حين نتوجه لشراء الخضروات والفواكه، كثيراً ما نبحث عن ذوات الحجم الكبير، والتي يكون مظهرها الخارجي جذاباً للجميع، متناسيين أن هذه الأحجام ليست طبيعية، هذا المزاج العام للمستهلكين أثّر على سلوك بعض المزارعين، من خلال استخدام محسنات وهرمونات كيميائية بشكل عشوائي وغير مدروس، حيث يتم تجاوز الحدود المسموح بها بهدف تحقيق أهداف متنوعة، كتسريع نمو الثمار، زيادة حجمها، بالإضافة لتحسين مظهرها الخارجي لجذب المستهلكين لشراء هذه المنتجات.
ومع أن بعض المزارعين ممن التقيناهم لم يتحدثوا عن تفاصيل المستلزمات التي يستخدموها في زراعتهم، واكتفوا بالحديث عن الأمور العامة في الزراعة، إلا أن البعض لم يخفِ استخدامه للهرمونات النباتية، وبشكل أساسي في الزراعات المحمية من الخضراوات والفواكه، مشيرين إلى أن زراعتهم "لا تنجح" من دونها، لعدة أسباب منها تكرار استخدامها على مدار السنوات السابقة، و تغير المناخ، في وقت استخدم بعض المزارعين مواد أخرى على بعض الأصناف ومنها مادة المحمر للجبس (يتم حقنها في غصن الجبس وهي في مرحلة النمو) حتى يكتسب قلب الجبس اللون الأحمر وبيعه في وقت مبكر من الموسم لجني الأرباح العالية على حساب صحة المواطنين.
ناضجة وغير ناضجة
يقول المهندس الزراعي والمتخصص في بيع المستلزمات الزراعية محمد غياث برمو لرصيف22، إن استخدام الهرمونات بصورة خاطئة دون اتباع الأسس الصحيحة مثل النسب المسموح بها، وقت الإضافة، الجزء المضاف إليه، قد يتسبب بالضرر للإنسان والكائنات الحية الأخرى.
أما في حال تمت إضافتها بشكل صحيح وفي الوقت المناسب فلا ضرر، ولا يوجد لها تأثير على صحة الإنسان حيث توضع الهرمونات النباتية أو منظمات النمو على زهرة النبات بكميات ذات تركيز قليل، (حوالي 20 جزء بالمليون) وعندما تصل إلى مرحلة النضج بعد مرحلة الرش لن نجد أي أثر لهذا المنظم النباتي، ما دام استخدامها تم بشكل صحيح.
وبحسب برمو، في حال استخدم الفلاح الهرمونات وقام بحصد الثمار وهي خضراء غير ناضجة وليس عند استوائها، مثل ثمار الموز، المانغا، الأفوكادو، بهدف البيع المبكر، فسيبقى أثر للهرمونات فيها، وهنا يجب تركها حتى تنضج حينها تصبح صالحة للاستهلاك، وهذا ما نلاحظه عند قطف الموز وهو أخضر ثم نتركه لأسابيع حتى يتحول إلى اللون الأصفر، بفعل انتاج الثمار للإثيلين بشكل طبيعي.
بحسب الهندسة الزراعية فإضافة الهرمونات بشكل صحيح وفي الوقت المناسب لا تترك ضرراً على صحة الإنسان حيث توضع الهرمونات النباتية أو منظمات النمو على زهرة النبات بكميات ذات تركيز قليل، (حوالي 20 جزء بالمليون) وعندما تصل إلى مرحلة النضج بعد مرحلة الرش لن نجد أي أثر لهذا المنظم النباتي
ويؤكد برمو أن الهرمونات النباتية المصنعة المستخدمة لتعزيز النمو لها نفس تأثيرات الهرمونات النباتات الطبيعية، علماً أن الفواكه والخضراوات المباعة في السوق تحمل بقايا محدودة من الهرمونات الطبيعية أو الصناعية.
محفزات ومثبطات
أما رئيس الجمعية العلمية السورية للأعشاب الطبية والطب التكميلي، وعضو هيئة تدريسية في كلية الصيدلة، الدكتور شادي خطيب، فله رأي آخر حول الاستخدام العشوائي للهرمونات الصناعية، والتي تصنف إلى نوعين رئيسيين: الأول هو محفزات نمو النبات مثل الأوكسينات (Auxins)، التي تساعد في انقسام الخلايا ونمو الجذور، والجيبريلين (Gibberellins)، الذي يُستخدم لتسريع نضج الثمار، والسايتوكينينات التي تعزز انقسام الخلايا وتؤخر الشيخوخة، بالإضافة للإيثيلين الذي ينظم نضج الثمار. أما النوع الثاني فيشمل مثبطات نمو النبات مثل حمض الأبسيسيك والذي يُستخدم لتقليل نمو النباتات خلال الظروف القاسية، لمقاومة الإجهاد المائي، وتُستخدم هذه الأنواع عادةً في محاصيل البندورة والعنب والبطاطا والبطيخ والقمح والموز والخضروات الورقية والفواكه وغيرها.
ترفع التكاليف وتزيد التلوث
يشير الخطيب في حديثة لرصيف22 إلى أن زيادة استخدام الهرمونات النباتية للمحاصيل يؤدي بالضرورة إلى تأثيرات سلبية على البيئة، من خلال تراكمها في التربة مما يخل بالتوازن البيولوجي، ويؤثر على الكائنات الدقيقة المفيدة، بالإضافة إلى تسربها إلى المياه الجوفية مما يسبب تلوثاً بيئياً، وللأسف لا تتم معالجة هذه المخلفات بالطرق الآمنة والتي تشمل طرق المعالجة البيولوجية (Springer Bioremediation) التي تعتمد على استخدام الكائنات الدقيقة لتحليل المركبات الهرمونية وتحويلها إلى مواد أقل ضرراً، أو تقنيات الترشيح (Filtration Techniques) لإزالة بقايا الملوثات من المياه والتربة، أو اعتماد أساليب الزراعة التبادلية (FAO - Crop Rotation) لتقليل تركيز الهرمونات المتبقية في التربة، مما يجعلها خطراً كامناً وتراكمياً مع الزمن، يؤثر سلباً على التوازن البيئي.
ويتابع: "يؤدي الاستخدام السنوي لهذه المنتجات إلى زيادة مقاومة النباتات لهذه الهرمونات، مما يتطلب جرعات أعلى لتحقيق نفس التأثير مع مرور الوقت، وهو ما يرفع التكلفة ويزيد التلوث، بالإضافة إلى احتمال تدهور جودة المحاصيل نتيجة الإفراط في النمو أو التشوهات في الأشكال الطبيعية للثمار، كما يؤدي إلى تدهور خصوبة التربة من خلال تقليل النشاط الميكروبي الطبيعية والمفيد على المدى الطويل.
تؤدي زيادة استخدام الهرمونات النباتية إلى تراكمها في التربة مما يخل بالتوازن البيولوجي، ويؤثر على الكائنات الدقيقة المفيدة، بالإضافة إلى تسربها إلى المياه الجوفية مما يسبب تلوثاً بيئياً.
ويتابع الخطيب: "قد يؤدي هذا الاستخدام إلى تغييرات واضحة في طعم المحاصيل، قوامها، ومتانتها، ويسرّع من تلفها. علاوة على ذلك، قد تتسبب هذه المواد في طفرات تؤثر سلباً على الإنتاج في المواسم المقبلة، و بشكل عام يمكننا القول إن تراكم المواد الكيميائية في التربة يؤدي إلى تكوين بيئة غير صحية للنباتات والكائنات الحية الدقيقة، مما يسبب انخفاضاً في الإنتاجية الزراعية بسبب التربة المتضررة، وزيادة الكلفة البيئية والاقتصادية نتيجة الحاجة إلى إعادة تأهيل التربة وإزالة التلوث، بالإضافة إلى التأثيرات السلبية على التنوع البيولوجي بسبب اختلال النظام البيئي".
الطبيعية والاستدامة
ودعا خطيب للعودة إلى البدائل الطبيعية لتقليل هذه المخاطر على البيئة والتربة والمحاصيل، بتبني ممارسات زراعية مستدامة تقوم على استخدام البدائل الطبيعية بدلاً من الهرمونات الكيميائية، منها: المبيدات الحيوية والهرمونات الطبيعية، حيث يمكن استخدام مستخلصات طبيعية مثل ماء الصفصاف، أو خل التفاح، اللذين أثبتا قدرتهما على تسريع عملية التجذير وتحفيز نمو النباتات، وتسهم هذه البدائل في تعزيز صحة النبات وزيادة مقاومته للأمراض والآفات دون الإضرار بالتربة أو البيئة، و كذلك استخدام الأسمدة العضوية والكائنات الدقيقة المفيدة التي تحسن التنوع البيولوجي في التربة، وضرورة اعتماد الزراعة المتكاملة التي تجمع بين التسميد العضوي وإدارة المحاصيل بطرق تقلل الحاجة إلى الهرمونات الكيميائية، مع التوسع في الزراعة العضوية التي تعتمد على تقنيات طبيعية لتحفيز نمو النباتات، مثل التسميد بالكومبوست والأسمدة الحيوية.
وبين خطيب أن الزراعة بدون حرث تُعتبر تقنية مستدامة تهدف إلى زراعة المحاصيل دون تقليب التربة، مما يحافظ على بنيتها الطبيعية ويعزز التنوع الحيوي للكائنات الدقيقة، و تسهم هذه الطريقة في تحسين خصوبة التربة واحتفاظها بالرطوبة، مع تقليل التآكل وانبعاثات الكربون. كما أن بقايا المحاصيل تُوفر غطاءً يحمي التربة ويقلل تبخر المياه، رغم الحاجة إلى معدات متخصصة، فإن الزراعة بدون حرث تقدم فوائد بيئية واقتصادية تجعلها خيارًا واعدًا لتحقيق الزراعة المستدامة وتعزيز الأمن الغذائي.
و استخدام البدائل الطبيعية يعزز استدامة الإنتاج الزراعي، إذ يؤدي إلى تحسين جودة التربة وزيادة قدرتها على دعم النباتات، وتحسين إنتاجية المحاصيل من خلال تعزيز نمو الجذور وزيادة مقاومة النباتات للآفات والأمراض، بالإضافة لحماية البيئة من التلوث الناتج عن الإفراط في استخدام المواد الكيميائية.
واقتصادياً، يؤدي رفض شحنات الأغذية دوليًا نتيجة لبقايا الهرمونات إلى خسائر مادية للمزارعين والمنتجين بسبب إتلاف المنتجات وتكاليف إعادة الشحن. أما على المدى البعيد، فيؤدي ذلك إلى تدهور سمعة المنتجات المحلية وفقدان الثقة في جودتها، مما يقلل من قدرتها على المنافسة في الأسواق العالمية ويضر بالاقتصاد الزراعي الوطني، والالتزام بالمعايير الدولية هو السبيل الوحيد لضمان الاستدامة الاقتصادية والزراعية.
أعراض غير مرغوبة عند النساء
تشير أستاذة علم السموم ورئيسة قسم الأدوية والسموم في كلية الصيدلة في حمص الدكتورة علا مصطفى، لـرصيف22 عن أن الهرمونات المستخدمة في تحسين المحاصيل الزراعية، مثل الستيرويدات النباتية تحمل الكثير من التأثيرات السلبية على صحة الإنسان حيث تشير الأبحاث الحديثة إلى أن الإستروجينات الخارجية، التي تحاكي هرمون الإستروجين، قد تسهم في البلوغ المبكر وظهور مشاكل هرمونية تحفز نمو الشعر الزائد في مناطق غير مرغوبة عند النساء، علاوة على إمكانية حدوث عقم ومشاكل في الإنجاب نتيجة الاضطرابات الهرمونية بسبب تأثيرها على نظام الغدد الصماء.
وبحسبها يمكن أن تؤثر الهرمونات، وخاصة الأستروجين، بشكل كبير على تطور سرطان الثدي عند النساء، وسرطان البروستات عند الرجال، من خلال ارتباط الهرمونات بمستقبلات خاصة على سطح الخلايا السرطانية، والمساهمة في تحفيز نموها وتكاثرها، والذي يمكن أن يؤدي بدوره إلى زيادة نمو الورم.
وأشارت مصطفى إلى أن الكثير من الأبحاث أكدت على مخاطر هذه المركبات الكيميائية على الجهاز العصبي والدماغ، وتأثيرها على استقلاب الهرمونات الجنسية لدى الفقاريات عامةً، وعند الإنسان على وجه الخصوص، ونظراً للجوء الكثير من المزارعين إلى رشّ هذه الهرمونات مباشرة على النباتات، قد تحتفظ بأثر متبقي منها يدخل في غذائنا اليومي، الأمر الذي يزيد من احتمال تعرضنا لهذه الملوثات الكيميائية.
لتجنب هذه المخاطر، يُنصح بتجنب استهلاك الخضروات والفواكه ذات الأحجام الكبيرة والغير طبيعية والمزروعة في غير موسمها الطبيعي، لأن تسريع إنتاجها غالباً ما يتم باستخدام هرمونات ضارة. ومن الضروري أيضاً تعزيز الرقابة الصارمة ومنع تسويق المنتجات الزراعية قبل التحقق من سلامتها.
الهرمونات التي تحاكي الإستروجين، قد تسهم في البلوغ المبكر ونمو الشعر الزائد عند النساء، علاوة على إمكانية حدوث عقم ومشاكل في الإنجاب نتيجة الاضطرابات الهرمونية بسبب تأثيرها على نظام الغدد الصماء، والمساهمة في تطور سرطان الثدي عند النساء، وسرطان البروستات عند الرجال
وشددت مصطفى على ضرورة أن يتحلى المزارعون بالمسؤولية الأخلاقية والإنسانية لمنع وصول منتجات معاملة بهذه الهرمونات الخطرة إلى المستهلكين، حفاظاً على الصحة العامة. منوهةً إلى التشريعات الدولية التي تسعى للحد من استخدام هذه الهرمونات الكيميائية في الزراعة وتعزيز الممارسات المستدامة. أبرزها توجيه (2009/128/EC) الصادر عن الاتحاد الأوروبي، الذي أنشأ إطاراً للتحكم في استخدام المبيدات والهرمونات وتعزيز الزراعة المستدامة.
كما أصدرت منظمة الأغذية والزراعة (FAO) في عام 2016 مبادئاً لإدارة المبيدات والهرمونات بأمان، وناقشت منظمة الصحة العالمية (WHO) في العام 2017 المخاطر الصحية لهذه المواد، داعية إلى بدائل آمنة. بالإضافة إلى ذلك، ركزت اتفاقية روتردام التي صدرت عام 1998 ودخلت حيز التنفيذ في 2004 على تنظيم التجارة الدولية للمواد الكيميائية الخطرة بما في ذلك بعض الهرمونات المستخدمة في الزراعة، بينما اهتمت اتفاقية بازل 1989 بإدارة النفايات الناتجة عن استخدام الهرمونات الكيميائية في الزراعة. وفي الولايات المتحدة الأمريكية يفرض قانون حماية جودة الغذاء 1996 مراجعة صارمة لضمان سلامة الغذاء من الأثر المتبقي للمبيدات الحشرية والهرمونات.
وتقاطع رأي الباحث والأخصائي في الصحة العامة والطب الوقائي (طب المجتمع) الدكتور محمد ماهر قتلان مع سابقته، مؤكداً لرصيف22 ازدياد حالات النساء المصابات بالشعرانية ونمو الهرمون الذكري لديهن في سوريا، مع غياب إحصائية دقيقة بالعدد، وحتى لم يتم التأكد من الأسباب، كما يشير إلى تسبب بعض الأسمدة المضافة للخضراوات الإصابة بداء فلور وبالتالي زيادة ترقق العظام وأذية في الأسنان ولا سيما عند النساء .
ولفت قتلان إلى أن الاسمدة الزراعية والمخصبات تزيد من كم الإنتاج وتهمل تدريجياً الوصول إلى النوعية الجيدة، بينما تبقى المخصبات الطبيعية أفضل بكثير من المخصبات الكيميائية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Zee Hilal -
منذ 13 ساعةAlso you have ZERO presence on social media or any search I have done. Are you real? Who is the...
Zee Hilal -
منذ 14 ساعةI was dating a gf who was Irish for 8 years and she was an alcoholic. Seriously why are you...
Zee Hilal -
منذ 14 ساعةLOVE is the reason we incarnate. Don't blame me because some low income people who are stuck are...
Zee Hilal -
منذ 15 ساعةYour druze! You should be ashamed of yourself! Oh. Your going to hear about this when we are...
Zee Hilal -
منذ 15 ساعةDon't blame the druze faith when people don't know what it is. If you want to marry someone like...
Zee Hilal -
منذ 15 ساعةI'm american druze and it seems like your a full of bullshit, but I empathize with your concerns....