شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
الخدمة في المنزل... رجال تمردوا على

الخدمة في المنزل... رجال تمردوا على "الثقافة الذكورية"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 2 فبراير 201711:59 ص

يستيقظ صباحاً ويغسل وجهه ليتوجه سريعاً إلى المطبخ لمشاركة زوجته في تحضير وجبة الفطور لأطفالهما. تذهب حينها الزوجة لكي توقظ الأطفال فيما ينشغل هو بتحضير مائدة الطعام. يفطر الأطفال وينتهون من ارتداء ملابسهم بمساعدة والدتهم حتى يوصلهم الأب للمدرسة فيما تذهب الزوجة إلى عملها. وعقب عودة الزوجين من العمل بصحبة أطفالهما يقتسمان الأمور المنزلية من طهو وغسيل آنية وكي ومساعدة الأطفال في واجباتهم المدرسية وغير ذلك من أعمال. قد يرى البعض أن تلك الرواية بعيدة عن المجتمع العربي، الذي تقوم فيه المرأة بكل أعمال المنزل، وإن كانت تعمل خارجه، من باب الاعتقاد أن الأعمال المنزلية لا تليق بالرجال، ولكنْ، بالفعل هناك رجال تمكنوا من كسر "تابوه" حصر خدمة المنزل بالمرأة، وشاركوها فيها. وعلى الجانب الآخر، هناك الكثير من الرجال ممن يتمسكون بعدم مساعدة زوجاتهم في أعمال المنزل.

مجتمع شرقي وعُقد "التربية الذكورية"

محمد إسماعيل صحافي في جريدة الجمهورية يبلغ من العمر 31 عاماً، من القناطر الخيرية، متزوج بمدرّسة منذ 4 أعوام ولديه طفل، يعترف قائلاً "أنا عارف إني مطلع عينها لكن إحنا في مجتمع شرقي وده الطبيعي". محمد عبد الوهاب 47 عاماً، محامٍ حر بالقاهرة، متزوج طبيبة ولديه طفلان ويعيش بالجيزة، يبرر رفضه مشاركة زوجته في الأعمال المنزلية بقوله "تربيتي الذكورية تسببت لي في عقدة. فمينفعش مثلاً بنتي تشوفني لابس مريلة المطبخ. ممكن تطلب ده من جوزها في المستقبل فهيطلقها".

النساء للخدمة في المقام الأول

ويقول صلاح محمد، 31 عاماً، موظف في شركة المقاولون للأغذية، "أنا من عرب البدو في مرسى مطروح، وعندنا الست ست والراجل راجل، وإني أساعدها في حاجة عيب، لإن دي عاداتنا وإحنا اتربينا على كده". "الست دورها الأول في الحياة خدمة بيتها. والعرف المتداول إن الست ملهاش غير بيتها وجوزها وعيالها، يعني شغلها المفروض ميأثرش على خدمتها في البيت". هكذا رفض "أحمد محمد" 27 عاماً، مهندس بترول بشركة تك انيرجي، من محافظة الجيزة، متزوج مدرسة ولديه طفلتان، المساعدة في أعمال المنزل. ويقول أسامة طلعت، 34 عاماً، مصور بجريدة اليوم السابع، من الجيزة "أنا واخد على الدلع لإني كنت ولد وحيد وسط 3 شقيقات وأمي، وكانوا دايماً بيخدموني فاتعودت على كده".

رجال تحدوا تقاليد المجتمع

إسلام أبو العطا، 53 عاماً، مساعد رئيس تحرير جريدة الجمهورية، متزوج موظفة بوزارة التموين، تحدى التقاليد التي تربى عليها من رؤية والدته تضطلع بالقيام بكل الأعمال المنزلية وذلك منذ طفولته ونشأته الريفية بمحافظة الشرقية، ومنذ بداية زواجه حرص على التخفيف عن زوجته، وتحمل بعض الأعباء المنزلية. ويرفض أبو العطا الاعتقاد بأن الأعمال المنزلية تعد انتقاصاً من الرجولة، ويرى أن الرجولة ليس لها علاقة بذلك الأمر على الإطلاق، ويحكي تجربته قائلاً "لم نتفق قبل الزواج على مشاركتي لها في أعمال المنزل، ولكن الأمر تم بصورة تلقائية، إذ عندما كنت أرى شيئاً لا يعجبني أقوم أنا وأرتبه بدلاً من أن أطلب منها ذلك".
المرأة ليس دورها الخدمة والرجل هو "سي السيد" الذي يُخدم... حقيقة بدأ يفهمها بعض الرجال اليوم
"أشارك زوجتي في كل شيء من حمل للأثاث وإزاحة السجاد ومسح الأرضيات، ولا أجد حرجاً في تنظيف الحمام"
واستطرد: "لمساعدتي أشكال متعددة. بعد أن رزقنا طفلين اعتدت توصيلهما للمدرسة وإحضارهما للمنزل يومياً، حتى في أيام الامتحانات كنت أنتظرهما طوال مدة الامتحان، وكنت أغضب كثيراً عندما أجد نفسي وحيداً بصحبة رجل آخر فقط ننتظر أولادنا، إذ أتعجب من الرجال الذين يتركون نساءهم يتحملن هذا العبء وحدهن، كذلك أشاركها في الذهاب بالأطفال للكشف عند الطبيب". ويضيف "قد أساعدها من خلال إحضاري الطعام الجاهز، أو عقب تناول الطعام أتولى إعداد الشاي، وفي يوم التنظيف أشاركها في كل شيء من حمل للأثاث وإزاحة السجاد ومسح الأرضيات، ولا أجد حرجاً في تنظيف الحمام". "كل ما أستطيع تحمله صحياً أفعله بلا مبالغة، وعندما لا يمكنني مساندتها بنفسي أجد حلاً، مثلاً كلانا لا يجيد كي الملابس، فأرسل الملابس لـ"المكوجي" وأحياناً أرتديها دون كي لأني أرى المظهر في نظافة الملابس في المقام الأول"، يقول أبو العطا. وعن نظرة الأهل والأصدقاء له، يقول إن أهله دائماً يشيدون به قائلين "الله يباركلك" لدرجة أن شقيقاته البنات يقلن "يا ليت أزواجنا يصبحون مثلك"، كما يتلقى الإشادة أيضاً من الأصدقاء. وترى زوجته إيناس محمد، 41 عاماً، موظفة بوزارة التموين، أن مساعدة الزوج في أمور المنزل أمر طبيعي، حتى لا يتسبب في ضرر للمرأة، قائلة "لما جوزي بيشيل عني بحس إني مش لوحدي وده بيدعمني نفسياً"، مضيفة، أنه في حال عدم مساعدتها ستتعرض لضغوط جسمانية ونفسية كبيرة بسبب كثرة أعباء المنزل، وإذا شعرت الزوجة أنها وحيدة فستكون مثل البركان وقد تتعرض للانفجار في أي وقت". وأكدت إيناس على حسن حظها في مساعدة زوجها لها، وقالت إن العديد من صديقاتها يفتقدن بشكل تام ذلك الأمر، وحينما يتعرفن إلى حياتها يقلن لها "يا بختك".

محمد كمال، 34 عاماً، موظف بشركة المقاولون للأغذية، ومقيم بروض الفرج، متزوج من محامية ولديه 3 أطفال، يرى أن المشاركة في أعمال المنزل لا تنقص من الرجولة، بل هاجم الرجل الذي لا يساعد زوجته قائلاً "ده راجل خايب ومعندوش شخصية ومش واثق في نفسه". وأضاف كمال أنه لا يجد حرجاً في أن يشارك زوجته أعمال المنزل أمام الأهل والأصدقاء، مشيراً إلى أنه اعتاد "عزومة" أصدقائه الذين يرونه يطهو أمامهم ويفعل كل شيء، قائلاً إنها حرية شخصية لا يجوز لأحد التدخل فيها، وبالرغم من ذلك فإنه يتلقى الإشادة. وأوضح كمال طبيعة الأمور التي يساعد فيها قائلاً إنه من الممكن أن يغيّر "حفاضات الأطفال"، أو يشارك في طهو الطعام وغسيل الأواني وترتيب الشقة ومسح الأرض. زوجته إيمان عبد الناصر، 30 عاماً، تقول إنها لا تتفق مع زوجها على قيام كل منهما بمهام محددة، بل بالتفاهم والود يتم الأمر، موضحة أن "التعبان أو المشغول التاني يشيله"، مشددة على أنها لم تكن تتخيل الحياة دون مشاركة زوجها لها. وتضيف "إيمان" أنها لديها 3 أطفال أصغرهم عمره 4 شهور، وتعمل محامية في القاهرة، وكثيراً ما ينتابها التعب بسبب الطفل الرضيع وتحتاج إلى النوم، فيساعدها زوجها ويستيقظ في أوقات متأخرة من الليل لحمل الطفل، مشيرةً إلى أن أهلها وأصدقاءها يعتبرون أن هذا الأمر طبيعي إذ اعتادوه هم أيضاً في بيوتهم.

أضرار عدم مشاركة الزوج في المنزل

تؤكد آية كمال خبيرة الإرشادات الأسرية وتعديل سلوك الطفل، لرصيف22، أن مشاركة الرجل للمرأة في أعمال المنزل، يرفع من قدره جداً لدى زوجته، لأن المرأة تحب الرجل الحنون الذي يهتم بها، ما يجعل العلاقة الزوجية يسودها الحب والتفاهم والاحترام". وينعكس الأمر بصورة إيجابية على أطفالهما، إذ سينشأ الطفل سوياً نفسياً يعي ويقدر المرأة، وسيفهم أن المرأة ليس دورها الخدمة والرجل هو "سي السيد" الذي يُخدم، وعندما يكبر ويتزوج سيكون زوجاً جيداً يعي واجباته المنزلية ولن يلقي الحمل على زوجته. وتضيف كمال أن الأطفال الذين ينشأون في بيئة تسودها المشاركة، سيصبحون أشخاصاً يعتمد عليهم لأنهم سيعرفون أن لهم واجبات في كل أمور الحياة سواء المنزلية أو العملية. حتى في مجال عمله سيحترم الرجل المرأة ولن ينظر لها نظرة دونية معتقداً أن بيتها أولى بخدمتها.

الثقافة الذكورية

يقول الدكتور سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية، إنه منذ العصور الوسطى وما قبلها، كانت الغلبة للثقافة الذكورية، وكان الزوجان يتقاسمان المهمات: الرجل في العمل العام فيما تتولى المرأة أعمال المنزل، وعندما بدأت المرأة في العمل بالخارج كانت تتولى أيضاً الأمور المنزلية. ويضيف صادق أن القسمة التقليدية استمرت في مصر حتى حدث الانفتاح الاقتصادي في السبعينيات، وانتشرت المطاعم والمأكولات الجاهزة والمجمدة وانتشرت "السوبر ماركت" بدلاً من "البقالة". وقلل هذا كله من أعمال المرأة في المنزل، وفي ظل الظروف الاقتصادية لم يستطع كثير من الرجال التكفل وحدهم بمصروفات البيت، فانطلقت المرأة للعمل بالخارج، ومع زيادة عدد ساعات عمل المرأة، والتقدم ووجود أجهزة كهربائية حديثة مثل "الميكروويف"، أصبح من السهل على الرجل المشاركة. وأشار صادق إلى أن مشاركة الرجل في أعمال المنزل ترتبط بالطبقة الاجتماعية والمستوى الثقافي، إذ إن الرجال مثلاً من خريجي المدارس الأجنبية سنجدهم أكثر تقبلاً لهذا الأمر.

الرجل المسؤول شرعاً عن الخدمة

وعن رأي الدين حول واجبات المرأة في المنزل، يوضح الدكتور محمد أبو ليلة أستاذ الدراسات الإسلامية باللغة الإنكليزية بجامعة الأزهر، لرصيف22، أن المرأة لا يُطلب منها شرعاً القيام بأعمال البيت سواء التنظيف أو الغسيل أو الذهاب للسوق أو مع أولادها للطبيب وغيرها من الأعمال، إلا أن ذلك ما هو سوى عرف بسبب امتلاكها مؤهلات أكثر من الرجل مثل الصبر والبال الطويل. ويضيف أبو ليلة: "إذا وجدت الزوجة أن تلك الأعمال شاقة عليها، فيجب على زوجها القيام بها، أو مساعدتها، أو توظيف شخص للمساعدة، مشيراً إلى أنه نظراً للظروف الحالية وصعوبة توظيف شخص للخدمة، ولصعوبة ترك المرأة لأعمال المنزل، يجب على الزوج المشاركة في أعمال المنزل على أن يتم ذلك في إطار من المحبة والود والتراحم بين الزوجين حسب أمر الله". واستشهد أبو ليلة بالنبي محمد، الذي كان يخصف نعله ويخيط ثوبه، ويشارك في أعمال المنزل، لذا فإن اتباع السُنّة أمر واجب، حتى تهدأ النفوس، وحتى لا تمتد الصفات السلبية للأطفال ويكررون الأخطاء نفسها عندما يكبرون.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image