في صباح الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024، حقق الشعب السوري انتصارًا عظيمًا على القمع والديكتاتورية والظلم، وأطاح بنظام جثم على صدر البلاد وحوّل حياة شعبها إلى سجن طيلة 54 عامًا.
يُمثل هذا الانتصار انتصارًا للإنسان الساعي إلى حياة كريمة وعدالة مستحقة، وتتويجًا لنضال استمر 13 عامًا وما قبلها من سنوات لم تحسب في عدّاد الثورة السورية. والآن، تبدأ مرحلة جديدة من الإصلاح وإعادة بناء الوطن.
أهم القطاعات التي يجب أن يركز عليها السوريون في عملية إعادة الإعمار هو قطاع الطاقة. فبدون الوقود أو الكهرباء، لن يكون بالإمكان إنعاش القطاعات الأخرى، أو توفير الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة للسوريين داخل وطنهم.
في هذا المقال، أستعرض مجموعة من الأسئلة التي شغلتني، والنتائج التي توصلت إليها من خلال بحثي حول موضوع الطاقة في سوريا.
أين يتمركز السوريون وما تأثير ذلك على احتياجاتهم للطاقة؟
يتوزع السوريون حاليًا في الأماكن التالية بحسب تقارير الأمم المتحدة:
10 مليون سوري ظلّوا في بيوتهم، ولم ينزحوا، ولكن عانوا من انقطاع الكهرباء ونقص الوقود والخدمات الأساسية.
6.5 مليون سوري نزحوا من منازلهم داخل سوريا، في مناطق متل داريا، ضواحي دمشق، حلب الشرقية، وسكان أحياء كاملة في حمص أخليت ودُمّرت تماماً.
3.5 مليون سوري في تركيا.
1.5 مليون سوري في ألمانيا.
2 مليون سوري في الأردن ولبنان.
مليون سوري موزعين في بلاد أخرى.
نصف مليون سوري لا يزالون مفقودين أو مغيبين.
لقد أسفر الدمار الذي شهدته سوريا خلال السنوات الثلاث عشرة الماضية عن تدمير 40% من البنية التحتية، مما أدى إلى محو أحياء كاملة في شرق حلب، وحي الخالدية في حمص، ومدينة حرستا في غوطة دمشق. وقد قدّرت الخسائر بحوالي 530 مليار دولار أميركي. وبحسب الدراسة التي أجراها الصليب الأحمر في عام 2023، يعيش 90% من هؤلاء تحت خط الفقر.
أهم ما يجب أن يركز عليه السوريون في عملية إعادة الإعمار هو قطاع الطاقة، فبدون الوقود أو الكهرباء، لن يكون بالإمكان إنعاش القطاعات الأخرى، أو توفير الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة للسوريين داخل وطنهم، في هذا التقرير نستعرض كامل خريطة الطاقة في سوريا، واحتمالات الحلول وكلفتها
ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة الثورة، عاد 115 ألف سوري إلى بلادهم خلال الأسابيع الثلاثة الأولى بعد سقوط النظام. وتشير أرقام الأمم المتحدة إلى أنه من المتوقع عودة مليون لاجئ سوري خلال الأشهر الستة المقبلة فقط، بالإضافة إلى عدد كبير من النازحين داخل سوريا الذين يسعون للعودة إلى مدنهم ومنازلهم التي أُجبروا على مغادرتها.
هذا خبر مفرح، ولكن للأسف، فإن عودة المهجّرين والنازحين سوف تفاقم الضغوط على أزمة الطاقة والموارد في سوريا. فمع عودتهم تزداد الحاجة لتلبية احتياجاتهم للطاقة بأشكالها، مما يزيد الضغط ويجعلها من أهم المشاكل التي يجب التعامل معها جديًا.
ما هي حالة الموارد الطبيعية في سوريا؟
النفط
الموارد الطبيعية للطاقة في سوريا تتكون من الزيت الخام (النفط) الذي يستخرج عن طريق آليات حفر الآبار، ويتم ضخه بواسطة مضخات ميكانيكية، ويعالج لإزالة الشوائب، ثم ينقل عبر خطوط الطاقة (الأنابيب) أو شاحنات إلى المصافي (مثل مصفاة حمص أو بانياس)، أو الموانئ للتصدير بواسطة سفن صهريجيه.
محافظة دير الزور تحتوي على 40% من هذا الاحتياطي، كونها تضم أكبر الحقول، مثل حقل العمر و حقل تنك، وتشير تقارير إعلامية حديثة، بأن الاحتياطي المؤكد من النفط الخام في سوريا قبل 2011 كان يقدر بنحو 2.5 مليار برميل، وهو الرقم الذي يجعل سوريا من الدول ذات الاحتياطيات المتوسطة في الشرق الأوسط. ومع هذا تجدر الإشارة إلى عدم وجود توجد تقديرات دقيقة محدثة بعد 2011، بسبب تراجع عمليات التنقيب والإنتاج نتيجة الحرب.
وبحسب دراسة عن الطاقة في سوريا نشرتها "Sciencedirect" في 2023، فالوضع الحالي ليس الأفضل لاستخراج النفط، بسبب العقوبات الاقتصادية، وقلة الاستثمار، والتقنيات القديمة، فضلًا عن أن جزءاً من الحقول تدمر بقعل القصف، متل حقل العمر.
فبينما كانت سوريا تنتج في 2010 حوالي 400 ألف برميل زيت، انخفض هذا الرقم في 2023 إلى 90 ألفاً بسبب العقوبات التي عرقلت قدرة النظام على الإصلاح، وبسبب التنازع في شمال شرق سوريا وفقدان السيطرة، وفوق كل هذا الزلزال الذي ضرب المنطقة في شباط/ فبراير 2023.
كان الاحتياطي المؤكد من النفط الخام في سوريا يقدّر قبل 2011 بنحو 2.5 مليار برميل، وهو الرقم الذي يجعلها من الدول ذات الاحتياطيات المتوسطة في الشرق الأوسط.
يشير تقرير مركز "ألما للدراسات الإسرائيلية الأمنية: بأنه خلال السنوات العشر الأخيرة، استوردت سوريا من إيران كميات تتراوح بين 50 و70 ألف برميل من النفط الخام يوميًا، وما يقارب 140 ألف برميل من العراق يوميًا، لكن هذه الأرقام محل شك نظرًا للعقوبات المفروضة على النظام السوري السابق، والتي تجعل هذه الكميات الكبيرة صعبة التحقيق.
الغاز الطبيعي
استخراج الغاز الطبيعي في سوريا يشبه إلى حد كبير استخراج النفط، حيث يعتمد على تقنيات حديثة وتقييم دقيق لحقول الغاز. ومع ذلك، فإن الغاز الطبيعي له متطلبات خاصة بسبب طبيعته. وحقول الغاز في سوريا تتمركز في محافظات دير الزور، وتدمر، وأيضًا في هضبة الجولان المحتل كما يشير تقرير الإكونومست.
وفي لقاء مع مجلة الإيكونوميست نشر في 2015، يقول يوڤال بارتوف، كبير الجيولوجيين في شركة أفك، إن شركته اكتشفت مكمن نفط "بإمكانات تصل إلى مليارات البراميل"، ما قد يكون حافزاً إسرائيليًا للبقاء على الأراضي السورية، ومحاولة أخذ المزيد منها.
إذا نظرنا إلى خريطة حقول الغاز والنفط في البحر المتوسط في "Global Energy Monitor"، سنجد أنه لا يوجد أي حقل بين سوريا ولبنان وقبرص، في حين تحتوي إسرائيل على حقلين "لفنتين" و"تمار"، وتعمل في نفس الوقت على تطوير 10 حقول. وحسب تقريرين يعودان لـ 2007 و2011 من "جيو أرابيا"، الممولة من أكبر شركات النفط عالميًا، فهنالك إحتمالية عالية لوجود مركبات هيدروكاربونية (المكونات الأساسية للبترول) في مياه الساحل السوري.
يُقدَّر بأن المنطقة تحتوي على ما يقارب من 1.7 مليار برميل من النفط، و122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، مما قد يمثل ثلث إجمالي الموارد الهيدروكربونية في الحوض.
وكما في حالة الزيت الخام، كانت سوريا خلال النظام السابق تستورد الغاز الطبيعي من الخارج في فترات متقطعة، فعلى الرغم من امتلاكها احتياطات غاز محلية، إلا أن الاعتماد على استيراد الغاز كان نتيجة لعوامل متعددة تتعلق بالإنتاج المحلي، الطلب المتزايد، والبنية التحتية.
قبل 2011، كانت سوريا تنتج حوالي 8.5 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، وكانت تستخدم معظم هذا الإنتاج محلياً في توليد الكهرباء وتشغيل المنشآت الصناعية. مع ذلك كانت سوريا تستورد الغاز المصري عن طريق خط الغاز العربي الذي يمر عبر الأردن.
بعد 2011 تراجع إنتاج الغاز بشكل كبير بسبب تضرر الحقول والبنية التحتية، وسيطرة أطراف متعددة على مناطق إنتاج الغاز، فاعتمدت سوريا على استيراد الغاز الإيراني والروسي عبر الصهاريج، وعن طريق الموانئ في حالة الغاز المسال.
وضع البنية التحتية للانتفاع من النفط والغاز
بالإضافة إلى الحقول ومنشآت معالجة الغاز والنفط الخام؛ تمتلك سوريا خطوط نفط تربط حقول مثل العمر ورميلان بمصفاة بانياس ومصفاة حمص. وخطوط غاز تنقل الغاز من الحقول في تدمر وحمص إلى محطات توليد الكهرباء. و أيضاً خط الغاز العربي الذي كان ينقل الغاز من مصر إلى الأردن وسوريا، لكنه توقف عن العمل في الجزء السوري.
المصافي النفطية، أو محطات التكرير، هي منشآت صناعية متخصصة في معالجة النفط الخام وتحويله إلى منتجات قابلة للاستخدام مثل الوقود، الزيوت، والمواد الكيميائية. وهدفها الأساسي هو فصل النفط الخام إلى مكوناته الأساسية ثم تحسينها لتلبية احتياجات السوق.
تبلغ الطاقة الإنتاجية اليومية لمصفاة بانياس حوالي (130,000 برميل)، بينما مصفاة حمص (100،000 برميل). ومع سقوط النظام تراجع إنتاج المصافي بشكل كبير لعدم وصول الوقود الإيراني والروسي، مما أدى إلى وضع حرج للغاية.
أما بالنسبة للموانئ البحرية، فهناك ميناء بانياس واللاذقية وطرطوس، التي تُستخدم لتصدير واستيراد النفط والغاز. وفقًا لتقرير نشره معهد كارنيغي، فقد وقّع نظام الأسد مع الشركة الروسية (ستروي ترانس غاز) اتفاقية لإدارة وصيانة ميناء طرطوس لمدة 49 عامًا، وفي 2017 وقع مع الشركة الروسية (جلوجيستيك) لصيانة واستخراج الفوسفات في البادية السورية، وصناعة الأسمدة، مع إعطاء سوريا 30% من الأرباح. إلا أن الحكومة السورية الحالية ألغت هذه الاتفاقيات.
لكن ما وضع خطوط إمداد الطاقة، وما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه سياسيًا؟
خط الغاز العربي
دخل خط الغاز العربي في الخدمة في عام 2003 لمد مصر، الأردن، سوريا، ولبنان بالغاز الطبيعي. واكتمل بناء الخط وتم توصيله بين الأردن ومدينة حمص السورية، لكنه لم يصل إلى لبنان. وحاليًا، تضخ مصر وإسرائيل الغاز عبر هذا الخط فقط لتلبية احتياجات الأردن، مع غياب أي تبادل بين سوريا والأردن منذ 2012.
ولا زالت الفرصة لإعادة تأهيل خط الغاز العربي وتوسيعه ليشمل حقول الغاز في شمال شرق سوريا، وربطه بتركيا ولبنان. ومثل هذا المشروع سيعود بالفائدة على جميع الأطراف، مما يتيح تنوعًا في مصادر الطاقة ويعزز التعاون الإقليمي.
خطوط الغاز التركية
تمتلك تركيا 7 خطوط أنابيب غاز طبيعي، منها خط الغاز الطبيعي العابر للأناضول (تاناب) الذي يربط أذربيجان بأوروبا، إضافة إلى 5 موانئ لاستقبال الغاز المسال، و5 منشآت للتخزين، مما يعكس طموحاتها لتوسيع دورها كمركز طاقة إقليمي. من بين هذه الطموحات، تطمح تركيا للاتصال بخط الغاز العربي لتعزيز تدفق الغاز إلى أوروبا.
بالنسبة لخط الغاز الذي كان يهدف لربط قطر بتركيا ويمر في الأراضي السورية، والذي رفضه النظام السابق بسبب الضغوط الروسية، تشير التقارير إلى أن احتمالية تنفيذه باتت ضئيلة، نظرًا لعدم الاستقرار في المنطقة، واعتماد أوروبا المتزايد على الغاز المسال، بالإضافة إلى توقع انخفاض استهلاك القارة للغاز بحلول عام 2030
أما بالنسبة لخط الغاز الذي كان يهدف لربط قطر بتركيا، ويبلغ طوله 1500 كيلومتراً وتفوق تكلفته تفوق الـ10 مليار دولار أمريكي، فقد بدأ الحديث عنه في عام 2008، وتم عرضه على بشار لكنه قوبل بالرفض بسبب ضغوط روسية كما يرجح الخبراء.
إلا أن بعض التقارير تشير إلى أن احتمالية تنفيذ هذا الخط ضئيلة نظرًا لعدم الاستقرار في المنطقة، واعتماد أوروبا المتزايد على الغاز المسال الذي يتم نقله عبر السفن، من المحتمل أن يكون جزء كبير من الغاز القطري قد تم تخصيصه للتصدير كغاز مسال لعقود قادمة، بالإضافة إلى توقع انخفاض استهلاك أوروبا للغاز بحلول عام 2030.
مع ذلك، وبحسب تصريح صادر عن وزير الطاقة التركي، ألب أرسلان بيرقدار، فقد أعرب عن اهتمام تركيا بإعادة فتح ملف هذا الخط بين قطر وتركيا. ودعم البلدين لسوريا في الوقت الحالي يظهر أن هناك اهتمامًا بتفعيل هذا المشروع. مع العلم أن هذين المشروعين السابقين قد يؤديان إلى منافسة مباشرة مع خط الغاز (إيست ميد) الذي يخطط لربط الغاز الإسرائيليلي بقبرص بأوروبا.
خطوط النفط
لم يعد خط كركوك–بانياس، فعالاً منذ الثمانينيات، بسبب الحروب والعقوبات والمشاكل الأمنية، لكنه عاد إلى دائرة الاهتمام بعد سقوط نظام بشار الأسد. حيث ظهرت دعوات لإعادة بناء هذا الخط، خاصة من الخبراء العراقيين، الذين يرون فيه فرصة استراتيجية لتعزيز تصدير النفط العراقي إلى أوروبا عبر البحر المتوسط.
ويمثل هذا المشروع جزءًا من جهود العراق لتوسيع منافذ تصدير النفط، والتقليل من الاعتماد على موانئ تركيا، مثل ميناء جيهان، مع السعي للوصول المباشر إلى الأسواق الأوروبية. فإعادة تأهيل الخط قد تساهم في تنويع مسارات تصدير النفط وتقليل الاعتماد على البنية التحتية الحالية في تركيا.
ورغم الاهتمام المتزايد، يواجه مشروع إعادة بناء خط كركوك–بانياس تحديات كبيرة، تشمل تدهور البنية التحتية، نقص التمويل، وعدم استقرار الأوضاع السياسية. لكن في حال تنفيذه، سيشكل خطوة استراتيجية للعراق لتوسيع أسواق تصديره النفطية، بالإضافة إلى تقديم دعم اقتصادي مهم لسوريا.
حالة الشبكة الكهربائية؟
تمتلك سوريا عدة محطات لتوليد الطاقة الكهربائية، تعتمد بـ 40% على الغاز الطبيعي، و60% على الوقود. مثل محطة تشرين في ريف دمشق (100 ميغاواط)، محطة ريف حمص (1000 ميغاواط)، محطة بانياس (680 ميغاواط). بينما تعتمد بعض المحطات على الطاقة الكهرومائية مثل محطة سد الفرات.
في سنة 2010 كان استهلاك الشخص في سوريا يعادل 1960 كيلوواط ساعة، لكنه انخفض إلى 761 كيلو واط ساعة في سنة 2020. وقبل 2011 كانت سوريا تستورد وتصدر كهرباء للأردن، ولكن هذا الأمر انقطع تمامًا بسبب العقوبات، وأصبح الاستيراد والتصدير مقتصران على إيران و لبنان. مع العلم أن سوريا مرتبطة بجميع جيرانها بخطوط 400 و230 كيلو فولت، وخطوط شركة "أي كي إينرجي" التركية التي تزود مناطق المعارضة الشمالية.
في الوقت الحالي، تزود تركيا سوريا بالكهرباء عبر خطوط التمديد، وعبر المحطات الكهربائية العائمة والمعروفة باسم "السفن الكهربائية"، وبحسب تقريرالمؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء السورية، فعلى مدى السنوات الخمس الماضية، واصلت تركيا دعم المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة في شمال سوريا من خلال توفير الكهرباء كما جاء في تقرير لصحيفة الشرق الأوسط.
وكما هو الحال في جميع منشآت البنية التحتية، تسببت السنوات الأخيرة بدمار هائل للمحطات والخطوط الكهربائية استهدفت. وأدى قطع الإمدادات إلى الانقطاع المتكرر للكهرباء، وزيادة الضغط على المنشآت التي لا زالت في الخدمة، والتي تعاني بدورها من نقص الصيانة وتراجع الاستثمار. وبحسب تقارير إعلامية حديثة، فقد تدمرت 50% من الشبكة السورية. وتوقفت مشاريع لبناء محطات كهرباء جديدة من قبل شركات روسية.
ما هي الحلول قصيرة الأمد؟
نظراً لأن سوريا اعتمدت بشكل كبير على إيران وروسيا في تلبية احتياجاتها من الطاقة المحلية خلال حكم الأسد، فهي تحتاج اليوم إلى دعم كبير لأجل النهوض، الخطوات التي تمثل بداية هذا الطريق، والتي على حكومة سوريا الجديدة السعي لها: هي أولاً رفع العقوبات بشكل كامل لتمكين البدء في أعمال الصيانة، وإصلاح البنية التحتية، والحقول، وثانياً إصلاح الطرق البرية الأساسية، والموانئ لضمان سلامة الشحنات من الوقود، وسلامة السفن الكهربائية. مثل السفينة القطرية والسفينة التركية اللتين سترسوان في ميناءي طرطوس واللاذقية، ويفترض أن تمدّا سوريا بـ 800 ميغاواط.
كذلك ستساهم العلاقات الدبلوماسية القوية في ضمان دخول الوقود والكهرباء، والاستثمارات في البنية التحتية للنفط الغاز والكهرباء. مع العلم أن سوريا يمكنها أن تكون صلة وصل للبلاد المجاورة بتمديدات خطوط الغاز وخطوط الكهرباء وأن تستفيد وتفيد نتيجة موقعها الاستراتيجي. كما يعد تأمين الوقود لمحطات الكهرباء، خطوة كبيرة وأساسية، وذلك سيتم غالباً عن طريق شحنات من البحر المتوسط، ومن تركيا وقطر والعراق، ومن الوارد من السعودية. فحسب مقال نشر في موقع ألما للبحوث الإسرائيلية وموقع العربي الجديد في كانون الأول/ ديسمبر 2024، فقد أعربت كل من تركيا والسعودية وقطر، عن رغبتهم في دعم سوريا بالنفط الخام والوقود، وعن الرغبة في مساعدتها في ترميم البنية التحتية للغاز والنفط.
الاستقرار السياسي كشرط لأمن الطاقة
في ذات الوقت يبدو التركيز على الجانب الاقتصادي دون الأمنى تبسيطاً للحل السوري لاستراجاع أمن الطاقة، فتأمين الحدود مع العراق لتأمين شحنات الوقود القادمة عبر البر. والعمل على بنية الطاقة التحتية كالحقول، وخطوط الطاقة، والمصافي، والمخازن، وغيرها. بهدف إسترجاع القدرة على استخراج 400 الف برميل من الآبار في سوريا. وإصلاح الشبكة الكهربائية ومكوناتها مثل مولدات الكهرباء، شبكة النقل، شبكة التوزيع، نظم التحكم والمراقبة وغيرها، كل هذا لن يتم بدون أن تتفق الفصائل على حمايته كمنجز سوري بعد سقوط النظام.
وفي مقال منشور على موقع Oil & Gas IQ يناقش كيف يمكن أن تستفيد شركات النفط والغاز الغربية من العمليات العسكرية في سوريا. مع الإشارة إلى أن التدخل العسكري قد يهدف إلى حماية احتياطيات النفط والغاز في البحر الأبيض المتوسط، مما قد يعود بالفائدة على هذه الشركات.
أما قانونياً، ستكون هناك حاجة لتشريع محلي لإعداد إطار قانوني وتنظيمي لجذب الشركات العالمية لاكتشاف النفط والغاز الذي يمكن أن يكون متواجدًا في البحر المتوسط قبالة السواحل السورية، وفي شمال شرق سوريا. حيث يمكن لسوريا بناء نموذج مشابه لنموذجي مصر وقبرص، من خلال التعاون الدولي واستخدام التكنولوجيا المتقدمة.
معظم البنية التحتية العاملة على تكرير واستخراج وتوزيع الطاقة في سوريا قد تم تدميرها خلال الـ13 سنة الماضية، وما لم يتم تدميره توقف عن العمل بسبب نقص الصيانة بفعل العقوبات.
حتى يتمكن الشعب السوري من تعزيز معرفته بقضايا الطاقة في بلده، وأنظمة الطاقة في الدول الأخرى. يتطلب ذلك فهم الإمكانيات المتاحة، وتحديد نقاط القوة والمزايا التنافسية في سوريا، واستثمارها بفعالية.
فعاجلًا أم آجلًا، ستصبح سوريا جزءًا من نظام طاقة متكامل مع دول الجوار، يشبه نظام الربط الكهربائي في أوروبا. والذي يمثل أهمية كبرى لإسهامه في تحقيق توازن الحمل الكهربائي في أوقات الذروة، وقدرته على تحسين كفاءة الاستهلاك والطلب. علاوة على ذلك، فإن ربط البلاد بشبكات وخطوط الطاقة سيؤدي إلى خفض تكاليف النقل، تعزيز أمن الطاقة، ودعم نمو الصناعات المحلية، مما يساهم في دفع عجلة التنمية الاقتصادية وتحقيق استقرار طاقي طويل الأمد لسوريا و جيرانها.
كيف يمكن للطاقة المتجددة أن تجعل سوريا حرة بالفعل؟
المقصود بالطاقة المتجددة هنا هي الكهرباء المستمدة من مصادر طبيعية مستدامة لا تنفد مع الاستهلاك، مثل الشمس والرياح والطاقة الكهرومائية. يمكن لأي شخص أو وجهة لديها الإمكانية المادية والمعرفة اللازمة التركيب والاستفادة من الألواح الشمسية أو مزارع الرياح. الطاقة المتجددة يمكن أن تكون مصدر طاقة ديمقراطيًا للجميع، لأنها توفر إمكانيات متساوية للحصول على الطاقة بشكل لامركزي ومستدام، وتقلل من اعتماد سوريا على بلاد أو شركات أخرى تمتلك الغاز والنفط و تحتكره.
وجد في سوريا نوعان من الطاقة المتجددة، الأول هو الطاقة الكهرومائية التي تعتمد على تدفق المياه لتوليد الكهرباء. يتم توليد الطاقة الكهرومائية من عدد من السدود الرئيسية التي بُنيت على الأنهار، وأبرزها سد الفرات وسد تشرين على نهر الفرات.
في عام 2022، بلغت القدرة الإنتاجية للطاقة الكهرومائية 4% من إجمالي إنتاج الكهرباء في سوريا. هذا مع العلم أنه خلال السنوات العشر الأخيرة، تأثرت هذه المحطات بشكل كبير بسبب الصراع، مما أدى إلى انخفاض كفاءة التوربينات ونظم التشغيل نتيجة نقص الصيانة.
أرى أن هناك فرصة كبيرة لسوريا للتعاون مع الدول الرائدة في هذا المجال، مثل النرويج أو كندا أو تركيا، للعمل على مشاريع إصلاح واستبدال المحطات القائمة.
النوع الآخر هو الطاقة الشمسية، لكنها ليست على مستوى كافٍ لتغذية مدن أو قرى بأكملها، حيث تُستخدم فقط بأحجام صغيرة مركبة على أسطح المنازل والمصانع (أقل من 10 كيلوواط)، وهناك محطة شمسية بسعة كبيرة (42 ميغاواط) في منطقة شيخ نجار في حلب، ومحطة أخرى بسعة 10 ميغاواط في منطقة عدرا في دمشق.
تمتلك سوريا مواقع مميزة تتمتع بإمكانات عالية لتوليد الطاقة الشمسية، حيث يمكن أن يصل الإنتاج الفوتوفولطي المحدد إلى 5.3 كيلوواط ساعة لكل كيلوواط ذروة، مثل مناطق يبرود والنبك والمناطق الصحراوية جنوب شرق سوريا. أما عن الرياح، فهناك إمكانيات كبيرة لتطوير مزارع الرياح، حيث أن بعض المناطق في حمص مناسبة لإنتاج طاقة رياح بسرعة تصل لـ 8 متر\ثانية وبطريقة مستمرة.
لغرض المقارنة، يتراوح متوسط إنتاج الطاقة الشمسية في ألمانيا بين 2.5 إلى 3.5 كيلواط ساعة لكل كيلواط ذروة يوميًا، متوسط سرعة الرياح يتراوح بين 4 إلى 6 متر\ثانية. بينما تبني إسرائيل أكبر محطة طاقة رياح (207 ميجاواط) على أراضي الجولان المحتل التي سوف تغذي 17% من احتياجاتها للطاقة المتجددة.
الطاقة المتجددة في البلاد المجاورة
يهدف هذا الجزء من التقرير إلى مقارنة القدرة الإنتاجية للطاقة، حيث تتمتع الدول المجاورة بظروف جغرافية متشابهة، مما ينعكس على إمكاناتها في إنتاج الطاقة. ومع ذلك، من المهم الإشارة إلى أن هذه الدول لم تواجه ظروف الحرب التي مرت بها سوريا، وهو عامل أساسي يؤثر على القدرات والإمكانيات المتاحة.
إذا نظرنا إلى الأردن، على مدار الـ 15 عامًا الماضية، فقد تمكن من رفع نسبة الكهرباء المولدة من الشمس والرياح من 0% إلى 30%. هذا الإنجاز أدى إلى تحقيق فائض في إنتاج الكهرباء في بعض الأوقات، مما ساهم في تعزيز استقلالية الأردن عن الدول الأخرى.
ومهّد هذا الأمر الطريق لدخول السيارات الكهربائية إلى السوق الأردني، حيث أصبحت حوالي 45% من السيارات الحكومية تعمل على الكهرباء. ومن خلال هذا التحول، بالإضافة إلى تقديم دورات تعليمية وتدريبية، تم توعية الشعب الأردني بأهمية وفوائد الشحن الذكي. يعتمد هذا النوع من الشحن على استغلال الفترات التي تكون فيها تكلفة الكيلوواط منخفضة. فعلى سبيل المثال، أصبح مالك السيارة الكهربائية في الأردن يشحن سيارته خلال الليل لتوفير التكاليف، ولتحقيق استخدام أكثر كفاءة للشبكة الكهربائية الوطنية. وبوجود الذكاء الاصطناعي و تطوره سوف تتطور تقنيات الشحن الذكي وتصبح أكثر فعالية.
وإذا نظرنا إلى قطاع الطاقة المتجددة في تركيا سنشهد تطورًا ملحوظًا خلال العقدين الأخيرين، فتركيا بدأت في استثمار الطاقة المتجددة بشكل كبير لتقليل اعتمادها على الطاقة المستوردة، وتعزيز استدامة الاقتصاد الوطني. إذ تجاوزت القدرة المركبة للطاقة الشمسية في البلاد 17%، وطاقة الرياح 11%، وللطاقة الكهرومائية 28%. مما خفض اعتماد البلاد على المحروقات لـ 19% فحم، و21% غاز طبيعي.
التطور السابق جعل تركيا واحدة من الدول الرائدة في استخدام مصادر الطاقة المتجددة في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا وحسن الأمن الطاقي، وخلق فرص عمل جديدة، وساعد في تحسين جودة الهواء وخفض تكاليف الطاقة على الأفراد. وقد صرّح وزير الطاقة التركي عن استعداد بلاده لدعم سوريا في بداية مشوارها نحو الطاقة المتجددة.
تمتلك سوريا مواقع مميزة تتمتع بإمكانات عالية لتوليد الطاقة الشمسية، مثل مناطق يبرود والنبك والمناطق الصحراوية جنوب شرق سوريا. أما عن الرياح، فهناك إمكانيات كبيرة لتطوير مزارع الرياح، حيث أن بعض المناطق في حمص مناسبة لإنتاج طاقة رياح بسرعة تصل لـ 8 متر\ثانية وبطريقة مستمرة
في عام 2022، أنتجت سوريا 20,000 جيجاواط ساعة من الطاقة. فإذا قامت سوريا بتركيب 3 جيجاواط من طاقة الرياح، و6 جيجاواط من الطاقة الشمسية، فإنها ستتمكن من إنتاج 25,000 جيجاواط ساعة سنويًا. ويتراوح الإنفاق الرأسمالي لتنفيذ هذا المشروع بين 7 و8 مليارات يورو، وبالإضافة إلى ذلك، ستحتاج سوريا إلى صيانة وتعديل الشبكة الكهربائية، فضلاً عن إضافة خطوط كهربائية لضمان قدرة الشبكة على التعامل مع تقلبات الإنتاج من الطاقة الشمسية والرياح. هذه الإصلاحات والتعديلات قد تصل تكلفتها إلى 5 مليارات يورو أخرى.
من الأمثلة البارزة على تعديلات الشبكات الكهربائية لتصبح مهيأة لاستقبال الطاقة المتجددة هو مشروع "الممر الأخضر" في الأردن، والذي نفذ في العام 2017، حيث تعاونت شركات ألمانية وبلجيكية لمد خطوط نقل الكهرباء، مما أتاح نقل الطاقة الشمسية المولدة في جنوب الأردن، الذي يتمتع بإمكانات شمسية كبيرة، إلى شمال الأردن حيث تتركز الكثافة السكانية.
إذا بدأنا العمل على هذا المشروع في عام 2025، فقد يكون جاهزًا ومد سوريا بالطاقة بحلول عام 2030. سنحتاج إلى استيراد الماكينات من الخارج في البداية، ولكن بعد ذلك يمكن أن نصبح مستقلين دون الحاجة إلى أي دعم خارجي. يكمن التحدي الأكبر في تأهيل وتدريب الشباب والشابات السوريين، وهو أمر أصبح أكثر سهولة في عصرنا الحالي بفضل الإنترنت وتقنيات الذكاء الاصطناعي. هذا بالإضافة إلى أن السوريين، بحكم الضرورة، أصبحوا على معرفة جيدة بتركيب وتشغيل الألواح الشمسية، بسبب الانقطاع المستمر للكهرباء واعتمادهم على الألواح الشمسية الصغيرة لتلبية احتياجاتهم اليومية. واليوم، تمتلك سوريا الآن فرصة ذهبية للشروع في بناء محطات الطاقة الشمسية ومحطات طاقة الرياح وإصلاح سدودها على نهر الفرات.
رغم التأخر الكبير مقارنة بالدول المجاورة والخليج وأوروبا بسبب الحرب والديكتاتورية القمعية، إلا أن هذا التأخر قد يكون ميزة لصالحنا. ففي السنوات العشر الأخيرة، شهدت أسعار المعدات والتقنيات المستخدمة في هذا المجال انخفاضًا كبيرًا، مما يجعل الاستثمار في هذه المشاريع أكثر جدوى من الناحية الاقتصادية. هذه اللحظة تمثل فرصة استثنائية للانطلاق نحو مستقبل مستدام ومستقل بدون احتكارات من شركات أو بلدان أخرى.
نحن، كسوريات وسوريين، خاصةً المقيمين خارج سوريا، تقع على عاتقنا مسؤولية خلق المساحات المناسبة وتوفير المؤهلات اللازمة لإعادة إعمار هذا البلد. ونمتلك اليوم خبرات ثمينة اكتسبناها خلال 13 عامًا من التهجير القسري والتحديات المرتبطة ببناء حياة جديدة في أماكن مختلفة مليئة بالصعوبات. فسوريا تواجه دمارًا واسعًا وتحتاج إلى إصلاحات كبيرة، لكنها أيضًا فرصة لبداية جديدة نصنعها مع شباب وشابات هذا البلد، الذين يشكلون 65% من السكان. هؤلاء الشباب لديهم الطاقة على التعلم واكتساب المهارات والخبرات اللازمة لبناء المستقبل، وهم متعطشون للعمل والإنتاج، ويتطلعون للعودة إلى التواصل مع العالم الخارجي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Toge Mahran -
منذ يوميناكتر مقال حبيته وأثر فيا جدا♥️
Tayma Shrit -
منذ يومينكوميديا سوداء تليق بمكانة ذاك المجرم، شكرا على هذا الخيال!
Europe in Arabic-Tarek Saad أوروبا بالعربي -
منذ 4 أيامالمقال بيلقى الضوء على ظاهرة موجوده فعلا فى مصر ولكن اختلط الامر عليك فى تعريف الفرق بين...
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياماحمد الفخرناني من الناس المحترمة و اللي بتفهم و للاسف عرفته متاخر بسبب تضييق الدولة علي اي حد بيفهم
Europe in Arabic-Tarek Saad أوروبا بالعربي -
منذ 5 أياممقال رائع..
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعالحبة الحمراء أيديولوجية يقتنع بها بعض من النساء والرجال على حد السواء، وبرافو على هذا الشرح الجميل