شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"ضيعت عمري وخسرت نفسي"... أن تعيشي حياتك ربة منزل في المغرب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 28 أكتوبر 201906:44 م

كنّ شابات طموحات، في لحظة تخلّين عن أحلامهنّ، كما قيل لهنّ أن "مملكة المرأة بيتها"، وتقدم بهنّ العمر، عشن كما قيل لهن، عملهنّ في المنزل، يتوزع بين المطبخ، وإعداد الطعام، وتنظيف الغرف، وغسل الملابس، طيلة سنوات، أضاع عليهنَّ فرصاً ثمينة في أن يعشن حياة أخرى، أكثر متعة، وإثارة، واستقلالية مادية.

أربعينية بلا طموح أو شغف

من بين تلك النسوة، السيدة نعيمة (48 سنة)، ذات ملامح متناسقة، وجسد ممتلئ نوعاً ما، ترتدي جلباباً مغربياً أنيقاً، تنتظر دورها في صف طويل من أجل ركوب سيارة أجرة.

تحكي السيدة بكثير من الهدوء، أنها غير متأففة من انتظار "الطاكسي"، ولو تجاوزت مدة انتظارها ساعة ونصف؛ تقول: "لا شيء يشغلني".

لكنها تصمت لبرهة، وتستطرد قائلة: "أديت ولا زلت أؤدي دوري كربة بيت بإخلاص وتفان"، متسائلة: "لكن ماذا بعد؟" تضيف: "أنا لست أنا.. لم أتخيل يوماً أن أكون ما أنا عليه الآن.. لقد خسرتني".

طيلة الحديث الذي جمعني مع نعيمة، وهي أم لشاب وشابة أصغرهما يبلغ 17سنة، لا تفوِّت فرصة إلَّا وتلوم نفسها على خطأ واحد فقط، اقترفته في حق نفسها، بحسب تعبيرها، والذي بات يؤرقها عندما بلغت منتصف الأربعينات، ويتمثل في أنها لم تتم مسيرتها المهنية كمحامية، فمباشرة بعد تعرّفها على زوجها و"حبيبها السابق"، وفقاً لتعبيرها أيضاً، توقفت عن الأحلام، معلنة شعار "التضحية"، تارة من أجله، وتارة أخرى من أجل أطفالها الذين أنجبتهم بعد زواجها منه.

تماماً مثل العديد من المغربيات اللواتي يلبسن لباس "ربة بيت"، كأنه اللباس الوحيد الذي يليق بهن، هكذا صوّر لهن المجتمع.

نساء أغلبهن في سنّ متقدمة، اتفقن على أنّ عملهن في المنزل طيلة سنوات، أضاع عليهنَّ فرصاً ثمينة في أن يعشن حياة أخرى، أكثر متعة، وإثارة، واستقلالية مادية
"المرأة تعمل بتفان في منزلها، لكن عندما تكبر في السن لا تجد أي تقدير، سواء من طرف أبنائها أو زوجها"

"عمل المرأة المنزلي عرف وليس دين"

تذمر بعض النسوة من وضعهن كربّات بيوت لم يعد سرّاً، والنسوة لم يعدن يكتفين بالبوح به وسط صالونات نسائية فقط كما جرت العادة، بل أصبحن أكثر جرأة في التعبير عن مشاعرهن بشكل علني، في فضاءات التواصل الاجتماعي، ما دفع جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، لإطلاق هاشتاغ: "أجي نتعاونو على الشقا الدار"، تزامناً مع اليوم الوطني للمرأة المغربية الذي صادف 10 أكتوبر، الهاشتاغ تبناه نساء من شرائح اجتماعية مختلفة.

تعلق بشرى عبده، مديرة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، في حديثها لرصيف22، أنه "حان الوقت لاعتبار العمل المنزلي مساهمة في التنمية الاقتصادية للأسرة، ومسؤولية كل أفرادها، كل حسب وقته وجهده، من أجل الرعاية الشاملة"، مشيرة إلى أن "المرأة تعمل بتفان في منزلها، لكن عندما تكبر في السن لا تجد أي تقدير، سواء من طرف أبنائها أو زوجها".

وأوضحت عبده أن "عمل النساء في بيوتهن، لا يتعلق بالدين"، مستطردة: "الدين لا يلزم المرأة العمل داخل المنزل، هي مسألة عرف فقط".

"الدين لا يلزم المرأة العمل داخل المنزل، هي مسألة عرف فقط"

أطلقت الجمعية حملة بشأن هذا الموضوع، تهدف إلى نشر الوعي بأهمية اضطلاع الزوجين بمسؤوليتهما في رعاية شؤون الأسرة، سواء أكان ذلك داخل البيت أم خارجه، وأهمية التعاون وتقاسم المهام من أجل ضمان النجاح في أداء هذه المسؤوليات.

وشددت بشرى على أن "المشكل القائم هو مشكل العقليات، فبعض الرجال يشاركون زوجاتهم الأعمال المنزلية من دون أي تذمر أو إحساس بأن رجولتهم خدشت".

لكن عند سماع نعيمة بأن بعض النساء أطلقن هاشتاغ على مواقع التواصل الاجتماعي، يطالبن بمشاركة الرجال في الأعمال المنزلية، فوجئت بادئ الأمر، وبعدها أطلقت ضحكة هيسترية، ومن ثم تنفست بعمق قائلة: "أتخيل ردة فعل زوجي حينما سيسمع بالخبر، لاسيما عندما أطالبه بأجر مادي حول عملي كربة بيت".

تضيف بنبرة ساخرة: "سيستهزئ بطلبي، وسيكون ردّه مثل الكثير من الرجال: أش ناقصك؟ وهل أنا مقصر معك في شيء".

تسترسل قائلة: "متناسياً أو متجاهلاً بأنه مقصّر معي في كل شيء، تقصيره ليس مادياً، بل في الواقع معنوياً، فأنا أحتاج إلى التقدير، سواء في عينيه أو في أعين أبنائي".

"أرضيت زوجي فأصبحت حادكة"

تضيف نعيمة: "ضيّعت سنوات من شبابي في الطبخ والكنس، لعلي أحصد لقب  ست شاطرة أو "الحادكة"، وأنال رضا زوجي وعائلته وغيرة صديقاتي".

لكن مع مرور السنوات، تقول نعيمة، "اختفت تلك الشابة الطموحة التي كانت تحلم يوماً بمكتب مليء بالزبائن، وتحقق اسماً شهيراً في عالم المحاماة".

تماماً مثل زوج نعيمة، الذي كان قبل سنوات زميلاً لها، والذي حقق كل أحلامه، بشراء فيلا صغيرة، وسيارة مريحة، ورصيد في البنك، تعلق على هذا الأمر: "وأنا ماذا حصدت؟ وزن زائد، ولقب الحادكة المطيعة، فضلاً عن أم عمرها مرتبط بأبنائها".

سألنا نعيمة ما الذي جعلها تتخلى عن حلمها، لاسيما وأنه كان قرارها وليس طلباً من زوجها، أجابت: "بمجرّد وقوعي في غرام زوجي، أردت أن أكون تلك المرأة التي تسهر على راحته ونظافته وحاجيته، وبعد سنوات أصبحت أماً، انغمست أكثر في دور التضحية الذي أحببته في البداية..".

تقول نعيمة: "لا أعرف إن كنت مخطئة أم لا، لكن ما أعلمه الآن بأنني لست نعيمة التي كنت أريد، عندما وطئت أقدامي الجامعة كنت طموحة وأحببت عالم المحاماة، لكني الآن ربة منزل، شهيرة بين أصدقائي بأطباقي اللذيذة".

تستطرد نعيمة مسرعة وكأنها تفكر بصوت عال: "هذا ليس عيباً، من واجبي أن أعتني بأبنائي، لكن لماذا لم يتقاسم معي زوجي مسؤولية المنزل، لماذا تخليت عن حلمي في أن أصبح محامية، في المقابل كان بإمكاني أن أصبح محامية وزوجة وأماً، أنا في منتصف الأربعينيات، أرى نفسي أنني لم أحقق شيئاً يذكر".

نفس العبارة تكررها آسية (56 سنة)، تسكن الدار البيضاء، ربة بيت وأم لثلاثة شباب وهي تستمع إلى حديث نعيمة: "بإمكاني أن أكون امرأة عاملة، وزوجة مخلصة وأماً حنونة"، لكن فقط لو استطاع زوجها مساعدتها واقتسم مسؤوليات المنزل.

"زوجي أفلس وأصبحنا فقراء"

كانت آسية مقتنعة بأن الأعمال المنزلية خُلقت للنساء، وفي المقابل الرجل هو الذي يشقى خارج المنزل من أجل "تأمين لقمة حلال لزوجته"، وهكذا كان، هذه القاعدة طبقتها آسية بحذافيرها في حياتها، لكن النتيجة لم تكن كما تتخيل.

عبّرت آسية عن ندمها لأنها لم تطوّر مسيرتها المهنية، وهي التي كانت تحلم أن تكون مدرّسة. تضيف أنها كانت تعتمد على زوجها في كل شيء، وهو بالمقابل كان كريماً معها، ولأن الحال لا يدوم في هذه الحياة، فبعد 30 سنة من العشرة، أصبح مفلساً بعد ما خسر كل نقوده في مشروع غير رابح، حاولت آسية مساعدته لكن ليس بيدها حيلة سوى البكاء.

الآن عادت إلى نقطة الصفر، تقطن في منزل للكراء برفقة زوجها وأبنائها الثلاثة، الأول مستخدم بسيط في مؤسسة خاصة، والآخرون عاطلون عن العمل.

تقول آسية، بجلبابها الأنيق وبنبرة واثقة: "لو لم أجلس في المنزل كل هذه السنوات من دون أن أؤسّس لمسيرتي المهنية، لما كان حالي كما هو الآن، لكنت قدمت مساعدة لزوجي وأولادي أيضاً".

مع مرور الأيام، وبعد الأزمة المالية التي تمر بها آسية، تغيرت نبرة أفراد أسرتها، تعلق على هذا الأمر: "أحسست أنني فعلاً عالة عليهم، أنا التي أنجبت وكبرت وخدمت وسهرت على راحتهم"، تستطرد: "أصبحت أسمع عبارة.. ياليتك كنت أماً عاملة، لكان لك راتب، ولكان لك منزل في ملكيتك".

نعيمة أو آسية، ضحايا عرف ترسّخ في ذهنية المغاربة، مقتنعات بأن المرأة خلقت لتدير المنزل، والرجل خلق ليعمل خارجه.

المرأة في ذهنية المغاربة: طباخة شاطرة، تحسن تدبير المنزل، مقتصدة، أنيقة، ومطيعة، لكن في المقابل، المجتمع نفسه يصفق لتلك المرأة العاملة الناجحة داخل بيتها وخارجه.

تقول آسية: "إن هذا المجتمع متناقض وظالم، يكلف المرأة أكثر من طاقتها".

" هذا المجتمع متناقض وظالم، يكلف المرأة أكثر من طاقتها"

تعلق الناشطة بشرى عبدو أنَّ مقولة "المرأة خلقت لتعمل داخل المنزل" لا زالت راسخة في عقول المغاربة، على الرغم من مظاهر التطور الذي نعيشه، وحتى إن كانت المرأة تعمل خارج المنزل، مباشرة بعد عودتها إلى المنزل، تتجه إلى المطبخ من أجل إعداد الطعام، وتنظيف المنزل، وهذا ظلم لها.

وترى آسية أنّ شباب اليوم ينقسمون إلى قسمين، فئة ترى أنه يجب على المرأة أن تحقق ذاتها واستقلاليتها، لكن ليس لأنه يحترم استقلاليتها وليس بضرورة احترام رغبتها في أن تعمل، بل بهدف أن تصرف على نفسها وعلى حاجياتها، والفئة الثانية، بحسب آسية، ترى أن النساء يجب ألا يتخطين عتبة المنزل، تماماً مثل جداتهن أو أمهاتهن، خلقن للطبخ والكنس.

"لا يلزمك سوى رجل فقط"

فكرة أن المكان الطبيعي للمرأة هو المنزل، ودورها الوحيد هو تدبيره، لا يقتصر على نساء فقط، ولا على رجال مستواهم الثقافي بسيط إن صحّ التعبير، بل في الحقيقة هذه الفكرة راسخة في ذهنية رجال يتقلدون مناصب هامة، وما يصاحبها من مسؤولية حساسة، على سبيل المثال، يتذكر المغاربة زلة اللسان الشهيرة لوزير التعليم السابق محمد الوفا، حين كان في زيارة تفقدية لإحدى المدارس الابتدائية في مدينة مراكش، ومازح تلميذة تدرس بالمستوى الخامس ابتدائي بطريقة اعتبرها البعض غريبة.

فبمجرد دخوله إلى الحجرة الدراسية التي توجد بها التلميذة التي كانت تبدو أكبر من زملائها رغم أن عمرها 12 سنة، توجه نحوها هذا الأخير بالقول وهو يمازحها: "أنت خاصك غير الراجل"، أي لا يلزمك سوى رجل فقط، في إشارة إلى حجم بنيتها الجسمانية.

زلة لسان هذه، جرّت على الوزير الوفا ويل الجمعيات الحقوقية والنسائية المحلية والوطنية، حيث طالبنه بالاعتذار، بعد أن تسبب في أزمة للتلميذة التي فضّل أهلها انقطاعها عن الدراسة إثر ذلك، لولا تدخل بعض الحقوقيين الذين أقنعوا أسرتها بالعدول عن قرارهم.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image