حينما تنزعه يوم زفافها، كذلك العريس يترك لحيته وشعره بشكل مهمل حتى يرتبه ليلة "الدخلة" أو "الدخول" كما نسميها في لهجتنا.
كوني من عائلة متزمتة، فقد حُرمتُ من ترتيب شكل حواجبي إلى أن جاءت ليلة زواجي حسب قوانين عائلتنا. فإزالة شعر الحواجب الزائد والوجه عموماً ممنوع على الفتيات حتى يتزوجن، ليس لأسباب دينية، إذ يصبح الأمر عادياً ومقبولاً جداً للمتزوجات. أتذكر جيداً تعرض أختي للضرب مراراً وتكراراً عندما شكت أمي من كونها قد نتفت بعض الشعيرات من حاجبها، حيث استدعت إحدى المعلمات أمي لتخبرها بشكها في أختي التي كانت حواجبها مرتبة طبيعياً، إلا أن المعلمة شكت في وجود لون أبيض تحت الحاجب لا يظهر إلا بعد نتف الشعر.
كذلك قص الشعر وصبغه كانا من ضمن المحظورات. حتى استعمال مستحضرات التجميل وإزالة شعر الساقين في السابق كانا من ضمن الأمور غير المقبولة لمن لم تتزوج. أتذكر كيف كانت المعلمات يمسحن وجوهنا بالمناديل لو شككن في استعمالنا لمستحضرات التجميل. أما في الجامعة فقد كنا نهرّب مستحضرات التجميل التي نشتريها بالسر ونستعملها بشكل مشترك لنمسح كل شيء قبل العودة إلى البيت.
تحكي لي أمي أحياناً عن تهاونها معنا وكيف تغيرت المقاييس على زمننا مقارنة بزمنها الذي كانت القواعد فيه أشد صرامة؛ حيث كان حتى مجرد الإطالة في الاستحمام أو نظر الفتيات في المرآة مستهجناً. وكما تقول أمي؛ على أيام جدتي، كان تنظيف الأنثى لسرّتها يعد علامة سلبية، فيجب ألا تكون الأنثى نظيفة ومشتهاة إلى أن تتزوج.
مؤخراً، تغير هذا الوضع؛ أمور كثيرة كانت في قائمة المحظورات على الفتيات، وصارت طبيعية ومقبولة شيئاً فشيئاً؛ إزالة شعر الجسم وترتيب الحواجب واستعمال المكياج. ربما ما تبقى من هذا الموروث هو استعمال الحنة على القدمين واستعمال السواك الليبي الخاص بالإناث- وهو نوع من النباتات يوضع على الأسنان فيجعلها أكثر بياضاً ويزيد من احمرار اللثة والشفتين- والذي أعتقد أنه انقرض ولم تعد تستعمله حتى المتزوجات في أيامنا هذه. حتى الملابس التقليدية الليبية الخاصة بالمناسبات، والمعروفة "بالصدرة"، كانت ممنوعة على الفتيات، واليوم أصبحت عادية لغرض التصوير.
كانت ملابسنا الداخلية تشبه تلك التي ترتديها جداتنا؛ فيجب أن تكون قطنية بألوان غير ملفتة سواء أو بيضاء أو "بيج" وليس بألوان زاهية
أما الملابس الداخلية فلا أدري كيف هو الوضع عند بقية العائلات. لكن في عائلتي وعائلات صديقاتي المقربات، كانت ملابسنا الداخلية تشبه تلك التي ترتديها جداتنا؛ فيجب أن تكون قطنية بألوان غير ملفتة سواء أو بيضاء أو "بيج" وليس بألوان زاهية وتصميمات جميلة. أتذكر انبهارنا بإحدى صديقاتنا التي كانت أمها تسمح لها بشراء ملابس داخلية ملونة جميلة وأطقم كاملة.
كنتُ سعيدة جداً وأنا أجهز للزواج وأشتري أخيراً كل ما كان ممنوعاً عليّ ارتداؤه؛ ملابس داخلية جذابة وملونة، بيجامات بسراويل قصيرة، قمصان بلا أكمام، وفساتين قصيرة. كل تلك الملابس التي كانت ممنوعة سواء في بيتنا أو للخروج، صار ارتداؤها مسموح في بيت الزوجية. "ارتدي لزوجك كل شيء في المنزل حتى لا ينظر للأخريات"، يقولون لي أثناء التجهيز للزواج وأفكر فيما سيفعله هو لأجلي حتى لا أنظر للآخرين.
عندما وصلت لمرحلة شراء قميص النوم الخاص بليلة الزفاف، انعكست الآراء؛ اصرت أمي على أن أشتري فستاناً طويلاً بأكمام طويلة يغطي كامل الجسم، وذلك حتى لا يظن العريس بأنني فتاة سهلة المنال؛ من السهل عليها تعرية نفسها أمام رجل غريب. يجب عليّ رفض ومقاومة التعري واستغراب كل شيء حتى لا يظن بي الظنون.
جاءت أخيراً ليلة الزواج، والتي جهزوني طوال عمري لأجلها بالقيود والممنوعات، حتى أصل لزوجي كبضاعة جديدة مغلفة لم يلمسها أي زبون قبله. وقد أدى أهلي مهمتهم بنجاح، فلطالما منعوني من السفر لوحدي والخروج لوحدي وقضاء الليل في بيت صديقتي وزيارة أي صديقة لديها أخوة ذكور، وقائمة طويلة من الممنوعات فقط لأجل هذه اللحظة ولضمان منتج محفوظ جيداً للزبون. ظننت أنني قد حصلت أخيراً على حريتي بالزواج وأنّ كل الممنوعات صارت مباحة، لكنني اكتشفت أن الامور ليست بهذه البساطة.
لكي أكون زوجة مثالية، حسب المفهوم الليبي، عليّ أن أكون "حمراء وجرّاية ولا آكل الشعير" كما يقول المثل الليبي
عرفت أن السلطان يتوقع وجود جارية تطيع الأوامر وتخدمه وتقدم له نفسها متى أراد. ولكي أكون زوجة مثالية، حسب المفهوم الليبي، عليّ أن أكون "حمراء وجرّاية ولا آكل الشعير" كما يقول المثل الليبي. عليّ أن أقدم كل شيء ولا أتوقع أي شيء في المقابل سوى إنفاقه عليّ. الزوجة المثالية يجب أن تجهز الفطور لزوجها قبل أن يذهب إلى العمل حتى لو كانت هي نفسها تعمل- بعد إذنه طبعاً- وتعود مسرعة من العمل لتجهز له الغذاء وتنظف البيت وتغسل ملابسه المتسخة وتكوي النظيفة وتجهز له كل ما يحتاجه. وفي خلال هذا كله يجب أن يكون مظهرها جميلاً ومزاجها مستعداً لإمتاعه متى أراد. يجب ألا تتذمر وألا تشكو وأن تصبر على كل شيء. كذلك يجب أن تكون بنت أصول إن احتاج أهله للمساعدة والخدمة أيضاً. كذلك يتوقع منها الطاعة الكاملة وله الحق في تطليقها والزواج عليها متى أراد ودون استشارتها.
السلطانة تكون في نفس المرتبة مع السلطان؛ شريكان، لهما نفس الحقوق والواجبات اتجاه بعضهما البعض واتجاه بيتهما. أما الجارية فهي حتماً في المرتبة الأدنى وليس لها حق الاعتراض على أوامر السلطان وإلا اعتبر اعتراضها تمرداً ستدفع ثمنه حتماً. عرفت أخيراً الجواب الذي يعرفه الجميع ضمناً ولا يفصحون عنه، وأعتقد أنه علينا تسمية الأمور بمسمياتها الحقيقية لمواجهة واقعنا كما هو والبدء في رؤية الخلل في منظومتنا الاجتماعية
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 21 ساعةرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.