شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"أخيراً أستطيع الكلام عن أخي"... عمّا فعله النظام الساقط بأطباء سوريا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحقوق الأساسية

الاثنين 10 فبراير 202512:28 م

بينما ينبغي أن تُعامَل مهن مثل الطب والتمريض، على نحوٍ أكثر تقديراً في أوقات الأزمات والحروب، لما يبذله ممتهنوها من أدوار في حماية الأرواح وحقن الدماء وتخفيف الآلام، يصل الأمر ببعض أنظمة الحكم الشموليّ، الذي يحاول الإمساك بكل مظاهر الحياة وإجبار الناس على السير خلفه- إلى تجريمها والمعاقبة عليها.

يمكن عدّ نظام الأسد في سوريا، أحد أبرز الأمثلة على ذلك، حيث تفنّن على مدى أزيد من خمسة عقود في تعذيب الأطباء وطلاب الطب السوريين واعتقالهم وقتلهم.

اشتدّت هذه الجرائم مع اندلاع الثورة السورية التي استحالت حرباً أهليةً دامت حتى انهيار حكم بشار الأسد، في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024، حيث أفادت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في تقرير نُشر في حزيران/ يونيو 2014، بأنه مع دخول الثورة السورية عامها الرابع، لم يتوقّف نظام الأسد عن "استهداف الكوادر الطبية بالقتل المباشر أو التعذيب حتى الموت في السجون والاعتقال والخطف والتضييق، بتهمة تقديمهم الخدمات الطبية لأشخاص أو جهات تعارض الحكومة السورية". ووثّق التقرير مقتل 18 طبيباً، على أيدي قوات النظام، مقابل مقتل طبيبَين آخرين أحدهما برصاص تنظيم داعش، والآخر برصاص المعارضة المسلّحة، وذلك خلال شهر أيار/ مايو 2014 فقط.

في هذا التقرير، يروي عدد من الناجين وشهود العيان، لرصيف22، حكايات مريرةً عن جرائم نظام الأسد، بحق المنتسبين إلى مهنة الطب، والتي نوثّقها كي لا تضيع.

اعتقال المريض وملاحقة الطبيب

يروي الدكتور محمد أمجد الشايب (62 عاماً)، من إدلب، وهو أخصائي في الجراحة العامة يعمل حالياً في السعودية، لرصيف22، ما حدث معه خلال مظاهرات داريا، مطلع عام 2012، حين أسعف متظاهرون شابّاً من بيت الدباس "مصاباً بطلق ناري في الصدر"، إلى مستشفى داريا الوطني حيث كان يعمل آنذاك.

"طووا جسدي على كرسيّ حديدي إلى عكس الوضعية التي كنت عليها في الدولاب، حتى أصبح قفا رأسي يلامس مقدمة قدمَيّ، وسمعت طقطقة فقرات ظهري تفرقع كالحصى في أذنَيّ"... ناجون وشهود عيان يروون لرصيف22، حكايات مريرة عن جرائم نظام الأسد في حق المنتسبين إلى مهنة الطب

يقول الشايب، إنّه أدخل المصاب غرفة عمليات في قسم الإسعاف، لإجراء "تفجير صدر"، وهو إجراء طبي يتضمّن إدخال أنبوب نزح بين الضلوع إلى داخل الرئة بغرض تصريف السوائل أو الدم أو الهواء المتراكم حول الرئة، لإنقاذ حياته إلى حين استكمال الإجراءات الجراحية الضرورية.

في الوقت نفسه، كان رئيس مفرزة الأمن العسكري، يجول في داريا برفقة سيارة عليها رشاش "بي كي سي"، وقد دخل المسؤول العسكري إلى غرفة العمليات وحاول أخذ المريض بالقوة إلى مشفى 601 سيئ الصيت قبل أن يعارضه الدكتور الشايب، انطلاقاً من مسؤوليته المهنية والإنسانية تجاه المريض.

يقول الشايب، إنّ رئيس مفرزة الأمن العسكري، "كال لي الشتائم والتهديدات، فخرجت غاضباً من الغرفة بعد إنهاء عملي. علمتُ لاحقاً أنهم أخذوا المريض إلى 601، بعد إجراء العملية الجراحية في مشفى داريا".

يُعرف مشفى 601، أيضاً، بـ"مستشفى يوسف العظمة العسكري"، أو "مشفى المزّة العسكري"، وهو مشفى تابع لوزارة الدفاع السورية يقع في المزّة جنوبي غرب العاصمة دمشق. وقد ارتبط المشفى منذ بداية الثورة السورية، وتحديداً تحت إدارة العميد غسان حداد، بجرائم فظيعة بحق معارضي النظام، ووثِّق استخدامه كمكان للتعذيب والقتل. وأكد تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، بعنوان "لو تكلّم الموتى… الوفيات الجماعية والتعذيب في المعتقلات السورية"، أنّ المئات من صور قيصر التُقطت في مشفى 601 العسكري.

كانت زوجة المصاب تبكي بحرقة عند الباب، وتريد الدخول، لكن الطبيب الشايب، منعها خوفاً عليها. يقول: "طلبت منها الصمت، كي لا يعلم الأمن أنها زوجته فيعتقلوها هي أيضاً، خاصةً أنّ الشاب كان صهر الشهيد غيّاث مطر، المعروف بـ'أيقونة المعارضة السلمية في داريا'، أي أنّ تلك المرأة التي تبكي هي شقيقة غياث... كانت منكسرةً ولبّت طلبي".

واشتُهر غياث مطر (1986-2011)، أيضاً، بلقب "غاندي الصغير"، بسبب أسلوبه السلمي في الاحتجاج، إذ كان يقدّم الماء والورود لعناصر أمن النظام للتأكيد على سلمية الثورة، وقد اعتُقل في 6 أيلول/ سبتمبر 2011، وتعرّض للتعذيب حتى الموت بعد أربعة أيام.

إلى ذلك، بقي رئيس المفرزة، يهدّد الشايب، "عَ الطالع والنازل"، بأنه لم ينسَ ما حدث لصديقه الملازم في الأمن العسكري، الذي كان قد أُسعف إلى مشفى داريا لكنه وصل متوفياً إثر طلقات نارية اخترقت جسده في يومٍ سابق. يتابع الطبيب السوري: "حاولت بالتعاون مع كادر الأطباء المقيمين والتمريض الموجودين حينها، إنعاشه بكل جهدنا، لأكثر من نصف ساعة، لكن دون جدوى، حتى وصلنا مصاب آخر، ولم يتقبّل رئيس المفرزة ذاك قرارنا، وأمر بأن نرسله إلى المشفى العسكري تحت تهديد السلاح، فما كان أمامنا من خيار آخر، وهناك أُعلنت وفاته، وقيل لصاحبنا إنه وصل متوفياً، فظنّ أنّه مات بعد خروجه من مشفى داريا، واتهمنا بقتله دون أن يستطيع إثبات ذلك، وبقي حاقداً عليّ منذ تلك الحادثة".

طبيب راحل... ومعاناة مستمرة لأهله

نجا الشايب، بعد تهديدات عديدة، وتمكّن من مغادرة البلاد. لكنّ غيره من الأطباء، وحتى طلاب الطب، لم تسنح لهم فرصة "رفاهية التهديد"، إن صح التعبير، إذ اعتُقلوا و/ أو قُتلوا، ولم يتسنَّ لذويهم معرفة أي خبر عنهم.

يحكي سليم أصلان (30 عاماً)، وهو طبيب في اختصاص الجراحة العصبية من حلب، ويعمل في المشفى الجامعي فيها، لرصيف22، عن الشعور بالعجز والسكوت لسنوات: "هذه هي المرة الأولى التي أستطيع فيها الكلام عن أخي باسل، لكل العالم يلي كانت تقلّي أخوك باسل وينو وشو عم يتشتغل وكنت أقلّن بتركيا، ولكل حدا كذّبت عليه، ولأول مرة بتنزل الدمعة من عيني بعد 13 عاماً".

لم تنتهِ معاناة العائلة عند مقتل نجلها، بل استمرت معاناتها حتى إسقاط النظام.

ويتابع سليم: "أخي باسل أصلان، طالب طبّ بشري في جامعة حلب، ومن الدفعة رقم 43، كان في السنة الثالثة، وقد بدأ بإسعاف المتظاهرين في 2012… ما حدا كان حامل سلاح بحلب هاي الفترة. اعتقلته المخابرات الجوية قبل أيام من امتحان الشهادة الثانوية الذي كنت أُحضّر له".

بعد شهر من البحث عن أخيه بين الأفرع الأمنية، تلقّى أهل باسل، اتصالاً من "الطبابة" لإكمال إجراءات "الدفن". يكمل سليم بأسى: "بتعرفوا شلون طريقة القتل كانت؟ الحرق مع الرصاص... والتهمة كانت إسعاف متظاهرين. أعطونا أخوي ورفقاته التلاتة لونهم أسود… متفحمين. تعرّفنا على أخي من فكّه السفلي الحاد، ثم دفنّاه وكتبنا على قبره 'الطبيب الراحل باسل أصلان'، كما أوصانا قبل استشهاده".

لم تنتهِ معاناة العائلة عند مقتل نجلها، بل استمرت معاناتها حتى إسقاط النظام. يقول سليم، إنّ والده حاول استصدار جواز سفر، لكنه فشل في ذلك وقيل له: "عليك منع سفر"، فضلاً عن أنه طُرد من وظيفته الحكومية بسبب "مواقف أبنائه"، حيث أنّ الأخ التوأم لباسل اعتُقل هو الآخر من المنزل بعد فترة قصيرة من مقتل باسل. يضيف سليم: "دفعنا اللي فوقنا واللي تحتنا لحتى نعرف وين هوي، كلو ياخد مصاري ويكذّب علينا". خرج الشقيق المعتقل بعد 68 يوماً من الاعتقال: "رجع أقلّ من 40 كيلو... جلد على عضم".

ويردف سليم، أنهم عاشوا "القهر والتفتيش كل مرة، واعتقال لإخوتي… حتى أنهم رفضوا أن يعطونا الشهادات الجامعية التي تخوّلنا العمل في الخارج برغم تخرّجنا، ودُمّر بيتنا بقصف من الطيران، ولكن الحمد لله نحنا ولا شي قدام باقي الناس".

قصة عائلة سليم، ودفعها مبالغ باهظةً مقابل معلومة واحدة عن نجلها الطبيب المعتقل، شهادة أخرى على استغلال النظام الساقط السجون والمعتقلات كوسيلة للانتفاع وجني الأموال، متغذّياً على خوف الناس على أبنائهم المعتقلين، وتوقهم إلى سماع خبر واحد عنهم. وقد قدّرت رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، أنّ ذوي المعتقلين دفعوا ما يقارب المليار دولار أمريكي، لقاء خبر أو معلومة أو زيارة أو وعد بإطلاق سراح أبنائهم، وذلك بعد مئات المقابلات مع أهالي المعتقلين.

الجرائم تتكشّف تباعاً

ومنذ انهيار النظام، تشجّع الكثير من الأطباء ضحايا ملاحقة النظام وتنكيله وذووهم، على رفع الصوت والجهر بما تعرّضوا له على مدار عقود. وفي مقدمة هؤلاء الدكتور منير شحود، الطبيب وأستاذ مادة التشريح ورئيس القسم في كلية الطب البشري في جامعة تشرين سابقاً، والذي اضطر إلى العمل في الزراعة وتربية الحيوانات لكسب قوته بعد منعه من العمل في المدارس الحكومية، عام 2006، ولاحقاً في الجامعات الخاصة عام 2010، لأسباب أمنية.

الإكراه على مخالفة مبادئ وأخلاقيات مهنتهم، كان أمراً أُجبر الأطباء على فعله بشكل متكرّر. تقول رولا (35 عاماً)، اسم مستعار لطبيبة متخصصة في طب الأطفال وحديثي الولادة، فضّلت عدم الكشف عن هويتها، لرصيف22: "أتذكّر حين كنت في فترة التدريب على الاختصاص، وكنت أناوب وحدي في قسم يضمّ نحو ثلاثين طفلاً مريضاً بين الحواضن والغرف بسبب قلّة الأطباء، وذلك في مشفى القطيفة الوطني، ليأتيني اتصال في منتصف الليل، بأنني يجب أن 'أُشرف' على إعطاء حقنة ديكسون (من مشتقات الكورتيزون تُعطى في حالات التحسّس، ولا تحتاج إلى مراقبة طبية عادةً)، لحفيد لواء، مع أفضل ممرضة في القسم وسيارة إسعاف، وأن نترك القسم خالياً من الأطباء، وذلك بعلم مدير المشفى ورئيس الأطباء، تاركين وراءنا العمليات القيصرية الإسعافية دون طبيب أطفال".

وذلك علماً بأنه لا يجوز إجراء أي ولادة دون وجود طبيب/ ة أطفال، لأنّ تلك الدقائق الخمس التي تلي الولادة مهمة لحياة الطفل، وإن لم تتوفّر له العناية الطبية التي لن يستطيع تقديمها ممرض/ ة أو طبيب/ ة التوليد، فستترك عليه تبعات صحيةً قد تلازمه طوال حياته.

حتّى قبل الثورة، تعرّض الأطباء وطلاب الطب لانتهاكات مروّعة. يحكي محمد سالم عتّال (64 عاماً)، وهو طبيب تخدير من حماة، قصّة اعتقاله حين كان طالباً في السنة الخامسة في كلية الطب البشري في جامعة دمشق عام 1984. يقول لرصيف22: "عند بوابة كلية الطب، اعتقلتني سيارة 'بيجو بوكس'، يقودها سائق ومعه عنصران في المقعد الخلفي. أجلساني بينهما، وزجراني لوضع رأسي بين ركبتيّ، دون أن أرفعه أبداً".

من فرع الخطيب، إلى فرع الأمن العسكري في حماة، تعرّض عتّال، لجولات من التعذيب "بكل وحشية، ودون أن أشعر طوَوا جسدي المتعب داخل إطار سيارة، ليصبح جبيني بين ركبتيّ، وربطوا ساقيّ بحبل قوي، وبدأ جلد باطن قدميّ بسياط سميكة قاسية من جلد المجنزرات".

"بتعرفوا شلون طريقة القتل كانت؟ الحرق مع الرصاص... والتهمة كانت إسعاف متظاهرين. أعطونا أخوي ورفقاته التلاتة لونهم أسود… متفحّمين. تعرّفنا على أخي من فكّه السفلي الحادّ، ثم دفنّاه وكتبنا على قبره: 'الطبيب الراحل باسل أصلان'، كما أوصانا قبل استشهاده"

يضيف: "كان الألم شديداً لا يُحتمل، وشيئاً فشيئاً، بدأ الخدر والنمل يسريان في قدميّ بعد أن أصبحتا ثخينتين كاللبّاد، وبعدها تشقق جلديهما تحت لسع السياط، بدأت أشعر بدمي الحارّ يبكي من الألم وينسكب على أطراف قدميّ".

وعلى "الكرسي الألماني"، يردف عتّال: "طووا جسدي على كرسي حديدي إلى عكس الوضعية التي كنت عليها في الدولاب، حتى أصبح قفا رأسي يلامس مقدمة قدميّ، وسمعت طقطقة فقرات ظهري تفرقع كالحصى في أذنيّ". ما يؤلم الطبيب أنّ أهله لم يعرفوا أي خبر عنه، وتفاجأوا بخروجه بعد ثماني سنوات من سجن تدمر الصحراوي.

كُتب مصطفى طلاس بدلاً من المراجع الطبية

هذه الأشكال المتعدّدة من الطغيان العنفيّ على الأطباء وطلاب الطب، رافقها طغيان معرفي وثقافي وعلميّ، إذ حتى في المراجع والمجلات الطبية ذات الطابع العلمي البحث، يحضر الاستبداد ويُصرّ على حشر أنفه بطريقة فظّة، كما يتّضح من تجربة الدكتور حسين نديم حيدر، في ثمانينيات القرن الماضي، حين كان الطبيب المتخصّص في الأطفال وحديثي الولادة "في فترة الإقامة التدريبية، وكانت المصادر شحيحةً جداً على نقيض هذه الأيام، وقد كانت مكتبة مشفى الأطفال الجامعي في دمشق تحتوي على بعض المراجع والمجلات العلمية، وكنتُ أستعير المفتاح من أمينة المكتبة -على مسؤوليتها- لأقرأ بعد انتهاء الدوام".

يضيف في حديثه إلى رصيف22، أنه بعد تخرّجه بقي يتردد دورياً على المكتبة للسؤال عن مراجع جديدة، لكنّ الإجابة كانت بالنفي دائماً، إلى أن أتى مرةً وتبسّمت أمينة المكتبة له، لتخبره بأنّ الكثير من الكتب قد وصل، ولكنه تفاجأ بأنّ "الكتب كانت كلها عن الشعر والطبخ والورود لمؤلف يُدعى مصطفى طلاس!"، فكانت تلك "آخر مرة أزور فيها المكتبة"، يضيف.

ومصطفى طلاس، هو وزير الدفاع السوري لنحو 32 عاماً (1972-2004)، وكان يُعرف بـ"الوجه السُنّي الضاحك للنظام" السوري الساقط، ويقال إنه جمع ثروته عبر سرقة مخصّصات الجيش من الطعام، وارتبط اسمه بالفساد، وله الكثير من المؤلّفات والكتب التي يُعتقد أنّ آخرين كتبوها له، وقد توفي في باريس عام 2017، عن عمر يناهز 85 عاماً.

بعد فقدان الأمل من مكتبة المشفى، طلب حيدر من صهره في بريطانيا الاشتراك في دورية "Pediatric Clinics of North America" الطبية، ففعل وانتظر شهوراً دون أن يصله شيء. وبعد التواصل مع مدير البريد الذي ذهب للتفتيش عن المجلة، في قسم رقابة المطبوعات في مبنى البريد العام في دمشق، كانت المفاجأة بأن "عاد صاحبي، وهو يحمل بعض الأعداد المخزّقة وقال لي هامساً: 'دكتور أي شي من برّا مراقب وممكن تتعرّض لمشاكل. أفضل ألا تعود وتشترك بهذه الطريقة'. وفعلاً، أخبرت صهري بأن يرسل المجلة إلى عنوانه في بريطانيا، وكان يجلب المجلات معه خلال عطلته الصيفية".

أطباء مجرمون

وعلى النقيض تماماً من أولئك الأطباء الذين دفعوا حياتهم وعملهم مقابل الالتزام بمبادئ مهنة الطب ودون أي ذنب، تورّط العديد من الأطباء مع النظام في إجرامه ووحشيته، بل كانوا بمثابة "المشرط" الذي ساهم في تقطيع معتقلين.

"رشّ الكحول على الجروح ثم إحراقها"... مقابل الأطباء الذين دفعوا حياتهم لقيامهم بإسعاف المرضى وإنقاذ الأرواح، انضم آخرون إلى قائمة العار، وشاركوا نظام الأسد جرائمه بحق المعتقلين من تعذيب وقتل وإخفاء معالم الجرائم والتلاعب في شهادات الوفاة، ومن بينهم غسان حداد وعلاء موسى

فضلاً عن غسان حداد، يُعدّ الطبيب علاء موسى (37 عاماً)، أحد الأطباء السوريين المتهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، إذ يُحاكم في ألمانيا منذ عام 2022، في تهم تتعلّق بالتعذيب والقتل في أثناء عمله في مستشفيات عسكرية في سوريا (في حمص ودمشق)، بين عامي 2011 و2012. ومن بين أشكال التعذيب المتهم بارتكابها في حقّ المعتقلين المرضى، إلحاق أضرار جسدية ونفسية خطيرة بهم، بما في ذلك الضرب على الأعضاء الحساسة ورشّ الكحول على الجروح ثم إحراقها.

وهناك تلك الحادثة الأكثر تراجيديةً للطبيب يونس علي، المعروف بين السجناء بـ"الجلّاد"، والذي تتردّد شهادات من معتقلين سابقين بأنه كان يُشرف على تعذيب زميل سابق له في كلية الطب البشري في جامعة حلب، يُدعى الدكتور محمد زاهد، داخل سجن تدمر (حيث كان هو طبيب السجن)، انتقاماً منه لزواجه من زميلتهما في الكلية التي رفضت الزواج به. شهادات أخرى تقول إنه أشرف على تعذيب العديد من زملاء دفعته من الأطباء الذين كان حاقداً عليهم حتى الموت.

إلى ذلك، لم يكن مشفى المزّة وحيداً في تحويله إلى مسرح للجرائم المروعة في حق المعتقلين، بل هناك العديد من المشافي العسكرية الأخرى سيئة السمعة، وفي مقدمتها مشفى تشرين العسكري، الذي تناول تقرير لـ"رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا" بعنوان: "دفنوهم بصمت… آليات القتل والإخفاء في مشفى تشرين العسكري 2011 و2020"، إلى الدور الذي تلعبه المخابرات والشرطة العسكرية والطواقم الطبية والإدارية في مشفى تشرين العسكري، في عمليات التصفية والإخفاء القسري للمعتقلين فضلاً عن وجود غرف مخصصة للاعتقال والتعذيب. كما كشف التقرير عن تفاصيل المسارات التي تسلكها جثث المعتقلين الذين قضوا تحت التعذيب، والتلاعب بشهادات الوفاة وإعطاء الأوامر بنقل الجثث ودفنها في المقابر الجماعية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image