شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"بيرة في نادي البلياردو" وحكاية المُطبّع الأوّل مع إسرائيل، وجيه غالي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والتاريخ نحن والحقيقة

الاثنين 10 فبراير 202512:59 م

"في المقابل، نرنو إلى أن نصبح شخوصاً روائيةً"؛ بهذه العبارة المقتبسة رأساً من الأديب الروسي دوستويفسكي، افتتح الكاتب المصري وجيه غالي، روايته نصف الشهيرة "بيرة في نادي البلياردو"، وقد حظيت سيرته بالكثير من الجدل، برغم أنّ إنتاجه الأدبي اقتصر على رواية واحدة منشورة.

"بيرة في نادي البلياردو"، التي خلّدت سيرة صاحبها، كُتبت في منزلٍ بائس في ألمانيا، عاش فيه ابن ذوات سابق انقلبت عليه الدنيا، فأصبح بين ليلةٍ وضحاها مطروداً ومنفياً وعاطلاً مفلساً وفاقداً أيّ أمل في الحياة. برغم ذلك، فإنّ تلك الرواية ضمنت لصاحبها مكاناً أبدياً في عالم الأدب العربي، كونها من أولى الروايات التي كتبها روائيون عرب بالإنكليزية مباشرةً، برغم أنّ موضوعاتها كانت عربيةً قحّةً، حسب ما أورد إدوارد سعيد، في أطروحته "اللقاء العربي الإنكليزي".

"المؤلف الإشكالي"؛ هكذا وصفت منصورة عز الدين، وجيه غالي، حين تطرقت إلى غرام بطلة روايتها "أخيلة الظلّ"، بشخوص "بيرة في نادي البلياردو"، التي لا تعدو عن كونها سيرةً غير رسمية لصاحبها، بعدما حمّل الأخير أبطالها هواجسه وأسئلته وأزماته الوجودية التي لاحقته حيّاً وميتاً.

"بيرة في نادي البلياردو"

وفق ما ذكره الدكتور صبري حافظ، فإنّ تجربة غالي، لاقت احتفاءً طيباً في الغرب، بعدما حرصت دار "البنغوين"، على نشر روايته "بيرة في نادي البلياردو"، عام 1964. خطوة لم تُكرر كثيراً إلا مع أهداف سويف، في رواية "عائشة"، ثم مع الكاتب كريم الراوي، الذي عرض ممثلو مسرح "الرويال كورت"، روايته "مناخ أبرد"، حسب ما أورد حافظ، في مقاله "كاتب مصري في المسرح الإنكليزي".

قضى وجيه 6 أسابيع في إسرائيل، وعاد ليكتب عمّا رأى مقالتَين لصالح "التايمز". في تقديمها للمقالتين، وصفت "التايمز"، "غالي"، بأنّه قد يكون المصري الأول الذي يحظى بتصريحٍ رسمي لزيارة إسرائيل منذ العام 1948

في روايته الوحيدة، ظهر تأثّر غالي، الكبير بإقامته في أوروبا والإشكالات التي يعانيها الشباب العربي الذي تربّى داخلها، بين انتمائه إلى ما شهده في عوالم الغرب، وأصوله وقيمه العربية الممزوجة بروح الثورة التي ازدهرت خلال فترة الخمسينيات والستينيات. هذه التركيبة المعقدة خلقت صراعاً شرذم بطلَيه "رام" و"فونت"، اللذين أظهرا عدم تجاوب كبير مع الإدارة الناصرية للبلاد.

في أحد مقاطع تلك الرواية، يقول رام لصديقه: "ما هذا الذي يحدث لي؟ أنا مصري عشتُ طوال حياتي في مصر، وإذا بي أقف هنا فجأةً، وأنغمس خلال ثلاثة أسابيع في حمأة هذه الحياة الغربية... كيف لي أن أحلّ في هذا المكان وأعيش بصورة مغايرة تماماً؟ ما الذي سيحدث لي حين أقفل عائداً إلى مصر".

في كتابه "الفترة الحرجة: نقد في أدب الستينيات"، اعتبر رياض نجيب الريّس، أنّ وجيه غالي، نجح في رسم صورة ما بقي من المجتمع المصري المتآكل بفعل الثورة. يقول: "بقدر إحساس الشاب بالانتماء إلى وطنه وأرضه، لكنه يشعر بالغربة المزمنة عنهما إلى درجة تدفعه إلى تبنّي قضية تسيء إلى أقدس قضاياه".


مثل وجيه تماماً، أيّد بطل الرواية عبد الناصر، في بداية سطوع نجمه، إلا أنّه هوى من حالق في نظره بسبب ما أسفرت عنه الثورة من تغيرات سلبية لم تخطر على باله.

يضيف الريّس: "وجيه غالي يمثّل عصر اللاجئين في كثيرٍ من أبعاده، فلم يعد له مكان لوتد خيمته، بعدما أصبح يفتقد البيرة التي كان يشربها، ويفتقد المرأة التي كان يحبّها، ويفتقد الصحف التي كان يقرأها، فلم تعد الأشياء نفسها تحمل المعاني نفسها، والكابوس الثقيل ما زال كما هو، لقد أصبح في وطنه لاجئاً".

الباحث عن مكان

يوم 25 شباط/فبراير 1929، أو 1930، وُلد في الإسكندرية. مع الممثل أحمد رمزي، تلقّى غالي تعليماً راقياً في مدرسة فيكتوريا الشهيرة التي كان يرتادها أبناء النخبة في ذلك الوقت، ومنهم بالطبع أبناء عائلة غالي المسيحية الأرستقراطية التي انحدر منها بطرس غالي باشا، أول قبطي يتولّى رئاسة وزراء مصر. أتقن وجيه الإنكليزية والفرنسية، وتربّى على النمط الغربي، إلا أنّ قلبه ظلَّ معلّقاً بمصر، وتلك تحديداً كانت مشكلته الرئيسية.

وهو ابن سنتين فقط، انقلبت حياة وجيه بعدما تُوفي والده ذو الأصول الصعيدية مبكراً. تزوجت أمّه من رجل آخر ولم يحتمل كلٌّ منهما الآخر، فغادر وجيه الإسكندرية إلى القاهرة حيث عاش بمعية خالته.

درس في كلية الطب في جامعة القاهرة، وأظهر روحاً ثوريةً مبكرةً، فقد حضر المظاهرة التي انتهت بمقتل سليم باشا زكي، عام 1948، والذي كان يُعرف بأنه أوّل مصري يرأس البوليس السياسي.

حسب ما ورد في كتاب "مختارات من النثر السردي الإفريقي: دقّات الطبل"، لإيمي إكيده، فإنّ "غالي" عاش وحيداً منذ أن أصبح في الـ16 من عُمره.

غريباً وسط غرباء في مجتمع غريب؛ هكذا عاش وجيه ذكريات ظلّت محفورةً في ذهنه حتى لحظات حياته الأخيرة، إلى درجة أنه كتب في مذكراته: "لمن أترك أموالي إذا أصبحت ثرياً من خلال كتاباتي؟ فكّرتُ وشعرت بالحزن، لم أكن أحب أي شخص بما يكفي لأترك له أموالي".

في عهد ثورة عبد الناصر، شعر بأنه لم يعد له مكان في مصر، برغم ميوله الشيوعية وحماسته للثورة في بداياتها وانتقاده ممارسات العائلات الإقطاعية -بما فيها أسرته- إلا أنها تدريجياً صنعت بقراراتها عالماً لا يمكنه الانتماء إليه.

لا نعرف كثيراً عن موعد خروجه من مصر؛ قد يكون خلال "المحنة الكبرى" للشيوعيين الذين سيقوا زُمراً إلى السجون المصرية في العام 1959، وربما غادر في وقتٍ أبعد من ذلك، إذ إنّ العام الأول لكتابة مذكراته في الغربة كان سنة 1964، فهل ترافقت الكتابة مع عملية التزوح أم تأخّرت قليلاً أو كثيراً عنها؟ لا أحد يعلم.

ما نعلمه يقيناً، أنّ وجهة وجيه الأولى، كانت ألمانيا، حيث شغل وظيفةً متواضعةً في ميناء بسيط، وفي سكن متداعِ بدأ بكتابة روايته التي كانت سبباً في تعرّفه إلى ديانا أثيل، المحررة الأدبية المقيمة في لندن. بطريقةٍ ما قبلت ديانا، العمل معه على تحرير الرواية، تمهيداً لنشرها، وهو ما كان سبباً في صداقة عميقة غير مباشرة انعقدت بينهما بالمراسلة.

الرحلة إلى إسرائيل

بعد أقلّ من شهر على هزيمة 1967 المُزلزلة، أقدم وجيه على خطوة غير مسبوقة؛ قرّر زيارة إسرائيل وكتابة تحقيقات عدة عن طبيعتها من الداخل في عالم ما بعد الحرب، لصالح جريدة "الصنداي تايمز"، التي أصبحت "التايمز" لاحقاً.

قضى وجيه 6 أسابيع في إسرائيل، وعاد ليكتب عمّا رأى مقالتَين لصالح "التايمز"، ثم تحدث عن رحلته في لقاء مع هيئة الإذاعة البريطانية في مطلع 1968.

في تقديمها للمقالتين، وصفت "التايمز"، "غالي"، بأنّه قد يكون المصري الأول الذي يحظى بتصريحٍ رسمي لزيارة إسرائيل منذ العام 1948. حكى عن فيلم وثائقي بعنوان "حرب الأيام الستة"، فأصبح العمل الأكثر رواجاً في السينما الإسرائيلية، لذا حرص على مشاهدته ولو تطلّب ذلك الوقوف ضمن طوابير طويلة. يقول: "جلستُ وأنا أشعر بالخجل الشديد لمجرد رؤية مشاهِد تُمجّد الجيش الإسرائيلي على حساب أبناء بلدي"، لكنه فوجئ وسط عرض الفيلم، بهتاف يعلو تأييداً لعبد الناصر، وسط السينما، من بعض العرب!

لاحقاً توجّه بالسؤال إلى مسؤول أمني إسرائيلي، عن دلالة الهتاف بحياة "ناصر"، في قلب تل أبيب، فأخبره ضابط شرطة إسرائيلي بأنّ "شعبية ناصر لم تتضاءل بعد الحرب على الإطلاق، بل حدث العكس"!

أما عن ظهوره في "بي بي سي"، ففي كتابه "حوار مع إسماعيل: مستقبل إسرائيل في الشرق الأوسط"، كشف أوبري هودز، أنه استمع إلى اللقاء الذي ذكر خلاله أنه خلال زيارته إسرائيل التقى بالعديد من مواطنيها من خلفيات مختلفة، بمن فيهم العرب. أيضاً قابل "غالي"، عدداً من أعضاء مجلس الوزراء والكنيست وضباط رفيعي المستوى من الجيش والشرطة.

وبحسب شهادة غالي، التي نقلها لنا هودز، فإنه عُومل خلال زيارته بـ"لطف وأدب". برغم ذلك، انتقد سيطرة الأوروبيين على مفاصل الدولة. يحكي: "كلما كان المسؤول أعلى، قلَّ احتمال أن يكون من الشرق الأوسط"، ثم أضاف: "ربما تواجد على القمة رجال من أصول شرقية مثل ديان أو إيغال آلون، إلا أنهم أيضاً تلقّوا تربيةً أوروبيةً"، لذا لم يعدّهم استثناءً.

خلال اللقاء، أعرب "غالي"، عن اعتقاده بأنّ إسرائيل بعد الحرب حانت لها فرصة كبيرة لصُنع السلام عبر "إيماءة كبرى" نحو العرب، إلا أنّها لم تفعل. يتابع "غالي": "لا شيء من هذا القبيل يلوح في الأفق، إنها حكومة تحتقر أي صِلة مع العرب".

كذلك عدّ الروائي المصري، أنّ السلام الحقيقي لن يتحقق إلا إذا توافرت إرادة حقيقية لن تقع إلا "عندما تكون حكومة إسرائيل مؤلّفةً من إسرائيليين ينتمون (يتمتّعون؟) بعلاقة مع العرب وليس مع الغرب وحده".

بشكلٍ عام، فإنّ غالي لم يُظهر في كتاباته، تأييداً لإسرائيل، لكنه اعتبر أنّ مصر تواجه مشكلات أكثر إلحاحاً من الحرب معها.

من ناحية أخرى، هوّن "وجيه"، أمر زيارته إسرائيل باعتبار أنه زارها كصحافي لتوثيق آثار الحرب داخل مجتمعها، بجانب ذلك انتقد القمع الذي يفرضه المستوطنون على الفلسطينيين، وحاول تقديم رؤية متوازنة لا تحرم العرب حقوقهم في العيش داخل أراضيهم المحتلة. وبرغم جهوده لتقديم خطاب صحافي متوازن، إلا أنّ أحداً لم يرحمه.

أحدثت الزيارة دويّاً في مصر، تردد صداه في الخارج، برغم أنّ "وجيه" لم يحاول العودة إليها، ولم يحتكّ بنخبتها بشكلٍ مباشر. خلال محاضرة عامة، كان "وجيه" يلقيها في لندن، باغته ممثل من الدولة المصرية بقوله: "السيد غالي لم يعد مصرياً بعدما ذهب إلى إسرائيل"، لتكون أول إشارة رسمية إلى تجريده من جنسيته وزيادة محنته.

في كتابه "من الأرشيف السرّي للثقافة المصرية"، ادّعى غالي شكري، معرفته ببعض كواليس تلك الزيارة، فكتب أنّ "إحدى الجهات كانت تعرف ميوله الصحافية وموهبته الأدبية واستطاعت أن تغريه بالسفر إلى إسرائيل".

كذلك لمّح شكري، إلى أنّ موافقة "بنغوين"، على نشر تلك الرواية، هي جزء من "عمل تلك الجهات" بسبب تطرّق روايته إلى تعرّض بعض السجناء للتعذيب داخل سجون مصر، كذلك كُتب على غلاف الرواية وصف لوجيه، بأنّه "أول مصريّ شجاع يزور إسرائيل".

العربي الغربي

بحسب ما كتبت عنه المُحرّرة والحبيبة ديانا، في ذكرياتها عن علاقتها به، فإنه عاش حياةً عابثةً انغمس خلالها في الكتابة والقمار والخمر والمغامرات الجنسية. كشفت أنّ "غالي"، عانَى من نوعٍ من الفصام بسبب نشأته المصرية ومزاجه الأوروبي، وهو ما عبّر عنه لها بقوله: "إنه لأمر بالغ التعقيد أن يكون المرء داعراً في ظاهره، أو عذراء فيكتوريةً في داخله".


تقول ديريك هوبود، في كتابه "التصورات الجنسية عن الشرق الأوسط"، إنّ "غالي" لم يحتمل وطأة هذا التناقض الذي قاده إلى الانتحار الذي وصفه من قبل بأنه "الفعل الأكثر صدقاً في حياته".

طبعت المعاناة الشخصية لوجيه، مذكراته التي كتب في صفحاتها الأولى أنه "على طريق الجنون"، وأنه يدوّن تلك اليوميات فقط "من أجل التشبث بمسحة من سلامة العقل".

وعلى وقع تنامي صداقتهما، لم يتحرّج "وجيه" من بثّ شجونه إلى ديانا. في 1966، تلقّت ديانا رسالةً منه يقول فيها: "اصطحبوني إلى لندن، هذا المكان (ألمانيا) يقتلني". هذه الرسالة ستلعب دوراً كبيراً في إنقاذه مما حسبه جحيماً ألمانياً، إلى حدّ استضافته من قبل ديانا، في منزلها في لندن، حيث قضى السنوات الثلاث الأخيرة من حياته.

وفي موضعٍ آخر من مذكراته، كتب: "إسرائيل مرّت علينا جميعاً".

اللحظات الأخيرة

في كتابه "أدباء ومفكرون"، كشف عبد الرشيد الصادق، عن علاقةٍ مباشرةٍ نشأت بينه وبين "غالي". يقول: "ظروف قاسية جمعت بيني وبينه وأقامت بين الطرفين علاقةً وثيقةً وإن كانت متوترةً".

كشف الصادق، بعض كواليس هذه العلاقة، قائلاً إنهما تجاورَا في السكن في المنطقة ذاتها في لندن، تلك المنطقة التي شهدت انتحاره خلال فترة الستينيات. كوّن الصادق من هذه الزمالة ذخيرةً معرفيةً كافيةً ونادرةً بـ"غالي"، دفعته إلى كتابة سلسلة مقالات كاملة عنه في جريدة "القاهرة"، نشرها لاحقاً مجمّعةً في كتابه، برغم اعترافه بأنها لم تحظَ باهتمامٍ كبير بسبب كثرة الشائعات التي لاحقت سيرة الرجل، وأجّجت (جمّعت) كثيراً من الضباب حوله وحوّلته إلى مسخ متصهين في عيون العرب.

خلال سنوات الظِلّ اللندنية، ازدادت رغبة "وجيه" في تدمير نفسه. كتب في يومياته: "أعرف في أعماقي أنني منتحر محتمل"، وفي موضعٍ آخر كتب: "إنني أحدب يستطيع أن يُقوّم ظهره، لكنني ضعيف جداً، كسول جدّاً عقلياً، شديد الاستهتار واللامسؤولية لأواظب على استقامة ظهري، أواسي نفسي بفكرة الانتحار، نتيجة ضعف وجُبن تامّين".

وفي كانون الأول/ديسمبر 1968، وعقب انتهاء ليلة عيد الميلاد، ضاق "غالي" ذرعاً بكل شيء، وابتلع حبوباً منوّمةً قادته إلى الهاوية. حينها، كانت صديقته ديانا، في الخارج، وحينما وصلت وجدت ورقةً على الباب كُتب عليها: "لا تدخلي... اطلبي الشرطة".

 هوّن "وجيه"، أمر زيارته إسرائيل باعتبار أنه زارها كصحافي لتوثيق آثار الحرب داخل مجتمعها، بجانب ذلك انتقد القمع الذي يفرضه المستوطنون على الفلسطينيين، وحاول تقديم رؤية متوازنة لا تحرم العرب حقوقهم في العيش داخل أراضيهم المحتلة

في المشفى، جاهد الأطباء عبثاً لإنقاذ حياته طوال عشرة أيام كاملة، ولم ينجحوا في النهاية ولفظ آخر أنفاسه تاركاً خلفه سيرةً طويلةً من الجدل، وقصيرةً من الإرث الأدبي والصحافي.

محاولات إحياء إنجازه

بسبب سُمعة الرجل المُلغَّمة، تأخّرت ترجمة روايته إلى العربية؛ البداية كانت مع الكاتبة والباحثة هناء نصير عام 2006، ثم أنجزت الشاعرة إيمان مرسال وريم الريس، ترجمةً أخرى لها نشرتها "دار الشروق" في 2012.

سبقت ذلك كتابات ألّفتها صديقته ديانا، عن الفترة التي جمعتهما معاً، ونشرتها في كتاب "بعد الجنازة"، وترجمته نيرمين نزار، لصالح المركز القومي للترجمة.

قبيل رحيله، خلّف "وجيه"، مذكرات أوصى صديقته بأن تحررها وتنشرها، لكنها لم تفعل واكتفت بنشر مذكراتها الشخصية معه.

في 2017، أصدرت الجامعة الأمريكية، النسخة الأولى من هذه المذكرات التي كشفت الكثير من شكوكه الذاتية وميوله الاكتئابية وإسرافه في شُرب الخمر، والكثير عن ذاته التي تأكل نفسها كالسرطان، وحرّرتها مي حواس، وترجمها محمد الدخاخني، إلى العربية، وحملت عنوان: "يوميات وجيه غالي: كاتب مصري من الستينيات المتأرجحة".

كذلك أظهر المترجم وائل عشري، اهتماماً بسيرته، فجمع بعضاً من قصصه المنشورة في صحيفة "ذا جارديان" البريطانية، وأصدرها مُترجمةً بعنوان "الورود حقيقية"، كما ترجم رسائله إلى ديانا في كتاب "رسائل السنوات المتأخرة"، عن "دار المحروسة".

في كتابه "الشرق الأوسط الآخر"، لخّص فرانك سلامة، ببلاغة، أزمة "غالي" الوجودية، بعدما وصفها بأنها حالة "رمزية وحزينة"، لأنه لم يتمكن من البقاء حيّاً لفترة طويلة تُمكّنه من تنمية موهبته التي لا شك فيها.

يقول: "لم يعد يؤمن بأيّ شيء، وكان هذا قاتلاً، لأنّ أيّ كاتب يجب أن يؤمن على الأقل بعمله، وحتى هذا لم يكن ممكناً في حالته".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ألم يحن الوقت لتأديب الخدائع الكبرى؟

لا مكان للكلل أو الملل في رصيف22، إذ لا نتوانى البتّة في إسقاط القناع عن الأقاويل التّي يروّج لها أهل السّلطة وأنصارهم. معاً، يمكننا دحض الأكاذيب من دون خشية وخلق مجتمعٍ يتطلّع إلى الشفافيّة والوضوح كركيزةٍ لمبادئه وأفكاره. 

Website by WhiteBeard
Popup Image